الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف خطط الغرب من 25 سنة لما يحدث الآن فى اوكرانيا ؟!

أحمد فاروق عباس

2023 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


روسيا مشكلة كبرى للغرب ، وللولايات المتحدة وبريطانيا فى المقام الأول ، فروسيا أكبر دول العالم مساحة ، ومن اقواها عسكريا ، وتمتلك موارد بشرية وطبيعية هائلة ، وشعب نشيط ، ووراءه تاريخ عريق ..
ومن الملاحظ أنه فى تحول كل من الصين وروسيا من الاقتصاد الماركسى إلى الرأسمالية أن الغرب ساعد الصين بشدة ، فى حين تركت روسيا تلاقى مصيرها بمفردها !!
فتدفقت الشركات الغربية الكبرى على الصين بما يشبه الإعصار ، كما وجدت مئات المليارات من الاستثمارات الأجنبية المباشرة طريقها إلى الصين ، وصنعت - على الأقل فى البداية - قصة صعود الصين ، وكان هدف الغرب الأول من ذلك هو سحب الصين من الماركسية وضم أكبر دول العالم سكانا إلى المعسكر الرأسمالي ..
فى المقابل حبست الشركات الغربية الكبرى عن الاستثمار في روسيا ، إلا فى الأنشطة العادية ، أو المأكولات والمشروبات ، وفى حين كان رقم الاستثمار الأجنبى المباشر يصل فى الصين فى عام واحد الى ما يقارب من ١٥٠ مليار دولار ، تركت روسيا نهبا للمغامرين وللمافيا الدولية والمحلية مدة ١٠ سنين ، لولا أن وضع فلاديمير بوتين حدا لهذا الانهيار المروع للدولة الروسية العريقة ..
ومع تولى بوتين السلطة بداية عام ٢٠٠٠ وبدء استعادة روسيا لعافيتها ومقامها بين الأمم خرجت خطط الغرب من إدراجها ..
كانت الخطة الأولى اصطناع صدام بين الحضارات ، تفف فيه الحضارة الإسلامية أمام الحضارة المسيحية الأرثوذكسية في روسيا والحضارة الكونفوشية الصينية وتقضى على الثلاثة معا !!
وكانت تلك قصة صعود الإسلاميين فى العقد الأول من القرن ٢١ وصولا إلى الربيع العربي ، وإعطاء تركيا القريبة من روسيا والصين وذات الإرث العثماني مكان الصدارة في هذا المشروع الكبير ..
وعندما تعثر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى يحكمه الإسلام السياسى تحت مظلة تركيا تذهب به إلى تناقض ثم صدام مع الصين وروسيا لم يعجز الغرب أو تفتر حيلته !!
تم إخراج أوكرانيا من الإدراج وتفجيرها في وجه الروس ، فى حرب يريدها الغرب طويلة ومكلفة على اقتصاد واعصاب الروس ..
وحتى لا يكون كلامنا رجما بالغيب ، نذهب ونلقى نظرة عما قاله واحد من ألمع مفكرى الغرب ، والأستاذ في أكبر جامعاته ، وصاحب الحظوة في وزارة الدفاع الأمريكية وغيرها من مؤسسات الحكم والقوة في الولايات المتحدة الأمريكية .. وهو صامويل هنتنجتون ، وما قاله منذ ٢٧ سنة فى كتابه الشهير صدام الحضارات ، والذى خرج ما به من تحليلات وتوصيات إلى أهداف وخطط وسياسات تعتنقها وتنفذها دول الغرب الكبرى ..
ماذا قال هنتنجتون ؟!
ناقش هنتنجتون مصير أوكرانيا وعلاقتها بروسيا في ظل مبدأ الدولة القومية ، وطبقا لنظرية صراع الحضارات ..
فطبقا لأنصار نموذج الدولة القومية ، كما يمثلهم جون ميرشيمر - وهو عالم سياسة أمريكى مرموق - فإن مصير أوكرانيا يمكن وضعه في هذا الإطار :
" الموقف بين أوكرانيا وروسيا ناضج لنشوب حرب منافسة أمنية بينهما ، فالقوى الكبرى التى تشترك في حدود طويلة غير محمية مثل التى بين روسيا وأوكرانيا غالبا ما تنجرف إلى منافسات تذكيها مخاوف أمنية ، ولابد لروسيا وأوكرانيا أن تتغلبا على هذه العوامل المحركة ، وأن يعرفا كيف يعيشان في وفاق ، ولكن ذلك سيكون أمرا غير عادى لو أنهما فعلا "
هذا من زاوية أوكرانيا الدولة القومية ، أما من زاوية نظرية صدام الحضارات :
" ومن ناحية أخرى فإن تناول الأمر من منظور حضارى يؤكد الروابط الشخصية والثقافية والتاريخية وامتزاج الروس والاوكرانيين في كلا الدولتين ، ويؤكد بدلا من ذلك على خط التقسيم الحضارى الذى يفصل بين اوكرانيا الشرقية الأرثوذكسية وأوكرانيا الغربية .. وبينما يركز التناول طبقا لنموذج الدولة على احتمال حرب روسية اوكرانية ، فإن نموذج الحضارات يقلل من ذلك إلى أدنى حد ، وبدلا منه يركز على احتمال انقسام أوكرانيا إلى إثنين ، وهو انفصال تجعل فيه العوامل الثقافية المرء يتنبأ بأنه سيكون أكثر عنفا عما كان فى تشيكوسلوفاكيا "
صفحة ٦١ - ٦٢ .
هل هناك أوضح من ذلك ؟!
اى أن مصير أوكرانيا في ظل علاقتها بروسيا لن يخرج عن احتمالين :
- حرب مع روسيا ..
- أو نزاع ثقافى حضارى بين ذوو الأصول الروسية والاوكرانيين في أوكرانيا يؤدى إلى انقسام أوكرانيا إلى دولتين !!

وهل ما يحدث الآن يخرج عن هذا بالضبط ؟!!
الإختلاف الوحيد أن البديلين تم دمجهما معا :
حرب بين روسيا وأوكرانيا ، وانقسام أوكرانيا إلى جزئين ، أوكرانيا الشرقية تنضم إلى روسيا وأوكرانيا الغربية تحت نفوذ الغرب ..
والهدف إضعاف روسيا فى حرب طويلة ومكلفة تستنزف قواها وسمعتها !!
ونتابع مع هنتنجتون ، الذى يقول فى مكان آخر فى كتابه المهم ما نصه :
" وجمهورية أوكرانيا هى الأكثر سكانا والأكثر أهمية - بعد روسيا - بين جمهوريات الأتحاد السوفيتي السابق ، لكن أوكرانيا بلد مصدوع ذو ثقافتين مائزتين ، وخط التقسيم الحضارى بين الغرب والأرثوذكسية يمر عبر قلبها ، وكان كذلك لعدة قرون ..
وفى بعض الأحيان كانت أوكرانيا الغربية جزءا من بولندا أو ليتوانيا أو الإمبراطورية النمساوية المجرية ، وكان قطاع كبير من سكانها يتبعون الكنيسة الشرقية التى تمارس الشعائر الأرثوذكسية ، ولكنها تعترف بسلطة البابا ..
وسكان أوكرانيا الغربية يتكلمون الأوكرانية ، كما كانوا قوميين متشددين في أفكارهم وآراءهم ..
ومن جهة أخرى كان شعب أوكرانيا الشرقية فى اغلبيته الساحقة أرثوذوكس ، وكان جزء كبير منه يتكلم الروسية ..
وكنتيجة لهذا التقسيم فإن العلاقات بين روسيا وأوكرانيا أمكن أن تتطور بإحدى طرق ثلاث :
١ - الصراع المسلح وارد ، الأمر الذي دفع ببعض المحللين الغربيين أن يناقشوا إمكانية أن يدعم الغرب فكرة احتفاظ أوكرانيا بترسانة نووية لردع أى عدوان روسى ..
٢ - وهناك احتمال آخر وارد بشدة ، وهو أن أوكرانيا يمكن أن تنشق بطول خط التقسيم إلى كيانين منفصلين ، يمكن أن يندمج الشرقى منهما مع روسيا ، وقد ظهرت قضية الإنفصال أيضا بخصوص القرم ، وهو شعب يضم ٧٠ % منه من الروس ..
٣ - السيناريو الثالث والأكثر احتمالا أن تبقى أوكرانيا متحدة وتبقى مصدوعة ، تبقى مستقلة وتتعاون بشكل ما مع روسيا ..
( إنتهى كلام هنتنجتون .. صفحة ٢٦٩ - ٢٩٣ ) .
وقد أختار الغرب فى البداية - ومؤقتا - السيناريو الثالث ، وعندما جدت ظروف الصراع مع روسيا انتقل إلى السيناريو الأول .. اى الحرب بين روسيا وأوكرانيا ..

منذ ٢٧ سنة كاملة فكر الغرب .. ووضع السيناريوهات للظروف المختلفة ، وجَّد طبعا على خطط صامويل هنتنجتون أفكار أخرى ، حتى وصلنا إلى ما يحدث أمامنا الآن فى شرق أوربا ، والذى يعانى منه العالم كله منذ سنة ..
ليس معنى ذلك أن الغرب قوة لا تخطأ ، ولكن الغرب قوة تفكر ، وتضع الأهداف وتحتها الخطط والسياسات ، ولديه المرونة لتعديل خططه مع تغير الظروف ..
ومن هنا كان الغرب ليس فقط من أقوى إمبراطوريات التاريخ ، ولكن هو - بالتأكيد - أذكاها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف