الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تقديس وتلميع الزعيم: أهم استراتيجيات النظام الفاشي
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
2023 / 2 / 20
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
عادة ما تقوم الأنظمة الفاشية المستبدة على ركيزة أساسية، وهامة، وهي على الأغلب إيديولوجيا متعصبة مغلقة ومتزمتة، تلهب حماس المتزمتين والمتطرفين، يحملها شخص أو عدة أشخاص يعتقدون ويؤمنون بها ومستعدون لفعل أي شيء من أجلها، غير الطبيعة التآمرية والإقصائية الكيدية والاستبدادية لهكذا طغم وشراذم تقتضي بالنهاية احتكار قرار ومصير الطغمة، ومعها الإيديولوجيا القائمة بيد فرد واحد، وتنشأ على هامش ذلك المنظومات الدعائية بالتغني والترويج للفكرة وحاملها ممثلة بالطاغية، وتبدأ معها عمليات التلميع والقديس والتأليه لشخصه الكريم فتـُنسج حوله التخاريف وتقال الأقاويل وتؤلف الأساطير وتصدح المواويل وتنحت المصطلحات الجزلى وتتلى الآيات والتعاويذ وتقرض الأشعار وتنشد الزغاريد، وتنحني له الهامات عند ظهوره المهيب، باعتباره هبة الطبيعة ونابغة القرون الفريد وفلتة الزمان الأوحد الوحيد، ولشدة الضخ الإعلامي يصدّق هو نفسه دعايته الكاذبة نفسها، ما يفضي بالضرورة لتضخم النزعة والروح الأنانية ونمو مفرط للنرجسية التي تنتهي بالإصابة بجنون العظمة وما لها من تداعيات كارثية على تلك المجتمعات، فيصبح هو مركز الكون والوجود وصاحب القرار والكل في فلك حوله يدورون ويسبحون ويسـّحون.
وتقتضي هذه الاستراتيجية العقيمة والكارثية، وللحفاظ على حياة و"ألوهية" الزعيم فيجب القضاء على حياة الكثيرين، ومنع ظهور ولمعان ووجود أية شخصية أخرى، أو تسليط الضوء على أية قضية، ممكن أن تسرق وتبعد الأنظار المشدوهة عن شخص الطاغية المستبد العظيم، فتنشأ، على هامش هذه الاستراتيجية، استراتيجيات أخرى، ملازمة وضرورية، وهي عملية الإخصاء الجماعي والوطني والإبادة للجميع، درءاً، واستباقاً لظهور أي منافس محتمل للزعيم الأوحد النوراني والطهراني وتبدأ حملات المطاردة والاعتقال والتصفيات الجماعية فتعج سجون الطاغية بالمعارضين ومحطمي استراتيجية التقديس وتغص أقبيته المظلمة السوداء بأعداد كبيرة وشرائح متنوعة من الآدميين، لا فرق، وقتها، بين طفل وامرأة وشيخ مسن جليل.
ولتحقيق هذه الاستراتيجية والضرورة الوطنية الأمثل، سيتطلب الأمور وجود أجهزة وأذرع مسلحة وشبه عسكرية فتاكة، أي مزودة بأسلحة ثقيلة، وغالباً ما تكون سرية، وتتمتع بصلاحيات استثنائية وواسعة، ويعفى مسؤولوها من المساءلة القانونية والمثول أمام القضاء في كل ما يتعلق بعملهم وهدفهم المقدس والأول وهو حماية حياة القائد الضرورة والزعيم العبقري الملهم الاستثنائي، مهمتها وغاياتها وانشغالاتها المرافقة لذلك تتمثل في البحث والتفتيش والتنبيش بكل ما من شأنه التشويش على هذه الاستراتيجية وتهديدها والقضاء عليه في مهده، لتصبح فيما بعد هي الدولة العميقة والدولة ضمن الدولة والكيان الموازي وربما الأقوى من الدولة نفسها، وتظهر تلك الأجهزة والقوى في أبشع وأقبح صورها حين تنفيذ تلك الاستراتيجيات "المقدسة" وتراكم سمعة سيئة قميئة مرعبة تتجاوز الآفاق والحدود المحلية نتيجة ما تمارسه من انتهاكات وتجاوزات، كما كان هو الحال مع أجهزة الأمن سيئة الصيت والسمعة في كوبا وكوريا الشمالية الوراثية، وأوروبا الشرقية الشيوعية كالـ"سكيوريتات" (الرومانية:Securitate)، والـKGB في الاتحاد السوفييتي المقبور، وكانت الـ"شتازي"، وهي اختصار يعني حرفيا أمن الدولة، في ألمانيا الشرقية، التي كانت تعتبر كأقوى وأقبح جهاز أمن بالعالم، (تعاون بوتين معها بشكل وثيق وكان مندوب الـKGB المعتمد هناك)، وكانت تصنف كمسالخ بشرية حقيقية ومراكز تعذيب للألمان الشرقيين فاقت شهرتها وفاحت رائحتها في أجواء المعمورة لكن لم تفلح كل إجراءاتها الفاشية والقمعية، في القتل وسلخ الجلود والتعذيب، في منع سقوط وانهيار جدار برلين الشهير.
وعادة ما تنتهي الأنظمة الفاشية نهايات درامية دموية وتراجيدية مؤثرة، بقتل أو إعدام وسحل ذات الطاغية والزعيم، حيث تنهار فجأة وتتداعى من حوله هالات التفخيم والتقديس، وبظهر في صورة هشة وضيعة مبتذلة وضعيفة وهزيلة وهو يستجدي الحياة ويطلب الرأفة ويتسول الرحمة من الآخرين، وهذا ما كان من حال موسوليني، وميلوسوفيتش، وماركوس وزوجته إيميلدا، وتشاوشيكو وزوجته إلينا قبيل تنفيذ حكم الإعدام فيه، وكذا القذافي الذي كان يبكي بحالة هيستيريا وهو يمسح الدماء من على جبهته وقبل أن يدحش له ثوار "الزنتان" قضيباً من الحديد بمؤخرته الشريفة، فيما حظي المهيب الركن بقلب ووسام "جرذ العوجة"، حين ظهر بأبأس حال، وعلى حقيقته العارية والمجردة، وهو يستجدي الجندي "العلج" الأمريكي، للترأف بحاله، ومساعدته أثناء إخراجه من الحفرة، فيما لم يعط "هتلر" هذا الشرف لأحد وآثر الانتحار وإطلاق النار على نفسه موصياً، ما تبقى من جنرالات من جهازه الفتاك الشهير "غستابو" بحرق جثته كي لا تقع بيد جنرالات وجنود ستالين، وهكذا كان حال ومصير كل الطغاة والديكتاتوريين والديكتاتوريات الباغية عبر التاريخ.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تغطية خاصة: قيس سعيد رئيسا لتونس لولاية ثانية بـ90.69% من ال
.. التداعيات الكبرى.. كيف غير 7 أكتوبر المشهد الجيوسياسي في الش
.. أتراك يحيون ذكرى مرور عام على طوفان الأقصى بإسطنبول
.. مراسل الجزيرة يرصد اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مخيم
.. مسيرة داعمة لفلسطين ولبنان في شوارع ميونخ الألمانية