الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحويلات مالية قد تجلب العقوبات الدولية على العراق

حميد الكفائي

2023 / 2 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



الجماعات السياسة الحاكمة في العراق تخاطر بجلب العقوبات الدولية على البلد عبر تحويلها مليارات الدولارات إلى إيران بطرق متعددة، في مخالفة واضحة للعقوبات المفروضة عليها، بهدف مساعدتها على تجاوز الصعوبات الناشئة عن العقوبات الدولية.

وتقدِّر تخمينات أمريكية حجم التحويلات المالية العراقية، حسبما نشرته مجلة (Washington Examiner) بتأريخ 11 فبراير الجاري، بثلاثمئة مليار دولار، خلال ثماني سنوات، بين 2012 و2020، وهذه الأموال حُوِّلَت بالدولار الأمريكي عبر دول عديدة. كما أفادت تقارير رسمية أوردتها المجلة، أن الحرس الثوري الإيراني هو المستفيد الأكبر من هذه الأموال.

وهذه التحويلات المالية ليست تهريبا ناتجا عن إهمال، أو ضعف في النظام المالي، كما يتوهم البعض، أو يحاول أن يوهم الآخرين بذلك، بل هي تحويلات منظمة يقوم بها حلفاء النظام الإيراني في العراق، مع علمهم بأنها تتسبب في إفقار العراقيين وإلحاق أضرار بالغة وطويلة الأمد بالاقتصاد العراقي.

وقد استمرت هذه التحويلات حتى شهر نوفمبر من العام الماضي، عندما انتبه "مجلس الرقابة المالية ومكافحة تمويل الإرهاب" التابع لوزارة الخزانة الأمريكية إلى خطورتها، وبدأ يمارس ضغوطا على الحكومة العراقية من أجل إيقافها. ونتيجة لتلك الضغوط، بدأ البنك المركزي العراقي، باستخدام نظام التحويل الألكتروني الذي يتطلب إدراج تفاصيل دقيقة عن المتسلِّمين النهائيين للأموال المحوَّلة.

ووفقا لتقارير، فإن بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي درَّب 100 موظف عراقي على استخدام هذا النظام الالكتروني. ومع بدء استخدام هذا النظام، انخفضت مبيعات مزاد العملة العراقي، من 257.8 مليون دولار يوميا قبل ستة أشهر، إلى 69.6 مليون دولار حاليا، حسب سجلات البنك المركزي في 31 يناير 2023، وأن 34% فقط من هذه الأموال ذهبت لشراء الواردات، مقارنة مع 90% كانت تذهب سابقا لشراء واردات وهمية وفق فواتير مزورة.

هذه الرقابة الأمريكية المشددة على تحويلات الأموال العراقية، والتي وجدت أن 80% منها مشبوهة، وحظرت تمريرها، حسبما صرح به أحد مستشاري رئيس الوزراء مؤخرا، دفعت المتعاملين العراقيين مع إيران إلى الانتقال من البنوك الخاصة، التابعة للجماعات السياسية، إلى مكاتب الصرافة الخاصة، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، وتدني سعر الدينار العراقي، من 1460 دينارا للدولار، إلى 1750 دينارا، واندلاع ما سُمِّي خطأً في العراق بـ (أزمة الدولار)، والحقيقة أنها (أزمة الدينار)، التي نتجت عن تواطؤ الحكومات العراقية المتعاقبة مع مدبري هذه التعاملات، التي تبدد الأموال العراقية على نشاطات مرفوضة دوليا تمارسها دولة أخرى.

لماذا تساهل البنك الفدرالي الأمريكي كل هذه الفترة مع هذه التحويلات؟ تقول مصادر أمريكية إن حكومة الرئيس السابق دونالد ترامب، كانت متساهلة من أجل عدم خلق أزمة مالية ومعيشية في العراق، لكن إدارة بايدن قررت إيقاف هذا التساهل الذي تستفيد منه إيران بالدرجة الأولى، من أجل زيادة الضغط على النظام الإيراني بسبب نشاطاته المتزايدة في دعم روسيا في حربها على أوكرانيا، وفي تطوير البرنامج النووي الذي يقترب من إنتاج السلاح النووي، وكذلك دعما للاحتجاجات الشعبية في إيران.

ويفسر محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، في لقاء تلفزيوني أخير، الأزمة بالقول إن التجار يأتون بالبضاعة من إيران، لكنهم يقدمون فواتير مزورة من دول أخرى كي يحصلوا على الدولار، ثم يحولونه إلى إيران، لأن البنوك العراقية جميعا، ابتداءً من البنك المركزي إلى المصارف التابعة للدولة والمصارف الخاصة، لا تستطيع أن تحوِّل الدولار إلى إيران رسميا بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها!

بعبارةٍ أخرى، أن الدولة العراقية تعرف تفاصيل ما يجري، وهي بذلك تقوم فعليا بعملية غسيل الأموال لصالح إيران، التي تتبع سياسات مخالفة للقانون الدولي، من دعم الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والفيليبين والبوسنة وتركيا، إلى تزويد روسيا بالطائرات المسيرة في غزوها لأوكرانيا، إضافة إلى استضافة زعماء القاعدة، بمن فيهم عبد الله أحمد عبد الله، (المعروف باسم أبو محمد المصري)، الذي اغتيل في طهران في أغسطس عام 2021، وزعيم التنظيم الحالي، محمد صلاح زيدان (المعروف باسم سيف العدل)، وهما المسؤولان المباشران عن تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، والتي قُتل فيها 224 شخصا، وجُرح 4500، من المارة وموظفي السفارتين الأفارقة، بينهم 12 دبلوماسيا أمريكيا.

رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، يفسر الأمر بطريقة مختلفة قليلا، إذ قال في حديث تلفزيوني أخير، إن التجار العراقيين يطلبون البضائع من مصادرها (التي لم يفصح عنها، ولكن الواضح أنها إيران) فتصل إلى العراق دون إجازة استيراد، ولأن هؤلاء التجار لا يستطيعون الحصول على الدولار من البنك المركزي، فإنهم يلجأون إلى مكاتب الصيرفة للحصول على الدولار من أجل دفع أثمانها!!!

للأسف تفسير رئيس الوزراء غير مقنع. فكيف يمكن أي تاجر أن يأتي ببضاعة من الخارج دون إجازة استيراد؟ وكيف تدخل هذه البضاعة بهذه السهولة إلى العراق دون علم الحكومة؟ أين الرقابة إذن على البضائع الداخلة إلى البلد، وما هو دور الحكومة؟ أليس هذا دليلا على أن الحكومة تسمح بل تشجع التجارة مع إيران؟ أليس المقصود من حظر الدفع بالدولار هو حظر التجارة مع إيران؟

تفسير محافظ البنك المركزي للقضية أقرب إلى الواقع، والحكومات المتعاقبة تعلم بتفاصيل ما يجري، بل هي مساهِمة فيه ومتعاونة معه، بشكل مباشر أو غير مباشر.

وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، وهو الوزير الوحيد المشارك في الحكومات الثلاث الأخيرة منذ عام 2018، قال في مقابلة مع صحيفة (روداو) إن حجم التبادل التجاري العراقي مع إيران يبلغ 18 مليار دولار سنويا، وإن العراق يسدد لتركمانستان أثمان السلع والبضائع التي تشتريها إيران منها، لأنه لا يستطيع أن يدفع الأموال مباشرة إلى إيران بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها!

المسألة إذن، لم تعد لغزا لأحد، فالجماعات السياسية العراقية، ومعظمها مسلحة وموالية لإيران، هي التي تستورد من إيران وتحوِّل الأموال إليها، بعلم الحكومات العراقية المتعاقبة. معظم البنوك الخاصة في العراق يملكها سياسيون عراقيون بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذه حقيقة يعرفها المراقبون جميعا، وقد أشار إليها أحد قادة المليشيات التي تدعمها إيران في تصريح نشرته جريدة (Arab Weekly) بتأريخ 4 فبراير الجاري. هذه البنوك تستخدم مزاد العملة الرسمي، الذي يديره البنك المركزي العراقي، للحصول على الدولار الذي تحوِّله إلى إيران.

وتعزو الصحيفة نفسها إلى مستشار رئيس الوزراء العراقي قوله إن "كميات كبيرة من الدولار قد حُوِّلت من العراق إلى بلدان عديدة عبر "السوق الرمادية" باستخدام فواتير مزورة لبضائع وسلع بأسعار مرتفعة".

السؤال الموجه للحكومات العراقية هو لماذا كل هذا الإصرار على التعامل التجاري مع إيران وبهذا الحجم الكبير، 18 مليار دولار سنويا، رغم المخاطر الكثيرة التي تحيط به، واحتمال فرض عقوبات دولية على العراق، نتيجة لهذه المخالفة للقوانين الدولية؟ ولماذا يكافئ العراق إيران بهذا التعامل التجاري في وقت تمارس فيه سياسات معادية للعراق، من قطعها المياه عن 42 نهرا ورافدا دوليا تنبع من أراضيها وتصب في العراق، إلى انتهاكاتها المتواصلة للسيادة العراقية، بمهاجمتها إقليم كردستان بالصواريخ، وتدخلها السافر في الشؤون العراقية، بالإضافة إلى الأعمال المتواصلة المزعزعة للاستقرار في العراق، التي تمارسها الجماعات المسلحة التابعة لها؟

المطلوب من رئيس الوزراء الجديد، محمد شياع السوداني، أن يسلك مسارا مختلفا عن سابقيه كي يصحح الأوضاع. ليس صحيحا أن تتقدم مصلحة النظام الإيراني المحاصر شعبيا ودوليا، على مصلحة العراق، الذي يعاني شعبه من الفقر والبطالة وتدهور الخدمات وانعدام الامن وغياب الحريات. نعم هناك قيود على حريته حاليا، لكن عليه أن يبدأ في اتخاذ خطوات عملية كي ينأى بالعراق عن التبعية، فهذا هو ما يريده الشعب العراقي والمجتمع الدولي، وهذا أيضا ما يتوقف عليه مستقبل العراق كدولة مستقلة.

بإمكان العراق أن يحقق استقلاله الفعلي عبر التفاعل مع المجتمع الدولي والانسجام مع القوانين الدولية، خصوصا وأن الرقابة المالية قد اشتدت في الآونة الأخيرة، ولم تعد هناك فسحة تسمح بالمخالفات التي مارستها الحكومات السابقة، التي ألحقت أضرارا بالغة بمصلحة العراق وقادت إلى إفقار شعبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز