الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غرناطة والرمان من رواية (رقصة الفلامنكو) رواية قادمة

الكبير الداديسي
ناقد وروائي

(Lekbir Eddadissi)

2023 / 2 / 16
الادب والفن


ابن الخطيب بطل رواية صبيحة عيد الفطر قبيل خروجه لصلاة العيد... الصلاة التي سيقتل فيه سلطان غرناطة ابو الحجاج يوسف محمد الخامس ساجدا تحت المحرباب التفاصيل في رواية قادمة (رقصة الفلامنكو) :
(( عنَّ لي ذلك اليوم الخروج حاسر الرأس، وتعويض العمامة بالقلنسوة، برنسي الفضفاض تلاعبه نسائم غرناطة، أداري جراحاتي أكابر متظاهرا بالغبطة؛ إلى جانب حاكم أمَّن خائفها، أشبع جائعها، وجعلها دار ملك وقرية إمارة، وقد بدأنا بالتدريج نتخلص من آثار الوباء والجائحة، وإن لا زالت آثارها في النفوس....
انزاحت ظلمة الليل البهيم وبزغت شمس النهار، فاستحالت الحمراء جنة خلد للأخيار، وخرج الناس للاستمتاع بجمال الأنهار، التي جعلت غرناطة زهرة الحواضر، بما يتيحه فضاؤها الأفيح من كروم وفواكه تشفي الخواطر، ويبقى الرمان وليد غرناطة المدللة، الساحرة العطرة، اليانعة الخضرة، برمَّانها الصيفُ نافورةٌ من الجمال والظلال، وبانسيابِ مياه حدرة تغدو أحلى من الخيال، غرناطة جنة الخلد وحدها كنتُ، لو خيّرتُ، أختار....
درجت في الحمراء أحمد ربي على نعمه، والعين ترنو لآذان المغرب، في آخر يوم صوم خريفي، وأغصان شجيرات الرمان قد انثنت أعطافها متثاقلة بحبَّات ناضجة، زادتها قطرات ندى انحناءً فمالت أعناقها تبيح لأفواه الفاكهة تقبيل صدر أمها الأرض، برفق تناولت غصنا أمسح عن رمانة دموعها بين أناملي وأبيات ابن عبد ربه في الأزهار يتردد صداها في ذاكرتي:
يقيم الدجى أعناقها ويميلها *** شعاع الضحى المستن في كل شارق
إذا ضاحكتها الشمس تبكي بأعين *** معللة الأجفان صفر الحقائق
أثارتني جلنار وحيدة وسط هذه الثمار، لماذا تأخرت قافلة وصولك يا حمراء؟ كم أنت كريم يا رمضان، تتردد النفس عن الأكل تَرددَ الشبعان... وفي النفس إحساس أن فرحتي دائما لا تنضج على مهل، وأن شيئا ما سيقع على عجل. وأن الدنيا تتربص بي ومصرة على معاكستي، وأن الأقدار قد تقلب لي ظهر المجنّ كلما همت الحياة برسم ابتسامة على شفتي. وكلما اقتنصت لحظة بسط في استقامة، أعقبتها لحظات سود من القتامة...
طيلة شهر رمضان ما خَلتِ المساجد من تكبير وابتهال، وهذه الليلة على سطوح المنازل، ومن شرفات الحمراء تطلعت العيون ترقبُ هلال العيد، بدا لي قرصا ذهبيا ينثر الفرحة في النفوس، انبسطت سريرتي وأنا أردد وصف ابن المعتز لهلال العيد:
هلاً بفطرٍ قد أنار هلالهُ *** الآن فاغدُ على الشراب وبكِّـرِ
انظرْ إليه كزورق من فضَّةٍ *** قد أثقلته حمولة من عنبرِ
أعدت البيت الأول مرات وأنا أغمغم: " فاغدُ على الشراب وبكرِ، وبكري..." غدا سأصحو باكرا، فرحة عارمة، أشعرتني طفلا صغيراً يهفو لفرحة عيد طيفه يسكر العقول والأجساد، وكلِّي أمل في أن يخلص العيد ما تراكم في النفوس من أحقاد، ويُرجع إلى غرناطة الخضرة والصفاء، ويمحو آثار الوباء الذي كاد يحيلها جرداء... وأن يفتح لي صفحة في كتاب الأفراح...
استيقظت باكرا كما التمس مني ابن المعتز في بيته (وبكّرِ)، صليت الفجر، ودرجت خطوات بباحة القصر... آثرت أن أُنعش يومي بحبة رمان طازجة في ذلك الصباح الخريفي، بعدما كنت حرمته على نفسي، تناولت رمانة من آنية طافحة بنهود ناضجة على منضدة عاجية تتوسط بهو القصر، تأملتها بين يدي، وأنا أعيد على نفسي الكلمة بلغتين " رمانة... Granada... غرناطة" المدينة التي أهداها الرمان اسمه، لا يمكن تصور وجود غرناطة دون رمان... الرمان فاكهة من فواكه الجنة... وغرناطة جنة على الأرض... هل يكون رمان الجنة مثل رمان غرناطة، بنفس الملمس والطعم؟ وضعتها على المنضدة وقصدت الباب تخالجني أسئلة: وهل يحتاج المؤمن في الجنة فتح صمصم الرمان، أم أن رمان الجنة مفتوح يعرض عصيره على المؤمنين بلا أوان؟ الأطباء يؤكدون أن رمان غرناطة وقاية وعلاج... وهل يكون في الجنة مرض أو تهديد يستوجب أكل الرمان للوقاية منه؟؟
حاصرتني أسئلة كثيرة، لم يبعدها عني سوى نصف دورة، وعدت أدراجي لأنتقم من الرمانة اللعينة التي أوحت لي بهذه الأسئلة الشيطانية... تناولتها كنهد نافر، هويت عليها بقواطعي الصمصامة فانفلقت شطرين... وعاودتني نفس الحال أتأمل حباتها مرصوفة منضودة، في أقسام ملفوفة بلفائف وحجب منسوجة، حمراء وكل الحَب مركون مركوز يصله غذاؤه قانع بمكانه لا يمد بعضه بعضا، ولا واحدة تطاولت على أخرى، وقد لُفَّ كلُّ ذلك بهذا الغشاء الصلب صونا... كانت غلة الرمان هذا الموسم وفيرة جداً، قبل أن تهب عليها عاصفة برَدٍ هوجاء في وقت قصير، أتلفت منها الكثير... لا... لن أخلف وعدي يوم العيد...، فمن عصى الله يوم العيد كان كمن عصاه يوم الوعيد، وقد حرَّمتُ الرمان على نفسي... وضعتُ أجزاءها على المنضدة متبرجة حمراء تغري ناظرها....
بدأت الحركة تدب في القصر أخرجت النسوة ما تم تقطيره من ماء الورد، وتعطَّرن بالغالية، وبدأن الاستعداد لتزيين الموائد بالعصائر وعين السنيورة (señora) أعددن العجين وَكَسَيْنَه بالتمر المعجون، قبل تزيينه بأنصاف البيض المسلوق، والفطائر المغموسة في العسل ومحلول السكر... تركتُهن يعجنَّ اللوز بماء الورد لصنع القيزاطا.... والإعداد لخُبز الصباح... مفضلا تأجيل وجبة الفطور إلى ما بعد الصلاة، مكتفيا بثلاث بلحات مِلاح... ))) يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا