الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيما يسمّى ﺑ -الإمبريالية الثقافية-

عبد الحسين شعبان

2023 / 2 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر



ظهرت بدايات "العولمة" مع بزوغ عصر الرأسمالية، إلّا أن ما شهده العالم من تقدّم خلال العقود الثلاثة الأخيرة يكاد يفوق في حجمه الهائل وسرعته الفائقة كل ما حصل في تاريخ البشرية، ومع ذلك فالعولمة ما تزال في بداياتها وليس لها نهايات حسب ما يبدو، وهي ما تزال تخبئ الكثير من القدرات غير المكتشفة حتى الآن.
"الإمبريالية الثقافية" نمط استهلاك ثقافي يتأسس على شكل جديد للإمبريالية، شيّد على أنقاض النظام الإمبريالي القديم، حيث تمظهرت فيه الإمبريالية باعتبارها "أعلى مراحل الرأسمالية" حسب وصف لينين، وكان ماركس الأسبق في الكشف عن قوانين التطوّر الرأسمالي، إلّا ان ما أظهرته "العولمة" من قوانين جديدة تحتاج إلى معالجات جديدة إستنادًا إلى استنتاجات مختلفة تتجاوز ماركس ولينين، بحكم التطوّر الذي حصل في الطور الرابع للثورة الصناعية، الأمر الذي فرض نمطًا استهلاكيًا ثقافيًا كونيًا أريد له أن يكون وحيدًا، في حين كانت الإمبريالية القديمة تسعى لسيادة نمطها الإنتاجي الاقتصادي القادر على التحكّم بمتطلّبات السوق لإحكام الاستتباع .
وتمكّنت الرأسمالية من تجديد نفسها وإعادة تركيب أولوياتها وتدوير أزماتها والخروج من مآزقها، وهو ما أتاح لها الظهور بوجه ثقافي جديد ومهيمن، بحيث يسعى للتحكم بمخيّلة البشر والتأثير عليهم والتغلغل في العقول والتوغّل إلى منظومة القيم لدرجة إملاء طريقة العيش.
ويمكن الاستدلال على ذلك بنموذج الموبايل والإنترنت الذي دخل الأكواخ الفقيرة مثلما دخل القصور المنيفة، وذلك كي يسود نمط الاستهلاك الثقافي المعولم، والذي سيؤدي بالتدرّج إلى إلغاء التعدّدية الثقافية والتنوّع الثقافي لصالح نموذج وحيد سائد ومسيطر، ومن هذا الباب يمكن تفهم حساسية واشنطن من منافسة بكين وصراعها معها وانفعال إجراءاتها بما فيها اللجوء إلى فرض عقوبات عليها وتحميلها نتائج ما جرى من انتشار كوفيد 19.
ويعني إلغاء التنوّع الثقافي، إلغاء الخصوصيات القومية والدينية واللغوية والأعراف والتقاليد الاجتماعية، إضافة إلى طريقة العيش ونمط الحياة، بسيادة نموذج استهلاكي ثقافي وحيد بحيث يصبح "هويّة" أساسية "للجميع. وهكذا تصبح الثقافة طريقًا للهيمنة وتعميم ذلك اقتصاديًا وسياسيًا، من خلال العولمة.
وإذا كانت تلك فرضية وسعيٍ لتنفيذها من جانب القوى المتنفذة، فهل هي كليّة الجبروت أم ثمة عقبات أمامها؟ إن مأزق العولمة كنمط استهلاك ثقافي هو مأزق الثورة العلمية وثورة المعلومات والاتصالات والثورة الرقمية "الديجيتال" أيضًا، وبقدر ما تحتوي العولمة على درجة عالية من القبح والتوحّش، فإن فيها بعض الإيجابيات، ولا بدّ من الإفادة من إيجابياتها، ومشروع العولمة هو نقيض للحداثة، بل هو مشروع ما بعدها، ولذلك بشّرت العولمة وما بعد الحداثة بموت الأيديولوجيا وموت التاريخ وموت الفلسفة وموت المثقّف، وهو ما دعا إليه فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ"، في محاولة لفرض نمط استهلاكي ثقافي واحد، إلّا أن حسابات الحقل ليست مطابقة لحسابات البيدر، فقد اندلعت موجة عارمة من الهويّات الفرعية قادت إلى انتشار العقائد والأديان والأيديولوجيات وكل مظاهر التنوّع الثقافي، الذي انتعش عقب انحلال الكتلة الاشتراكية وما بعدها، وهذا أدّى إلى تعميم الحقوق والحريّات والقيم الإنسانية، أي قيم الثقافة وحقوق الإنسان، إستنادًا إلى حداثة التكنولوجيا والإعلام والاقتصاد، وهو ما يُعتبر عائقًا أمام ما بعد الحداثة، وبهذا المعنى نشأت الممانعة الثقافية القائمة على التنوّع الفسيفسائي الموجود في العالم.
وتسعى الإمبريالية الثقافية إلى تغيير قيم الناس وقناعاتهم بوسائل ناعمة قد تكون أشد إيذاءً وخبثًا، وذلك بهدف دفعهم إلى الاستسلام أمام القوّة التي لا يمكن مجاراتها في الإبداع والابتكار، خصوصًا وأن الإمبريالية تعمل على إعلاء قيم شعوبها وثقافتها، وبالمقابل تحقير ثقافة الغير وازدرائها، وكل شيء يأخذ نقيضه، فمقاومة العدوان يعتبر إرهابًا والدفاع عن الخصوصية تسمى إنعزالية، ورفض شروط صندوق النقد الدولي يُعتبر إحدى الكبائر التي تلقى عقوبات.
وتستخدم الإمبريالية الثقافية جميع الوسائل الناعمة لتحقيق أهدافها بالتأثير على الشعوب والأمم وجعلها تخضع لهيمنتها، دولًا أو مجتمعًا مدنيًا أو منظمات غير حكومية أو قوى وأحزاب سياسية، وذلك بعد خلخلة البنية الفكرية وإضعاف الخصوصيات بحجّة الكونية والمعايير العامة.
وتركّز بشكل خاص على المثقفين لما لهم من تأثير في مجتمعاتهم، وهذه الفئة الأخيرة تشعر باضطهادات مزدوجة من جانب سلطات الاستبداد والقوى التقليدية والدينية من جهة، ومن ضغوط الخارج فتضعف مقاومة بعضها الذي يبرّر الانصياع إلى القوى الخارجية النافذة خاضعًا لشروط الإمبريالية الثقافية باعتبارها "أهون الشرين" كما يجري تبرير ذلك. وليس عبثًا أن يعلن بريمر في كتابه "عام قضيته في العراق" أنه صرف 780 مليون دولار كمنح ومساعدات للمجتمع المدني في العراق خلال عام واحد، ولم يخبرنا أحد أنه استفاد من هذه المساعدات، التي قال أنها ذهبت إلى صحف ومراكز أبحاث ودراسات ومؤسسات ناشئة وأشخاص تواطؤا مع الاحتلال وقبلوا بمشروعه، وذلك جزء من التوجه النموذجي اليوم للرضوخ للإمبريالية الثقافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الامبريالية الثقافية شعار ماضوي رجعي
منير كريم ( 2023 / 2 / 15 - 21:36 )
الاستاذ المحترم عبد الحسين شعبان المحترم
شعار الامبريالية الثقافية( واقول شعار لانه لاواقع له) شعار يهدف الى الحفاظ والتمسك بالتراث
المتخلف الرجعي تراث الحقب الاقطاعية والعبودية
التراث الذي يعادي الحريات وحقوق الانسان ويقف ضد الحداثة الفكرية والتكنلوجية
هذا التراث تتسلح به القوى الديكتاتورية والشمولية الدينية والقومية واليسارية الماضوية من اجل السيطرة على الشعوب واستعبادها
لكن انتشار الحداثة الثقافية والتكنلوجية ظاهرة لايمكن صدها لانها تساير الحاجات الانسانية المتطورة
شكرا


2 - شوف عبد الحسين مالم تنظف دماغك من فايروسات ماركس و
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2023 / 2 / 15 - 22:44 )
وفايروسات ابو السفلس -مخترع كلمة امبريالية لان عناده القومي الشوفيني لم يسمح له الانخراط في اوربا كما اراد التنويريين الروس كبليخانوف لان حضرته اهتم بالسكس وباسم روسيا فكره العالم كله وبنى امبراطورية القتل واحتقار الانسان باسم الفاشية البربرية التي سمةها بلشفيه وسوفيتيه وكذا ضاعت على الشعب الروسي البائس فبقى تحت الفقر والعوز والعنجهية الشوفينيه-جوز بطل ولاتكون دنبطجي لفاشية الشرطي بوتين-اصل نظرية ماركس عنصرية تفتيتيه للمجتمع باعلاء مكانة ال15بلمئه من اجهل المواطنين واحتقار ال85 بالمئة وخاصة المثقفين -ثم مالنا نحن والبروليتاريا والراءسماليه ونحن لازلنا لانصنع شيئا وحتى خبزنا اليومي نستورده-لماذا روسيا اليوم باقتصالها بالكاد بحجم اقتصاد اسبانيا او كوريا الجنوبيه او كندا وكل من هذه اصغر من مجتمع روسيا عشر مرات وبداءت التطور الصناعي بالامس القريب ناهيك عن المستعمرات السابقه هونكونغ وتايوان وماليزيا وبلد الخير والرفاه حاليا سنغافوره-تذكر عبد الحسين ان ابو السفلس في خطابه الاول لشعوب الشرق توجه الى الد اعداء تقدمنا الى الاسلاميين هل تتذكر ليقفوا ضد الاخذ بحضارة العلم والعمل والثقافة المليو


3 - ألانفتاح الفكري ليس ثقافة امبريالية
د. لبيب سلطان ( 2023 / 2 / 16 - 07:52 )
الاستاذ د. عبد الحسين شعبان
الانفتاح على الحضارات والافكار والانجازات في العالم الذي اصبح ممكنا من خلال الانترنت ومواقع التواصل لا يروق للانظمة الديكتاتورية حتما ومثلها السلفية الفكرية ومنها اجد تسميتكم لها ثقافة امبريالية هو اشتراك معهم باتهامها خصوصا وانتم تذكرون مماثلا بما يذكروه انهاتقضي على التنوع الثقافي ومنه الديني والقومي والعادات والتقاليد وهذا مانسمعه من شيوخ السلفية في ذهمهم للانترنت والحضارة الغربية
ولكنكم وفي نفس مقالتكم ترجعون عن ذلك وتتناقضون عندما تذكرون ان نفس الديجيتال والانترنت ومواقع التواصل ساعد على خلق ثقافة الممانعىة والتنوع
في الاولى هاجمتموها وربطتموها كونها اداة ثقافة امبريالية وفي الثانية تحمدونها كونها خلقت
ثقافة ممانعة
ومنه افهم ان الطريقة هي لسب حضارة الغرب وماتولره من حريات ولم افهم علاقة البنك الدولي والامبريالية اعلى مراحل الراسمالية والعولمة اذا كان الموضوع مناقشة محاسن ومساؤي الانترنت او التواصل ، او لماذا مثلا ربطتمموها بموت الفلسفة والتاريخ والتنوع اذا ساهمت بخلق ثقافة التنوع والممانعة ..اجد ان سب الغرب كما يسبه السلفيون دعما لهم


4 - لم يكلف أحد عقله للتفكير في هذه الإشكالية المعقدة
حميد فكري ( 2023 / 2 / 16 - 14:55 )
تحية للسيد الكاتب
(ويعني إلغاء التنوّع الثقافي، إلغاء الخصوصيات القومية والدينية واللغوية والأعراف والتقاليد الاجتماعية، إضافة إلى طريقة العيش ونمط الحياة، بسيادة نموذج استهلاكي ثقافي وحيد بحيث يصبح -هويّة- أساسية -للجميع.)
هذه الفقرة تطرح إشكالية معقدة ،أراهن على أن أي من المتدخلين لم يكلف عقله لحظة واحدة للتفكير فيها بجدية،ولذلك راحو جميعا يعترضون عليك وأحدهم تمادى أكثر فنسي أدب الحوار وكال لك من السب والشتم حتى لأنه نسي مرة آخرى أنه يدعي الليبرالية وحرية التعبير وماشابه .
السؤال ما هي حدود الحفاظ على الهوية والإنفتاح على العالم ؟
أنا كماركسي تقدمي ،لا أمانع أبدا من تجاوز كم هائل من التراث المتخلف عندنا على كل المستويات.
فلا ثورة حقيقية دون هدم الماضي التعيس ،لكن بشرط ألا نصبح مجرج سوق تبعية إستهلاكية كما يريدنا البعض.
هذا هو التحدي .
أما الأجوبة أعلاه فلا أعتقد أنها تقدم شيئا مفيدا .كما أن القول بالإنعزالية ،أو التوفيقية،كما يبدو لي في المقال ،لا يختلف في شيء عن أجوبة المتدخلين الثلاث .
تحياتي للجميع


5 - قلم آينشتاين
طلال بغدادي ( 2023 / 2 / 18 - 14:33 )

عبد الحسين شعبان يكتب من ذاكرة استوطنتها اكاذيب الشيوعيين

وبالعودة إلى قلم آينشتاين، فقد أهداه إلى أحد تلامذته النابغين وأصبح هذا رئيساً لجامعة بغداد 1963-1958وظلّ يحتفظ بالقلم الثمين الذي خصّصه للتوقيع على شهادات الخريجين، لكنه فقده يوم اعتقل وأهين إثر انقلاب دموي 8 شباط 1963 واضطرّ بعدها إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة ليتوفى فيها العام 1969 إنه عبدالجبار عبد الله عالم الفيزياء النووية.
https://www.azzaman.com/%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%88%d9%86%d8...

مما اضطر عائلة د عبد الجبار عبد الله الى انشاء موقع الكتروني لتصحيح اكاذيب الشيوعيين الذي يرددها عبد الحسين شعبال وغيره من الشيوعيين

http://www.ajabdullah.com/.%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB...
لم يكلف نفسه تصحيح الامر
كيف يمكن تصديق مايكتبه هذا الرجل

اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم