الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورتريه زغبية

أحمد الفيتوري

2006 / 10 / 21
سيرة ذاتية


.الصابري عرجون الفل
الصابرى عمره ما ذل
الصابري ورد وياسمين
الصابري زين على زين
كنت انصت للغياطة محتارا في عرجون الفل الذي لم أشاهده مرة في الصابري حيث أقطن . كان " بوسعدية " يخرج قدامى من " زرئب العبيد " متقلدا العظام والعلب الفارغة ولم يكن ثمة فل ؛ حتى زهرة واحدة .
ذهب الصبا ، وردح من الشباب دون فل و لايحزنون ، لكن في ذلك الصغر كان الصابري الحى الشعبي ، في بنغازي الناهضة من ركام الحرب الثانية مهدودة الحيل والحال ، الصابري يفاخر ، البركة وحى البلاد ، بفقره الذي يزدهر والخراب اليانع . والصادق النيهوم يكتب عريضة بسم سكان الصابرى المعترضين على سكان بنغازي الآخرين الذين يخترقون الشارع الرئيسي لحيهم حاملين جثث مواتاهم فحسب ؛ حيث يقع الصابري بين جامع الموتي وجبانة سيدي عبيد ، النيهوم سكن الصابري وطاردته العفاريت بين " حلاليقه ؛ أكوخ الزنك " في شوارعه المتربة والضيقة .
وفي ذاك الصبا غير المأمون سكنت شارع الدرناوي الذي يحده جهة البحر زرائب العبيد حيث الدنقة والغيطة والرقص فنون الزنوج القاطنين الزرائب . يصب ذاك الشارع في سبخة الصابري قبالة " كوشة الجير " لسى على زغبية ؛ من من أولاده محمد زغبية الناقد والكاتب والمترجم والمثقف المتميز ، وخالد زغبية شاعر أغنية الميلاد ؛ الذي بشر بالحداثة الشعرية من خلال كتابة قصيدة التفعيلة / القصيدة الرومانتيكية الثورية التي احتفت بالموروث الشعبي في أغنية الميلاد ، والذي منعت له قصيدة وقدمت للمحاكمة باعتبارها تمس تابو من التابوات ، وابراهيم زغبية الذي كتب في مقتبل عمره بعض المقالات وشارك بفاعلية في المنشط الثقافي السياسي وشارك في بعض مؤسسات المجتمع المدني .. وغيرهم مما ساهم في الادارة الليبية .
ذلكم حصل بين الاربعينات والسبعينات من القرن العشريني المنصرم .
هكذا كنت : والصديقان الشاعر المتقاعد محمود العرفي والمخرج المسرحي داوود الحوتي نسكن ذلكم الشارع : يخرج على زغبية متأنقا بملبسه الليبي ، متكأ على عصى جميلة كثيرا ما جزرت مشغباتنا بتؤدة وحنان ، حينا يدخل دكان والدى ليتشاغبا حول شؤون السياسة الناصرية ، حينا يدخل سوق دكاكين حميد حيث الجزار موسى سلامة - والد الكاتب المسرحى على الفلاح - في محل سى موسى سلامة كتب لسلامة موسى وروايات نجيب محفوظ وغيرها مما يطالعه هذا الجزار .
يطل من بعيد رجل مربوع القامة متوسط العمر ؛ يضع على كتفيه " جاكته " شتاء صيفا ، كنا نهابه ففي عرفنا أنه الفيلسوف ؛ كل ممسوس بالفلسفة ممسوس ! ، هو محمد زغبية الذي لن أعرف عنه في مقتبل العمر غير ذكرى الطفولة والصبا هذه ، في غبش الذاكرة سمارة داكنة ومحيا صارم وجدية عابثة ، ولم يكن لخالد زغبية محط في معارج ذاكرتي في شارعنا في حى الصابري عرجون الفل كما يردد الغياطة وسيغنى محمد حسن ؛ الصابري المنشاء . وفي تيه ما بعد الحرب تاه محمد زغبية في فيافي العقل الجموح ، العقل الذي تشده عقول وعقود عن آفاقه التي لا يحدها حد ، في فيافي هكذا غاص وآقرانه عبد العظيم المهدي الحداد ، حسن مخلوف ، الراحل محمد حمى ، الناجى مصطفي الشيباني ؛ اليساريون الموجوعون بضيق الحيلة وشعب الفقر الفكرى المتربصة بكل متوثب لنهوض ما .
كأن الشغف بالتذكر من دواع التبطل ؛ فإن محمد زغبية لم يدق أبواب مقتبل العمر المشرعة لكنه دك أبواب العقد الخامس ، وقد قعدت متقاعدا متقرفصا أفتش في ثنايا دكانة الأمس وقيل وردد والدى أن صاحب الدكان ان أفلس يفتش سجل الديون .
كأن الشغف بالتذكر لدفع ديون تراكمت ووجب سدادها قبل أن يغرب العمر أو هكذا ؛ فمن سنوات أخذت في تقليب ما اصفر من ورق خريف العمر ، هذه مجلة الضياء التي أصدرها الصحفي والمؤرخ عمر الأشهب ، تلك مجلة النور للصحفي عقيلة بالعون التي أصدرها بعد اغلاق مجلة عمر المختار ، ومجلة ليبيا مما أصدرت جمعية عمر المختار برئاسة مصطفي بن عامر وقد كان محمد الصابري رئيس تحرير جريدتها الوطن .
قلبت المدونة : وما سرقت الصحف من الزمن فأبقت ؛ وجدت محمد زغبية كاتبا مثقفا بالايطالية والعربية قدم وعرف وحلل نظرة فيلسوف الجمالية الايطالي " كروتشة " في العقد الرابع من القرن المنصرم ، مبينا أهمية مفهوم الجمالية وهذه الفلسفة التي تحلل علم الجمال وتبوبه مكانة أولى في الكتابة الابداعية ؛ باعتبار أن الابداع عمل جمالى محض وأن محتواه من مقتضى الحال ؛ الكتابة الشعرية كتابة جمالية لا تستهدف هدفا فذاتها هدفا . لذلك شارك محمد زغبية في مناقشة كانت حامية الوطيس حول مفهوم الفن والشعار الذي غطى المرحلة بمعطفه : الفن للفن أم الفن للحياة ، وباعتباره يكن لفلسفة الجمال بمكمن وسابر لاغوار مفاهيمها فإن الفن عنده فن أولا وأخيرا ، الفن قبل الاخلاق حيث الاخلاق أيدولوجيا فهم الحياة ورؤية لسلك شعابها فيما الفن كما الصرخة الاولى بريئة من كل معنى قبلى . واهتم لذلك محمد زغبية بنظرية الفن قبل وبعد اهتمامه بنظرية للحياة ؛ كما سوف يتغى شعراء الحداثة الاولى كالشاعر خالد زغبية أخيه ، وابن حيه أو من كنت أسمع صوته صبيا في الراديو ومن طرق ذهنى الحديث عنه وهو يتردد على أخته في الصابري بشارع الدرناوي ، الشاعر محمد المطامطي والمذيع ، الذي ترك الشعر للسياسة ؛ السياسة التي لم تعطيه ما أعطاه الشعر ما أعطاه عرجون الفل ، خالد ومحمد هذان من كتبا قصيدة الفن للحياة وان لم يعطيا الظهر لنظرة محمد زغبية الجمالية .
لم يكتب : أو تحديدا لم ينشر الكثير كان ضائعا في متاهة الشفاهى وعلى عجل ، لم أجد له فيما قلبت من ورقات الزمان غير هذا القليل لكنه من القليل الذي يكفى ؛ فما كتب في نظرية الفن كان من جهة بحث دؤب ومكثف وينبئ عن مطلع عارف شغوف حر .
عنده اطروحة الفن ليست بحاجة لأي اعتبارات خارجية ومداهنة ، الفن فوق الاخلاق حيث الاخلاق أعراف وتقاليد ومعارف سالفة ، الفن خليق بأخلاقه فالجمال ينبوع الذات الذائقة التي ليست بحاجة من يقننها ويحوزها ويقولبها وكأن الفن عنده رديف الذات الحرة .
الصابري عرجون الفل
الصابرى عمره ما ذل
الصابري ورد وياسمين
الصابري زين على زين
الغياطة يغيطون ، وقد غطت في ذاكرة موشومة بـرائحة بيوت العازبين المتقدمين بالسن المخيفة مرددا دون ادراك : أنه في قديم الزمان وجديده حيث كل شئ يكرر كل شئ لا يشعر الانسان بالزمن لولا كبره وموته ، العالم يكرر الحكايات والرسوم نفسها وكأنه لا وجود للزمن ؛ كنت أردد ما أردد دون وعى ودون حاجة ، وتلك الأعمال تبذير للنسمة .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح