الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرق بين الشعب والرعايا ، نوع الدولة السائدة

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


بعض " اليوتوبرز " وللأسف فقدوا هذه الأيام أعصابهم ، وأخاف ان يصيبهم مرض السكري اللعين ، حين شرعوا ومن دون واعز أخلاقي ولا ضمير ، يكيلون السب والشتم وبالكلام النابي ، لما سموه " شعب " ، وما هم في الحقيقة غير رعايا تجسد على ارض الواقع ، ومن خلال المعيش اليومي المنحط ، الحياة الرعوية للرعايا في دولة لن تكون غير دولة رعوية ، لانّ الرعايا لا يمكن العثور عليها الاّ في دولة على رأسها راعي كبير تتمسك به الرعية ، وتتبرك من أهدابه وبركاته الربانية ، التي لا علاقة لها بقواعد الشعب في الدول التي بها شعوب وليس بها رعايا .
فسب وشتم الرعايا وبالكلام النابي ، لأنها لم تثر على راعيها الراعي الكبير ، رغم عيشها المتدني ووضعها المأزم ، وهي متعودة على حياة الرعية ، وحياة المسكنة والدروشة ، وحياة الضنك والقهر ، وما بدلت عنهم تبديلا ، بل لو خيروها بين حياة الرعية الفاقدة لكل الحقوق التي ينوب في الظفر بها وحده الراعي الحاكم الكبير ، وبين حياة المواطنة وحياة الحقوق ، فأنها ستختار البقاء في كنف الراعي الكبير ، لان ما يربطهما اكثر من الحقوق والحق في المواطنة ، أي انّ ما يربطهما هو الإرث التقليدي والطقوسي ، والانتساب الى دار النبي الذي وحده ببركاته حفظ الدولة الرعوية من الشياطين الرجيمين ، ومن الدخلاء المستوردين للفكر الملحد ، الذي يتأبط شرا وخطرا على القيم السلطانية ، التي تميز الدولة السلطانية الثيوقراطية عن غيرها من الدول ذات المرجعية الديمقراطية الاصيلة .
فرفض فكرة الشعب والمواطنة ، والالتصاق بالحياة الرعوية في كنف الأمير الراعي ، هو ما يحْجُب بلد امير المؤمنين ، ويحفظ رعاياه من خطر الجيْحاتْ ، والامراض الفتاكة ، وشح الطبيعة ، والجفاف ، والزلازل ، والفيضانات ... الخ . فدولة امير المؤمنين هي ارض دار الضْمَانة ، وسبعة رجال ، والاضرحة واولياء الله الصالحين ..، تحميها الرّعاية الربانية ، بركة الراعي الرباني الحاجب عن رعيته لكل الشرور التي تفتك اليوم بالشعوب .. فسب الرعية التي لم تثر على راعيها هو اعتداء غير مقبول ، ومنذ متى ثارت الرعية على راعيها في التاريخ ، وواقعة الثائر الجيلالي الروگي المكنى ب ( بوحمارة ) ماثلة للعيان ..
فاذا كانت الرعية هكذا على قدر من الاعتقاد الخرافي او الأسطوري ، وهي مؤمنة به حد الهيام ، في ربط علاقاتها براعيها الأمير ، فما دخل البعض في هذه العلاقة الربانية التي تحيل الى تاريخ الدولة السلطانية في المغرب ، ولا تحيل الى تاريخ الدولة الدستورية والعصرية التي هي في الأصل امتداد من حيث الجوهر وليس من حيث الشكل ، بأصول ومشروعية الحكم في المغرب ، والتي لا علاقة لها بأصول ومشروعية الحكم في الدول الديمقراطية .. فسب الرعية لتمسكها بأصولها وبطقوسها وتقاليدها ، هو اعتداء ومحاولة دكتاتورية لتلبيس الرعية جلبابا لا يناسبها .. ومشكل هؤلاء " اليوتوبرز " ، انهم لا يفرقون بين الرعايا وبين الشعب ، كما لا يفرقون بين نوع الدولة التي توجد بها شعوب ، والدولة الوحيدة التي يوجد بها فقط الرعايا ، وهذا بإجماع كل الرعايا ، أي بما فيهم الرعايا الممتازون Les supers sujets الذين يعطون مظهرا خادعا عن نوع الدولة السلطانية المتعارضة مع الديمقراطية ، ويزينون الواجهة اللاديمقراطية للدولة المخزنية عندما يُجمّلونها ( تجميل ) بمساحيق مفضوحة امام الدول الديمقراطية ، التي ادان برلمانها الأوربي الممارسات اللاديمقراطية للدولة السلطانية الرعوية في مجال حقوق الانسان ، وفي ادخال الفساد المخزني لمؤسسات الاتحاد الأوربي ، وهو نفس البرلمان ينتظر ان تصدر منه ادانة اقوى لبرنامج Pegasus الذي لغّم هاتف الرئيس Emanuel Macron ، وساسة فرنسيين ، وفخخ هاتف رئيس الحكومة الاسبانية Pedro Sanchez ، وهاتف وزراء اسبان اخرين . وهذا العمل الدنيء والمرفوض ، لا يقوم به غير مارق Un voyou ، وليس سياسي مسؤول .. واكيد هنا ان موقف Pedro Sanchez عند النظر في جريمة Pegasus ، سيكون مشابها لموقف Sanchez من قرار ادانة البرلمان الأوربي للنظام البوليسي المغربي ، بسبب جرائم حقوق الانسان التي يرتكبها البوليس السياسي للسلطان العلوي .. فمادام ان قرار البرلمان الأوربي من جريمة Pegasus سيصدر بالأغلبية الساحقة ، فموقف Sanchez الذي سيصوت او يمتنع عن التصويت ضد القرار المقبل للبرلمان الأوربي ، سيكون صيحة في واد سحيق ، لن يؤثر على حجم التصويت ، ولن ينجي النظام البوليسي المغربي من الإدانة ..
فالرعايا الممتازين من برلمانيين وصحافيين ، و( أساتذة ) جامعيين ، وأحزاب ... الخ ، الى جانب الرعايا القاعديين ، كلهم متشبثون ومتمسكون بأهداب ، وبالأعتاب الشريفة للدولة السلطانية المخزنية ، وكلهم يفتخرون وبطرق شتى بمخزنيتهم التي تربطهم بالراعي كأمير وكأمام ، أكثر منه ارتباطا بملك ..
وكان لهؤلاء " اليوتوبرز " ان يتساءلوا . لماذا كل ساكنة المغرب رعايا ، وباختيارهم وبمحض ارادتهم ، حتى في ابسط سلوكهم . ولماذا يرفضون القيم الفلسفية والإنسانية التي أساس العلاقة بين المجتمع المدني ، والمجتمع السياسي ، والطبقة الحاكمة في الدول الديمقراطية .. أي لماذا يعشق المغاربة خاصة قبائل بنو هلال وبنو سليم العروبية ، وقبائل سوس بالجنوب ، والاطلس المتوسط والكبير ، واغلبية قبائل الريف ... الخ ، حياة الرعية ، ويرفضون حياة التحرر والانعتاق .. ومن دون نسيان الإرث الأيديولوجي الذي تصلب مع التاريخ منذ اول امبراطورية مغربية ، والى الدولة السلطانية العلوية ..
ان من اكبر الأخطاء التي ترتكب في هذا الوضع ، هو حين يتم وصف الرعايا بالشعب ، وحين يتم تجاهل نوع الدولة التي بها الرعايا وهي الدولة الرعوية ، والدولة التي بها شعوب ، وهي دولة المؤسسات الدستورية التي تحكم دور الفاعلين السياسيين في المجتمع ، وتحكم وتحدد طبيعة العلاقة بين الطبقة السياسية عند توليها الحكم ، أي تسيير الدولة ، وبين الشعب الذي يتحكم من خلال صناديق الانتخاب والاستفتاء في تحديد من يحكم ، ومن سيمارس المعارضة المعترف بها دستوريا ، مع تحويل هذه المعارضة الى أحزاب حاكمة في الانتخابات المقبلة ، وتحويل الأغلبية الحاكمة الى اقلية معارضة دستورية . فالعلاقة بين الشعب او الشعوب والحكم في الدول الديمقراطية هو الدستور ، في حين ان العلاقة بين الرعايا وبين الحاكم الراعي الكبير، هي علاقة تراث ماضوي ، وتقاليد مرعية ، وطقوس ما اتى بها زمان ، تكرس الحفاظ على الحياة الرعوية في دولة رعوية ، راعيها الامام ، وهو ضامن وحافظ سلامة الرعية طالما هي مرتبطة بالراعي المصبوغ بهالة ربانية ، وقرآنية ، ونبوية ، تعرب عن ملامحها البيعة التي يسديها الرعايا الممتازون للراعي كسلطان ، عند حفل الولاء الذي يصادف جلوس رئيس الدولة على العرش كأمير وراعي ، وليس كملك دهري .. كما تعرب عن مظاهرها هذه ، في الامر اليومي الذي يوجهه رئيس الدولة كسلطان من أهل البيت ، الى مشرعيه الموظفين السامين عند افتتاحه دورة الخريف التشريعية في الجمعة الثانية من كل شهر أكتوبر ..
فبينما تجتهد القيم الفلسفية ، والإنسانية ، والديمقراطية ، والدساتير في الاستمرار في انتاج المواطن الذي يُكوّن الشعب ، تجتهد القيم ، والتقاليد ، والطقوس السلطانية ، خاصة تلك التي يعكسها عقد البيعة ، في إعادة انتاج الرعايا العبيد ، وفي تعميق علاقة الرعايا الربانية بالراعي المنتسب لأهل البيت ، وليس بالدساتير التي تركز الدولة في شخص الأمير ، ولا تشخصها في الرعية الغير مهتمة بالدستور وبالدساتير ..
وبالرجوع الى تاريخ الدولة في المغرب بدءً من تاريخ الامبراطوريات ، وصولا الى الدولة العلوية ، فما كان يحدد العلاقة بين الراعي والرعية ، ليس هو الدستور ، لان تاريخ الدولة المغربية كان يجهل شيئا يسمى بالدستور، حتى بداية الستينات التي انزل فيها الحسن الثاني اول دستور حرره أساتذة فرنسيين ك Maurice Duverger ، وكان اول دستور ممنوح فصّل فيه الملك نظام الحكم على طريقة الدولة السلطانية التقليدية ، أي ان العلاقة هي بين السلطان الراعي الأمير ، وبين الرعية ، وليس مع الدستور الذي تجاهل أي دور للرعية في النسيج الاجتماعي السياسي للدولة السلطانية العصرية . فاين تصفحت الدستور ، ستجد فقط الملك / السلطان لا غير ..
من هنا سنجد ان في الوقت الذي تتمسك الشعوب في الدول الديمقراطية بالمؤسسات وبالدساتير ، تتمسك الرعية في الدولة الرعوية بشخص وبأهداب السلطان ، صاحب البركة الربانية التي أنجته من انقلاب الطائرة في سنة 1972 ، وأنجته من انقلاب الضباط الوطنيين الاحرار في 9 يوليوز 1971 ..
لذلك فالشعوب حين تنزل الى الشارع ، فهي تطالب بالمزيد من الحقوق ، وتطالب باحترام الدستور ، وحين تنزل الرعية الى الشارع غاضبة ترفع شعار " عاش الملك " " عاش سيدنا " ..
ولمعرفة الفرق بين الشعب وبين الرعايا ، لا نحتاج الى عناء تفكير ، او الى جهد في التحليل .. فيكفي القاء نظرة عن نوع الدولة السائدة والحاكمة ، حتى نخلص الى معرفة نوع البشر الذي يعيش بها ، هل هم حقا شعبا ، ام هم مجرد رعايا ..
في الدول الديمقراطية التي تحتكم في العمل وفي الممارسة السياسية ، الى دساتير الشعوب التي تعطي المشروعية للشعوب في اتخاذ القرارات المختلفة ، حيث تخضع العلاقة بين الشعوب وبين الحكام لنصوص الدستور ، وللقوانين المنظمة التي ترفع من سمو الشعب على اية سلطة أخرى ، سنجد الشعوب هي مصدر الحكم ، ومنبع الشأن السياسي الذي يتقيد بها الحكام التنفيذيون والتشريعيون ، حيث يكون للرقابة القضائية دور في احترام وفي تفعيل الدستور ، بما يحافظ على الدولة الديمقراطية ككيان يصهر وحدة الدولة ، من خلال صهر وحدة الشعوب مصدر السلطة ومصدر الحكم .. وهنا فالغالب هو سيادة الدولة اللائيكية التي تحتضن الجميع ، لا الدولة الدينية العنصرية التي تنتصر لجزء من الشعب على حساب بقية المجتمع الذي لا يدين بدين الدولة الحاكمة .
لكن عندما نجد انفسنا امام دولة بطريركية ، رعوية ، ثيوقراطية ، سلطانية ، مفترسة ، ناهبة للمال العام ، ومفقرة للرعايا ، والدستور السائد هو دستور الحاكم الراعي الذي يختصر الدولة في شخصه لا في غيره .. الخ ، هنا سنصل بسهولة لمعرفة ان من يسكن الدولة السلطانية هم رعايا عبيدا ، وليسوا بشعب ، والحسن الثاني الذي كان مدركا بهذه الحقيقة التي يعشقها الرعايا عن طيب خاطرهم ومن دون جبر او قهر ، كان يستعمل في خطاباته التعبير الدال " رعايانا الاوفياء " . ومحمد السادس رغم انه استعمل شكلا تعبير " شعبي العزيز " في خطاباته ، فهو من حيث الجوهر والمضمون ، كان يعتبرهم رعايا وليسوا بشعب ، وهذا تؤكده الدولة الرعوية التي على رأسها ، ويؤكده اهمال الرعايا في القضايا الاستراتيجية ، كالتقدم بحل الحكم الذاتي في ابريل 2007 ، دون استشارة الرعايا باستفتاء ، وعندما اعترف بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، ووقع بخط يده اعترافه في ظهير ( شريف ) نشره في الجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد : 6539 . ومن خلال نوع الدولة السلطانية الحاكمة ، فالموجود بها هم رعايا وليسوا بشعب .. الشعوب تثور من اجل حقوقها ، وعندما تنزل الى الشارع ، فلاحترام الدستور الفاصل بينها وبين الحكام الذين يحكمون نيابة عنها ، وباسمها .. لكن عندما تتضرر الرعايا وتنزل الشارع للاحتجاج ، ترفع شعارها الخالد " عاش الملك " ، "عاش سيدنا " ، رغم ان قضاء " سيدنا " ، وباسم " سيدنا " هو من اصدر الحكم بهدم المنازل مثلا ، وان بوليس " سيدنا " ، وجدرمة " سيدنا " ، وقيّاد "سيدنا " ... ، هم من ينزل هراوتهم على ظهور رعايا " سيدنا " ..
فعندما تثور الشعوب في الدول الديمقراطية من اجل احترام الدستور ، يرتبط الرعايا في الدولة السلطانية المخزنية بشخص الأمير الراعي والامام ، برفعهم شعارهم " عاش سيدنا " ، رغم ان سيدهم غير مكثرة بأحوالهم التي تدمي القلب .
فإذا كانت هذه هي الحقيقة ، التي تعكس طبيعة العلاقة بين الرعايا والراعي ، في الدولة الرعوية الطقوسية ، البطريركية ، الثيوقراطية ، المفترسة والناهبة لثروة الرعايا المفقرين ... فكيف يجرأ البعض على سب وشتم الرعايا لأنها لم تثر على راعيها ، ولم تسقط الدولة الرعوية ..
ولو لم تكن الرعايا تبارك كل ما يقوم به راعيها حتى ولو اضرها وآلمها ، هل كان لمحمد السادس ان يهاجر المغرب منذ اليوم الأول لتنصيبه ملكا / اميرا وإماماً على دولة الامارة السلطانية ، دون اكتراث بالرعايا الجاهلة الفقيرة والمريضة .. ويتحداها بتجويعها في خطاب وجهه لها في اعز ( كارثة ) الوحش ( كورونا ) عندما قال لها " ليس لنا ما نعطيه لكم " ودعاهم الى تدبير امرهم المشفق عليه بنفسهم ، في الوقت الذي جمع صندوقه المسمى ب " صندوق كورونا " 34 مليار درهم ، وجمع نفس الصندوق ملايين الدولارات واليورو ، وليشتري قصرا / فيلا بالدائرة السابعة بباريس ب 120 مليون يورو ، ويشتري جزيرة بالغابون Le Gabon للاستجمام والحياة الملاح ، والرعايا تتدور الجوع والمرض والفقر ..
ان من ينتظر ان تثور الرعايا على راعيها وتسقط الدولة الرعوية ، سيكون بمن يضرب الخط ، وسيكون بمن يجهل اصل الدولة ، خاصة الدولة العلوية بالمغرب ..
النظام لن تسقطه الرعايا المرتبطة براعيها الكبير .. النظام سيسقط بتسوسه من الداخل ، وهو في الطريق .. وسيقط من خارج المغرب من قبل الدول الديمقراطية التي تكره النظام المخزني .. والباب لإسقاط النظام وسيسقط ، هو الصحراء اذا اضاعها ، وقد اضاعها .. والمجتمع الدولي كله يشتغل في هذا المضمار ، وحل تيمور الشرقية بعد اقل من سنتين ينتظر على الأبواب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -صانع قدور- و-بائع كمون-.. هل تساءلت يوماً عن معاني أسماء لا


.. حزب الله ينسق مع حماس وإسرائيل تتأهب -للحرب-!| #التاسعة




.. السِّنوار -مُحاصَر-؟ | #التاسعة


.. لماذا تحدى الإيرانيون خامنئي؟ | #التاسعة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | ما جديد جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل ف