الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب عبد الصاحب دخيل سيرة قائد وتاريخ مرحلة للكاتب فائق عبد الكريم

عادل الخزعل

2023 / 2 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


بدءاً يتطرق المؤلف في كتابه إلى أحوال مدينة النجف الاشرف من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ويسلط الضوء أكثر في دراسته على الواقع الاجتماعي, إذ يتوسع بتفاصيل المجتمع النجفي من عادات وتقاليد وأعراف , ويصل إلى خلاصة مضمونها انه يمتاز بخصوصية عن المجتمعات في المدن العراقية الأخرى ولعدة أسباب منها وجود مرقد بليغ البلغاء وإمام الطائفة الشيعية الامام علي ( عليه السلام ) اذ جعلها مركزاً للتشيع فضلا عن ذلك وجود الحوزة العلمية والمرجعية الدينية كما تمتاز مدينة النجف بكثرة المدارس الدينية بالإضافة إلى ذلك لها عمق حضاري وتأريخي , إذ تعد الآثار الشاخصة شاهداً عليها وبالتالي انعكست جميع هذه العوامل وغيرها ضمن البنية التكوينية للمجتمع النجفي سلباَ وايجاباً,
من الناحية السلبية : أصبح المجتمع النجفي منغلق على ذاته ويرفض الدخيل من الثقافات والأفكار خوفاً مما تتركه هذه الأفكار من تأثيرات على أبناءه مما تؤدي حتماً إلى تتغيراً في العادات والتقاليد والأعراف التي نشئوا عليها والتي مثلت الهوية التكوينية الذاتية للنجفيين , أما من الناحية الايجابية : ان هذا الانغلاق كان دافعاً حيوياً وفاعلاً للكثير من الشباب في البحث عن إجابات خارج الثقافة التقليدية في مدينتهم لان الثقافة النجفية كانت تتحفظ عن طرح بعض الموضوعات داخل مجتمعهم , ومن ثم كانت هذه التساؤلات حافزاً للتحول من مرحلة الانغلاق والحذر الفكري الى الخروج من هذه البوتقة والانفتاح على المجتمعات الثقافية والفكرية الأخرى والتعرف أكثر على السياسات والحكومات القائمة وما يعانيه المجتمع من ظلم واستبداد بسبب السلطة آنذاك , وما دور الحوزة العلمية والمرجعيات الدينية تجاه هذه المواقف والأحداث ؟
فقد كان دور الحوزة العلمية سلبياً تجاه النظم السياسة اذ كانت ترفض رفضاً قاطعا ًالخوض في الموضوعات السياسية أو التدخل في الأحداث السياسية والممارسات السلطوية وتوبخ كل شخص منتمي إلى المؤسسة الدينية محاولة الخوض في الأمور السياسية أو حتى إبداء الرأي السياسي والسبب في ذلك خوفاً على المجتمع من بطش هذه الحكومات الجائرة .
لكن هيهات ذلك ان يوقف الوعي التغييري او محاولة من المؤسسة الدينية تحديد هذا الوعي ضمن حدود مرسومة مسبقاً فظهرت حركة الوعي التغييري من داخل الحوزة العلمية اذ كانت تهدف إلى إصلاح الفكر وانتشال الثقافة الدينية من عامل الركود الذي جثم على المجتمع آنذاك , فكانت شرارة الإصلاح الديني من منبع الثقافة الدينية وهي الحوزة العلمية , فأنقسمت الحوزة نتيجة لذلك إلى تيارين , تقليدي المحافظ , إصلاحي مجدد , وكان من أهم أهداف الاتجاه الثاني هو إعادة النظر في المناهج الحوزوية وجعلها أكثر انفتاحا على العلوم الأخرى عن طريق إدخال مناهج دراسية جديدة لطلبة الحوزة العلمية تتناسب مع المتغيرات الثقافية والعلمية والاجتماعية المعاصرة كما لا تبتعد عن المشكلات السياسية , لكن واجهت هذه المحاولات بالرفض من دعاة الاتجاه التقليدي , إلا ان هذا لم يؤثر في السعي لتحقيق الهدف المرسوم من قبل أصحاب الإصلاحيين , وكان من أهم الشخصيات المتصدية للحركة الإصلاحية هو الشيخ محمد رضا المظفر صاحب كتاب المنطق ومن الذين تأثروا به هو الشهيد الحاج عبد الصاحب دخيل ( رضوان الله تعالى عليه ) , اذ وجد في الشيخ المظفر قدوة فكرية ودينية , حيث لاحظ في أطروحاته إجابات لتساؤلاته الكامنة في عقله وقلبه وأهمها السؤال الذي يدور حول علاقة الدين بالسياسة , وكذلك علاقة الدين بالمجتمع وكان المنهج المتبع لدى الاتجاه الاصلاحي هو المنهج التغييري الحركي والسلوكي العملي , إذ يضع المبادئ الدينية والعقائد الإسلامية أصولا وأركاناً للسير نحو تحقيق الهدف وهو بناء مجتمع إسلامي يدين بدين الإسلام ويعمل ضمن حدود الشريعة الإسلامية من خلال علاقاته الاجتماعية وعاداته وأعرافه وتقاليده وشعائره الدينية ونظرته إلى كل ما يحيط به من قضايا فكرية وإيديولوجيات ثقافية وتحولات سياسية , وقد كان الشهيد عبد الصاحب دخيل يحمل في فكره جميع هذه القضايا الاجتماعية وكان يسعى الى تحقيق الهدف في بناء مجتمع إسلامي متماسك متراص ذات روابط متينة بين أفراده ابتداءاً من الذات مروراً بالأسرة وصولا إلى الأمة وكانت انطلاقته الأولى من منتدى النشر , كان مدرك ان السير في هذا الطريق محفوف بمخاطر كبيرة سواء من المجتمع نفسه او من السلطة التي كانت سائدة انذاك لكنه كان مقبل بكل إيمان وارداه حرة , إذ تحمل مسؤولية محاولة انتشال المجتمع من غياهب أمواج الإيديولوجيات الفكرية والثقافية المنحرفة والتي تمخضت عنها سياسات وحكومات لا تتناسب مع هوية المجتمع وهي الهوية الإسلامية , فكان المجتمع العراقي آنذاك يرضخ في ظل حكومات تتبنى الرؤية السياسية الاستعمارية الغربية , وبالتالي لا بد من العمل على ( التغيير ) وهذا المصطلح أصبح منهجاً لدى عبد الصاحب دخيل وكان متمسكاً به , وكما هو معروف كل سعي للتغيير في داخل بنية المجتمع التقليدية لابد ان تكون مسبوقةً بالتخطيط , والتنظيم , لان العمل الذاتي والاجتهاد الشخصي في العمل التوعوي والتغييري داخل المجتمع لا يحقق الهدف , وبالفعل قام الشهيد عبد الصاحب مع ثلة من علماء الدين والمفكرين وهم :
• اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر
• السيد محمد مهدي الحكيم
• السيد محمد باقر الحكيم
• مرتضى العسكري
• السيد طالب الرفاعي
• الحاج محمد صادق القاموسي
• الحاج صالح الاديب
على تأسيس حزب حركي تغييري إسلامي في كربلاء عام 1957 م سمي ( حزب الدعوة الإسلامية ) , وكانت شخصية السيد محمد باقر الصدر , تتخذ البعد الحوزوي والديني الاجتهادي والمحرك المعنوي لجميع المؤسسين , وعلى الرغم من مكانه السيد المؤسس وثقله في الدعوة الإسلامية لكنه عند استجابته لطلب المرجع الديني آنذاك السيد محسن الحكيم , وعلى الرغم من الصدمة التي تركت أثارها لدى الاخرين بأنسحاب السيد الصدر , إلا ان عزيمة المجاهدين الدعاة لم تتثبط وخصوصاً لدى الحاج عبد الصاحب دخيل فعندما سؤل عن ما هو العمل بعد هذا الانسحاب قال (( فنتوكل على الله ونستمر , ان هذا العمل ينبغي ان لا يتوقف على الأشخاص ))(ص166).
هذا هو منهج عبد الصاحب دخيل لأنه في حركة دائمة لا تعرف السكون في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى , ولأنه قد حمل هم المسؤولية تجاه المحيطين به بصورة خاصة وتجاه المجتمع بصورة عامة , بقي الحاج على هذا المنهج إلى يوم استشهاده , وقال أمام الجلاد ناظم كزار الدعوة هنا وقد أشار إلى صدره وأكمل قوله وأتحداك ان تخرجها , هذا تعبير عن العقيدة التي يؤمن بها ويدعو إليها والتي بها وقف امام الجلادين الظالمين بالاضافة إلى شعوره العالي بالمسؤولية تجاه إخوانه الدعاة العاملين الآخرين وتجاه التنظيم الذي يبنى بالدماء .
حاول الحاج عبد الصاحب دخيل ان يدشن مفهوم الوعي التغييري لدى الدعاة والعمل من خلال هذا المفهوم على البنية الثقافية في المجتمع عن طريق تغيير الروابط والعلاقات والمفاهيم السائدة التي لا تتناسب مع المبادئ والعقائد الإسلامية , لغرض بناء مجتمع يتسم بالروح الإسلامية والمحصلة منطقية وهي لايمكن لهذا المجتمع ان يتبنى أي نظرية سياسية وضعية استعمارية او غير ذلك في إدارة شؤون أمورهم غير النظرية السياسية الإسلامية لان الأخيرة تحفظ بها كرامة الإنسان ويعز الإسلام بأهله ويسقط فيها الباطل وأهله ولسبب بسيط لكون هذه النظرية قائمة على الأسس الإلهية والتي تمثل الحق المطلق لذلك لا يمكن لأي حركات استعمارية وإيديولوجيات منحرفة واتجاهات فكرية ملحدة تستطيع ان تطرح اسس ومبادئ لنظرية سياسية اتم واكمل من الاسس الالهية .
وبالتالي كان الشغل الشاغل لقادة الدعوة المؤسسين هو الاهتمام بالمجتمع بشتى الوسائل دون الأفراد ولا يعني بذلك إهمال الفرد كون الفرد هو جزء لا ينفك من بنية المجتمع , ولكن أي فرد قد قصده الحاج عبد الصاحب دخيل بالإهمال ؟ الفرد المتقاعس عن تحمل المسؤولية تجاه المجتمع والمتكل على الآخرين في تحقيق رغباته , في حين ان الحاج دخيل اهتم بالفرد المؤثر في المجتمع وبمن يحيط به أي القدوة والعامل الذي يحمل روح المسؤولية والمتكل على الله سبحانه وتعالى وحده لا المتكل على البشر لان الاخير يكون مطيه للأفكار الجاهزة المنحرفة , فالفرد الذي يؤمن بصحة الفكر الدعوي والمتيقن بما يمتلكه من قضايا إيمانية وعقائدية والمشخص للأخطاء داخل المجتمع المحيط به لا محاله سيكون عمله وسيلة يظهر بها ماهو بالقوة إلى الفعل , لذلك يقول الحاج دخيل (( في الحياة الاجتماعية كل شيء بالنسبة للداعية مادة للدراسة , وكل مكان مدرسة للتوعية , وهاتان الحقيقتان تنبثقان من طبيعة مهمة الداعية المسلم التغييري في الحياة الاجتماعية ومن بيئة الأمة الفكرية ))(ص227).
إذ ان هذه البصيرة التي يمتلكها الداعية تجعل كل حدث هزيل في نظر الآخرين هو دلالات وإشارات في نظر الداعية يستطيع من خلال بصيرته النافذة وعقليته التحليلية والنقدية ان يستنبط ويكتشف الأسباب المضمرة والمخفية التي أدت الى هكذا حدث , ولا يتوقف عمل الداعية على حدود التشخيص بل يتعدى ذلك إلى معالجة هذه الأسباب لكي لا ينحدر المجتمع في هاوية الضلالة يقول الحاج دخيل ((لا بد للداعية ان ينظر بعينين بصيرتين وان يعي ما يرى وما يسمع ويفكر طويلا في دلالات ذلك وما في ذلك من تعبير وينفذ إلى عمق الأحداث ولا يكتفي ان يمر على السطح الظاهر من الأحداث ... فكل هذه الأحداث والمواقف والتصرفات والكلمات تنعكس على صفحات الجرائد وغيرها , ولكن الداعية يستطيع ان يستشف من وراءها من تعابير ودلالات ومعان لا يدركها الإنسان الذي لا يعمل في خط التغيير ))(ص230 ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في


.. مشاهد للتجنيد القسري في أوكرانيا تثير الجدل | #منصات




.. نتنياهو: الإسرائيليون سيقاتلون لوحدهم وبأظافرهم إذا اضطروا ل


.. موسكو تلوّح مجددا بالسلاح النووي وتحذر الغرب من -صراع عالمي-




.. تهديدات إسرائيلية وتحذيرات أميركية.. إلى أين تتجه الأمور في