الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المناخ والعدالة الاجتماعية والديمقراطية: ثلاثية ترهق أوروبا - /22 -

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2023 / 2 / 12
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يستكمل هذا الجزء الثاني عرض ما تضمنته درا سة "ريشارد يونجس " - Richard Youngs – و" نميتا كامبلي " – Namita Kambli : " Climate Action, Social Justice, and Democracy: Europe’s New Trilemma".

ورطة تكنوقراطية
هذه الملامح الناشئة للنقاش السياسي تثير القلق لكل من الحراك المناخي والديمقراطية الأوروبية ، حيث اكتسبت القوى غير الليبرالية ، في بعض البلدان ، أرضية مواتية بسبب السياق الصعب منذ غزو أوكرانيا. وتأتي ثلاثية معقدة :
- التحول الأخضر
- والعدالة الاجتماعية
- والديمقراطية،
لتحديد السياسة الأوروبية.
تواجه الحكومات اللغز الشائك المتمثل في كيفية الجمع بين ثلاثة أهداف:
- تسريع السياسة البيئية ،
- ومعالجة التفاوتات الاجتماعية لأزمة الطاقة ،
- ودعم الجودة الديمقراطية ضد السياسات غير الليبرالية.

إن مخاوف المواطنين بشأن أسعار الطاقة حقيقية بالطبع ، لكن دعم الوقود الأحفوري وكبح التحول المناخي لا يمكن أن يوفر وسيلة طويلة الأمد للخروج من حالة الطوارئ الاجتماعية. بدلاً من ذلك ، هناك حاجة إلى ارتباط أقوى وأكثر تعزيزًا بين الحراك البيئي (المناخي) والسياسات الاجتماعية والمشاركة الديمقراطية. هذا الارتباط ظل مفقودًا بشكل واضح في السياسات الأوروبية. في حين أن المفوضية الأوروبية قد ركزت بشكل كبير على العدالة الاجتماعية ووعدت بانتقال لا يترك أحدًا وراء الركب ، إلا أنه من الناحية العملية لم تتفاعل السياسات المناخية والاجتماعية مع بعضها البعض. لم تضع سياسة المناخ دائمًا نتائج العدالة الاجتماعية نصب أعينها وعلى رأس أولوياتها ، وقد ابتعدت السياسة الاجتماعية عن الانخراط في الحراك المناخي وأخذه بعين الاعتبار – وهكذا قد ترك هذا المجال السياسي مفتوحًا أمام الشعبويين لاستغلاله إلى أقصى حد ممكن.

في خضم الأزمات المتعددة ، التي تشمل حالات الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والصحية والجيوسياسية، التي تبرز و تتكشف جميعها في نفس الوقت ودفعة واحدة ، فإن هذا الإغفال مضر بشكل متزايد. لا يمكن تطوير الأجندات الاجتماعية و الأجندة الخضراء بنجاح بمعزل عن بعضها البعض لأنها متمفصلة وتمفصلها معقد حسب المفهوم الذي بيوره "إدغار موران" (5). فيجب أن يتم تصورها وتنفيذها على أنها وجهان لمرحلة انتقالية عادلة.
________________
(5) - عالم الاجتماع وفيلسوف العلوم ، اهتم بوضع تصور للأنظمة والمنظومات ، بغض النظر عن مجال التطبيق. وفقًا له ، لفهم العالم ، من الضروري ربط المبادئ "العدائية" للمنظومة والفوضى ، من خلال إضافة مبادئ التنظيم. وقد عمل على تعميق هذه الفكرة من خلال مبدأ "الهولوغرام" ، والذي بموجبه لا يقتصر الأمر على الأجزاء في الكل ، بل يكون الكل داخل الأجزاء.
________________________

ويبدو أن المواطنين الأوروبيين أصبحوا على دراية بهذا الارتباط ويدعموه بقوة . إنهم لا يرون أن السياسات المؤيدة للمناخ هي المسؤولة عن أزمة تكلفة المعيشة ولا يريدون التضحية بالبيئة من أجل السياسة الاقتصادية. في الواقع ، يرى معظم الناس أن مصادر الطاقة المتجددة وسيلة لتوفير المال وتحسين الأمن القومي. و قد أشار استطلاع إلى أنه حتى في الأزمة الحالية ، يؤيد 88 في المائة من الأوروبيين التحول الأخضر الذي لا يترك أحداً يتخلف عن الركب.

بدلاً من تسخير هذه التحولات في الرأي العام واستغلالها ، لجأ الاتحاد الأوروبي والحكومات الوطنية إلى العديد من الوسائل التكنوقراطية لإدخال "سياسات خضراء" ، اعتبارا لأن القادة يخشون المعارضة العامة فقط . ومثل هذه الخطوات قد تأتي بنتائج عكسية. فمع تحول الاتحاد الأوروبي إلى وضع الأزمة الخانقة، لم يعر اهتمامًا كبيرًا للمعايير الديمقراطية ، مع وجود القليل من السبل للحوار العام والمداولات حول مستقبل التحول إلى الطاقة النظيفة.

برزت العديد من الأمثلة ، ففي فرنسا في سبتمبر 2022 ، ترأس الرئيس إيمانويل ماكرون مجلس دفاع استثنائي ، على غرار هيئة الاستجابة لفيروس كورونا في البلاد ، والتي يمكن أن تسرع القرارات دون إشراك البرلمان. وفي الوقت نفسه ، فإن القرارات بشأن الصناديق الهيكلية للاتحاد الأوروبي ، والتي تهدف إلى الحد من التفاوتات الاقتصادية عبر الاتحاد ، لم تضمن تمثيل مختلف أصحاب المصلحة ؛ وعند التشاور مع أصحاب المصلحة ، إما أنهم لم يُمنحوا وقتًا كافيًا للتعليق والرد أو شاركوا في عملية صنع القرار بعد فوات الأوان.

لوحظت أوجه قصور مماثلة في عملية التخطيط بهدف التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا. وحسب العديد من الخبراء، قد أغفلت عملية التخطيط هذه المشاركة الشاملة لأصحاب المصلحة ، وأتاحت قلة من الدول الأعضاء مشاورات عامة شاملة ، مما يجعل من المستحيل تقريبًا على أصحاب المصلحة الخارجيين عن دائرة صياغة قرارات أساسية لرفاههم في المستقبل. وهذا على الرغم من أن المشاركة مطلوبة بموجب مدونة السلوك الأوروبية بشأن الشراكة ، ولوائح إدارة الاتحاد الأوروبي ، واتفاقية "آرهوس" - Aarhus Convention - بشأن المعلومات واتخاذ القرارات ، فقد تم تنفيذ هذه المتطلبات بشكل سيئ جدا.
_________________
(6) - اتفاقية بشأن الوصول إلى المعلومات والمشاركة العامة في صنع القرار والوصول إلى العدالة في المسائل البيئية ، الموقعة في 25 يونيو 1998 من قبل 39 دولة. أهدافها الرئيسية الثلاثة هي : تحسين المعلومات البيئية التي تقدمها السلطات العامة فيما يتعلق بالبيانات البيئية الرئيسية ؛ تعزيز المشاركة العامة في صنع القرار الذي له تأثير على البيئة (على سبيل المثال ، في شكل استفسارات عامة) ؛ توسيع شروط الوصول إلى العدالة في مسائل التشريع البيئي والوصول إلى المعلومات.
___________________

ويقر هؤلاء الخبراء، في إطار صندوق المناخ الاجتماعي ، ستحتاج الحكومات إلى وضع خطط مناخ اجتماعي. يجب أن يشتمل محتوى هذه الخطط على ملخص لعملية التشاور مع أصحاب المصلحة وشرح كيفية دمج مدخلات أصحاب المصلحة. على الرغم من أن المجتمع المدني اعتبر هذه خطوة أولى إيجابية ، إلا أن المشرعين في الاتحاد الأوروبي قد أضعفوا بشكل تدريجي الأحكام الخاصة بالمشاركة الهادفة. يخاطر الصندوق بالتوجه نحو شكل مألوف من الاتحاد الأوروبي للتشاور الانتقائي مع أصحاب المصلحة المعنيين ، مثل الشركاء الاجتماعيين المعترف بهم في معاهدات الاتحاد الأوروبي ، بدلاً من نوع نشط ومفتوح من مشاركة المواطنين. يواصل المجتمع المدني حث المشرعين في الاتحاد الأوروبي على إشراك الجماعات التي يُخصص لها هذا الصندوق ، ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت مشاركتهم ستكون مضمونة أم لا.

ويضيفون، في حين أن المشاركة المرتبطة بصندوق البيئة الاجتماعي لا تزال محدودة ، قد يشعر بعض المراقبين أن المشاركة الحقيقية للمواطنين يتم متابعتها من خلال جمعيات الدفاع عن البيئة التي تتكاثر في جميع أنحاء أوروبا . وقد تم إحداث العشرات منها ، بعضها على المستوى الوطني ، ومعظمها على المستوى تجاوز المستوى الوطني ؛ في أحد الأمثلة البارزة ، اتفقت منطقة العاصمة "بروكسل" ومدينة "ميلانو" على إنشاء جمعيات الدفاع عن البيئة دائمة جديدة. ومع ذلك ، في حين أن العديد من هذه المبادرات قد ساعدت في إبراز صورة الحراك البيئي ( المناخي) الطموح ، إلا أنها في حد ذاتها ليست كافية لتعويض النقص في مشاركة المواطنين المؤسسية في هيكل سياسة الاتحاد الأوروبي. فلم يتم بعد إقامة روابط بين هذه التجمعات والمبادرات الملموسة التي تهدف إلى البعد الاجتماعي ، مثل صندوق البيئة الاجتماعي.

تشكل ثلاثية التوفيق بين الحراك البيئي والعدالة الاجتماعية والمشاركة الديمقراطية واحدة من أكثر التحديات للسياسة الأوروبية. حتى الآن ، تميل مؤسسات الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية إلى التعامل مع هذه القضية من حيث "المقايضات" بدلاً من تعزيز الروابط المتبادلة بين مكونات الثلاثية . وقد حدث شرخ مذهل بين الحراك البيئي وتدابير العدالة الاجتماعية ، مما ترك كلاهما ضعيفًا سياسيًا. وتمتد التوترات إلى البعد الثالث، لأنه يتم متابعة مجالي السياسة هذين بطرق تقوض المشاركة الديمقراطية الكاملة.

يقر العديد من المحللين، بعدم وجود أجندة سياسية أو بنية سياسية للمساعدة في دمج العدالة الاجتماعية والحراك البيئي الطموح على المدى الطويل. بينما تتدافع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لوضع تدابير اجتماعية جديدة ، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذه تخاطر بتجاوز الأهداف المناخية طويلة الأمد . ويمكن أن يكون للاتجاه نحو التكنوقراطية التي يهيمن عليها التنفيذيون عواقب وخيمة على الثقة في المؤسسات والديمقراطية ، والتي تآكلت بالفعل، بشكل بارز، خلال جائحة فيروس كورونا. فلا يوجد طريق سهل عبر هذه المجموعة المعقدة من الألغاز السياسية. ومع ذلك ، من الواضح، بشكل متزايد، أن الحكومات بحاجة إلى إيجاد طرق للجمع الإيجابي بين الحراك البيئي والعدالة الاجتماعية والمشاركة الديمقراطية. وإذا فشلت في تحقيق الأهداف الثلاثة معًا ، فسوف يكافحون من أجل النهوض بأي منها على حدة. للحفاظ على التماسك الاجتماعي ، لا يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي الاستمرار في اتخاذ تدابير سياسية من أجل المصلحة المفترضة للمواطنين المستضعفين دون منحهم فرصة لإسماع أصواتهم والتعبير عن انتظاراتهم.

ويرى هؤلاء المحللون ، أنه على المدى القصير ، يجب أن تكون مؤشرات التماسك الاجتماعي جزءًا مطلوبًا من تقارير الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول خططها الوطنية للطاقة والبيئة ، والتي تحدد كيف تنوي البلدان تلبية أهداف الاتحاد الأوروبي للطاقة والبيئة. ويمكن للاتحاد الأوروبي تشديد لوائح الحوكمة الخاصة به حتى لا تتمكن الدول الأعضاء من تمرير "المشاورات التجميلية" على أنها المشاركة التي يتطلبها صندوق البيئة الاجتماعي اسميًا. وينبغي على الاتحاد تحديث مدونة قواعد السلوك الخاصة به بشأن الشراكة بمساعدة مجموعة أكثر تمثيلا من أصحاب المصلحة ، بما في ذلك أولئك الذين هم عادة أبعد ما يكونون عن عملية صنع القرار. من أجل التعامل بشكل أفضل مع الصدمات المستقبلية ، يجب على الاتحاد الأوروبي أيضًا وضع بنية جديدة للمشاركة يمكن أن تغذي الاستجابات السريعة أثناء حالات الطوارئ وتحقيق المزيد من النتائج المتساوية. إلى حد الآن، تقتصر مختلف التدابير على محاولة تصحيح تأثير الحراك البيئي بطريقة "علاجية" بدلاً من دمجها في جوهر النهج المتبع في التحول المناخي.

وكاد المتتبعون للشأن الأوروبي أن يجمعوا أن لا حل أمام الاتحاد الأوروبي إلا إعداد نفسه لمعالجة ثلاثية: الحراك البيئي والعدالة الاجتماعية والمشاركة الديمقراطية على درب بناء أوروبا الجديدة.
المصدر
https://carnegieeurope.eu/2023/02/02/climate-action-social-justice-and-democracy-europe-s-new-trilemma-pub-88914
_____________________ انتهـــــــى ___________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل طلاب محتجين على استمرار حرب غزة بجامع


.. يفوز الطفل الذي يبدأ في البكاء أولا.. مهرجان -سومو بكاء الأ




.. هل تكميم المعدة هو الحل السحري للسمنة؟.. جدل حول الفوائد وال


.. اعتداء الشرطة الألمانية على طلاب متضامنين مع غزة أمام البرلم




.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك