الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية -الوارث- للكاتب خليل بَيدَس من الناصرة: أول رواية فلسطينية وثاني رواية عربية

مصلح كناعنة

2023 / 2 / 15
الادب والفن


إنَّ كون هذه الرواية أول رواية فلسطينية هي حقيقة لا جدال عليها، وهي الرواية التي كُتبَت ونُشرت عام 1920. أوليس من دواعي الفخر والاعتزاز أن تكون أول رواية فلسطينية من تأليف أحد أبناء الناصرة الجليلية، والذي اتخذ من حيفا والقدس منصات لنشاطاته الأدبية والثقافية كأحد رواد النهضة والتنوير في العالم العربي؟

وُلد خليل بيدس في الناصرة عام 1874، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الروم الأرثوذكسية في المدينة، ثم التحق بدار المعلمين الروسية في الناصرة لمدة ست سنوات، وبعد تخرُّجه منها عُيِّن مديراً للمدارس الروسية في سائر فلسطين وسوريا ولبنان. ومن خلال إتقانه للغة الروسية أصبح خليل بيدس مولعاً بالأدب الروسي، وخصوصاً روايات بوشكين وتولستوي، فقام بترجمة أربع روايات من روائع الأدب الروسي، من بينها رواية "ابنة القبطان" لبوشكين، صدرت كلها في بيروت في العامين 1898 و1899. وحين نُقل من الناصرة إلى المدرسة الأرثوذكسية في حيفا وأسس مجلة "النفائس" عام 1908، استمر بترجمة روائع الأدب الروسي ونشرها على حلقات في المجلة ومن ثم إصدارها كروايات في كتب مستقلة كان يوزعها على القراء مع أعداد مجلة النفائس في أشهر الصيف، فكانت هذه بداية تعريف العالم العربي بالأدب الروسي، فأصبح خليل بيدس يُعرف في فلسطين والعالم العربي كرائد الترجمة الروسية – العربية.

في نهاية عام 1908 انتُخب خليل بيدس من قبل الروم الأرثوذكس في الناصرة لتمثيلهم في "المجلس المختلط" في القدس، فانتقل للعيش في القدس وهناك أعاد تأسيس مجلته باسم "النفائس العصرية" فكانت من أوائل المجلات الأدبية العربية التي لاقت رواجاً واسعاً في فلسطين والعالم العربي وبين الجاليات العربية في المهجر.

وفي عام 1916 انضم خليل بيدس إلى الحركة الوطنية العربية المناهضة لحكم الأتراك وأصبح يقود المظاهرات العربية المطالبة بالانفصال عن الدولة العثمانية، فأصدرت الدولة العثمانية حكماً عليه بالإعدام، ولكنه نجا من الموت بفضل البطريارك داميانوس الأول، بطريارك الكنيسة الأرثوذكسية في القدس. وفي عهد الاحتلال البريطاني لفلسطين عاد خليل بيدس للانخراط في العمل السياسي المناهض لحكم الإنجليز والهجرة اليهودية إلى فلسطين، فكان يلقي الخطب العصماء احتجاجاً على "وعد بلفور" ويدعو الناس إلى العصيان المدني ضد حكومة الانتداب. وفي عام 1921 قاد أول مظاهرة عربية ضد الإنجليز في القدس، فحكمت عليه السلطات البريطانية بالإعدام ثم استُبدِل هذا الحكم بالسجن لمدة 15 عاماً، فأودع في سجن عكا حتى إطلاق سراحه في عام 1935، ومنذ خروجه من السجن أصبح مدرِّساً للغة العربية وآدابها في مدرسة المطران في القدس وظل في هذه الوظيفة إلى أن تقاعد عام 1945، وفي هذه الأثناء استمر في تحرير وإصدار مجلة "النفائس العصرية". وفي نكبة عام 1948 انتقل مع عائلته إلى عمان في الأردن، ثم انتقل بعد ذلك بقليل إلى بيروت ليعيش بالقرب من أبنائه حتى وفاته في التاسع من شباط عام 1949.

بالإضافة إلى 15 كتاباً مترجماً عن الروسية، ألف خليل بيدس 44 كتاباً، معظمها في التربية ومناهج التدريس وفي اللغة وآدابها، كان آخرها "المُعجم العربي الكبير" الذي كان يشتغل عليه عند الرحيل عن فلسطين عام 1948، وكان الكتاب لا بزال مخطوطة غير مكتملة فوقع في أيدي القوات اليهودية وضاع إلى الأبد. ومن بين هذه الكتب كانت رواية "الوارث" التي نُشِر معظمها على مراحل في مجلة "النفائس العصرية"، ثم نشرت ككتاب منفرد عام 1920 ولكن هذا الكتاب فُقِد منذ ذلك التاريخ ولم يتم العثور على أية نسخة منه، وظلت بعض تفاصيل الرواية تُذكر في أحاديث من كانوا قد قرأوها في حينه، حتى تمكن ناشطان فلسطينيان من العثور على نسخة من الرواية في مكتبة إحدى الجامعات الإسرائيلية عام 2011، فقاما بتصويرها ثم نشرها كما هي (حتى بأخطائها المطبعية)، وهي الرواية التي بين أيدينا الآن.

على الرغم من أن "الوارث" هي بالفعل أول رواية فلسطينية، فإن تصنيفنا لها كرواية "فلسطينية" مستمّدّ من هوية كاتبها وليس من مواصفاتها كرواية، فأحداثها لا تدور في فلسطين بل في مصر، وليس فيها أي شيء من فلسطين وإنما هي موضوعة في سياق الأجواء المتوترة التي سادت المجتمع المصري في القاهرة عشية الحرب العالمية الأولى. غير أنَّ انشغال ذهن المؤلف بالأوضاع السياسية المُقلقة في فلسطين يتجسد في تكريس المؤلف للرواية بأكملها لوصف اليهود – فئة كبيرة من اليهود في القاهرة – كـ"عصابة شريرة" (ض 125) متعاضدة في تآمرها على الآخرين، تتصف كلها بالطمع والجشع والانتهازية المُفرطة والنزعة البنيوية إلى الاستيلاء على أملاك الآخرين دون رحمة أو وازع من أخلاق أو ضمير، وهو يعتمد في هذا على الأفكار النمطية المسبقة التي كانت سائدة عن اليهود كتجار ومُرابين و"مصاصي دماء" يفتقرون إلى الرحمة والفضيلة. وضحية هؤلاء اليهود في الرواية ليس مصرياً، وإنما هو الشاب السوري (المسيحي) "عزيز" الذي يقع في "حب" الشابة اليهودية "إستير"، الفنانة الاستعراضية باهرة الجمال التي يجعلها المؤلف تجسيداً حياً للعهر والخلاعة والمجون، تتلاعب بالرجال وتهب نفسها لمن يغدق عليها العطاء أكثر من غيره. والغريب أن المؤلف النصراوي خليل بيدس اختار أن يكون بطل روايته (الشاب اليتيم "عزيز حلبي" الذي رباه عمُّه التاجر السوري الثري المقيم في القاهرة) شاباً مسيحيا سورياً (من سوريا) وليس فلسطينياً (من فلسطين)، فهو يذكر في الصفحة الأولى من الرواية أن "عزيز حلبي" كان "من أسرة سورية شريفة هاجرت إلى الديار المصرية بعد حوادث سنة 1860". وحوادث سنة 1860 التي يشير إليها المؤلف هنا هي ما يسمَّى "مَقتلة الموارنة" التي جرت في لبنان وامتدت إلى حلب ودمشق، والتي نشأت عقب ثورة الفلاحين الموارنة على الإقطاعيين ومُلاك الأرض الدروز، فرد الدروز على ذلك بهجوم كاسح راح ضحيته حوالي عشرين ألفاً من الموارنة ودمّرت أكثر من 380 قرية مسيحية في لبنان وغرب سوريا، وفي ذلك العام هاجرت عائلات مارونية من سوريا ولبنان إلى فلسطين ومصر وقبرص وتركيا هرباً من الدروز.

لقد أراد خليل بيدس أن يقلد بوشكين وتولستوي فأخطأ الهدف، فنجمت عن ذلك رواية تقليدية رتيبة مُسَطَّحة، بليغة اللغة ولكنها ساذجة في وصفها للشخصيات والأحداث، أخلاقية تربوية يتلخص مغزاها الرئيسي في انتصار الفضيلة على الرذيلة (انتصار الفضيلة العربية على الرذيلة اليهودية)، وتتمحور حبكتها الروائية حول التناقض بين شخصيتين نسائيتين تتجاذبان البطل الرجل "عزيز": شخصية الشابة اليهودية "إستير"، الفنانة الراقصة الرخيصة الخليعة الماجنة التي ليس لجشعها روادع أو حدود، وشخصية الشابة المصرية المسيحية "نجلاء" ابنة عم "عزيز"، فتاة البيت العفيفة الشريفة، المتعلمة المثقفة، المتفانية في الحب والتضحية والعطاء، والتي تنقذ بحُسن أخلاقها ابن عمها من براثن الغانية اليهودية وشبكتها العنكبوتية الإجرامية. ولا شك أننا نرى في هذه الرواية مثالاً واضحاً ونمطياً على الفكر الذكوري الذي يجعل أخلاق المجتمع متمثلة ومتجسدة في المرأة وسلوكها تجاه الرجل، بينما يختزل الرجل إلى مجرَّد ضحية للمرأة وقوى الإغراء والجذب التي تمارسها على الرجال سلباً أو إيجاباً. والكاتب إذ هو يصف الغانية "إستير" بالعهر والخلاعة، فإنه يعفي من هذه الصفات الرجال الذين يخلقون بشهواتهم الجنسية الخليعة المجال الخصب لعهر تلك المرأة وخلاعتها، وكأنَّ هذا السلوك اللاأخلاقي لا يصبح عهراً وخلاعة إلا في حالة النساء.

ولكن علينا ألا ننسى أننا نتحدث هنا عن أول رواية فلسطينية وثاني رواية في تاريخ الرواية العربية على الإطلاق بعد رواية "زينب" للكاتب المصري محمد حسين هيكل من عام 1914، ولذا فعلينا أن نهتم بهذه الرواية ونحتفي بها ونعطيها حق قدرها كأول رواية فلسطينية، خصوصاً وأن الغالبية العظمى ممن يؤرخون للرواية العربية يذكرون أول رواية عربية في مصر، وأول رواية عربية في العراق، وفي لينان، وفي سوريا، ولكنهم لا يذكرون أول رواية عربية في فلسطين ولا يأتون على ذكر هذه الرواية في سياق تاريخ الرواية العربية. ثم إن مسيرة الرواية العربية في فلسطين لم تستمر تصاعدياً بعد انطلاقها في رواية "الوارث" لخليل بيدس عام 1920، بل كان علينا أن ننتظر حوالي أربعين عاماً حتى مجيء غسان كنفاني في ستينيات القرن العشرين ومن ثم سحر خليفة في الثمانينيات.

(القدس، الشركة الرقمية للنشر والتوزيع، 2011)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل