الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوارِث ما بين دناءة وإنسانيّة مُقدّمي المُساعدات

ازهر عبدالله طوالبه

2023 / 2 / 12
حقوق الانسان


"تُعتَبر الكوارث الطبيعيّة من أقوى المؤثّرات التي يُفترَض أن تجعل السياسيين والعسكريين وأرباب السُلطات وحديثي النِّعمة، يعيدون النّظرَ في كُلِّ سياساتهم العسكريّة والاقتصاديّة، بل والاجتماعيّة أيضًا، ويضعونَ رؤىً مُختلِفة لمعاييرِ الربح والخسارة في هذا الكوكب."
لكن، للأسف، وعلى الرُغمِ من كُلّ هذا، يبقى بني البشر أكثر المخلوقات أنانية وجشع وتسلُّط.

فبعدَ كارِثة الزلزال التي وقعَت على "الإنسان" في كُلٍّ مِن سوريا وتُركيّا، ثمّة أمواجٌ مِن الكلام تتطلام في داخلِ كُلّ واحدٍ منّا، وما مِن أحدٍ يملِك القُدرَة -المُتواضِعة- التي تُمكِّنهُ من تهدِئة هذه الأمواج ؛ وذلكَ بسبب كُثرتها. فمِن الأمواج التي ترتَفع غضبًا على قذارة "الأُمم المُتَّحدة" التي أُنشئت مِن أجلِ أن تقوِّم بكُلّ ما هو إنسانيّ على هذه الأرض، مرورًا بالأمواج التي تعلوا حقدًا على الأنظِمة السياسيّة التي وجدَت هذه الفُرصة لتنتَشل نفسها مِن تحت رُكام "الأنا المُتضخِّمة" وصولًا إلى الأمواج التي ما كانت لتكون في دواخلنا، لولا ما رأيناهُ مِن بعض الأنفُس المريضة، التي تسعى إلى تعمل على آلام الجرحى والمنكوبين بأسلوب "الشوينغ أوف".
وبالمُجمَل، فإنَّ نُقطة الإلتِقاء ما بينَ كُلّ هذه الأمواج، هي المصالِح المُتبادَلة بينها، والتي تضَع الاهتمام بالجانب الانسانيّ ومُراعاة المعايير الإنسانيّة في المركِز الأخير مِن اهتماماتها.

نعم، هناكَ لحظات حرِجة، مُفزِعة، مُخيفة، خاطِفة للقُلوب، تُثبِت لنا دائمًا، أنَّ هناكَ ثمّة مسافة شاسِعة بيننا بني البشَر وبينَ الإنسانيّة التي ندّعيها، والتي نستخدمها في كُلّ المحافل الدّوليّة التي نعقِدها مِن أجل تجميل مواقفنا القذِرة، وصورتنا النرجسيّة، التي ما نلبُيث إلّا وتظهَر بثورها على حياتنا. وما الحالة الدّوليّة المُتمثّلة بتقديمِ المُساعدات لضحايا الكارِثة الزلزاليّة التي وقعَت في "سوريا" و "تُركيا" على أُناسٍ قسَت عليهم الحياة، وجعلَتهم غُرباء عَن أرحامها، إلّا تجسيدًا لذلك. إذ أنَّها حالة أقرب ما تكون إلى الحالة النِّفاقيّة التي تعيشها كُلّ مُجتمعات العالم، بصرفِ النَّظر عَن جنسيّاتها وأعراقها ودياناتها. حيث أنّنا بدأنا نلحَظ تباهيًا (وطنيًّا) لا (انسانيًّا) بما يُقدّم مِن كُلّ فِرق الإنقاذ، وهذه هي الحالة التي -غالبًا- ما نراها مِن المُجتمعات التي تعيش في حيِّزٍ جُغرافيٍّ مُحدَّد.

لا وجود للإنسانيّة في تقديمِ المُساعدات.

وكأنَّ هذه الحالة تؤكّد على أنَّ الكوارث التي تحلّ بالبشريّة، قد أصبحَت للباحثينَ عن تبييضِ صفحاتٍ تاريخيّة عاجّةٌ بالسّواد، بنكًا ضخمًا، تودعُ فيه هذه الأعمال الإنسانيّة في أصلها المُحرّفةُ في أهدافها ؛ ليتمّ استخدامها في نطاقِ اللانسانيّة الذي يتوسَّع ويتمدَّد بشكلٍ لم أرهُ، بل لم أسمع وأقرأ عنهُ مِن قبل.

فلكَم هو مؤسِف ومُحزن أن نرى أطفالًا تَسلُب الكوارث أرواحهم، ونساء تُبدِع المآسي بالتِهام قُلوبها قبلَ موعِدها، وعلى الوجه الآخر، هُناكَ فائض في أعداد مَن يتسلّقونَ جبال التّباهي السلبيّ بكُلّ ما تعنيهِ كُلّ معاني السلبيّة ؛ إذ أنّنا بدأنا نرى المُناكفات بينَ الجهات الرسميّة للدّول مِن جهة، وبينَ مواطني الدّول المُشارِكة في تقديمِ المُساعدات من جهةٍ أُخرى، وكأنّنا في صراعٍ لا أخلاقيّ لا ينتَهي.

لذا، لا خيرَ في كُلّ مَن يُقدّم مساعدة لأيّ مُتضرِّرٍ مِن الكوارِث ؛ إن كانَ تقديمهُ هذا ليسَ إلّا مِن أجلِ المنّة على مَن قُدّم إليهم، وأنّهُ ما كانَ ليُقدِّمهُ لو لَم يُنظَر لهُ كحجرٍ مُلقىً على قارِعة طريقٍ سياسيّ أو اجتماعيّ مُتهالِك.

وأخيرًا، أُشير إلى أنَّ الفئة المُستثناه - وما ستقرأهُ ليسَ تناقُضًا مع جئتُ به عند بداية هذا المقال، وإنّما هو قول الحقّ بالتّفصيل- مِن كُلّ ما ذُكِر، هي فئة الشّعوب التي لا تجِد مساحةً كافية مِن الحُريّة للتّعبير عن أفكارها وانطباعاتها ورؤاها، وعن شعورها الدّائم بالتّضامُن مع كُلّ القضايا والأحداث التي ترجِعها إلى أصلها البشريّ والإنسانيّ، وتُظهر، وبكُلّ قواها، روح والمُساندة والمحبّة مُتجاوزةً مبدأ التعصُّب الأيدلوجي والدّيني، والأُطُر العرقيّة والمذهبيّة والعشائريّة.
حيث أكّدت الشُّعوب الحيّة، على الرُغمِ مِن القَمع والحِصار الذي يُفرَض عليها مِن قبل القِوى السياسيّة والدّينيّة مِن جانِب، ومِن قوى الدّهماء التي لا تتفاعَل مع الأفكار ولا تستَجيب للتّحذيرات، ولا يُشغلها شيء في الحياة؛ إلّا أشباع غرائزها، أنّ ما قدّمت مِن أموالها الخاصّة كُل أشكالِ المُساعدات للمنكوبينَ والجرحى جراء الزّلزال المذكور آنفًا، لا تهدف ولا تنتَظر منه لا مُقبالًا سياسيًّا، ولا بحثًا عن تبييضِ صورتها، كما فعلَت الكثير من الأنظِمة السياسيّة القذِرة، كما أكّدت على أنَّها، أي الشّعوب، لن تتوقّف عن القيام بدورها في سبيلِ انتاج الوعي بأسقُفٍ عالية..

فتحيّةَ حُبٍّ وسلام وإكبار وعلوّ سماويّ للشعوب الحيّة، وتحديدًا، الفئات والجماعات الإنسانيّة فيها...أمّا أؤلئكَ الأوباش، الأنظِمة السياسيّة وجماعة التحزُّبات الطائفيّة، وفئات الملاعين مِن مُتّبعي الأديان لتحقيق مصالِحهم، وكٌلّ مَن يمنُن بمُساعداته التي يُقدّمها طمعًا بتحقيقِ أجنداتهم الخبيثة، يتمتّعونَ برؤيةِ الأطفال تحن الرّكام يشربونَ كأس الموت دونَ أن يفرغ فكّروا بالضّحايا ؛ فعليهم وابلٌ من الشتائم التي تأخُذ حيّز الزنّار وتَحت..فهُم يستحقّونها بل يستحقّون أكثَر من ذلك. وأقول لهُم: فكّروا بأحوال مَن يشربونَ علقمَ الحياة الممزوج برُكام بيوتٍ عاشوا فيها قسرًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات | طرد جندي إسرائيلي شارك في حرب غزة من اعتصام تضامني ب


.. مع مطالبات الجيش الإسرائيلي سكاناً في رفح بالتوجه إليها. منط




.. لبنان: موجة -عنصرية- ضد اللاجئين السوريين • فرانس 24


.. أزمة المهاجرين في تونس.. بين مخاوف التوطين واحترام حقوق الإن




.. استمرار الاحتجاجات في جامعات أميركية عدة رغم اعتقال المئات م