الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السيولة و روتيني اليومي.. ضرورة الفرز المعرفي

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2023 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


حينما أربط النقاش (اليوتيوبي) السائد، بين من ينظر إليهم العامة كنخبة، بظاهرة روتيني اليومي ! فإني أعي هذا الربط، من منظور معرفي مؤصَّل، و لا أسعى إلى ممارسة الهزل على طريقة روتيني اليومي التي أنتقدها !
السيولة، بتعبير زيغموند باومان، خاصية فكرنا المعاصر، فالمفاهيم و الأنساق الفكرية و الإبداعية فقدت صلابتها الحداثية و دخلت في ميوعة ما-بعد حداثية، لدرجة صعوبة الفصل بين التداول العامي و التداول النخبوي.
لكن، هل كان زيغموند باومان يدافع عن هذا الوضع و يقره كأمر واقع ؟! يخطئ من يتوهم ذلك !
من خلال اقتفاء أثر مفهوم «السيولة» لدی زيجموند باومان، يتضح أن هذا المفكر جزء لا يتجزأ من منظومة متكاملة انشغلت بتقويم انحرافات الحداثة الغربية. و قد تأسست المبادئ الأولی لهذه المنظومة مع الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر، و من سار علی منهجه مثل: حنا أرندت في مجال الفكر السياسي، و ميلان كونديرا في مجال الفكر الأدبي، و كارل بوبر في مجال الفكر الفلسفي...
و ترتكز هذه المنظومة الفكرية علی مبدأ الدفاع المستميت عن الإنسان الأسمی(بنفحته النيتشوية القوية) هذا الموجود الذي يستمد قوة حضوره من الوجود الأول، و بقدر انفصال الفرع/الموجود عن الأصل/الوجود بقدر ما يغترب الموجود و يتيه، في بحر لجي، فاقدا للبوصلة .
هذه، بالضبط، هي الصورة التي يرسمها باومان للإنسان/الموجود ( السائل) الذي انفصل عن الوجود و رمی بنفسه في أتون المجهول. لقد نسي كينونته، بلغة ميلان كونديرا، و فقد انسجامه و صلابته، ككائن مركزي في هذا الكون يستمد وجوده من قدرته علی التفكير/الوعي بلغة الكوجيطو الديكارتي .
لاستيعاب أطروحة باومان حول السيولة، لابد من وضعه في سياقه الفكري أولا، و لابد من الإدراك المعرفي العميق لهذا السياق الفكري ثانيا. و إلا فإننا سنخبط خبط عشواء، و نحن نلوي رؤوس الأفكار كي تستجيب لنزعات إيديولوجية مختزلة لا تنسجم مع الرسالة التحريرية للخطاب الفكري.
ما يروج من طرف (نخبة) اليوتيوب، على طريقة روتيني اليومي، انحراف خطير في الممارسة الفكرية، و لا يمكن تبريره بتأويل فلسفي أشد انحرافا.
يجب على النخبة الفكرية الملتزمة خوض المعركة ضد مرتزقة روتيني اليومي الذين ينتحلون هوية أكاديمية (دكتور، عالم، مفكر...) يوظفونها بشكل منحرف من أجل المتاجرة في سوق اليوتيوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟