الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والديموقراطية مفهومان متكاملان ومتلازمان: -الحلقة الثانية: (2/ 9)

حسن خليل غريب

2023 / 2 / 14
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أولاً: الحرية والديموقراطية مفهومان متكاملان ومتلازمان

لغوياً: عن التكامل والتلازم:
تكاملتِ الأشياءُ : كمَّل بعضُها بعضاً بحيث لم تحتج إلى ما يُكمِّلها من خارجها. وتلازم الشَّيئان تَعلَّقا تعلُّقًاً لا انفكاك فيه.
ولماذا أطلقنا مصطلح التكامل والتلازم بين مفهوميْ الحرية والديموقراطية؟
إن الحرية قيمة إنسانية مطلقة، وهي تعبير فلسفي قديم قائم بذاته، أطلق لتأكيد حق الإنسان في ألا يكون مقيَّداً من أية سلطة أخرى. وهي تعني حرية التفكير من دون قيد أو شرط. وحرية الاعتقاد من دون إكراه. وحرية الانتماء بقناعة ذاتية من دون إلزام. إذن الحرية حقيقة مطلقة ما دام الإنسان يعيش بمفرده بعيداً عن الآخر.
وأما الديموقراطية، فهي تعبير سياسي حديث، وهو الجانب التنفيذي لقيمة الحرية في الحالات التي تجمع أكثر من إنسان فرد واحد. ولأنه جاء لينظم العلاقات بين فردين أو أكثر، كان من أهم وظائفه أن يوفِّق بين حريات مختلفة. ولأن الفرد ملزم بمشاركة الآخر بالحقوق ذاتها، جاء مصطلح الديموقراطية لكي يلزم كل فرد بالتنازل عن حقه في القرار لمصلحة قرار الجماعة، وهذا ما يصح القول فيه: (تنتهي حريتي عند حدود حرية الأخرين).
الحرية والديموقراطية من المفهوم الفلسفي إلى المفهوم السياسي
من أكثر المفاهيم المعاصرة إشكالية هي العلاقة بين الحرية والديموقراطية، سواءٌ أكان الأمر متعلقاً بحياة الأفراد كخصوصيات شخصية، أم كان داخل المجتمعات الإنسانية. وهذا ما يُلفت النظر إلى ضرورة الاهتمام بعلاقات الدول فيما بينها وصولاً إلى توحيد مفاهيم الحرية كناظم إنساني وقيمي بين الدول المعاصرة كحاجة وضرورة في بناء علاقات متوازنة لا تطغى عليها عوامل القوة والمصالح الضيقة.
يبدو مما ذُكر أعلاه أن مدى أهمية الحرية كمفهوم إنساني قيمي عام، يكشف مدى أهمية البحث عن الديموقراطية كوجه تطبيقي يضع الحلول السليمة لشتى أنواع العلاقات الإنسانية.
ولذلك سننطلق بداية من محاولة تكثيف لتعريف الحرية والديموقراطية، على أن تكون فاتحة لمواكبة مجموعة أخرى من الأسئلة التي تتعلق بتطبيق مبدأ إنساني يتعلق بالحرية التي شغلت بال كل من انخرط في هموم الفكر ومشاكله ومشاغله وما جرَّ إليه من نكبات شخصية تعرَّض لها معظم المفكرين على مدى التاريخ الفكري السحيق.

أولاً: الحرية مفهوم فلسفي والديموقراطية مفهوم سياسي
1-الأبعاد الفلسفية والسياسية للحرية.
موضوع الحرية هاجس دائم، يبحث عنه الإنسان، أياً كان عمره، وأياً كان مستواه وموقعه.
الفرد/ الإنسان، يتعلم ويكتسب خبرات وعادات وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه ومعه، ويتلقاها بطريقة تفاعلية بينه وبين الآخرين. هذا الاكتساب الذي يناله الفرد من مجتمعه، أو الثقافة التي يتلقاها منه تحمل، في حد ذاتها، قيوداً وحواجز وممنوعات. عندما يصل الفرد/ الإنسان إلى مرحلة من النضج الاجتماعي والثقافي يقوم بدور فاعل، مستنداً إلى كفاءاته الذاتية، حينئذ قد يمتلك المقدرة على تطوير هذه الثقافة. وفيما يضخه الفرد من ابتكاراته الفكرية والثقافية إنما يصبح ملكاً لهذا المجتمع، إذا حاز قناعة لديه.
2-البعد الفلسفي للحريـة
جاء تعريف الحرية في الموسوعة السياسية (د. عبد الوهاب الكيالي الصادرة عن مؤسسة الدراسات العربية- بيروت) كما حدده الفكر الليبرالي الفردي الأوروبي، كما يلي:
الحرية هي أساساً غياب الإكراه والقيود التي يفرضها طرف آخر، فالإنسان حر عندما يكون قادراً على اختيار هدفه وطريقه، وأن يكون في وضع يستطيع معه الاختيار بين احتمالين، وألا يكون مرغماً على اختيار ما لا يريد أن يختاره، سواء من خلال خضوعه لإرادة شخص أو دولة أو أية سلطة أخرى، وهذا ما يسمى بالحرية السلبية.
لكن، لكي تكتسب الحرية الفردية مفهومها الصحيح، حرية اختيار الهدف والطريق، أن يكون الاختيار واعياً، فكيف يتحقق الاختيار الواعي؟
يشكل التعليم والثقافة، بتوسيعهما لقدرة الإنسان على الاختيار والقرار، شرطاً أولياً مهماً من شروط ممارسة الحرية، فالمعرفة تطور قدرة الإنسان على الافعال الحرة والتصرف الحر.
فالحرية في بعدها الفلسفي، استناداً إلى ما عددناه من تعريفات، هي حرية مطلقة تتنافر مع مبدأ الضرورة الطبيعية والاجتماعية.
أما الحرية في بعدها الاجتماعي، فهي حرية نسبية، من شروطها الخلاص من القسر والإكراه، لكن، على ألا تتنافى مع الأعراف والقوانين الاجتماعية السائدة المشروطة بالوعي والمعرفة من قبل الفرد.
يتميز كل مجتمع بثقافته الخاصة، ولأن ليس كل أفراد المجتمع يقتنعون بهذه الثقافة يظهر داخل كل مجتمع عدد من الرافضين لها، كلياً أو جزئياً. هذا الرفض قد يؤدي إلى إنتاج فكري جديد. فإذا كان الفكر الجديد بمستوى من العمق يجيب فيه على حل مشكلات كثيرة، فإنه يشق طريقاً لكي يأخذ موقعاً في التراث الثقافي للمجتمع بما يُسهم في تطويره أو تغييره.
لكن الثقافة الملتزمة تثير إشكالية حول مفهوم الحرية في بعدها الفلسفي وهي التالية: كيف يستطيع الفرد/ الإنسان الملتزم ان يوفق بين مفهوم الحرية الفردية، وبين القيود التي يفرضها التجمع الذي انتسب إليه؟
فلكي لا يختل التوازن بين الحرية الفردية (في اختيار الهدف الفكري) وبين الحرية الفردية ( في اختيار وسيلة تطبيقه)، جاءت نظرية الديمقراطية لكي تجيب على هذه الإشكالية.

3- البعد السياسي – الاجتماعي لـ(الديمقراطية).
الديمقراطية، إذن، كما جاء في الموسوعة السياسية، هي نظام سياسي- اجتماعي يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة وفق مبدأين: المساواة بين المواطنين، ومشاركتهم الحرة في وضع التشريعات التي تنظم الحياة العامة.
فالديمقراطية تفتش عن الوضع الأفضل الذي يتحقق فيه البعد الفلسفي للحرية بنتائجها الفكرية والنفسية على الأنا وعلى الآخر. فهي، بهذا المعنى، تفتش عن أفضل إطار سياسي واجتماعي ممكن يستطيع أن ينظم العلاقة بين الأنا والآخر بشكل يطلق إرادة الحرية لدى الفرد ويمنع طغيان إرادة على أخرى.
أ- الد يمقرا طية ذات خاصية فردية، تُعنى بحرية الفرد:
مفهوم الديمقراطية يرتبط، إذن، مع عوامل فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية. وهذه العوامل يفترض وجودها في بناء العلاقات بين الإنسان والآخر.
فالمفهوم الديمقراطي في إطاره النظري، هو إقامة تسوية ما بين الأفراد. أما في حالة تطبيقه فتظهر صعوبة في تأمين التسوية العادلة ما بين الحقوق والواجبات الفردية، وهنا تظهر الحاجة المبدأية في ألا تكون التشريعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ثابتة، وإنما يجب أن تحمل إمكانية الحركة في تطويرها كلما برز الاختلال في التوازن بين الحريات الفردية.
ب- المركزية ذات خاصية اجتماعية تُعنى بحرية الجماعة:
قد تتحول مركزية السلطة إلى أداة للتسلط؛ في مثل هذه الحالة، يأتي بناء المؤسسات الديمقراطية، ووسائل ممارسة الحريات السياسة، الحل الممكن للحد من أية محاولة للمركزية بالانحدار تجاه التسلط.
وهل ليس للديموقراطية إشكاليات كونها مبدأ سياسياً خاضعاً للتطبيق؟
إن أية تسوية بين الفرد والآخر، على الأسس الديموقراطية النظرية ستكون نظرية محض إذا لم تراع الخصوصيات الفردية. فالمسألة النظرية للديموقراطية تساوي بين جميع أفراد المجتمع على افتراض أن جميع أفراد المجتمع متساوون في الخصوصيات والإمكانيات الفكرية والجسدية. ولذلك جاء المبدأ السياسي الذي يعتمد مبدأ حكم الأكثرية. وهنا تبدأ إشكالية الديموقراطية.
نقول بداية أن إثارة إشكالية مبدأ (حكم الأكثرية) ليس نفياً لعدالته، فالنفي يتناقض كلياً مع مبادئ العدالة والمساواة بين البشر. بل تأتي إثارتها من أجل الإسهام في وضع خطط مرحلية لتأهيل المجتمع الذي يصبح بإمكانه تطبيق هذا المبدأ تطبيقاً سليماً.
ومن أجل الإسهام في هذا الواجب، نثير الأسئلة التالية:
-إذا كانت أكثرية المجتمع تنتمي إلى دين واحد، أو إلى مذهب واحد. وإذا كانت غير محصَّنة ضد الطائفية، فمن الواقعي أنها، في ظل النظام الديموقراطي، ستختار ممثليها من دين واحد، أو حتى من مذهب واحد.
-إذا كانت الأكثرية في حزب واحد تنتمي إلى طبقة العمال، أو طبقة الفلاحين، أو طبقة المثقفين الثوريين، وإذا كانت غير محصَّنة بوعي تنظيمي تدرك فيه ضرورة التنوع في إمكانيات القيادة، فمن الواقعي أنها، في ظل النظام الديموقراطي، أن تختار ممثليها من الطبقة التي تمثل الأكثرية في مؤتمراتها.
ولكل ذلك نقول: إنه لا ديموقراطية من دون ديموقراطيين. فما هو العمل؟
كلها أسئلة تضيء الأجوبة عنها طريق الوصول إلى نظام ديموقراطي أقرب للتطبيق منه إلى البقاء في برج الديموقراطية العاجي. ولهذا، وفي سبيل تمهيد الطريق أمام الباحثين عن مبادئ العدالة والمساواة بين أبناء الجماعة الصغيرة الواحدة وصولاً إليها في علاقات الدول على مستوى العالم كله، أن نقوم بتقسيمها على أبواب ثلاث، وهي:
-الباب الأول: مبادئ العدالة والمساواة بين أبناء الجماعة الواحدة في الدولة الحديثة الواحدة. وهذا يشمل العلاقات الديموقراطية داخل الجماعة الواحدة كالجمعيات الأهلية أو الأحزاب السياسية، أو التيارات السياسية على شتى مشاربها.
-الباب الثاني: مبادئ العدالة والمساواة بين التيارات الثقافية المتعددة في الدولة الواحدة. كمثل الثقافات الدينية والعلمانية.
-الباب الثالث: مبادئ العدالة والمساواة على مستوى علاقات الدول في العالم.
يتمزَّق المجتمع العربي تياران ثقافيان متعارضان أو متناقضان، وهما: الثقافة القديمة بسماتها الدينية التي تجاوزت مهمتها الإرشاد الأخلاقي والنفسي إلى تحقيق أهداف سياسية. والثقافة الجديدة بسماتها الحداثية المدنية أو العلمانية.
ولأن الثقافة القديمة تشكَّل الوعاء الأساسي الذي ينهل منه معظم أفراد المجتمع العربي منذ مئات السنين، ويعتبر أن الثقافة الحداثية الجديدة جاءت بالضد من ثقافة الأكثرية الساحقة من هذا المجتمع، ويعتبر روادها أن الثقافة الجديدة تشكل غزواً ثقافياً خطيراً، شنَّ الرواد الأوصياء على الدين حرباً واسعة ضد الثقافة الجديدة.
ولهذا السبب، وانطلاقاً من مبدأ بحثي أكاديمي، يستند إلى أنه لا يمكن وصف العلاج لمريض من دون تشخيص المرض، سنبدأ بتشخيصه انطلاقاً من البحث عن مسألتين متلازمتين، وهما موقف الإسلاميين من العلمانية والديموقراطية. وأما السبب فلأن مبادئ الثقافة الحديثة تستند في بناء الدولة الحديثة عليهما.
ولذا سنبدأ بالبحث عن المسألة الديموقراطية في ميزانها أولاً. ومن بعدها ننتقل إلى البحث عن المسألة العلمانية في ميزان تلك الحركات ثانياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال