الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل لقراءة كتاب المادية وتفكيك الانسان للمفكر عبد الوهاب المسيري

عبد الرزاق ايت بابا

2023 / 2 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عمل المرحوم عبد الوهاب المسيري، في هذا المؤلف، على نقد :

١ - التصور المادي الكامن، والذي هو جوهر مختلف كل النظريات الحديثة، من الماركسية الى النيتشوية الى الداروينية. وهذا التصور المادي الكامن هو الذي ينتج ما يسميه المسيري بالايديلوجيا الواحدية، وهي الايديلوجيا التي لا تسمح بوجود الفروق بين المواضيع :
١ - اذ لا فرق بين انسان وآخر ( نقد المدرسة السلوكية التي حاولت تفسير المعطى الانساني من خلال مقولتي المثير والاستجابة، والتي الغت كل محتوى داخلي من قبيل الروح او الوعي او القصد او الحرية الشخصية )
٢ _ او بين مجتمع ومجتمع ( نقد المسيري للماركسية، والتي رغم مرجعيتها المتجاوزة، الا انها ظلت في نظره محصورة في الاطار المادي الكامن، والتي لا تقر بوجود فروق بين المجتمعات الا على اساس تطور قوى الانتاج وعلاقات الانتاج الملازمة لها )
٣ - او بين الانسان والحيوان ( اذ تم تفكيك جوهر الانسان الى مجرد اجزاء متعددة، جزء يدرسه علم النفس، وجزء يدرسه الاقتصاد، وجزء يدرسه علم المادة الحية ... الخ، دون البحث في الانسان من حيث هو كائن المطلق، وهذا هو جوهر فكرة التسوية الانطولوجية، اي المساواة بين كيانات غير قابلة للمساواة أصلا ).
٢ - نقد العقل الأداتي، من حيث هو عقل يحاول تحويل كل المعطيات الطبيعية او الانسانية الى مجرد قياسات كمية، حيث استعار المسيري هنا بعض مفاهيم مدرسة فرانكفورت الالمانية، وابدع مفهومين محوريين، الاول هو مفهوم المادة الاستعمالية والثاني هو مفهوم التسوية الانطولوجية بين الكائنات. فالعقل الاداتي ينظر الى كل الموجودات على اساس طبيعتها الاستعمالية لا غير. من هنا يمكن فهم الابادة النا.زية لليهود والمثليين والمتخلفين عقليا، لان فكرة الطبيعة الاستعمالية لا تلتزم بأية أبعاد نهائية، خلقية، للفعل الانساني في التاريخ، انها تعامل الانسان فقط من اجل تحقيق مصلحة معينة لا غير. ان العقل الاداتي يسقط في نزعة مركزية بعد ان نزع عنه كل فكرة مركزية، لقد تم تعويض المركزية الالهية بمركزية الرجل الابيض، ومركزية اوروبا في مقابل الثقافات الاخرى.
٣ - اكد المسيري ( وقبله فيبر ) ان العلة المادية لا يمكن ان ينتج عنها سوى علة مادية اخرى مساوية لها من حيث القيمة، ان المادة با تنتج سوى المادة ، اما القيمة فلا يمكن ان تنتج سوى عن الوعي الانساني. ان الوعي الانساني وحده من يضفي القيمة على الموجودات المحيطة به. ان القيمة هي امر اضافي بمعنى ما، شيء يلصق الوعي بالموجودات ( انظر كتاب الاستاذ عبد الله العروي، مفهوم الايديلوجيا، الفصل المخصص لفيبر ).
نقد المسيري للعلم الحديث :
لقد انطلق العلم الحديث بالقطع مع فكرة العلة الغائية التي حكمت الثيولوجيا القديمة، سواء مع أرسطو او الدين التوحيدي، هاته الفكرة التي تقول ان العالم محكوم بغاية داخلية وله قصد معين. هذا القطع، انتج تصورا عن الطبيعة حيث الطبيعة كل لا تتخلله الفراغات، او الصدف، او الخصوصية. ففي عالم الطبيعة من المنظور الحديث :
١ - كل شيء متساو، وهذا ينفي منح القيمة لكائن دون غيره من الكائنات، اذ ان كل الكائنات تتساوى من حيث القيمة الانطولوجية. اي على الضد من الدين التوحيدي الذي يقر بتكريم الانسان وتنزله منزلة سامية عن بقية الكائنات، من حيث هو كائن ذو كرامة لا يمكن المساس بها في اي حال من الاحوال.
٢ - الطبيعة تصبح موضوعا للفعالية الانسانية التقنية، وبالتالي تمنح الحداثة الاوروبية، الاولوية للموضوع على حساب الذات من حيث القيمة. وتنتهي الذات الى ان تستلب من موضوعها. وبالتالي تم تبسيط الواقع واختزاله الى مقولات تفسيرية مادية نهائية، حيث يحتل الموضوع المجرد من كل حس او عاطفة او قصدية او وعي محل الصدارة.
٣ - الايمان بوحدة الطبيعة، اي بعدم وجود فراغات تتخللها، وبالتالي، السقوط في النزعة الحتمية في علم الكائن العضوي او الكائن الانساني. وهاته الوحدة الطبيعية، او الواحدية المادية كما يسميها المسيري، تتسع الى مدى يتم فيه تصفية كل مطلق او معيار او مرجعية متجاوزة او نهائية ( الهية كانت ام انسانية )، حيث نصل الى عالم لا مركز مطلق فيه، عالم يتساوى فيه الانسان تماما مع الاشياء، ويتم التسوية بينها اذ يتم الهجوم على اية مركزية او معيارية كانت.
ولتلخيص فكرة الكتاب المركزية، يكتب المسيري ان الحضارة الغربية العلمانية " هي حضارة فريدة من نوعها، فلأول مرة في تاريخ الانسانية يلغى الهدف والغاية ويتحرر المطلق منهما، فيصبح لوجوس بلا ثيوس، وميتافيزيقا بلا اخلاق، وهذا هو الادراك الاساسي الكامن وراء عالم ما بعد للحداثة، فهو عالم صفي وطهر تماما من المطلقات الروحية والمرجعيات المقدسة النهائية، فلا مركز ولا هامش، وانما عالم افقي متساو مسطح لا يوجد فيه وضع خاص او متميز لأي شيء، ومن ضمن ذلك الانسان، ولهذا فهو عالم خال من المعنى، لا يمكن للدار ان يرتبط فيه بمدلول، لانه عالم لا يحتوي على اي مطلق يربط بين التفاصيل كلها "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال