الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورتريه العنيزي

أحمد الفيتوري

2006 / 10 / 23
سيرة ذاتية


عجزت أن أعطيكم شيئا
سوى بضعة أبيات من الشعر
لكم جميعا
هو قليل من الحزن
ربما أنا صاحب فضل عليكم .

الشاعر التركي : ناظم حكمت

لم يخطر في البال :

أني بعد جهد وبحث مضنيين سأعرف أن كاتب القصة ومترجمها عن اللغة الإنجليزية ، الذي قرأت له القصص المؤلفة والمترجمة وبعض من مقالات في مطبوعات الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، لم يخطر البتة أن أجده من أبناء حيى الصابري وأنه يسكن حيث بيتي في الزريريعية .
صورت وحصلت على بعض المجلدات من مجلات الخمسينات والستينات مثل : الضياء ، هنا طرابلس الغرب والرواد وغيرها ، وبشغف الباحث عن قطرة في غياهب هذه الصحارى الكبرى قرأت ما وقع تحت يدي من قصص ومقالات ، حس المكتشف للمجهول والمنقب في رمال تلكم الصحارى ديدني ساعة كنت أقلب الصفحات ؛ مجلة ليبيا المصورة وصوت المربي والطليعة والمعلم ومجلة مدرسة بنغازي الثانوية الخمسينات .
لم أكن شغوفا بالتاريخ ولا البحث في حفريات خصوصية ما ؛ كنت أظن ودائما أرى أن المبدع يستمد خصوصيته من إبداعه ، لكن أن أعرف بعد جهد أن أحمد العنيزي القاص المنسي في الطين هو من قرب ؛ من حي الصابري وأنه لا بد قد مر على في طفولتي دون أن أدرك أن هذا الرجل الخجول من ظله ، من يتغطى بهذا الظل كي يتوارى عن الأنظار ، هو كاتب قصة وأن السردية كانت مشغله ، وأن كتابة القصة الرومانتيكية المشوبة بحس واقعي شكل جهده في تكوين بنية سردية في الكتابة الإبداعية باللغة العربية ، التي كان الحكى موروثها المسكوت عنه في حالة ثقافية توكد قطعا أن الشعر ديوان العرب .
حي الصابري :
خلائط من زنوج وبدو وعمال ومن غرب وشرق وجنوب البلاد ، في هذا الاختلاف ثمة مشترك سافر هو الفقر ومن علاماته البينة : أن هذا المعمار البشرى الفسيفسائي يتجلى في تشكل بنيان متراص من بيوت الشعر والحلاليق والبراريك ؛ أكواخ الصفيح التي تتحلق بعشش وقليل من بيوت مبنية على الطراز الليبي / العثماني . وفي هذا الصابري برج بابل من لهجات عامية عدة ولغات أفريقية غريبة وألوان من الإيقاعات المتباينة ، وملابس تمثل كرنفالا يوميا وعفويا ، وبين الشقوق ؛ شقوق ذاكرة هذا وذاك ينسرب خيط السرد في حكى مضطرد لمشارب مختلفة ، أصول عدة ، حنين لمكان قديم انحدرت منه تلك الأجناس والقبائل وبعض من أفراد في منزلة بين المنزلتين .
بعض من متساكني الصابري عمال في " كمبوات الإنجليز " التي تحوط الحي من غرب ، قرب المستشفي الحكومي الذي بناه الإيطاليون ، وبعد سبخة السلماني حيث المستشفي العسكري الإنجليزي ، وبعض آخر خدم في حي البلاد عند العائلات المقتدرة ورجالات الدولة .
قصة تنشغل بالحرب :
[ كانت رجلاه حافية كعادته وقد حملتا كثيرا من وحل مستنقعات الصابري ، وكان يرتعد من شدة البرد وقد بلل المطر بنطلونه العربي الضيق ، وسترته الصوفية القصيرة التي كشفت أكمامها الممزقة عن ذراعيه ، وطاقيته الرمادية المتهرئة التي كانت يوما ما حمراء ، وقدمت له خبزا وحساء ساخنا أكل منهما بنهم دل على جوعه الطويل ، ثم شرب كوبا من الشاي قدمته له . ] . هكذا سرد أحمد العنيزي في قصور وأكواخ عن رجال الحي الجوعى ، عن التباين بين أكواخهم والقصور التي يعملون فيها في مدينة بنغازي ؛ بنغازي التي تسرق الأنفاس من تحت ركام الحرب العالمية الثانية ، حين نشر قصته " طريق الوحل " في مجلة الضياء / عدد مايو عام 1957م : [ انطلق صوت صفارة الإنذار المزعج فجأة ، وأطفئت الأنوار الزرقاء الخافتة وساد الظلام والسكون المدينة . ومرت لحظات قبل أن ينبعث أزيز طائرات قادمة من ناحية البحر ، ظهرت الأنوار الكاشفة تجوب أرجاء الفضاء ، ودوى قصف المدافع واختلط بهدير الرشاشات ، ظلت القذائف تنطلق في الجو دون هدف أو غاية من البطاريات الإيطالية العتيقة . انقضت دقائق قبل أن تفتر همة المدافعين وتتوقف البطاريات الواحدة تلو الأخرى ، وألقت الطائرات المغيرة أنوارا كاشفة أحالت الليل نهارا . وانبعث من خلال الدوى البطئ صفير طائرة تنحدر أعقبها صوت انفجار هائل سمع على أثره صياح جنود البطارية الثانية . ومن شارع ( .. ) القريب من تلك البطارية خرج السكان يتلمسون المخابئ وامتلأ الشارع بالرجال والنساء والأطفال والشيوخ ، وانتشر الرعب في القلوب . طرق الأسماع صوت طائرة أخرى تنحدر فترامت الناس على الأرض وقد حبس أنفاسها الهلع حتى بدأ الشارع الضيق كعلبة سردين . ودوى انفجار أخر مروع ومادت الأرض وتناثرت شظايا القنابل الملتهبة .. ندت صرخة مكتومة من بيت سي على الحمال لم تطرق الأسماع الذاهلة ، مرت دقائق حرجة وانطلقت صفارة الأمان . وعلى أضواء النيران المشتعلة في الميناء حيث كانت إحدى السفن تحترق شاهد الناس عدة منازل وقد أصبحت أكواما من الحجارة والتراب .. وعندما أقبلت سيارات الإسعاف والمطافي تجرى بأقصى سرعتها وتدق أجراس الخطر . كانت المدينة لا زالت تختنق من دخان المتفجرات وغبار المباني المتهدمة وروائح الشوى البشرى .. وتوالت سيارات الإسعاف تحمل المصابين إلى المستشفي المدني الذي اكتظ بالضحايا في تلك الليلة من ليالي سبتمبر 1940 م .. ] .
إن مبرر أطالت هذا المقطع من قصة الأستاذ أحمد العنيزي لأني تقريبا لم أقرأ أي قصة ليبية تسرد ملمحا من الحرب العالمية الثانية الضروس ، التي أضرست البلاد خاصة مدينتي طبرق وبنغازي .
قصة " طريق الوحل " :
مقدمتها سرد تفصيلي لغارة جوية على المدينة المنكوبة التي خرمت سمائها الغارات الجوية إبان تلك الحرب ، هذه المقدمة تضاريس طريق الوحل الذي تمهده الحروب ، وبطلة القصة أو الشخصية الرئيسية ستشكل هذه التقدمة حياتها ؛ فالغارة الجوية ستدمر حياتها كما دمرت بيتها . الواقعية التصويرية التي تسبغ هذه القصة تتشكل في بنية سردية تجعل من التقدمة خلفية الحدث الرئيسي ومصدر تشكله ، كما أن اللغة التقريرية تنبئ عن سارد سابر لغور الحدث باعتباره الفاعل وأن الشخصية مفعول به ؛ فالحرب متمثلة في الغارة الجوية كما هي أس هي ما يشكل مستقبل الشخصية ، والتوصيف الخارجي بنية سردية تحوط القارئ بهول الحرب قبل هول نتائجها . وإذا كانت السفينة المشتعلة في الميناء تضئ منتوج الغارة من دمار وركام فإن مقدمة القصة تكشف التدمير الذي يطال الشخصية الرئيسية في القصة ، التي جعلتنا نرى ما فعلت الحرب في مدننا التي لا حول لها كما بطلت القصة التي ستتخذ من الوحل طريقا ؛ هكذا فإن أحمد العنيزي شكل بمثل هذه القصة تميزا ركن في ذاكرة عثها النسيان وديدنها الإهمال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح