الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- المحتوى الهابط - في طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي

اسماعيل شاكر الرفاعي

2023 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


" المحتوى الهابط " في طريقة اختيار رئيس الوزراء العراقي


يمكن وصف طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي بالهابطة : لانها خادشة للذوق الديمقراطي العام الذي تخلّقَ خلال القرون الثلاثة الاخيرة واصبح : ثقافة عالمية معروفة السمات والقواعد …

اول خدش ، أو قل اول هدم للديمقراطية في العراق ، يتمثل برفض اعتماد نتيجة الانتخابات في تسمية رئيس مجلس الوزراء ، وهو ما يعادل الغاء قوة ارادة الشعب التي تتبلور في نتيجة الانتخابات ، وبالتالي الغاء حرية الشعب في اختيار مسؤوليه . وهذه القوة اللاغية لارادة الشعب تتكون من اقلية قليلة جداً ، هم رؤساء بعض الاحزاب الاسلامية ، وقيادة بعض الميليشيات ، وبعض الروزخونية وجميعهم لا يفقهون من السياسة غير تقاسم المناصب وحيازة المغانم .. اذاً من حقنا ان نتساءل : لماذا يتم اجراء الانتخابات اصلاً ؟ …

وكما يتعدى المنشور الشاذ والسلوك الشاذ على الذوق العام : كذلك تتعدى طريقة اختيار رئيس الحكومة في العراق على قواعد وآليات تطبيق الديمقراطية وتمعن في تشويهها …

بعبقرية اجتماعية وسياسية خاصة ، استطاعت نخبة المجتمعات الاوربية العبور بمجتمعاتها من : مرحلة في التاريخ البشري كانت سمتها الاساسية : الصراع الدموي على السلطة ، الى مرحلة في ادارة الصراعات الاجتماعية والسياسية تتميز بالسلمية ، وخاصة بعد حرب الثلاثين عاماً 1618 - 1648 ، وذلك بالتراضي على التخلي عن تحكيم السيف والبارود في الوصول الى السلطة ، والاستعاضة عنهما بتحكيم صندوق الانتخابات ، وتسليم السلطة للفائز بنسبة اصوات اعلى . وهذا هو الجوهر العظيم للاجتماع البشري تحت ظل الديمقراطية : التخلي عن العنف ، ونزع الكثير من صفات التوحش ودخول مرحلة سن الرشد والنضج الاجتماعي . لكن في العراق ( الديمقراطي ) يتم التخلي عن نتيجة الانتخابات : الآلية الوحيدة لادارة الصراعات سلمياً ، والعودة الى التوحش ، الى الصراع الدموي ، الى صراع العنف والقتل والخطف في تعيين رئيس مجلس الوزراء …

برَّرَ القوميون والاسلاميون عدم التقيّد بالتطبيق السليم لقواعد وآليات العمل الديمقراطي : بضرورة شق طريق ثالث لا يشبه طريق الاوربيين ، وذلك للحفاظ على الاصالة والهوية : اللتان ستتعرضان الى التدمير بتطبيق كل آليات وعناصر اشتغال النظام الديمقراطية . لكن احداث التاريخ في القرن العشرين ، كذبت هذه الرؤية : اذ بعد هزيمة النازية والفاشستية في الحرب العالمية الثانية . لم تتدمر : لا هوية المانيا ولا ايطاليا ، ولم تتخرب اصالة شعبيهما : بالعكس ، لقد فتحت الديمقراطية لهما طرقاً اخرى متعددة للتعبير العبقري عن الهوية والاصالة : كما ان اليابان ارتفعت اشواطاً في التقدم العلمي والتكنولوجي والعدالة الاجتماعية بالتطبيق السليم للديمقراطية .
بعد مرور قرن كامل على هذه الثرثرة العبثية لا يريد هذان التياران : الاسلامي والقومي الاعتراف بان محاربتهما للتطبيق السليم للديمقراطية نتج عنه : ضياع الشعوب العربية لقرن كامل في صحراء التجريب العبثي الذي لم تكن نتيجته الّا اعادة انتاج الاستبداد والتخلف ، وما قاد اليه من حروب خارجية وداخلية ، ونكسات وهزائم ، وهجرة كثيفة للاوطان نتيجة البطالة ، ونتيجة اجبار الناس على العيش وسط اشكال من الحياة قاعدتها : الفقر والارهاب …

ان اصالة الشعوب وهوياتها ترتبط في الأوان الذي نعيش بما عليه اقتصادها الصناعي من تقدم ، ومن ابداع تكنولوجي ، ومن قدرة على صناعة سلع وبضائع تملك امكانية المنافسة في السوق العالمية ( كلما صغرت ، كلما كانت عالية الجودة ورخيصة الثمن ، وقادرة على المنافسة ) . وليس افراد المجتمع العراقي مخلوقين من مادة اخرى اكثر هشاشة من المادة التي تم صنع الانسان منها : لكي تضيع منه هويته واصالته ودينه واعرافه التي لم يفقدها انسان المجتمعات التي تمارس الاختيار الديمقراطي منذ قرنين من الزمان …


ان عدم احترام نتائج الانتخابات يدل على عدم وجود معارضة رسمية قوية ، وعدم الاحترام هذا نابع من عدم معرفة اغلبية العراقيين لأهمية وجود معارضة : اذ ان عدم وجود معارضة يعني ان المجتمع لا يؤمن بالتعددية ولا يحترم معتقدات الآخرين : وهذا ما نلمسه واقعاً في العراق خاصة بعد صدور دستور 2005 الذي مأسس التقسيم الطائفي والعرقي في البلاد والبسها ثوب الشرعية وهو يتحدث عن مكونات . والمعارضة هي دائماً ابنة مجتمع مدني قوي ومتماسك : يستطيع بفعاليات التظاهر والاعتصام ان يفرض شروطه على السلطة القائمة ، ويجبرها على التنازل ، وتحقيق مطالبه . لكن في العراق يتم اختطاف افراد المعارضة من الساحات العامة ، حيث تتم تصفيتهم جسدياً : كتعبير قوي عن رفض الاختلاف ، اي رفض وجود الركن الثاني من اركان وجود الديمقراطية بعد ركن الانتخابات الدورية . وهذه التصفية الجسدية لافراد المعارضة مستمرة كتقليد ثابت منذ العهد الملكي : يعكس غيابها ثبات المجتمع وانطوائه على بعد انتاجي واحد : هو الانتاج الزراعي ، وما يفرزه المجتمع الزراعي من عصبيات طائفية وقبلية . تمارس هذه التصفيات ميليشيات لا تقوى الدولة على حماية مواطنيها منها ( وهذا يذكرنا بما قاله الملك فيصل قبل 90 عاماً عن اسلحة العشائر : دولة اضعف من مجموع قوة عشائرها ) وفي وقتنا الحالي : دولة اضعف من مجموع قوة ميليشياتها . ميليشيات اقوى من نظام الدولة السياسي ، وهي التي تلغي نتائج الانتخابات وتجيء برئيس الوزراء الى السلطة وتتحكم به من وراء ستار . فتكون النتيجة انتفاء وجود نظام سياسي ذي ملامح محددة في العراق . من غير الاخذ بنتائج الانتخابات والاعتراف الرسمي والشعبي لا يمكن الحديث عن نظام سياسي ديمقراطي في العراق بل يمكن الحديث عن وجود عصابات سياسية : بدأت تجيد الاشتغال على الاستثمار في التناقض : الامريكي الايراني ، وفي الاستثمار السياسي في الدين …

- [x] والحقيقة ان ظاهرة المجيء برؤساء الوزارة من خارج نتائج الانتخابات هي السمة المميزة للتجربة ( الديمقراطية ) في العراق . واستمرار التمسك بها بعد كل دورة انتخابية يدل : على ان الصفوة السياسية لا تريد للخطوات الديمقراطية الصحيحة ان تترسخ في العراق ، لكي يظل الفساد المالي والاداري سائداً ، ولكي تمعن في السيطرة على شخص رئيس مجلس الوزراء وتجعله ينفق جل وقته في ارضائها وتلبية طلباتها ، واخذ رأيها قبل الاقدام على اتخاذ اي قرار : اقتصادي او عسكري او ثقافي . اذ لا بد ان يطمئنها اولاً على ضمان مصالحها قبل ضمان اي مصلحة وطنية : والّا سلبت منه كرسي رئاسة الحكومة ، واطاحت به . ومنذ عادل عبد المهدي ومروراً بالكاظمي وحتى محمد شياع السوداني تكاملت الظاهرة في العراق ( الديمقراطي ) : حيث يداس على نتائج الانتخابات وتتم الاستعاضة عنها بما يتم التوافق عليه من قبل تحالف الساسة الاسلاميين والروزخونية المعممة او المكشدة ، واكبر الغاء لنتائج الانتخابات تم عام 2010 ، وتم منع الفائز في الانتخابات : الدكتور اياد علاوي من تشكيل الحكومة ، لكن سطحية الفكرة الديمقراطية في ذهن علاوي : وعدم ايمانه العميق بفكرة المعارضة ، جعلته يستمر في دعم نظام الفقهاء والساسة الاسلاميين المدعومة من دولة " ولاية الفقيه " الدينية في ايران …

هذه الظاهرة الشاذة هي علة العلل في العراق واذا لم يتم تلافيها باعتماد نتائج الانتخابات في تعيين رئيس مجلس الوزراء : ستظل الحكومة ضعيفة وتابعة لتحالف رؤساء الاحزاب الاسلامية والميليشيات وبعض الروزخونية ، وغير قادرة على فرض قراراتها .. ودونكم قرار الحكومة الاخير في جعل قيمة كل 100 دولار 1300 ديناراً ، فقد ظل مجرد قرار ، لا تأثير له على خفض قيمة الدولار ، ورفع قيمة الدينار العراقي : بسبب من قوّة نفوذ المهربين وعملاء ايران على الشؤون المالية في العراق ، وعلى قرار البنگ المركزي العراقي في بيع العملة …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: اتهامات المدعي العام للجنائية الدولية سخيفة


.. بعد ضغوط أمريكية.. نتنياهو يأمر وزارة الاتصالات بإعادة المعد




.. قراءة في ارتفاع هجمات المقاومة الفلسطينية في عدد من الجبهات


.. مسؤول في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعترف بالفشل في الحرب




.. مصر تحذر من أن المعاهدات لن تمنعها من الحفاظ على أمنها القوم