الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نتحرر من سلطة الارض؟/2

عبدالامير الركابي

2023 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


عبدالاميرالركابي
وجدت الحياة المرئية، تلك التي ستفضي لظهور الكائن البشري عند لحظة كونية انتقالية وانعطافية عظمى، معها تبدا احتمالية، لابل ممكنات الانقلاب الكوني من المرئي الى اللامرئي، فالحياة السابقة على ولادة الكائن المنطوي على العقل، ظلت كما حال الارض والكواكب، حياة مرئية ملموسة، لها ضمن التدرج الحياتي الاشمل مكانا، هو الابتداء التاسيسي للوجود، مثلما هو عتبه ومحطة ضمن تحولية وارتقائية الاكوانية، لها نهاية ولحظة توقف عن الفعل، تشمل كل مايمت لها وبكينونتها من صلة نوعية.
المنظور الارضوي المتداول، يوجد محجوزا داخل حدود المرئي، ومتقدمي هذه الرؤية ومن يعرفون بالعلماء عادة ماياخذوننا الى "الانفجار الكبير"، فيقولون لنا بان الكون من يومها في حال تمدد، ثم يتوقفون فلا يتابعون البحث عن الوجهه والمنتهيات، بما يضع البشر امام احتمالية وحيده تمددية مجهولة الافق، توحي بخرابيه لامتوقع ممكن غيرها، الا اذا نظرنا جيدا خارج الحدود المرئية الملموسة، صوب الافق الاخر الابعد من مثل هذا النطاق، لنتصور الكون مزدوجا، قبل ان نفكر في الاحتماليات التصيرية الممكنه بناء على اختلاف عناصر المشهد، واضعين بالاعتبار احتمال الانتقالية، من الكون المرئي الى اللامرئي، ان لم يكن ذلك من قبيل الحقيقة المتفقة مع البنية الماثلة بناء لاساسها الموافق كما هو مفترض، لحصيلتها.
هنا ووقتها يصير من المنطقي النظر بعين اخرى للتمدد الحاكم للكون المرئي بعد الbig” bang"، واحتمالات نهايته العدمية على الارجح، انما من دون ان يعني ذلك نهاية الوجود الكوني، فالكون المرئي لايغادر مكانه، ويختفي من اللوحة دون ان يخلف مايعقبه ويليه، لابل يمثل طورا وزمنا اعلى من زمنه، يلعب فيه العقل وعي الذاتيه المستقل وحضوره، دورا وجوديا اخر، هو المستقبل الكوني غير الظاهر، ولا المدرك الان، بما في ذلك ماهو دال عليه وما يشير له من اوليات بارزه.
يوم تتبلور الحياة بنوعها الجديد المزدوج كينونة على الكوكب الارضي، تكون قد تاسست منطويات الانتقال الى الكون الاخر الموالي للاول المرئي الاحادي، وان ظلت ابتداء ضمن دائرة ماقد وجدت في رحابه، مادية حيوانيه، ثم انسايوانيه، قبل ان تتحول الى الانسان / العقل، وتتحرر من الجسد الحامل له، المواكب لعملية تصيّره وترقيه، وصولا لكماله، وهنا تاتي لحظة الفكاك من سلطة الكوكب الارضي وهيمنته على الكائن الحي، الامر الفاصل الانقلابي الاكبر، والذي لن يتحقق بيسرولا بين لحظة وضحاها.
ولاينبغي ان نغفل هنا فعل القوانين، تلك التي جعلت الارض حياة سائرة بحسب كينونتها، قابله لان تلد من بين تضاعيفها ماهو مخالف لها طبيعه، مع ضرورة تغيير نظرتنا للكوكب الارضي ووظيفته، ومايميز وجوده كاستثناء بالمقياس الكوني، كما لابد بناء عليه ان نتابع مسارات واثار التقدم الحياتي الارضي اللاحق على الطور الانجابي والرعائي للكائن الحي المزدوج، وقت يكون الكائن المقصود "موضوعا" لحامله، بلا حضور واع وفعال، وجوده ومسارات تصيّره مقرره من خارجه، ذاهبة الى اعلى وابعد من قدراته على التدخل او الفعل الواعي، المتعلق بذاتيته المضمرة، واللازمه، الهدف الذي لاوجود فعلي له، ولااكتمال مقومات الا به.
فالارض التي انتقلت حياتيا من انعدام شروط واسباب الحياة، الى انبثاقها من بين تضاعيفها، والتي واكبت الصيرورة الحياتيه البيولوجيه، وتكفلت باخذها الى الحيوانيه، وصولا الى الانسايوانيه، مهياة لان تفقد الاسباب التي بموجبها صارت الحياة المزدوجه ممكنه وجودا، وهنا ومرة اخرى واتفاقا مع ماهو غالب بظل الحضوروالفعالية الارضوية حاسما، وحيث يكون وقتها افنائيا تدميريا، فانه يمارس مهمته الاخيرة كعامل اساس وايجابي، فالارض بحسب انتمائها ونوعها، ليست ابدية وهي مرشحة للفناء والاختفاء، لها عمر محدد، كما الكون التي هي منه وتنتمي له مصيرا ، ومثل هذا الحال او المسار الحياتي، يجعل من علاقة الكوكب الارضي بالكائن الساكن فوقه، والذي كان هو قد افرزه، علاقة تفارقية من اصلها ولحظة ابتدائها، فكما كانت الارض غير صالحة للحياة ابتداء، فانها تذهب سيرورة ومآلا، كما مقدر لها، الى فقدان ماحل عليها من فترة شبابها من صلاحية، لتعود وتدخل زمن عدم الصلاحية من جديد.
وتتخذ اللوحة لهذه الجهة من الغنى التداخلي التفارقي التفاعلي مستوى غاية في الازدحام والتضارب والغموض، بعض عناصره تحل على الظاهرة المجتمعية الاحادية ناقلة اياها من التوافق مع البيئة والطبيعه، الى الافتراق الالي ودخول عامل من خارج المجتمعية وطبيعتها عليها، بما يقلب دينامياتها، ويدخلها حالة من التصارعية المجتمع/ الية، تلقي في الوقت نفسه على الارض بعبء جديد، لم يكن معروفا، فالتدخل في البيئه، وبالوحدة البشرية البيئية، واليات عملها المرافق للطور الالي المصنعي، تولد حالة مستجدة من العلاقة الارضية البشرية، تصير خلالها اسباب تراجع قدرة الارض على الفعل في الوجود البشري، اقل مضاء مما كانت عليه، والخطير لهذه الجهه، ان شروطا كهذه تنشا موضوعيا انما من دون ان يرافقها على مستوى الوعي، وممكناات التدبير البشري، ماتتطلبه من قفزة ضرورية تواكب المستجد النوعي.
كل محطات الكون وانعطافاته الكبرى هائلة الوقع، لم توجد بعد الكلمات التي تصفها وتفيها حقها، والمتغير الاكبر الراهن منها قد يكون من اكثرها، او الاكثر من بينها احتداما تبادليا تناقضيا، ووقعا يتعدى الطاقة على الاحاطة، فاذا اخذنا الارض ومساراتها ومراحل حياتها وماقد وصلته في هذه اللحضة بالذات، واحتسبناها دلالة على الماضي والاثر الذي مارسته على وليدها الحياتي البشري، ونظرنا لهذا الكائن السلبي الذي مااعتاد، ومازال لايريد الاستقلال والاقتراب من نوعه وطاقته، وكينونته الاهم العقلية، يرفض ماسوى البقاء على زمن الاتكال على رعاية الارض له، بينما هو يمارس غير واع ايضا، نوعا من العمل الضار الموجه لذاته وللاارض التي هو منها، مصرا على اعتماد ماله من وعي ارضوي جسدي دوني، بعيد عن تحسس الصلة التفاعلية، بين اثار تخريبه الالي الواعي للبيئية، ولحظة انتقال الارض تاريخيا وزمنيا، من طور الامان الكلي واتاحة اللازم للحياة البشرية كي تستمر وتترقى، الى مابعدها، والى طور انتهاء زمن صلاحية الكوكب لماظل قائما ومستمرا، منذ ولدت الحياة الحية، الى اللحظة الحالية وما رافقها من رفاه في الشروط المعيشية الكوكبيه.
وعليه فان توافقا في الايقاع والوجههة بين ماتكون الارض قد بلغته كمرحلة "حياتيه"، لاتعود معها الصلاحية الضرورية للحياة البشرية مضمونه ولا اكيده، يالتزامن مع لحظة الاختلال في العلاقة البشرية البيئية التي ترافق الانتقال الانتاجي البشري المجتمعي من اليدوية الى العقلية، ممثلة ابتداء بالطور الالي المصنعي واثاره المتضاده مع عمل البيئة، مايضعنا من يومها امام حالة انعطاف من الانعطافات الاساسية الكبرى، قد يكون من مظاهرة الابرز النكوص القصوري البشري وعيا واحاطة بالحاصل، سواء على مستوى احتساب مسارات الكوكب الارضي، والعلاقة بها او بما خص الانتقالية الاليه، وهو مايظل مستمرا وضاغطا حتى حين تبدا بعض ظواهر التحسس المباشر، الناجم عن التغيرات المناخية مع ظهور الحركات المدافعه عن البيئة، من دون الذهاب لاخذ الانقلاب النوعي النهائي في العلاقة البشرية بالارض، او لممكنات الانقلابية المفترضة العقلية، وبكلمه، اعادة بناء المنظور البشري للوجود والكينونة المجتمعية.
اما الانقلاب المفهومي والانتقال خارج القصورية العقلية الملازمة الى اليوم للعقل ومدى طاقته على الاحاطة وادراك ذاتيته ومكانه من الكون، او النتيجه المنطقية الفنائية المتولدة عن التناقض بين المجريات الواقعية، وماهي صائرة اليه، والمنظور المفترض مواكبته لها ولماتقتضيه من طريقة تعامل ومعالجة، ولابد من التوقف لهذه الناحية عند نقطتين كاشفتين، الاولى تتاتي من تصور المدى الزمني المتوقع استغراقه، منذ بدء المتغير الحال على الصلاحية الارضية، والثاني الخاص باطوارالنشوئية العقلية، بحسب الطبيعة والاشتراطات، والمهم هو تلازم الجانبين الانفين، فمسالة الانتقال الراهن الحال على الوجود البشري، لن تنتهي او تعطي ماهي منطوية عليه بين ليلة وضحاها، وقد يستمر هذا الطور لعشرات القرون تخيم ابانها الاضطرابيه والاختلال، والمظاهر الخرابيه، وعدم الاستقرار الارضي البيئي بحيث تتحول الى واقع معاش، "ومرحلة" لها سماتها وخصائصها، ونوع التفاعليه معها، بالمقابل لايجب ان نعتبر هذا الطور من تاريخ الحياة والمجتمعية البشرية من قبيل التواصل او التكرار لماسبق، وبالاخص لما كان العقل بالذات منوطا به، ومفروض عليه التفاعل معه والتاثر به من حيث اليات الترقي ودرجته ونوعه به.
فالعقل المولود مضمرا في المادة الحية ثم غير حاضر متغلب عليه من الجسدية الحيوانية بصورة كاسحه، الى الانتصاب على قائمتين وحضوره الظاهر من دون اشتراطات التوفر على الذاتيه، والخضوع اجمالا لمتبقيات الجسدية، ممثلة بالاحادية الارضوية المجتمعية، ينتقل فقط منذ اليوم، ومن هنا فصاعدا، وتحت اشتراطات ووطاة انتهاء الصلاحية الارضية والمجتمعية الارضوية، الى الطور الاخير من مسيرة ترقيه، اي الى اشتراطات "ادراك الذاتيه العقلية" التي هي محور العملية الوجودية للكون المادي.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل