الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل عازف سيمفونية الألوان الفنان خضر جرجس

حسني أبو المعالي

2006 / 10 / 17
الادب والفن


لوحة تلك أم حلم جميل، نغمة أم صدى لنداء الوجد، أخيال ذلك الذي يداعب البصر أم حقيقة؟، يتوه المتلقي بين متعة العين ونشوة الاستماع ودهشة الابحار في عالم الفنان التشكيلي خضر جرجس حين يكون بمواجهة أعماله الفنية
في أول عناق لي ضم سماء وأرض الوطن عام 2003 أي بعد السقوط والخراب الذي يسمونه التحرير بثلاثة شهور، حظيت لأول مرة بزيارة قاعة حوار في الوزيرية التي يشرف عليها الفنان قاسم سبتي الذي حاول كما أعتقد الحفاظ على أعمال الفنانين من أن تطالها أياد السراق والمخربين الذين عاثوا في البلاد نهبا وسلبا في ظل الحرية الأمريكية، فأخفاها بعيدا حتى استقرت الأمور بعض الشيء، كانت القاعة غير مرتبة بعد، لوحات فنية منتشرة هنا وهناك لمجموعة كبيرة من الفنانات والفنانين العراقيين، منها ما هو معلق على الجدار بشكل عشوائي ومنها ما هو مركون على الأرض، وهناك أعمال مكدسة في ركن من القاعة، ومن بين جميع تلك الأعمال كانت تشع ألوان خضر جرجس من لوحة يتيمة لفتت نظري بشكل غير طبيعي، سارعت يومها مستفسرا عن صاحب اللوحة من مدير القاعة فأجاب بأن الفنان غادر الوطن مهاجرا وليس في القاعة من أعماله سوى ثلاث لوحات، تأ ملت الأعمال بعين المبحر لأول إلى جزيرة فنية قلما يجود الزمن بمثلها، فسحر الألوان وانسجاماتها جزء من سر فرشاة الفنان، وتكويناته الرائعة تكشف عن مخيلته الاستثنائية، وموضوعاته المتنوعة لا تفقد شخصيته الفنية، لم تشبعني تلك الأعمال بما يكفي للكتابة عنها وعن الفنان بالرغم من أنني تركت القاعة وفي نفسي شوق كبيرلألوانها وطريقة تنفيذها على اللوحات، غادرت القاعة وكأنني تخليت عن واجب وطني كان علي الاستمرار بالتقصي والبحث لإنجازه، وظلت تلك الأعمال الفنية الرائعة تقتحم ذاكرتي حتى عودتي لمقر إقامتي وطني الثاني المغرب وبقيت فكرة الكتابة عنها تراودني لزمن غير قصيرإلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفني حتى سمعت خبر وفاة الفنان خضر جرجيس في المهجر، ويبدو لي بأن الفنان الراحل لم يحظ باهتمام إعلامي كاف للتعريف به.
والمتتبع للحركة الفنية لم يجد أعماله الفنية الرائعة قد وضعت في الميزان الثقافي والفني العراقي والعربي، فقد تميز بين أقرانه من الفنانين منذ كان طالبا في معهد الفنون الجميلة وبعد تخرجه في الستينيات عين استاذا معيدا للفن في ذات المعهد وهو دليل على تفوقه
كان يتمتع بدرحة عالية من الحساسية في صناعة مزج الألوان التي تطرب لها العين وهذا ما يذكرنا بالفنان العراقي الكبير الراحل فائق حسن فهو صاحب تلك المدرسة اللونية بالرغم من اختلاف توجه كل منهما. فالفنان فائق كان واقعيا وخضر جرجس كان تجريديا، تنساب ألوانه كموسيقى هادئة تنقلك من نغمة جميلة إلى أخرى طروب وتستقر بك في أجواء سيمفونية بالغة الروعة والخيال
رحل خضر جرجس في زمن شهد غياب المبدعين وعم فيه تكاثر المدعين، وسيطر التشويه باسم الحداثة على الساحة التشكيلية واحتل مكان الإبداع والفن، كما يسيطر الآن العنف والإرهاب مكان الحب والديمقراطية، فوداعا للحب، ووداعا للإبداع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر