الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تغربي يا شمس

محمد مليطان

2006 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


"حين كنا ... في الكتاتيب صغارا/ حقنونا بسخيف القول ليلا ونهارا / فنشأنا ساذجين / وبقينا ساذجين".. نزار قباني

علمونا أن : (القانون هو سيد الجميع).. هكذا كانت تحشى في عقولنا الصغيرة وقتها حشوا، وعلمونا أن هذا السيد القانون له شارب طويل، وعضلات مفتولة، ولا يجرؤ أحد على تخطي ظله، فضلا عن تخطي جسده الشريف المهاب، وعلمونا أيضا أن هذا السيد المهاب لا يشيخ أبدا.. !!
اليوم وبعد مضي سنوات من عمري الزهيد اكتشفت أنني كنت من أشد المغفلين، ومن أكبر أكابر الساذجين، بل وعلى رأس البلهاء والعبيطين، لأن اكتشفت أن سيدي ومولاي الذي كنت أظنه لا يشيخ ولا يموت ولا يهان ولا يستبد به أحد قد شاخ منذ زمن، ولم يعد باستطاعته فتل شاربه لأنه صار بعد أن دخل في مرحلة أرذل العمر حليقا.
لقد شاخ سيدي القانون.. وانتهكت المؤسسة الرسمية في ليبيا حرمه المقدس، وصار يعامل سيادته كأي عاجز مهمل.
بدأت المؤسسات الرسمية في الدولة الليبية تصفعه الواحدة تلو الأخرى على خده الأيمن فيما تطوع من تلقاء نفسه وصعّر خده الأيسر –ليس عن كبر- لمؤسسات أخرى غير رسمية.
المواطن البسيط الممزوجة بساطته مع سذاجة عربية عريقة تسري في عروقه وحده ظل متعلقا بقشة (سيادة القانون)، ووحده ظل منتظرا أن تتنزل السماء بمعجزة تنفخ الروح في جسده المترهل، رغم اليقين الذي لا يغادر الوجدان بأن سيادته قد شاخ، ودخل مرحلة متقدمة من الشيخوخة والعجز تصل إلى درجة الاحتضار والموت السريري.
شركة الكهرباء – مثلا- لم تكن أولى المؤسسات الرسمية في الدولة الليبية المتعالية على سيادته، ولكن باعتبارها من كبريات الشركات الرسمية التي لا تخضع لسيادة القانون، تصدرت لائحة الشركات التي بإمكانها صفعه على أي خديه شاءت، وباعتبارها تقدم خدمة ضرورية لم تعد من ترف الحياة وكمالياتها، فقد امتهنت المتاجرة بهذه الخدمة – المحتكرة من الدولة - وبدلا من أن تشعر الشركة الوحيدة المانحة للكهرباء في البلاد بقداسة ما تقدمه ورسم ابتسامة على صفحة الظلام الحالك، مارست المتاجرة والاحتكار لخدمة مهمة هي في ترتيبها بين ضروريات الحياة المعاصرة بعد الماء والهواء، تملي شروطها وتستبد، تقدم خدماتها المتدنية ونستقبلها بترحاب مدفوع بخوف من الوقوع في زعلها أو تكدير صفوها، فهي ترفع من تسعيرة استهلاك الكهرباء دون الالتفات إلى القوانين المانعة لفرض أي رسوم أو ضرائب إلا بقانون يوجب ذلك، وتطالب المستهلك بالدفع وإلا فإنها ستسومه سوء الظلام في وقت هو في أمس الحاجة إلى بصيص من ضوء يتلمس به طريقا في حياته المعتمة.. مما يذكي وينمي الشعور بالغبن، وينمي في وجدانه الشعور بعدم الجدوى من الرجوع إلى الجهات الرسمية في تسوية أوضاعه وخلافاته ومشاكله مع هذه المؤسسات، في ظل غياب سيادة القانون وسيادة منطق (الغالب يسحق المغلوب).
الأهم -وليس المهم- أن تسعد شركة الكهرباء الجليلة الوقور بامتلاكها ناصية الضوء، وتملأ خزائنها بمرتبات البسطاء وصغار الموظفين السذج، في ظل أحادية قطبها وإحكامها السيطرة على مصدر النور.
المواطن - والحال هذه - ليس أمامه سوى خيارين:
الأول/ أن يمارس لعبة الفار والقط مع هذه الشركات المسيطرة على الخدمات فيبحث عن سبل ذكية في التهرب من دفع الرسوم المتزايدة بلا مبرر، وبلا ارتفاع في مستوى الخدمة، خاصة بعد أن فقد الأمل في أن تعود الروح ويدب النشاط في جسد سيادة القانون المترهل.
والثاني/ أن يبتهل إلى الله متضرعا ليل نهار بأن لا تغرب الشمس، فيستغني عن تسول الضوء، وبهذا يكفيه الله شر شركة الكهرباء، ليبدأ مسيرة ابتهال جديد ممزوجا بالدموع والتضرع والتذلل لله بأن يكفيه شر شركة مدللة أخرى.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح