الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منادِيلُ الطُّفُولَةِ

علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)

2023 / 2 / 17
كتابات ساخرة


(ماهذه إلا فلتةُ قلمٍ شَرَحَت خربشةً على ورقةِ من ورقاتِ الطّفولة)

أجَلْ بُنَيَّ، سَأذرُ السِّياسةَ، ومازَوَت مِن غَلسِ قالٍ ومِن دَلسِ قِيل.
أجل، وقطفاً سُأُسامِرُكَ مِمّا ضَوَتْ لَمْضَاتُ طُفولَتي مِن قَناديل، وعَطفاً مِمّا حَوَتْ نَبْضَاتُ فتوتي مِن مَناديل
ولطفاً وبمَقامَةٍ لعلَّها أندَى وأسدَى وأهدَى مِمّا رَوَتْ "مَقَامَاتُ الْحَرِيرِيِّ" ذي حَرفٍ مَليحٍ كَحيل، وأحلَى وأسلَى وأعلَى مِمّا طَوَتْ " مَقَامَاتُ بَدِيعِ الزَّمَانِ الهَمذَانِيِّ" ذي ذَرفٍ فَصيحٍ جَزيل
وخَطفاً سأَفْصِحُ لكَ عَمّا في وَمضَاتِ طُفُولتي مِن تَأويل، لكيلا تَتَمَلمَلَ فتَتَعَلعَلَ مِن حَرفِ ذَرفي أن يطيل.

أمَّا مَساءُ طُفُولتي فكانَ حَالُهُ يَحِيلُ حِينَ يَحيلُ الأصيل، وكانَ مَآلُهُ يَميلُ لقَعدةٍ خلف سياج الدار، أو تحت سُلَّمٍ فيها ذي بدنٍ نَحيل
البالُ حينئذٍ إذ يقعد يصَّعدُ في سياحةِ تدبّرٍ مُضطَرِبةٍ غيرٍمُتورِّعة وذي أفقٍ ثقيل، وفي سباحةِ تفكُّرٍ محْتَرِبةٍ غيرِ مُتدرِّعة وذي نفق طويل،
فتراهُ ساعتئذٍ في فضاهُ، يهمسُ خُفيةً لصداهُ، وبصفاءِ خليلٍ لخليل؛
"واهٍ واه! كم هي نائية عنَّا "لندنَ"، وكم هوَغير متناهٍ اليها السَّبيل
ولماذا شُكرُهم هناك "ثانكٌ" ومريضُهم هنالكَ "إييل"!
ولمَ لسانُهم صّيَّرَ منَ الشُّعورِ"فيل"!

وأوَّاه، كم كان ماتعٌ تتابعَ دَغدغات أبي في أبُطي بتعجيل
بيد أنهُ كان تتابعٌ ذا أمدٍ قليل، إذ يتلاشى لمّا تَمخُرُ عَينيّ أبي سفنُ القيلولةٍ بتهويل، فتنخرُ مناخيرهُ فتشخرُ أشرعتها بألحانٍ متقطِّعةٍ بتهديل
ألا ليتَ أبي مقتَ نومَ القيلولةِ، وليتهُ كانَ مثلي ينامُ بتقليل. آه، كم كانَ مُضحكاً عبوسُ وجهِ أبي برُعبٍ وتمثيل.

ولماذا أنضجَتْ أمي غداءَنا مِن مَرقٍ ومِن عُظيماتِ عجلٍ لكأنَّها حجاراتِ سجيل، وأرجأت هَبْرَ اللحم لنهار غد الجمعة بتأجيل؟
ربما من أجل ضيفٍ زائرٍ آتٍ فضيل أو حتّى رذيل، ليظن ضيفنا بنا أنّا لا نستطعمُ إلّا لحماً مقدداً، ولا نشرب إلا شهداً مشهداً، وحالنا عن الفاقة بعيد وعنها عديل.
ثمَّ كيف بَنَت يدا "أبي وهب" سُلَّمَنا المُعوجٍ، وإذ هما ترتعشانِ وبحاجةٍ لتأهيل؟

ولمَ دَنا فتَدلَّى عليَّ وبين يديَّ عنكبوتٌ دَخيل! وما زغباتُهُ؟ وأين هيَ جفونُ العُيونِ فيه بتكحيل؟
وما رغباتهُ وأين هيَ جُنونُ الفنونِ منه بتفعيل، وكيف إرتضى لنفسهِ أن "يتعنكبَ" بأقبحِ هيئةٍ بذا تشكيل.
{(ولا فعلَ -يا صاح- مُشتقٌّ من إسمِ العنكبوتِ ولو بَحثتَ في معاجم الضَّادِ بتفصيل، ولبثتَ فيها أحقاباَ بتأصيل، فلا مؤآخذة ولا منابذة على بِدعةِ "تَعنكبَ" إذ حشرتُها بين سَطوري بتضليل)}.

ولماذا يُسمِّي صديقي "سَركونُ" قرآنَهم "إنجيل"؟ أوليس كلاهُما من إلهٍ واحدٍ بتنزيل، فلمَ أعطاني قرآناً وأعطى سركونَ إنجيل؟
وأيُّ مدرسةٍ خَطَّت صفحاتِ قرآنِ اللهِ خطاً مُتشابكاً، لكنهُ خطٌّ آسرٌ ساحرٌ وجميل!
أف! ها قد غَشَى نافذةِ خيالي رسولُ النَّومِ الرذيل، فحَشَى باحةَ تدبّري بحالكٍ من إِكْلِيل!
وي كأنَّ سوادَ الليل موتٌ متواترٌ بقدرٍ مقدَّرِ ثقيل، لكم أبغضُ أنا وحشةَ الليلِ الوبيل.
لا ضير لعليَ أحظى بحلمٍ في بطنِ ليلتي ذي خيالٍ جميل، أرى فيه إذ أمتطيتُ ظهرَ بقرةٍ من بقراتِ خالتي في ذاك الرِّيفِ الخميل.

وأمّا كساء طفولتي أَبُنيَّ، فكان ثوباً يتيماً يأبى تثنيةً أو تِجارةً أوتطويل،أو مقايضةً أو إعارةً أوتبديل
وينأى عن تدليسٍ بتَلبيسٍ تحتهُ بسَراويل، حتى ولو كان تلبيساً ساتراً للعَيب بتقفيل
وقد كان لثوبي أن يَعدَّ سبعَ ليالِ كي يحظى برفرفةٍ على حزمةِ حَطبٍ جُعلِت لهُ كحَبلِ غَسيل.
ما أكمل أكمام ثوبي إذ هي تَتَشعشعُ على الحبلِ وتَتَقعقعُ وتَميل، وما أجمل أقسامهُ إذ هي تَجفُّ فتتقوقع ولن تستطيل
وكأنه أضحى جلدَ تمساح يكافح لا يأبهُ التَّقتيل، أوضحضاح قِدْر جدَّتي إذ هو يلافح الدهر بتذليل
لذلك كانُ الولوجُ في بطنِ ثوبي بعدَ كلِّ هبوطٍ من مدارِ حبلِ الغسيل، وهو لم يزلْ رطباً "فرضَ عينٍ" يستوجِبُ التَّكبيرَ والتَّهليل، وقبيلَ أن ينكمشَ فيتقوقعَ وتظهرَ عليهِ طيَّاتِ "الأمزونَ" بتَحصيل.
ثم إنَّ لنَدَاوَةِ الثَّوب إذ هو رطبٌ سِحرُ إنتعاشٍ للجُفون بتَسبيل
ولوترى إذ تَتَعانقُ النداوةُ معَ رطوبةِ التُّربةِ إذ الدُّبُرُ معها مٌلتَحِمٌ وقعيدٌ تحتَ ظلٍّ ظَليل،
فتَنسَلُّ الرُّطوبةُ فتَتَسلَّلُ الى اليَافُوخَ فتَسْتَلُّ إتِّزانَهُ فيتدَلَّى فُجأة كشهابٍ قَصَفَ قفصِ صَدري خارقٍ ودخيل.
وأمَّا حساءُ طفولتي فكان لبناَ سائغاً شرابُهُ تارةً بزنبيل، وتارةً كانَ ماءً أخضراً من نهرٍ جارٍ مُتزاحمةً ثناياهُ بضَفادعَ شتَّى من ذواتِ عِشقٍ ثَميل ما بينَ تعانقٍ ببقبقةِ ونقنَقةٍ بتقبيل.
غيرأنَّ في العيدِ يكونُ الشَّرابُ غير، قارورةَ عصيرٍ نَبيل، لن نلمسَها قبل أن ندفعَ لبقالِ حارتِنا "أبي نَشنوشَ" أضعافاً مُضاعفة لثمنِها بتحميل،
كتأمينٍ صحيٍّ على جسدِ القارورةِ من تَحطُّم مِنّي أو مِن زَميل،
وبذلكَ يضمنُ أبو نشنوش سلامةَ عودتِها الى قواعدِها بين أخواتِها بتَنزيل، في صُندوق أوكارٍ مُتهرئٍ تأبى القاروراتُ أن يلجْنَ فيه إلا بعد طَقطقةِ صراخٍ وعَويل.
وهكذا كانَ -يا بُنَيَّ- مساءُ وكساءُ وحساءُ طفولةِ أبيكَ في زَمنٍ مُقفِرٍ مُسفِرٍ بيدَ إنَّهُ لذيذٌ بالوئامِ حنيذ بالسَّلام وبالكرامِ خميل.
آه، قد نسيتُ أن أصفَ لك ما ملكتْ يَميني مِن منديل.
والحقُّ أنَّهما منديلانِ، كانا يُجاهدانِ نهاراً وحثيثاً بتفعيل،
في معارك كرٍّ وفرٍّ لصَدِ مياهٍ سَمراءَ صفراءَ من شلّالاتِ أنفٍ ماإنفكَّت تَسيل،
فتَرى ذراعَ ثوبيَ الأيمن مغواراً يتَصدَّى للسَّيل بصَهيل،
ولئن تَجَبَّسَ فتَكَلَّسَ أيمنُ المنديل وإنزوى بتَرحيل، نادى مِن فورهِ على الأيسر ليَقتَحمَ مِيدان الصَّد بتوكيل
وهكذا يَستدرُّ تدفُّقُ الشَّلالاتِ ويَستَمرُّ بالضّدِّ صَدُّ المَناديل، دأباً بلا كَللٍ ولا خَلل ولا مَللٍ ولا تَعليل،
وبحربٍ ضَروسٍ شَعواءَ شَعثاءََ بتنكيل، حتَى تبزغُ شَمسُ الشَّواربِ على تِلال شفتي العُليا على حينِ غفلةٍ منّي بتأصيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة