الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نتحرر من سلطة الارض؟/1

عبدالامير الركابي

2023 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


بالمقارنه فان الارض والكائن البشري ليسا من ذات الصنف والكينونه، فثمة عنصر اساسي في الكائن البيولوجي، لايتماثل وليس بالامكان مقارنته بالكينونة الارضوية الاحادية، بغض النظر عن جانب حيويتها، فالكائن البشري مزدوج تكوينا من جسد من ذات صنف الارض مع الاختلاف، وعقل هو عنصر اخر نوعا، اي ان الكائن الانسايوان نصفه منسوب لعالم الجماد مع الاخذ بالاعتبار كون الموجودات عكس المتداول كلها حية، مع اختلاف وتعدد اشكال الحياة ودرجاتها بحسب الطبيعه والكينونه، والعلاقة بالزمن، والحجم والوظيفة، وتعدد مستويات الفعل الحياتي ودرجاته ونوعه، كما الحال بالنسبة للارض ومساراتها الحيوية، من لحظة كانت كتلة ملتهبه، الى ان غدت صالحة لانتاج الحياة، وانتجت من احشائها الحياة البيولوجيه كخلية اولى، متضمنه في كينونتها عنصرا اخر غير مرئي، ثم كحيوان، واضبت على رعاية نشوئيته وترقيه التحولي، مهيئة له الاسباب مع تغيرها وتبدلات حضورها، الى ان اوصلته لحظة العبورمن خانة الحيوان، الى "الانسايوان".
بعض مدعي العلم يذهبون لدرجة القول بان "الحياة" جاءت الى الكوكب الارضي من خارجه، سقطت عليه من الكون الهائل، من جهة كدليل على انهم لايعرفون ماهية مايعتبرونه حياة بشمولها الكوني، ومن ناحية اخرى لانهم لتدني قدراتهم التخيلية، غير مهياين لتصور ابعاد الحياة وحدودها وتشابكاتها، خارج مفهومهم المبسط الاولي، فالارض بالنسبة لهؤلاء "جماد" لايمكنه انتاج "حياة"،لان الحياة بنظرهم هي صنف واحد، مع انها من جهة اخرى يمكن ان ترعى بدرجة تفوق الاستحالة، مسارات الحياة من الخلية الاولى الى الكائن المزدوج العقل جسدي، مارة بها عبر مليارات الاحتمالات الفنائية، موفرة اسباب تحولاتها الذاهبه الى الانتصاب على قائمتين، مايوجب بداهة التساؤل، كيف يمكن حصول مثل هذه الوحدة التصيّرية الاعجازية بين طرفين غريبين عن بعضمها، احدهما حدث بالصدفة ان سقط على مكان لايعرفه ولا وشيجة تربطه به.
مايفترض تصوره، ان الارض كتلة النار، وخلال مسارها الابترادي، وعند نقطة منه، عاشت لحظة من التفاعلية المناخية الكيميائية الولادية نتج عنها ظهور الحياة البيولوجية بصيغتها الاولية، وتلك بالاحرى لحظة "ولادة" مقررة ومحسوبة، لاشك في كونها انعطافية نوعية، العنصر الجمادي من الظاهرة الحياتيه فيها يلد مايتعداه بنية وكينونه، وان ظل كامنا يقع تحت وطاة الغلبة الجسدية شبه المطلقة، الحيوانيه، قبل ان يظهر ويغدو حاضرا بمقابل الجسد، بعد ان ينتصب هذا مكتسبا هيئة اخرى، ويظهر من يومها الكائن العقل / جسدي "الانسايوان"، وكل هذا يفهم منه بالمعنى الكوني، تطورا في النوع الحياتي، ولحظة انقلابية قادمه على هذا الصعيد.
هنالك ثلاث مستويات من الحياة، حياة جمادية تمثلها الارض بعظمة حضورها، وبطء تجلي فعلها الحيوي وغناه، وحياة نباتية هي نتاج الحياة الجمادية، وحياة انية بيولوجية عقلية في الجوهر، الفارق بين مستوياتها كمثال، كون الطبيعه والزمن عنصرين حيين، لكنهما غير واعيين، ولا يتوفران على عنصر الادراكية لذاتهما وللوجود، في حين ينتمي العقل لعالم الوعي والادراكية الذاتيه الكونية، ومن ثم التفاعلية التي من هذا النوع، اي الفعل الواعي كونيا لمستوى وعالم حياتي، به يكتسب الكون وحركته التحولية العظمى، الجانب الاهم والاخطر على مستوى الوجود وتدبيريته، غير المتاح لنا وللعقل راهنا، ادراك وجهتة ومساراته، وماهو ذاهب اليه، فالكائن البشري مايزال ادنى قدرات على مستوى الاعقال، من ان يتعرف على ابسط وادنى اشكال التجلي التحولي، وهو يفصل بين الكائن البشري والطبيعة، فيعجز عن اخذهما كوحدة تفاعلية، مثلما هو عاجز عن التعرف على ذاته، والغرض من وجوده، واليات تصيّره، ومقتضيات والمطلوب منه التركيز عليه.
انجبت الارض الكائن البشري من ضمن مساراتها التصيرية، عند لحظة مناسبة بعينها من مسار وتطور "حياتها"، بعدما وجدت ابتداءغير صالحة للحياة، الى ان تسنى لها بدء الاضطلاع بالمهمة الكبرى، بايجاد الحياة المتضمنه عنصر الوعي، والاضطلاع برعايتها قدما، وبما يضعف تدرجا من حضور الجمادي الجسدي، لصالح المستجد العقلي، بما هو الغرض الراهن من الوجود، مع ان هذا، اي عنصر العقل الذي يختص به في المراحل المتقدمه من وجوده، يظل مظمراغير حاضرابتداء، وبالتحديد غير مدرك لذاتيته وخصوصيته، ويستمر على هذا الصعيد في حال قصورية تتجلى كادراكية حيوانيه جمادية، هي بالاحرى وتحديدا طغيانيه ارضوية.
فالكائن البشري لم يكتمل، ومن ثم لم يوجد بعد، وهو مايزال خاضعا لسلطة من انجبه واضطلع بتدبيره ورعايته مسارا، مولدا مايحتاجه من اشتراطات تطورية ارتقائية استمرت تتجلى وتتشكل بناء لمتغيرات الطبيعة، ومافي الكائن الحي من اسباب كينونه تتيح التفاعلية مع العامل الارضوي، الامر الذي لن يكون ابديا، ولاهو مما لايمكن تصور منتهى له، تفترضه اشتراطات الانبثاق الاولى لطرف منطو على تمايزيه نوعية، متشكله ومتطوره، يفترض ان تصبح، وهي مقرر لها حكما، الحضور، وان تغدو هي بذاتها ولذاتها كمجال وحيز نوعي مختلف.
كما حدث للارض في الجزء الاول من حياتها وعبر مليارات السنين ان ظلت خارج الفعل، وفي حال تشكل وتبلور، لم يكن مهيئا للكائن الحي هو الاخر، ان يظهر من ساعته مكتمل القوام والخاصية، ولا نوع الحضور والفعالية، وماكان قاله دارون مع ابداعيته العقلية الاستثنائية عن النشوء والترقي، مع ملامسته للظاهرة التي ركز جهده عليها، هو نوع مرئية ومقاربة ارضوية اوليه لمسار تنامي وتصيّر جوهره العقل، العنصر المستجد المنبثق وسط العملية التحولية الاكوانيه، وهو مسار متعد بالطبع للكائن البشري "الانسايوان" الذي يطلق عليه صاحب نظرية النشوء والارتقاء، اسم "الانسان" اعتباطا، متجاوزا بسبب القصور الاحادي، عن الطور الفاصل بين "الانسايوان" العقل جسدي، ووريثه "الانسان" العقل، المتحرر من سلطة الارض، ووطاة حضورها الطويل الباقي، وان بمراحله النهائية قبل انتهاء الزمن النشوئي الجسدي.
من ابرز قصوريات العقل الانسايواني، اعتقاده بانه كائن بذاته، مستقل، وجد واعيا لاشتراطات وجوده، وان دخوله عالم"المجتمعية" بالذات باعتبارها العتبة التصيّرية الاخيرة، قبل الانتقال الى "الانسان"، وتحرر العقل من وطاة الجسد، فلم يكن ليخطر له على سبيل المثال، التنبه الى كون المجتمعية هي بالاحرى لحظة ارضوية بيئية، الطبيعه فيها هي العامل الرئيسي في صياغة شكلها وبناها بحسب الاشتراطات المناخية والتضاريسيه، وانعكاسها على العملية الانتاجية، فلا حضور ارادي واع للكائن البشري على هذا الصعيد، والانتاجية اليدوية الجسدوية الارضية ومترتباتها، تضع الاشتراطات الموضوعيه فوق الفعل الواعي، مع ضمان التفاعليه، واحكام التوزعات المجتمعية بحسب الاختلافات ضمن الصنف الواحد، هذا بينما يكون الكائن البشري وقتها في حال دنيا من الادراكية، والعقل في اسفل السلم على مستوى الصيرورة بعد خطوة الانتقال من زمن الصيد واللقاط، ودرجة ومستوى الاعقال الموافقه له والتي بها جاء الانسايوان الى "المجتمعية"، قبل ان تغدو هذه مع سيرورتها واختباراتها التفاعليه عبر القرون صفته كعقل "مجتمعي".
حتى حينه لن يكون ممكنا او متاحا الا الاعقال الاحادي، سواء على مستوى نظرة الكائن الحي لذاته، او للمجتمعية، فلا ازدواج ممكن تلمسه، او التعرف على دلالات وجوده، هذا مع العلم ان التوزيع النمطي الصنفي المجتمعي، يوجد من ضمن توزيعه وخارطة انماطه، نقطة وحيدة داخل شبكة المجتمعات الارضية، تتوفر لها اسباب واشتراطات اللاارضوية نوعا نمطيا وسط مجمل اللوحة الاحادية الشامله، المتعددة المستويات والديناميات ضمن الصنف والنمط الواحد، من الاحادية النموذجية فاقدة الديناميات، المتعدية للمحلوية ونموذجها النيلي المصري، الى اعلى الاحاديات ديناميه، الاوربية الانشطارية الطبقية، الى احاديات اللادولة، واشدها دينامية، البنية الجزيرية العربية، المحكومة لاقتصاد الغزو، والاحترابية العليا الاستثنائية، وكل هذا خارج عن فعل الكائن البشري، مركب ومهيأ من العامل الارضي.
في كل هذا لايقال عن المجتمعية الا كونها انتقالا من الصيد واللقاط الى (التجمع + انتاج الغذاء)، وكان الكائن البشري هو منتج الغذاء ومبتكره، وليست الارض التي تنطوي عليه وتوفره، مايستوجب التساؤل ترى ماذا لو ان الارض لم تكن موجودا "حيا"، وكانت كما يقول الانسايوان"جمادا"، لاتزهر، ولاتعطي ثمارا ضمن عملية الكائن المعتبر "حيا" يعتليها، من دون دور يتعدى احتفار الارض، وبعض المجهود، لاجانب منه ابداعي او خلقي فلم يسبق للكائن البشري ان انتج شجرة او عشبه، فالارض هي التي تطعمه فعليا، وقبل اليوم، كان هو في الجنه التي يظل يتخيلها سائرا في الوديان والغابات، الارض تصب عليه ثمارها، وهو لايفعل سوى رفع يدينه، او الركض وراء بعض الحيوانات ليقتلها وياكلها، هذا عدا ماكان عليه هذا المخلوق حيوانا على مدى مئات ملايين السنين، بما يكفي مضاعفا لكي تتكرس قاعدة الرعاية، مقابلها الكسل واللاحضورية، فما مكان الكائن البشري داخل عملية من نوع تلك التي وجدت فيها، الانهار والامطار، والجبال والوديان والصحاري والثلوج والامطار ولسع قرص الشمس، لياتي شخص هي امه وابيه، لامكان له الافتح فمه، واشغال معدته وتوسيخ الارض بفضلاته.
خلال مرات لاتحصى، ذهب الكائن المتشاوف بدون وجه حق، ليقارن بين مايسمه "الجماد"، ثم "الحيوان"، وصولا له هو الذي يسمي نفسه من دون وجه حق، "الانسان"، وليضع نفسه في المرتبه العليا تدرجا بين المخلوقات، من دون ان يتوقف ليقول لنا اولا، هل الارض "جماد" فعلا، وكما يرى، وهل الحيوان شيء اخر غيره هو، وقد صار ازدواجا، كل هذا من دون ان يجرب ولو من بعيد، مقاربة فضل الحياة الجمادية الارضية عليه، وعلى حقيقته الوجودية بالاصل.
كتب على الكائن العقلي الحي المرور بطورين وزمنين من التشكل والنمو، الاول ارضي جسدي حاجاتي "حيواني" /"انسايواني"، والاخر عقلي، معه يصير"الانسان"/ العقل قيد التحقق والاكتمال، ولهذا مايعادلة على مستوى الكون وحركته، ومسارت تحوله العظمى بين كونين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم