الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية كعلم .موريس كورنفورث

دلير زنكنة

2023 / 2 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ترجمة دلير زنگنة

محاضرة ماركس التذكارية ، 14 مارس 1960.
…………………………

جلبت نتائج أبحاث كارل ماركس العلمية إلى حركة الطبقة العاملة معرفة بطبيعة الاستغلال الرأسمالي ، وأسباب المتاعب والصعوبات التي واجهتها في ظل الرأسمالية ، وبالتالي ، ما يجب القيام به لإزالة هذه الأسباب. لقد زودت الحركة بنظرية علمية توضح كيفية تحرير البشرية من الاستغلال وبناء مجتمع يمكن للناس فيه العمل بطريقة تعاونية لتلبية احتياجاتهم في الحياة.

كان الناس يحلمون لقرون بمجتمع خالي من النزاعات الاجتماعية ، ولا يعيش فيه إنسان على حساب الآخر ، ويتعاون فيه الكل لصالح كل شخص و الجميع. بقيت الفكرة لفترة طويلة مجرد يوتوبيا: لا أحد يستطيع أن يرى كيفية تحقيق مثل هذا النظام. مثلما حلم الناس بالطيران ، لكن لا أحد يستطيع أن يرى كيفية عمل ذلك. ولكن ، مع اختراع محرك البنزين ، كان لدى الناس الوسائل اللازمة للطيران ؛ وبعد ذلك ، من خلال اكتشاف وتطبيق قوانين الديناميكيات الهوائية ، نجحوا في القيام بذلك. وبالمثل ، عندما تم بناء الصناعة الحديثة ، تأسست ما يكفي من وسائل لانتاج و تلبية احتياجات كل إنسان بشكل كامل. كانت الشروط موجودة للقيام بذلك ، و بينت الماركسية علمياً كيفية تحقيق ذلك.

النقطة المهمة إذن هي تأمين اتحاد النظرية العلمية للماركسية مع حركة جماهير الطبقة العاملة. إذا بقيت النظرية في حيازة عدد قليل من المثقفين فقط ،فإنها لا تقود إلى شيء . و إذا كانت الحركة العمالية تفتقر إلى النظرية العلمية ، فقد تستمر في النضال - أحيانًا تنجح وأحيانًا لا - من أجل المطالب الفورية ، ولكن لا يمكنها إحداث تحول اجتماعي. عندما يتحدون ، عندئذ وعندئذ فقط يمكن البدء بفعالية في النضال لبناء نظام اجتماعي جديد.

القوانين الأساسية للتطور الاجتماعي

بدأت حياة الإنسان في أجزاء مختلفة من العالم منذ آلاف السنين ، وفي ذلك الوقت أدت إلى ظهور مجموعة متنوعة مذهلة من الانواع الاجتماعية والأحداث الاجتماعية. كانت هناك قبائل ، ممالك ، جمهوريات ، أنظمة استبدادية ، اوليغارشية ، ديمقراطيات. كانت هناك حركات دينية وثقافية وحروب ومذابح وثورات. صعد رجال عظماء إلى الشهرة ، و حرضوا الناس على اعمال ثورية ، و سببوا لهم أضرارا و فوائد . لقد أدى البحث المضني للمؤرخين إلى ترتيب كل هذه الاحداث في تسلسلات زمنية- حتى نعرف ماذا كان الظرف الاجتماعي وما حدث في مكان وزمان ما ، وما حدث بعد ذلك.

هل من الممكن معرفة أكثر من مجرد ما حدث؟ هل من الممكن اكتشاف قوانين موضوعية ، ضمن مزيج الأحداث الاجتماعية ، يفسر عملها كيف ولماذا اتبعت الأحداث المسار الذي سلكته؟

هذا السؤال يحتاج إلى بعض الإيضاح حتى لا يتحول إلى سؤال عبثي. إذا طُرح السؤال من اجل العثور على قوانين موضوعية بحيث تشرح لماذا ، مثلًا، اغتيل يوليوس قيصر في منتصف مارس وليس في تاريخ آخر ، أو لماذا اختار أوكتافيان وريثًا له بدلاً من أي شخص آخر - لكان هذا تحولا إلى العبثية . لا داعي للشك في أن كل ما يحدث له سبب ؛ لكن احداث متعددة باسباب خاصة لا يمكن صياغتها في قوانين عامة تفسر كيفية حدوث كل حدث محدد و عمله بطريقته المحددة، السؤال المنطقي هو العثور على عمليات معينة داخل الأحداث ، يمكن تعريفها عن طريق القوانين العامة ، بحيث تتوافق جميع الأحداث الخاصة مع عمل تلك العمليات ويمكن القول بأنها مشروطة بها.

مثل هذه العمليات والقوانين التي تحكمها هي ما اكتشفه ماركس داخل المجتمع البشري ، وبالتالي وضع أسس علم الاجتماع - تمامًا كما وضع تشارلز داروين ، في نفس الفترة تقريبًا ، أسس علم البيولوجيا .

اتخذ اكتشاف ماركس الشكل العلمي لفرضية جريئة وعامة للغاية ، يمكن اختبارها والتحقق منها من خلال مقارنتها بالسجل التاريخي ، في الماضي والحاضر. لكنها لم تكن بأي حال من الأحوال مجرد تخمين ملهم , بل تم التوصل إليه من خلال عملية فكرية بسيطة للغاية ومنطقية. تتمثل هذه العملية في طرح السؤال الصحيح ، السؤال الذي عند طرحه، تكون الإجابة عليه بديهية. هذه هي الطريقة التي يتم بها إجراء معظم الاكتشافات العلمية العظيمة. في الواقع ، اتبع ماركس ببساطة إجراءً معياريًا متبعًا في العلم.

السؤال الرئيسي للعلوم الاجتماعية هو كما يلي:

أيًا كان الشكل الذي قد يتخذه المجتمع ، وأيًا كانت الأنشطة الاجتماعية التي يمكن أن تحدث ، هل هناك أي شرط يجب وجوده دائمًا حتى يمكن لأي مجتمع وحياة اجتماعية أن توجد على الإطلاق؟

بمجرد طرح هذا السؤال ، تصبح الإجابة بديهية . أجاب إنجلس على السؤال في خطابه على قبر ماركس عندما لخص عمل ماركس العلمي:

"الإنسان يجب أولا أن يأكل ويشرب ويجد المأوى والملبس قبل أن يصبح في استطاعته الإهتمام بالسياسة والعلم والفن والدين الخ... وبالتالي فإن إنتاج الوسائل المادية الضرورية للعيش ومن ثمة درجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف شعب ما أو في حقبة ما تشكل الأساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة والمفاهيم الشرعية والفن وحتى الأفكار حول الدين التي يختص بها هذا الشعب أو ذاك وعلى ضوئها يجب أن تفسر…"

الشرط الوحيد ، الثابت ، الضروري لأي مجتمع هو أن يتجمع البشر لإنتاج وسائل عيشهم المادية. وبالتالي ، فإن عملية الإنتاج الاجتماعي هي العملية الأساسية للحياة الاجتماعية. انها"أساسية " بالمعنى الدقيق التالي : أن الحياة الاجتماعية تبدأ به ، وأنها موجودة باستمرار طوال الحياة الاجتماعية ، ولا يمكن أن يحدث أي نشاط اجتماعي آخر ما لم تدعمه هذه العملية الأساسية .

قلت أن هذه الفرضية كانت بديهية. بالفعل، إلا اذا التقينا بمجتمع لديه سياسة ودين وفن دون أن ينخرط أحد في الإنتاج ، الا اذا التقينا بجنود أو سياسيين أو فلاسفة يعيشون على الهواء ولا يحتاجون إلى عمل العمال لابقائهم احياء، و إلا فان حقيقة هذا الشرط غير قابلة للجدال. من مثل هذه الحقائق البسيطة والواضحة تتراكم الاكتشافات العلمية العظيمة.

من هذه البداية ، توصل ماركس الى صياغة فرضية عامة ، تتكون من عدة أجزاء مترابطة ، والتي يمكن القول أنها تشكل معًا قانونًا عامًا للتطور الاجتماعي .

(1) من أجل تحقيق الإنتاج ، يجب على الناس الدخول في علاقات إنتاج. هذه تتعلق بملكية وسائل الإنتاج ، وبطريقة توزيع المنتج ، وفي كليتها تحدد البنية الاقتصادية للمجتمع.

(2) يدخل الناس في علاقات إنتاج ، وبالتالي يرتبطون ببعضهم البعض في تنظيم اقتصادي ، مستقل عن أي قرار واع ولكن بتوافق مع طبيعة قواهم الإنتاجية. وهذا يعني أن الأشخاص الذين يعتمدون في عيشهم على تقنيات إنتاج معينة يطورون علاقات ملكية - وبالتالي علاقات طبقية - المناسبة لتلك التقنيات. على سبيل المثال ، ستعيش قبيلة صيد بدائية الحياة الاجتماعية للمشاعية البدائية. عندما يتم تدجين الحيوانات ، تميل ملكية القطعان إلى أن تصبح ملكًا لعائلات معينة داخل المجموعة . المصانع الحديثة تم تطويرها من قبل الرأسماليين الذين استخدموا العمالة المأجورة. وهلم جرا.

(3) ستنشأ بعد ذلك المؤسسات الاجتماعية ، ومعها أنظمة الأفكار السائدة ، بما يتوافق مع البنية الاقتصادية للمجتمع. سيكونون بحيث يؤدون الى استمرار نمط الإنتاج السائد. على سبيل المثال ، لا يمكن للقبيلة البدائية أن تمتلك جمعية تشريعية ، أو جيش دائم وقوة شرطة ، أو جامعات. من ناحية أخرى ، فإن مثل هذه المؤسسات مطلوبة لاستمرار المجتمع الرأسمالي الحديث. فقط عندما يوجد أساس اقتصادي معين تنشأ مثل هذه المؤسسات.

تشكل هذه الافتراضات الثلاثة المفتاح لشرح كيفية تقدم التنمية الاجتماعية وكيف تنشأ وتتغير السمات التاريخية المختلفة للمجتمع.

قيود على التطور

بالتوازي مع قوى إنتاج معينة ، تنشأ علاقات إنتاج معينة. ضمن علاقات الإنتاج هذه ، تنمو في نهاية المطاف قوى إنتاج جديدة. ثم ينشأ الوضع، على حد تعبير ماركس ، عندما تبدأ علاقات الإنتاج القديمة في العمل "كقيود" على التطور الإضافي للإنتاج. يجب بعد ذلك تغيير علاقات الإنتاج ؛ و القوة التي تجعل هذا التغيير ممكنا هي الطبقة أو الطبقات في المجتمع التي تشعر بشدة بالتأثير المعرقل لعلاقات الإنتاج القائمة. كانت هذه ، على سبيل المثال ، الطبقة الرأسمالية الصاعدة في الأزمنة الإقطاعية ، و هي الطبقة العاملة اليوم. من أجل تغيير الهيكل الاقتصادي ، يحدث صراع ضد مجموعة كاملة من المؤسسات والأفكار التي كانت نتاجًا و في خدمة هذا الهيكل: بالضد منهم ستكون أفكار جديدة ومطالب لوجود مؤسسات جديدة. ستكون البنية الاقتصادية للمجتمع الجديد ، والطابع العام لمؤسساته وأفكاره ، نتاج هذا النضال.

تتكون هذه الفرضية العامة لماركس حول قوانين التطور الاجتماعي من افتراض علاقة ديناميكية بين ثلاثة عوامل في المجتمع - قوى الإنتاج ، وعلاقات الإنتاج ، والبنية الفوقية الاجتماعية للمؤسسات والأفكار. هذا القانون هو قانون علاقة ديناميكية للتوافق بين هذه العوامل الثلاثة. صرح ماركس بأن هذا القانون ضروري وثابت: و سيظل دائمًا يعمل في أي مجتمع بشري.

الخطوة العلمية الرئيسية التي اتخذها ماركس ، بعد أن تم توضيح النقطة التي مفادها أن كل مجتمع يعتمد على إستمرارية عملية الإنتاج ، كانت تجريد المتغيرات الأساسية الثلاثة - قوى الإنتاج ، وعلاقات الإنتاج ، والبنية الفوقية - و افترض علاقاتها الداخلية الديناميكية الضرورية. يوفر هذا القانون العام أساس كل العلوم الاجتماعية. كان ، كما قال ماركس ، "الخيط المرشد" لجميع الدراسات الاجتماعية. كل الأحداث الاجتماعية في كل مكان و زمان، يمكن تفسيرها، كتجسيد عمل هذا القانون العام.

يجدر التأكيد مرة أخرى على أن هذا أمر بسيط و بديهي. من الصعب حقًا أن نرى كيف يمكن أن ينشأ أي شيء مختلف في المجتمع. هل يمكن أن تنشأ علاقات إنتاج غير مناسبة لقوى الإنتاج المعينة؟ أو عندما تصبح قيودًا على الإنتاج ، هل من الممكن تجنب الصراع من أجل علاقات إنتاج جديدة؟ مرة أخرى ، هل يمكن لمجتمع أن يعيش ، حين لا تكون مؤسساته في خدمة عملياته الاقتصادية الأساسية؟ هل يمكن تشكيل مثل هذه المؤسسات؟ وعندما تصبح مثل هذه المؤسسات بالية ، هل سيكون من الممكن تجنب الصراع لتغييرها؟ إذا طرحنا مثل هذه الأسئلة ، فإن القوانين التي صاغها ماركس تبدأ في الحصول على نفس المظهر البديهي والمقنع ، لعلى سبيل المثال ، قوانين الثرموديناميك. قد يتساءل المرء أيضًا عما إذا كان النظام الفيزيائي قادرًا على توليد الطاقة من لا شيء. إذا تم بناء محرك لا يوجد وقود له ، فإن ذلك يتعارض مع قوانين الثرموديناميك . وإذا تم إنشاء مجتمع لا يوجد فيه تطابق بين الإنتاج والبنية الاقتصادية والبنية الفوقية الاجتماعية ، فإن ذلك يتعارض مع قوانين التطور الاجتماعي كما صاغها ماركس. لكن لا يوجد مثل هذا المحرك ولا مثل هذا المجتمع. يتم دائمًا التحقق من مثل هذه القوانين الأساسية للعلم من خلال جميع الحقائق ذات الصلة ، ولا توجد أي حالات تثبت خطئها .

ماركس وداروين

قال انجلس في خطابه الذي سبق أن استشهدت به ، عند قبر ماركس: "كما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية ، كذلك اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري". هنا شدد انجلس ، على ما سأحاول توضيحه هنا ، أن اكتشاف ماركس كان اكتشافًا علميًا: اكتشاف قوانين التطور التي تعمل في العالم الموضوعي. لم يكن وحيًا نبويًا ، لم يكن بندًا من بنود الإيمان. لقد أعلن قوانين لا تعرف أي استثناء ، لكنها لم تكن عقيدة. تم هذا الاكتشاف ، وتم التحقق منه ، من خلال تطبيق أساليب علمية لا تختلف على الإطلاق عن الأساليب المستخدمة بنجاح في فروع العلم الأخرى.

من المفيد تتبع اقتراح انجلس و بحث التشابه بين عمل واكتشافات ماركس وداروين بإيجاز. سيتبين أن ادلة نظرية ماركس للتاريخ البشري هي في جوهرها من نفس طبيعة ادلة نظرية داروين لتطور الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي. إنها نظريات علمية متماثلة، وتستند إلى حد كبير إلى نفس النوع من الفرضيات والأدلة. هذه حقيقة يبدو أنها قد غابت عن أنظار اصحاب القول في المنهج العلمي أمثال البروفيسور كارل بوبر أو برتراند راسل.

تتفق نظريات ماركس وداروين في كونها نظريات للتطور. وهما في تناغم -أي أن وصف ماركس لكيفية تطور المجتمع البشري يتفق تمامًا مع تفسير داروين لكيفية تطور الحياة العضوية حتى ظهور النوع البشري. يشكلون معًا كلاً متسقًا ، ويضعون الإنسان والمجتمع البشري في سياق الحياة العضوية على سطح الأرض. في الوقت نفسه ، تم وضع هذه النظريات بشكل مستقل. لا يعود التشابه اللافت للنظر بين المناهج العلمية و الاستنتاجات لدى ماركس وداروين إلى تأثر أحدهما بالآخر. كانت الصياغات الأولى لنظرية ماركس سابقة لداروين. وداروين ، الذي نشر كتاب " أصل الأنواع" بعد أحد عشر عامًا من ظهور "البيان الشيوعي" ، في نفس العام الذي اصدر فيه ماركس كتاب "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي" ، الذي احتوت مقدمته على ملخص ماركس الناضج لنظريته، بالتأكيد لم يتأثر ماركس. كان التشابه يرجع إلى حقيقة أن كل منهما كان باحثًا علميًا بارزًا ، وبالتالي وظف الأساليب العلمية الكامنة في عملية البحث العلمي نفسها ، وتوصل إلى استنتاجات متوافقة .

إن الاقتراح الذي يُطرح في بعض الأحيان بأن ماركس استخدم منهجًا خاصًا للبحث - المنهج الديالكتيكي - لم يكن معروفًا من قبل ولا يزال غير معروف لأي شخص باستثناء الماركسيين ، يخفي ببساطة الطابع العلمي لعمل ماركس. ليست هناك حاجة لامتلاك منهجية خاصة لبرهنة و التحقق من المفاهيم الماركسية: فمناهج العلم المقبولة تكفي تمامًا لهذا الغرض. في الواقع ، إذا لم يكن الأمر كذلك ، لكان معارضو الماركسية على حق في إنكار طابعها العلمي. بالنسبة لأولئك الذين يتوصلون إلى استنتاجات بطرق أخرى غير الأساليب العلمية المجربة ، يُعرفون بالنزقين أو الدجالين وليس برجال العلم. ولكن كما قال لينين ، وكما أوضح ماركس نفسه في مقدمته للمجلد الأول من رأس المال ، فإن منهج ماركس الديالكتيكي "ليس سوى الأسلوب العلمي المطبق في علم الاجتماع". (لينين ، من هم أصدقاء الشعب ، وكيف يحاربون الاشتراكيين الديمقراطيين)

إن نقطة البداية لنظرية داروين هي حقيقة بسيطة و بديهية حول ما هو ضروري وثابت
كشروط وجود أي شكل من أشكال الحياة العضوية - أي أن الكائنات الحية تعيش في بيئة تحصل منها على متطلباتها من اجل الحياة. لذلك ، فإن أي تغييرات في الكائن الحي قد تكون مواتية أو غير مرغوبة للبقاء على قيد الحياة. ثم أخذ داروين في الاعتبار حقيقتين ، تنوع الكائنات الحية والطابع المتغير للبيئات ، وافترض وجود علاقة ديناميكية بين الكائنات الحية والبيئات ، بحيث يتم اختيار الاختلافات المواتية للبقاء والتخلص من غير المواتية ، مما يؤدي إلى تطور الأنواع. .

طبق داروين هذا القانون لشرح تعدد الأنواع الموجودة والعلاقات بينها. تتوافق الحقائق المرصودة مع القانون ، تمامًا كما يتوافق السجل الاجتماعي مع قانون التطور الاجتماعي الذي أعلنه ماركس.

القوانين العامة

النظريتان متشابهتان في البساطة و العمومية و البداهة : يمكن للمرء أن يرى كيفية حدوث ذلك و عدم امكان حدوثه إلا بهذا الشكل. أنها متشابهة من حيث أن أساسهما يتألف من تحديد شرط عام وثابت لوجود الظواهر قيد البحث ، ومن ذلك يتم تأطير فرضية تنص على علاقة ديناميكية ثابتة. و انهما متشابهتين من حيث أن القوانين البسيطة التي تمت صياغتها لها قوة تفسيرية فيما يتعلق بمجال واسع للغاية من الأمثلة. في كل حالة هناك أدلة هائلة ، وكلها تدعم النظرية.

ميزة أخرى لكل من الماركسية والداروينية هي أن القوانين الأساسية التي اكتشفوها ليست حتمية الطابع. و كما في حالة بعض النظريات في العلوم الفيزيائية ، لا تتعامل هذه النظريات مع تحديد الأحداث الفردية ولكن مع النتائج على مدى فترة زمنية لعدد كبير من التفاعلات الفردية. تتعامل النظرية الداروينية مع عواقب تنوع الكائنات الحية في بيئات مختلفة: على المدى الطويل ، يجب أن تكون العواقب هي تطور الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي. فيما يتعلق بما يجعل الكائنات الحية تختلف ، فهذه مسألة بحث علم الوراثة والكيمياء الحيوية. وبالمثل ، تتعامل نظرية ماركس مع عواقب بقاء الأفراد في المجتمع: مهما كانت نواياهم الفردية ، يجب أن يؤدي تفاعلهم المتبادل في المجتمع دائمًا إلى استخدامهم للقوى الإنتاجية المتوفرة ، مع تكوين علاقات إنتاج تتوافق مع تلك القوى المنتجة ، و تكوين ما يناسبها من المؤسسات والأفكار. وهذا يجب أن يحدد الطابع العام لمجتمعهم. كما قال ماركس نفسه: "يصنع البشر تاريخهم بأنفسهم ، لكنهم لا يصنعونه كما يحلو لهم". (الثامن عشر من برومير لويس بونابرت) اما يتعلق بأسباب الأفعال الفردية ، فيمكن دراستها من قبل علم النفس.

و لأن نظريتي ماركس وداروين تتعاملان فقط مع النتائج الإجمالية لعدد كبير من الأحداث الفردية ، وليس مع تحديد كل حدث "بالتفصيل" ، فإن كلا النظريتين تتمتعان بنفس القدرة على الاقرار بحالات معينة ناتجة من أسباب معينة و التي لا يمكن توقعها من حيث القوانين العامة وحدها. وهكذا يمكن للداروينية أن تفسر العديد من السمات الغريبة للأنواع من حيث مثل هذه الأسباب الخاصة. وبالمثل ، لا مانع عند الماركسية للإشارة ، على سبيل المثال ، إلى التوظيف الكامل نسبيًا في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية ، و الاقرار أن هذا يتعارض مع كلام ماركس حول الجيش الاحتياطي للعاطلين عن العمل في ظل الرأسمالية. على العكس من ذلك ، هناك أسباب خاصة تؤثر على التوظيف في بريطانيا في هذا الوقت والتي يمكن للنظرية الماركسية العامة التعرف عليها بشكل كامل. لو حدث في الواقع ، ان الرأسماليين في بريطانيا قد ضحوا بأرباحهم من أجل إغاثة الفقراء والمحتاجين ، فإن ذلك ، في الحقيقة سيتعارض مع النظرية الماركسية العامة. لكنهم لم يفعلوا ذلك بعد.

تشترك كل من النظريتين الداروينية والماركسية في الاتساع والمرونة التي تتميز بها جميع النظريات الأساسية للعلم ، والتي تمكنها من تبني العملية المتعددة الأشكال لمجموعة كبيرة ومتنوعة من الأسباب الخاصة.

معارضة داروين وماركس

في ما يتعلق بالأساس العلمي والأدلة، فإن أسباب قبول الماركسية تساوي تقريبًا تلك الخاصة بقبول الداروينية. ورفض أحدهما ظلامية مثل رفض الآخر: إنه ينتمي إلى نفس المستوى من ظلامية الاعتقاد بأن الأرض مسطحة. ومع ذلك ، تتفق كلتا النظريتين في نقطة أخرى ، وهي أنه لم يكن لأي منهما ممر سهل في الطريق الى القبول العام. إذا لم يعترض عوائق اخرى ، فسيقبل الناس الأدلة بشكل عام. ولكن هناك أحكام مسبقة وأفكار مسبقة ترفض تقبل الأدلة.

كانت المقاومة المسعورة حقًا ضد نظرية التطور لداروين ترجع إلى حقيقة أنها أطاحت ببعض الأفكار المسبقة العميقة الجذور. قبل ذلك بوقت طويل ، أُدين أتباع كوبرنيكوس لإثباتهم أن الأرض كانت مجرد كوكب للشمس ، لأن هذا بدا أنه ينكر المكانة المركزية في خلق الله المفترض أن الإنسان سيد الأرض. لكن اكتشافات داروين كانت أسوأ بكثير. لقد وجهت اساءات بثلاث طرق.
أولاً ، لقد قوضوا المكانة الخاصة للإنسان ككائن منفصل عن بقية عالم الحيوان ، الخلق الأسمى لله ومالك الروح الخالدة ، من خلال إظهار كيف تطور الإنسان بشكل طبيعي من القردة العليا.
ثانيًا ، خاصة عندما اقترنوا بالاكتشافات المعاصرة في الجيولوجيا ، فقد قوضوا أسطورة الخلق بأكملها ، والتي بموجبها خلق الله الأرض ، كاملة مع جميع أنواع النباتات والحيوانات ، كمسكن للإنسان.
ثالثًا ، أفسدوا ما كان دائمًا أقوى حجة لوجود الله ، أي ما يسمى بالحجة من التصميم. إذا كان العشب يطعم البقرة ، وأعطتنا البقرة اللبن - وهكذا استمرت هذه الحجة - فهذا بالتأكيد دليل على التصميم الرائع للخالق.
ولكن تبين الآن كيف يمكن أن يحدث كل هذا من خلال الانتقاء الطبيعي ، دون أي تصميم على الإطلاق. باختصار ، من خلال إظهار كيف تطورت أنواع الكائنات الحية عن طريق الانتقاء الطبيعي ، قدم داروين تفسيرًا ماديًا لأشكال الحياة ، ودمر الأساس لكامل صرح النظرية المثالية ،التي صمدت لفترة طويلة دون تحدي باستثناء عدد قليل من الراديكاليين المتطرفين.

لقد تمت تسوية هذا الجدل الكبير منذ فترة طويلة لصالح نظرية التطور لداروين. باستثناء بعض الأشخاص ،الساذجين إلى حد ما ،في الولايات المتحدة الأمريكية - الموطن المعاصر للقضايا الخاسرة - فقد تم قبولها على أنها مبرهنة . ويتعين على المثاليين ، بمن فيهم حتى اللاهوتيين من الكنيسة الكاثوليكية ، إعادة كتابة نظرياتهم لتلائمها.

بالمقارنة مع نظرية التطور ، فإن النظرية الاجتماعية للماركسية تعطي نفس النوع من الإساءة، وإن كان بدرجة اكبر ، بالإضافة إلى نوع آخر وأسوأ. قد يقال أنها مسيئة على مستويين.

في المقام الأول ، بينما أطاح داروين بمواقف المثالية بشأن أصول الجنس البشري ، أطاحت الماركسية بالمثالية في مسائل الحياة الاجتماعية للإنسان. انها توضح كيف يشكل البشر المجتمعات ، ويؤطرون أفكارهم ومبادئهم ، على أساس عملية الإنتاج المادية. انها توضح كيف أن التطور البشري برمته ، المادي والروحي ، مشروط بتطور الظروف المادية للوجود الاجتماعي للإنسان. وهكذا فإن الفكرة الكاملة لقداسة ، وعقلانية ، أو ديمومة مؤسسات انسانية معينة قد تمت الإطاحة بها. و تم التخلص من آخر معقل للمثالية - مفهوم الوعي البشري على أن مصدره النهائي شيء آخر غير العالم المادي-

في المقام الثاني ، يوضح تطبيق النظرية الماركسية في دراسة المجتمع الرأسمالي المعاصر الطابع المؤقت العابر لنمط الإنتاج الرأسمالي. يظهره على أنه ذروة سلسلة من أساليب استغلال العمل البشري. إنه يوضح التناقض بين الجماعية الاجتماعية المتزايدة للإنتاج في ظل الرأسمالية والتملك الرأسمالي الخاص ، بين فوضى الإنتاج الرأسمالي ككل وتخطيط الإنتاج في وحدة الإنتاج الفردية ؛ إنه يوضح حتمية الصراع الطبقي. وأخيرًا ، يُظهر بوضوح أن هذه التناقضات لا يمكن حلها إلا من قبل الطبقة العاملة ، و التي ستقود جميع العاملين، عن طريق الاستيلاء على السلطة ، بإضفاء الطابع الاجتماعي على وسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل ، والبدء في بناء مجتمع اشتراكي يكون فيه جميع الإنتاج مخطط من اجل الرفاهية المشتركة.

إذا قبلت و برهنت العلوم الاجتماعية هذه الاستنتاجات ، فلن يتم قبول العلوم الاجتماعية داخل النظام الرأسمالي. وهكذا ، بينما يعترف معظم المؤرخين الآن ، و ان بطريقة خفية ، بدون اعلان علني، بالكثير من التفسيرات الماركسية للتاريخ الماضي ، عندما يتعلق الأمر بالحاضر فهم جميعًا ، جنبًا إلى جنب مع جميع الاقتصاديين وعلماء الاجتماع والمنظرين السياسيين ، مهما يكن الثمن من التناقض والارتباك ، يرفضون النظرية الماركسية.

كانت الماركسية وما زالت نظرية حركة الطبقة العاملة ، والتي ضمن صفوفها وحدها يمكن لمثل هذه النظرية ان تعمل و يتم قبولها واستخدامها.

الماركسية وحركة الطبقة العاملة

ما هو إذن فوائد النظرية الماركسية لحركة الطبقة العاملة؟ . ثلاثة . (1) إنها تزود الحركة بالمعرفة العلمية للوضع الاجتماعي الفعلي للطبقة العاملة. (2) تمكن الحركة علميا من صياغة أهداف عملية. و (3) توجه الحركة في وضع الإستراتيجية والتكتيكات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف.

(1) أن يدفع أصحاب العمل أقل ما يستطيعون و يحصلو على أكبر قدر ممكن من العمل مقابل ذلك ، وأنهم مستعدون لإلقاء أي عدد من العمال على جانب الطريق إذا لم يكن توظيفهم مربحًا ، هي حقائق أصبحت مالوفة جدًا منذ بداية نظام العمل المأجور ، ومع ذلك قد يحاول أصحاب العمل و كتابهم المأجورين تمويهها أو تزيينها .
نشأت حركة الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن أوضاع العمال وتحسينها: لا تتطلب معرفة ماهية هذه الأوضاع ، و الاتحاد لتحسينها، أي علم. إن أول فائدة للماركسية لحركة الطبقة العاملة ليس لتعريفنا بمثل هذه الحقائق البديهية، بل هو تمكيننا من فهم كيف نشأت هذه الحقائق وما هي أسبابها. تزود الماركسية الطبقة العاملة بمعرفة كيف نشأ نظام الاستغلال الرأسمالي وكيف يعمل. يحتل العامل موقعًا داخل نظام علاقات إنتاج تم تشكيله تاريخيًا ؛ ولطالما وجدت تلك العلاقات ، لكان في حاجة دائمة الى المحافظة على أي مزايا في التوظيف والظروف الاجتماعية قد فاز بها بالفعل ، وأن يحسن وضعه إذا استطاع.

(2) توضح الماركسية للطبقة العاملة وضعها الاجتماعي الحقيقي ، وتمكن حركة الطبقة العاملة من صياغة هدف الاشتراكية علميًا.

مرة أخرى ، لكي يتصور العمال هدف تحسين مستويات حياتهم ، لا يحتاجون إلى علم: إنهم يتبنون هذا الهدف بشكل عفوي تمامًا ، كنتيجة للظروف الاجتماعية ذاتها التي يعيشون في ظلها. كما أنه لا يتطلب مساعدة العلم في أن يحلموا بمفاهيم عن المدينة الفاضلة ، حيث سيحكم الجميع بالعقل ولن يكون هناك استغلال ولا صراع ، وفيها ، كما قالت القصيدة الإنجليزية القديمة في أرض كوكاين The Land of Cokaygne* :

كل إنسان يأخذ ما يشاء ،
من حقه أن يأكل الى ان يشبع.
…………………
* انظر أ.ل.مورتون ، المدينة الفاضلة الإنجليزية ، لورانس آند ويشارت ، لندن ، 1952.

…………………

ما تفعله الماركسية هو اظهار أن الإنتاج الحديث على نطاق واسع يمكنه بإستخدام التخطيط لتلبية احتياجات الجميع ، بشرط استبدال الملكية الرأسمالية بالملكية الاشتراكية. هذا هو التغيير الثوري في العلاقات الاجتماعية للإنتاج الذي يصبح مناسبًا بعد أن قامت الرأسمالية بالفعل بتحويل الإنتاج الفردي الصغير الحجم سابقًا إلى إنتاج اجتماعي واسع النطاق ، وطورت العلوم والتقنيات اللازمة لمثل هذا الإنتاج الاجتماعي.

مع الاشتراكية ، سينتهي استغلال الإنسان للإنسان. إن إنهاء كل استغلال للإنسان من قبل الإنسان لا يتم طرحه على أنه يوتوبيا ، كمثالية ، ولكن كخطوة مناسبة للتطور الفعلي للإنتاج الاجتماعي ، وهي ضرورية إذا كان هذا الإنتاج سيعمل من أجل إرضاء احتياجات المجتمع بأسره. هذا هو نتيجة الدراسة العلمية الدقيقة لعلاقات الإنتاج الاجتماعي الفعلية ، كما تطورت في مجرى التاريخ البشري.

لذلك ، فإن الماركسية ، التي توضح للطبقة العاملة مكانتها الفعلية في المجتمع ، تظهر أن نضالها لا يمكن أن يكون له سوى غاية واحدة - عندما تفوز الطبقة العاملة ، من خلال منظماتها ، بمثل هذه السلطة في المجتمع بحيث تكون قادرة على إلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالية ، أي الملكية الخاصة الرأسمالية ، و تأسيس الشراكة الاجتماعية لوسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل.

هذا ، إذن ، هو الهدف الذي يضعه العلم الماركسي للمجتمع أمام حركة الطبقة العاملة.

علم الغايات

هنا يجدر التأكيد على ميزة فريدة لعلم المجتمع. فيما يتعلق بالنشاط الاجتماعي ، ليس علمًا للوسائل فقط ، بل علمًا للغايات أيضًا .

من ناحية أخرى ، فإن العلوم الطبيعية هي علم الوسائل فقط ولا يمكن أن يكون غير ذلك. على سبيل المثال ، برهن اكتشاف موجات الراديو أنه مفيد للغاية في إظهار كيفية تصنيع وسائل اتصال جديدة وفعالة للغاية ؛ ولكن فيما يتعلق بالغايات البشرية أو أهدافها أو أغراضها ، لا يمكن أن يكون لدى معادلات ماكسويل ما تقوله. مرة أخرى ، قدمت الاكتشافات حول الانشطار النووي وسيلة لإنتاج مصدر جديد ورخيص للطاقة الكهربائية ، وكذلك انفجارات قوية وسامة بهدف قتل وإصابة عدد كبير جدًا من الأشخاص في فترة زمنية قصيرة. العلوم الطبيعية محايدة تمامًا فيما يتعلق بالغايات التي قد تُستخدم اكتشافاتها لخدمتها ؛ لا يمكنها أن تقول شيئًا عن هذه الغايات ، لإنها تتعامل ببساطة مع القوى الطبيعية وليس مع الأفعال البشرية. لهذا السبب ، اكتسبت الفكرة انتشارًا واسعًا للغاية ، وتم قبولها على أنها حقيقة بديهية في الفلسفة البرجوازية ، أنه في حين أن العلم قد زودنا بقدر كبير من المعرفة التي يمكننا تطبيقها من أجل الغايات البشرية ، فإن هذه الغايات نفسها تقع خارج مجال البحث العلمي الممكن. إنها مادة الأخلاق أو الدين أو السياسة التي لا يمكن للعلم أن يلقي الضوء عليها.

لسوء الحظ ، فإن العديد من الأشخاص في الحركة العمالية راضون بقبول وجهة النظر هذه. بالنسبة لهم ، الاشتراكية هي مسألة أخلاقية ، وتبريرها أخلاقي. في الواقع ، لطالما كان الوعظ الأخلاقي سائدًا في السياسة البريطانية ، على كلا الجانبين. وهكذا بالنسبة للسيد غيتسكيل Gaitskell[قائد حزب العمال بين 1955-1963-المترجم] وأصدقاؤه ، فإن الاعتقاد الأساسي للاشتراكية هو أنه من الخطأ أن يدير الرأسماليون الصناعات كما يحلو لهم ، دون قيود اجتماعية ، وأن هذا الخطأ يجب تصحيحه. وبعد ذلك ، وبعد مزيد من التفكير ، يضيف أنه سيكون من الخطأ أيضًا حرمان الرأسماليين من الاستثمارات دون منحهم تعويضات كاملة ؛ أنه سيكون من الخطأ تجاوز قدراتهم الإدارية التي لا شك فيها ، وبالتالي ينبغي تركهم في موقع المسؤولية ؛ وأخيراً ، أن الهدف الحقيقي هو ببساطة الأخوة. كل هذا مثال على كيف يعمل الوعظ الأخلاقي في كثير من الأحيان من اجل قيادتنا على طريق الأوهام، وعمليًا يعني ترك الأشياء كما هي بينما نتحدث بكلمات كبيرة عن مُثُل عليا غامضة.

ومع ذلك ، فإن الفكرة الشاملة القائلة بأن العلم لا يمكن أن ينيرنا بشأن الغايات والأغراض البشرية ، ولكن يمكن أن يكون مفيدًا فقط في إيجاد الوسائل ، هي فكرة خاطئة تمامًا ؛ وهذه الفكرة الخاطئة لا يمكن أن تنشأ إلا بسبب تطابق العلم مع العلوم الطبيعية ، وإهمال العلوم الاجتماعية أو نبذها. يوضح علم المجتمع كيف تتشكل غايات الإنسان وأغراضه من الظروف المادية للحياة الاجتماعية ، حتى عندما لا يدرك الناس أن هذه هي الطريقة التي تتشكل بها غاياتهم. من خلال دراسة قوانين تطور الحياة الاجتماعية ، يستطيع العلم أن يصوغ تمامًا بالضبط هدف حركة الطبقة العاملة اليوم - أي هدف الاشتراكية.

بالطبع ، يُظهر العلم نفسه أن جزءًا فقط من المجتمع يمكنه العمل من أجل هذا الهدف ، بينما لا بد أن يعارضه الجزء الآخر. لا يمكن اكتساب الاشتراكية إلا من خلال النضال المرير. ولكن عندما تتعزز الاشتراكية ، فإن المجتمع بأسره يكون لديه هدف إضافي هو بناء الشيوعية ، مما يعني: "من كل فرد حسب قدرته ، لكل حسب احتياجاته".

ليس من الغريب أن تكون من مهام العلوم الاجتماعية التعامل مع الغايات مثلما أن العلوم الطبيعية ليست من مهامها التعامل معها . العلم في كليته ، الذي يشمل العلوم الاجتماعية ، ليس من واجبه دراسة الوسائل فحسب ، بل أيضًا دراسة الغايات. ليست هناك حاجة لترك صياغة الغايات البشرية لأساليب التفكير غير العلمية.

عندما يسمع بعض الناس هذا، يميلون إلى القول: ولكن ماذا عن الفن والثقافة والسعي وراء السعادة؟ يمكن للعلم أن يعرف الغايات الاقتصادية فقط ، وبالتالي ليس لديه ما يقوله عن القيم الحقيقية للحياة البشرية. لكن هذا مناف للمنطق. بالطبع ، يشمل هدف الشيوعية تحقيق كل غنى الحياة البشرية التي يمكن أن تتحقق في الشيوعية ، والتي حُرِمَت منها حتى الآن الجزء الأكبر من البشرية . وضع ماركس النقاط على الحروف في هذه الكلمات:

"يبدأ عالم الحرية فقط حيث ينتهي العمل الذي تحدده الحاجة والاعتبارات الخارجية الهادفة ". في حقل الاقتصاد "الحرية لا يمكن أن تقوم الا في واقع ... ان المنتجين المتشاركين يتحكمون بتبادلهم المادي مع الطبيعة تحكما عقلانيًا، ويضعونها تحت رقابتهم الجماعية ... و يحققون ذلك بأقل إنفاق للقوى وفي ظل الظروف الأكثر ملاءمة ، و الجديرة بطبيعتهم البشرية. لكن مملكة الضرورة لا تزال قائمة . و في الجانب الاخر منها يبدأ تطور القوى البشرية ،و هو ذاته هدف ذاته ، مملكة الحرية الحق ، والتي مع ذلك ، لا يمكن أن تزدهر إلا على مملكة الضرورة هذه بوصفها قاعدة لها. إن تقليص يوم العمل هو شرطه المسبق الأساسي ". (رأس المال، المجلد الثالث ، الفصل 48.)

لذلك نجد أن ماركس قد صاغ هدف الشيوعية مثل هذا: يعمل الناس جماعيًا ، باستخدام جميع موارد العلوم الطبيعية و التكنولوجيا ، و يخططون لإنتاج احتياجاتهم المادية بأقل قدر من الوقت و القوة . هذا سوف يتركهم أحرارًا ، في الجزء الأكبر من وقتهم ، في تكريس طاقاتهم لجميع ما يستطيع البشر من قابليات ، بعيدًا عن مجرد إنتاج احتياجاتهم المادية.

رسم ويليام موريس صورة حية لأشخاص يعيشون مثل هذا في News from Nowhere ، لم تكن مدينة فاضلة ، بل كانت تنبؤًا خياليًا لمستقبل محتمل ، قائم على الاشتراكية العلمية.

طريقة تحقيق الهدف

(3) بعد صياغة هدف الاشتراكية والشيوعية ، يساعد العلم الماركسي الطبقة العاملة على وضع الإستراتيجية والتكتيكات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. ينقسم تطبيق العلم هذا إلى جزأين ، ينتج عنه أولاً مبادئ عامة معينة ، وثانيًا سياسات خاصة مصممة للتعامل مع مواقف ومراحل معينة من النضال.
يمكن تلخيص الاستنتاجات العامة للماركسية حول استراتيجية تحقيق الاشتراكية في ثلاثة مبادئ عامة:

(أ) من الضروري اتباع سياسة نضال الطبقة العاملة ضد الطبقة الرأسمالية ، وتوحيد اكبر القوى دائمًا لهزيمة العدو الرئيسي.
(ب) يجب أن ينتقل هذا النضال إلى النقطة التي تكون فيها الطبقة العاملة ، مع حلفائها ، قادرة على استلام السلطة السياسية و تملك القدرة على توطيد الاشتراكية والتغلب على كل مقاومة ضد ذلك.
(ج) لانجاز مهمة استلام السلطة ، يجب أن يقود الطبقة العاملة حزب سياسي مكرس لهدف الاشتراكية ويسترشد بالنظرية الاشتراكية العلمية.

هذه ، إذن ، هي مبادئ عامة لا تقبل أي استثناء على الإطلاق. إن مخالفتها ترقى من الناحية العملية إلى التخلي عن هدف الاشتراكية ووسائل تحقيقه.

في إطار المبادئ العامة هناك إذن مشكلة وضع السياسات الصحيحة لمواجهة كل احتمال ينشأ. وهنا ، يجب أن يُسمح بكم كبير من الاختلاف والارتجال. هؤلاء العقائديون لديهم فكرة غريبة عن تطبيق العلم الاجتماعي ، يتصورون أنه من الممكن أن يذكروا مقدمًا كل ما سيحدث ، وأن يضعوا قواعد دقيقة لتحديد السياسات الصحيحة.

من الواضح أن خوض صراع طبقي هو نوع مختلف تمامًا عن ، على سبيل المثال تنفيذ مشروع هندسي. يتحكم المهندسون في جميع العوامل حتى ينتجوا تأثيرًا يمكن التنبؤ به - على الرغم من ذلك ، قد تظهر عوامل غير متوقعة تربك خططهم. يتحدث بعض المنظرين الاجتماعيين في الوقت الحاضر عن "الهندسة الاجتماعية". يبدو أن هذا المفهوم غير الدقيق وغير العلمي بشكل غير عادي يرتبط بحلم ما يسمى بالثورة الإدارية - حيث يقوم من اعطوا لانفسهم الحق، المديرون الاجتماعيون الخيرون ، بالتحكم، بالدوافع البشرية ، عن طريق الدعاية والحوافز والردع ، وذلك لإنتاج عواقب يمكن التنبؤ بها. . لكن ظهور مثل هذا العالم الجديد الشجاع لا يتوافق مع القوانين الفعلية للتنمية الاجتماعية. في نضال الطبقة العاملة ، من الممكن والضروري إجراء تحليل للحقائق البارزة لموقف معين ، للتنبؤ بالسلوك المحتمل للأفراد والطبقات والجماعات ، وفي ضوء ذلك للوصول إلى خطة العمل. ولكن في الوقت نفسه ، هناك نقص في السيطرة على جميع هذه العوامل تقريبًا ؛ حتى الطريقة التي يتم بها تنفيذ القرارات داخل الحركة تعتمد على ضبط أو رخاوة التنظيم ، و وجود الخلافات الداخلية ، وجميع أنواع العوامل الذاتية التي تؤثر على الأفراد. ومن ثم فإن العرضية وغير المتوقعة تلعب بالضرورة دورًا كبيرًا في سياسة الصراع الطبقي. يصبح من الصعب للغاية جعل التحليل خاليًا من الأخطاء - خاصةً عندما يكون هناك القليل من الوقت المتاح ، كما يحدث غالبًا - أو لتنفيذ خطة كما هو مخطط لها تمامًا. وبالتالي فإن القيادة الحكيمة هي تلك التي ليس لديها أوهام بالعصمة وهي في حالة تأهب دائم لاستخلاص النتائج من التجارب الجديدة.

لهذا السبب ، يعتقد البعض أن الصراع السياسي الذي يسترشد بالعلم هو تناقض في المصطلحات. لأنهم يعتقدون أن العلم لا ينطبق إلا في المجالات التي يمكن فيها تحقيق الدقة الكاملة في التحليل والتنبؤ. لكن تطبيق العلم في السياسة يعني الاعتراف بانسيابية مسار النضال ضمن حدود القوانين العامة للتطور الاجتماعي ، وبالتالي مرونة السياسة القائمة على مراعاة الأحداث الجديدة ،والإمكانيات الجديدة والتي قد تؤدي هذه الاحداث إلى ظهورها.

العلم والشيوعية

إن ترسيخ الاشتراكية ، متبوعًا بتطور الاشتراكية إلى الشيوعية ، يعني إنهاء استغلال الإنسان للإنسان ، وبالتالي إنهاء الصراع الطبقي. من الواضح ، إذن ، أن الظروف المستقبلية للنشاط الاجتماعي البشري ، في هذه الحالة ، ستكون مختلفة تمامًا عن الماضي.

يجب ان نذكر هنا ، ان القضية لا تتعلق بالتنبؤ بمستقبل البشرية المحتوم والسعيد. لا يمكن للعلم أن يعرف أي حتمية غير مشروطة. وسنفتقر إلى قدرة الاستدلال العلمي، إذا لم ندرك ان مستقبلا كهذا لن يحصل ابدا، إذا دمر العالم ، وتسمم الجو بسبب الحرب النووية. إنها في الواقع، مسألة صياغة علمية للهدف الشيوعي.

مع الشيوعية إذن ، كما عبر عنها البيان الشيوعي ، "تركز الإنتاج كله في أيدي اتحاد واسع للأمة بأسرها". هذا يعني أن الوضع الكامل لتطبيق العلوم الاجتماعية قد تغير. لم يعد الأمر يتعلق بصياغة أهداف للصراع الطبقي ، وتوجيه شن الصراع الطبقي في ظروف تكون فيها العديد من العوامل التي تحدد النتيجة ،خارجة عن السيطرة. مع الشيوعية ، على حد تعبير إنجلز:

"التنظيم الاجتماعي للإنسان ، الذي كان يواجهه حتى الآن كضرورة تفرضها الطبيعة والتاريخ ، يصبح نتيجة لنشاطه الحر. فالقوى الموضوعية الدخيلة التي حكمت التاريخ حتى الآن تصبح تحت سيطرة الإنسان نفسه". (الاشتراكية الطوباوية والعلمية.)

ثم تصبح العلوم الاجتماعية مسألة تقدير الحاجات المادية للمجتمع ، وتقدير الموارد المادية والبشرية المتاحة لتأمين إشباع تلك الحاجات ، ثم التخطيط للإنتاج والتوزيع وفقًا لذلك. وهكذا تصبح تخصصًا دقيقًا ورياضيًا وكميًا ، مثل العلوم الطبيعية المطبقة في تقنيات الإنتاج.

يتوافق هذا التغيير مع الوضع الذي ، كما قال إنجلز أيضًا ، "استُبدلت ادارة الأشخاص بإدارة الأشياء". إن مهمة العلوم الاجتماعية في ظل الشيوعية ليست العمل - على طريقة الهندسة الاجتماعية التي سبق ذكرها - في إيجاد طرق ووسائل للتحكم بالبشر لإجبارهم أو إقناعهم بنمط معين من النشاط الاجتماعي. المهمة هي تصميم خطة عمل من اجل الإنتاج والتوزيع للمجتمع بأسره ، بالحد الأدنى من العمل ، حتى يتمكن الناس على هذا الأساس من التمتع بحرية بازدهار الطاقة البشرية التي هي غاية في حد ذاتها.

قال ماركس وهو يكتب عن مهام العلم في مخطوطاته الاقتصادية والفلسفية المبكرة:

"ومع الزمن سيشمل العلم الطبيعي علم الإنسان، تمامًا كما سيشمل علم الإنسان العلم الطبيعي: وسيكون هناك علم واحد".

سيكون موضوع العلم قوانين تطور الطبيعة والمجتمع البشري ، وطرق ووسائل تأمين الإشباع المستمر بواسطة الإنتاج الاجتماعي ،لحاجات الإنسان المادية.

إن الإسهام العظيم للماركسية هو أنها اكتشفت القوانين الأساسية للحياة الاجتماعية ، ومن ثم أرست الأساس لتطور علم الإنسان بهدف ازدهار الحياة البشرية.

……………………………

موريس كامبل كورنفورث (28 أكتوبر 1909 - 31 ديسمبر 1980)

فيلسوف ماركسي بريطاني ، بدأ كورنفورث مسيرته المهنية في الفلسفة في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي ، كان من أتباع لودفيغ فيتغنشتاين ، تحول بعدها الى الماركسية. و أصبح فيما بعد أحد الأيديولوجيين البارزين للحزب الشيوعي لبريطانيا العظمى . كتب الكثير من المؤلفات الفلسفية في شرح الماركسية و الرد على نقادها. من كتبه:
الشيوعية و الفلسفة
الفلسفة المفتوحة و المجتمع المفتوح ، ردًا على كارل بوبر
العلم ضد المثالية
الماركسية و فلسفة اللغة
المادية الديالكتيكية- مقدمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل