الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا حالة الهيام بالقطاع الخاص الآن فى مصر ؟!

أحمد فاروق عباس

2023 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


هناك حالة هيام وحب - غير متبادل - ألمت بالمصريين تجاه القطاع الخاص فجأة !!
وأصبح الكل يتكلم عن الظلم الذى يتعرض له القطاع الخاص فى مصر ، وعدم إفساح المجال له للعمل والنشاط ، مما أثر على الدولة التى تم الاكتشاف فجأة أنها لا تنتج شيئا بسبب التضييق على القطاع الخاص !!
فهل هذا صحيح ؟!
يتميز المصريون أن لهم ذاكرة الأسماك أو ذاكرة الفئران ، فكل شئ فيها ينسى بعد حين ..
ربما تستحق قصة القطاع الخاص فى مصر أن تستعاد - سريعا - وأن تروى ، فليس من عادة المصريين إعادة النظر فيما حدث في بلادهم بالأمس ، ويظنون أن اليوم الذى يعيشونه هو البداية وهو النهاية !!
كان الأصل فى مصر هو القطاع الخاص فى أغلب تاريخها الاقتصادى الحديث ، وذلك فى فترة يبلغ طولها أكثر من ١٨٠ عاما ، إلا فى فترة بسيطة لا تتجاوز ١٥ سنة فقط قاد فيها القطاع العام الاقتصاد المصرى !!
فمنذ زمن محمد على - سنة ١٨٣٨ تحديدا - فتح الباب واسعا أمام رؤوس الأموال الأجنبية للعمل في مصر بضغط من بريطانيا ، وفرض على محمد على تجميد مشروعات الدولة تمهيدا لتصفيتها ، وهو ما حدث بالضبط ..
رفعت الدولة المصرية يدها تماما عن التدخل في الاقتصاد المصرى منذ منتصف القرن التاسع عشر ، إلا فى إقامة الترع والمصارف والسدود ..
فماذا فعل القطاع الخاص المصرى والأجنبى ؟!
بالنسبة للقطاع الخاص المحلى كان همه الأكبر الاستهلاك الترفى ثم بناء القصور في الريف أو فى عواصم المديريات أو فى العاصمة ، ولم يعرف عن المصريين استثمار أموالهم في الصناعة اطلاقا ، ولم تكن هناك صناعة اصلا فى مصر أيامها حتى يستثمر أحد أمواله فيها !!
فهل استثمر القطاع الخاص المصرى أمواله في الزراعة وتوسيع مساحة الرقعة الزراعية المصرية واستصلاح الأراضي الصحراوية ..
الإجابة .. لا
فرقعة الأرض الزراعية لم تزد منذ أيام محمد على كثيرا ..
أما رؤوس الأموال الدولية - الاستثمار الأجنبى المباشر بلغة هذه الأيام - فقد أتى بعضها فعلا إلى مصر ، وكان اغلب نشاطها فى الاقتصاد الزراعى ، وخاصة القطن .. زراعة وتصديرا ومضاربة ، وما يستلزم زراعة القطن وتصديره إلى مصانع الغزل والنسيج البريطانية من اهتمام كبير بالرى ومشروعاته من سدود وخزانات ، ثم إنشاء خطى سكة حديد بين القاهرة والإسكندرية ، والقاهرة والسويس لنقل محصول مصر الذهبى إلى مصانع أوربا ..
وباستثناء شركات بنك مصر التى أنشأها رجل عالى الهمة هو طلعت حرب بعد ثورة ١٩١٩ ، لبقيت مصر كما كانت منذ آلاف السنين تعيش فى عصر الزراعة ، ولا تستطيع أن تتخطاه !!
لكن جهد وهمة رجل واحد لا تقيم اقتصاد دولة ، فضلا عن الرجل تم محاربته حتى مات مهموما ومحسورا عام ١٩٤١ ..
وجاءت ثورة يوليو ١٩٥٢ ، أو انقلاب العسكر بلغة هذه الأيام ، وفتح العسكريين الجدد المجال واسعا أمام القطاع الخاص المصرى والأجنبى للعمل في مصر ، وقدمت له الحوافز والامتيازات بدءا من عام ١٩٥٣ حتى عام ١٩٦١ ..
تسع سنوات كاملة ، كان القطاع الخاص المصرى والأجنبى فى الساحة وحدة تقريبا ، اللهم إلا بعض المشروعات البسيطة للدولة ، أو تمصير الممتلكات البريطانية والفرنسية بعد عدوان ١٩٥٦ ..
فى ماذا استثمر القطاع الخاص المصرى أمواله فى تلك السنوات ؟
هل فى الصناعة ؟
هل فى الزراعة ؟
كان الجزء الاعظم من أموال القطاع الخاص المصرى وقتها إما نائما في البنوك والمصارف محبوسا عن خدمة بلده أو مستثمرا في القطاع العقارى .. بناء العمارات الجديدة وتأجيرها او بيعها !!
ثم اضطرت الدولة مع إحجام القطاع الخاص عن العمل إلى التدخل بنفسها فى الاقتصاد ..
وكانت تلك هى قصة ال ١٥ سنة التى قادت فيها الدولة الاقتصاد فى مصر ، بدء من التأميمات التى قام بها جمال عبد الناصر عام ١٩٦١ وعام ١٩٦٣ ، ثم إقامة القطاع الصناعى المصرى الذى تملكه الدولة ..
واستمر هذا الوضع حتى عام ١٩٧٤ ..
ففى ذلك العام تحول الاقتصاد المصرى مرة أخرى - أو بدء التحول - من الاشتراكية إلى الرأسمالية ..
ومن قيادة القطاع العام للاقتصاد فى مصر إلى قيادة القطاع الخاص له ..
وصدر عام ١٩٧٤ القانون رقم ٤٣ الخاص باستثمار رأس المال العربى والأجنبى ، ورجع إلى مصر من هرب بأمواله أيام موجة التأميمات فى بداية الستينات ..
وقدمت مرة أخرى الحوافز والضمانات والامتيازات للقطاع الخاص ، وعدلت من أجله القوانين ، وأصبح رجال الأعمال وزراء فى الحكومات المختلفة بدءا من ٢٠٠٢ ، وسيطروا فعليا على البرلمان ..
وعرفت مصر وقتها الاحتكار .. احتكار الحديد واحتكار الأسمنت واحتكار غيرهما من السلع ..
وكان سيطرة رجال الأعمال على السياسة والاقتصاد في مصر - أو ما قدم للناس كذلك - أحد الأسباب الرئيسية لثورة يناير ٢٠١١ ..
وبرغم مشروعات تستحق الاحترام فى مدينتى العاشر من رمضان و ٦ أكتوبر لم يقم القطاع الخاص المصرى بالدور المتوقع منه ..
وانتهت الأمور إلى ثورة يناير ٢٠١١ ..
وتوقف عمل القطاع الخاص فى مصر أو كاد مع اضطراب الظروف السياسية ..
وفى عام ٢٠١٣ ومع ذهاب الإخوان ومجئ الرئيس السيسي كانت أحوال الاقتصاد المصرى تدعو إلى القلق الشديد ..
فالقطاع الخاص متوقف عن العمل أو ضخ استثمارات جديدة ، والاستثمار الأجنبى المباشر لن يأتى في ظروف كهذه ..
لجأ الرئيس السيسي إلى المؤسسة الوحيدة في مصر التى كان بمقدورها العمل بسرعة وتحقيق الإنجاز .. القوات المسلحة ..
وانطلقت القوات المسلحة في طول البلاد وعرضها بناء للطرق والكبارى ، وتوسيع قناة السويس وإقامة بعض المشروعات الصناعية والغذائية ..
كان ذلك توسعا فى دور بدء منذ أواخر عصر الرئيس السادات وتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩ ..
وكان المنطق انه مع اقتصاد مرهق ومكبل باحتياجات شعب كبير مثل مصر فإنه من الأفضل أن تساعد القوات المسلحة - وهى إحدى مؤسسات الدولة - فى وقت السلم فى عمليات التنمية فى مصر ..
كانت البداية أن تكفى القوات المسلحة نفسها من السلع الغذائية ، ثم تساعد بقدر الإمكان في عمليات تجديد البنية الأساسية المصرية ..
وبدون الدخول في تفصيلات كثيرة والاستناد إلى تجارب مماثلة في دول أخرى ، فإن القوات المسلحة المصرية وجدت نفسها في قلب مشكلات مصر الاقتصادية ، كما ألقيت إليها من قبل ومع تنحى مبارك مشكلات مصر السياسية ..
كانت تلك أدوار دعيت إليها القوات المسلحة ولم تطلبها ..
ومثلما كان دور القوات المسلحة السياسى فى إنقاذ مصر من مصير مجهول عرضة للهجوم الشديد من أطراف بعينها ، جاء الدور على دور القوات المسلحة الاقتصادى ليأخذ نصيبه من الهجوم ..
لم تكن القوات المسلحة مدعوة أساسا للقيام بدور سياسى فى مصر لو كانت قوى الإنتاج من النمو والنضج حتى تقيم أحزابها وتمارس هى السياسة ، ولكن ليس للطبقة العاملة أحزاب فى مصر ، كما أنه ليس للطبقة الرأسمالية أحزابها أيضا ، كما يحدث في التجربة البريطانية مثلا ..
وحتى عندما قامت أحزاب تدعى تمثيل الطبقة العاملة مثل حزب العمال المصرى والحزب الشيوعي المصرى ، أو الطبقة الرأسمالية - مثل الحزب الذى أنشأه نجيب ساويرس بعد ٢٠١١ - فإن كان مفهوما أمام الجميع أنها أحزاب أفراد أو مجموعات تدعى ما ليس لها ..
ولم يستطع خطاب هذه الأحزاب أن يجذب أحد أو يلهم أحد ، وترك - بالتالى - الباب مفتوحا أمام أحزاب تستغل المقدس الدينى طريقا مفروشا إلى السلطة ، وهى أحزاب وفئات بطبيعة وجودها داع للفتنة والتقسيم بين الأديان المختلفة في بلد واحد ، أو حتى داخل الدين الواحد ذاته ..
كما لم تكن القوات المسلحة مدعوة أساسا للقيام بدور اقتصادى في مصر لو كانت قوى الإنتاج - وخاصة القطاع الخاص - من القوة ومن الجرأة أن قامت هى ببناء مصر زراعة وصناعة وخدمات ، واستعادت تجربة الطبقة الرأسمالية فى الغرب على ضفاف النيل ..
ولكن ذلك لم يحدث ..
والآن أصبح الجيش ومشروعات الجيش فى مرمى النيران ، وقد طرحت مؤخرا ٣٢ شركة تساهم القوات المسلحة في بعضها أمام القطاع الخاص ، لعله يرضى ويسكت ويؤدى دوره الذى طال انتظاره ..
يمكن أن يحدث في مصر كما يحدث فى الصين مثلا ، فهناك قطاع عام كبير ، وهناك أيضا قطاع خاص كبير ، كما أن للجيش الصينى وجوده في الإقتصاد الصينى ، وأكبر شركات قطاع التكنولوجيا في الصين - هواوى - جزء كبير من اسهمها يملكه الجيش الصينى ، وهو ما دعا الرئيس ترامب إلى وضعها فى مقدمة الشركات التى فرضت عليها عقوبات أمريكية عام ٢٠١٨ ..
و بالنسبة للقطاع العام ، فهو موجود ومؤثر في أغلب دول العالم ، وهناك من يرى أن صناعة السلاح في أمريكا فى قبضة الدولة ، فرؤساء كبرى شركات السلاح يتنقلون من العمل فى المناصب القيادية في البنتاجون والعمل فى شركات السلاح بسهولة ، إضافة إلى أن البنتاجون هو الزبون الوحيد لهذه الشركات والمشترى لكل إنتاجها ، وهو من يتولى بيعه إلى دول العالم ، ما يجعل وصف صناعة السلاح الأمريكية بأنها أكبر قطاع عام فى العالم صحيحا إلى حد كبير ..
وبرغم عدم ثقتى - من طول التجارب - فى القطاع الخاص المصرى فإن على الإنسان أن يدع سوء ظنه جانبا ، فلعل الله يخلف الظنون ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل