الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهروب الى العدم

مهند جاسم الشباني
كاتب

(Mohanad Jasim Alshabani)

2023 / 2 / 15
الادب والفن


هربت من الضجيج إلى العدم
اربعة من التوابيت..
التي دخلت الى جامع القرية البارحة
لم يبك عليها شخص ولم يشيعها احد
هل لانه لم يبقى احد يستذكرهم
ام ان الغياب الطويل انسى اهاليهم وجوههم وملامحهم وبالاخير اسمائهم..
او ان الذي يموت فجأة
لانستطيع ان نحزن عليه
لاننا لم نستعد بعد..
لذلك نحاول ان نتجاهل الموت ولو مؤقتا
او لاننا لم نسترح بعد من جنازة الاسبوع الماضي.
توابيت مركونة في احد جوامع القرية الطينية
احضرها رجل غريب دون ان ينبث بأي كلمة
ورحل مستعجلا
رفضت كل الاهالي استقبالهم
هكذا يقول المؤذن في سره
وهل ينكرون معرفتهم بأصحابها؟
لانعلم بعد
ويرفضون ايضا دفنهم..
كبر المؤذن فجرا
واعلن عنهم بسماعة المئذنة
ولا احد يستمع اليه
لاهدوء في الهدوء كما تظن.
او ان صوت المئذنة لايصل للجميع
درابين القرية صامتة هي الاخرى
اذ خلت من اصوات المارة او الاغنام
هدوء مطبق تماما
وصاحب الجامع يلوذ بصمته من التعجب
اين اهل القرية...!!
هكذا فكر صاحب الجامع في سره
اعظم امنياتنا في بعض الاحيان
"‏ هي أن لا يشعر الانسان بشئ اطلاقا."
وخاصة عندما يتعلق الموضوع بأشياء مفزعة كالموت...
لكن صاحب الجامع رجع يستذكر الاحداث امامه
خصوصا وان الوقت الان قبل شروق الشمس.
لذلك اخذ يراجع نفسه،
والوضع المقلق الذي فيه الان.
وقف امام التوابيت الاربعة متأملا !!
كيف مات اصحابها؟
فهذه اول مرة بعد الحرب
يبات مع موتى لغاية الفجر
وهو ينتظر ان يطل احد عليهم من اهاليهم.
اخذ يرواح في مكانه من التفكير
وهو يرتشف كوب من الشاي فجرا..
ويقول ماذا فعل هؤلاء في دنياهم؟
ليحصل لهم كل هذا الجفاء .
هل هم مجرمون ام مهاجرين ام قطاعي طرق ام مجهولين ام هاربين من مشاكل او جرائم.؟؟
مؤلم ان تعيش الحيرة ،
حين تتملكك رغبة في الفضول والصمت معا
دون توقف احيانا ، بلا حدود غالبا
و ما بين الرغبتين رغبة معرفة الحقيقة ،
" اكرام الميت دفنه"
بهذه القاعدة فكر المؤذن وقرر ان يدفنهم لوحده
شمر عن ساعديه وتوكل
قام بسحب التوابيت الاربعة لخارج الجامع
لكنه تنبه الى خفة ثقل التابوت الاول واستنتج انه جثة تعود لطفل او شاب ضعيف..
كانت الغرابة تزداد شيى فشيئا
مع سحب كل تابوت
فجميعها بدت خفيفة الوزن،
وبدا الشك يراود المؤذن عن ماهية الجثث
وهل هي محترقة او متفحمة
هكذا اخذ كل الاحتمالات الممكنة...
لكنه لم يتخيل
ولم يضع في باله ان يكشف عن التوابيت،
هكذا قرر وبسرعة
ليجد انها توابيت فارغة!!!
" التوابيت كانت فارغة "
لقد كانت التوابيت هدية
من جامع اخر جيئ بها اليهم
حيث يعاني جامع القرية
من عدم وجود توابيت فيه..
وقف المؤذن كثيرا امامها
ونظر الى نفسه؟؟؟
أليس معيبا أن نمضي بحياتنا
ونحن نفكر في الاشياء التي فقط نريد ان نصدقها
الانسان هو الكائن الوحيد
الذي يدرك حتميّة وجدلية الموت،
ومع ذلك يؤجل السعادة دائما.
يجب أن تفرحو فورًا.. حالاً.. الآن!
لا تؤجلوا الفرح ولا السعادة
بعد فوات الأوان
"اغزو من تحبون
احتلوهم بكل وسائل الحياة
، لا تنتظروا اعذارهم طاوقوهم،
اتخذوا من الحياة حُجَّة للمبادرة
وللمضي قدمآ.
لا تتركوهم يعانون الالم
وبأيديكم العلاح."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول