الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرعان الرئيسان لعلم الاقتصاد

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق

2023 / 2 / 21
الادارة و الاقتصاد


يواصل الاقتصاد – كعلم ومنهج وموضوع – احتلال صدارة الأولويات التي تشغل بال العالم. حيث شهد النصف الثاني من القرن العشرين تحسناً كبيراً في مستوى المعيشة في معظم أرجاء العالم وبخاصة في الدول الأكثر ثراءً، كدول أمريكا الشمالية وغرب أوروبا وشرق آسيا، وانتشرت الأسواق المفتوحة، واتسعت الديمقراطية والحريات الشخصية لتشمل العديد من أنحاء العالم. أما في النصف الأول من القرن العشرين فقد اندلعت نيران حربين عالميتين، وحدث ال كساد عظيم في عام 1929.

طرأت خلال العقود الثلاثة الماضية تغيرات مثيرة في علم الاقتصاد والنشاط الاقتصادي وبخاصة في كل من الرؤى والمؤسسات الاقتصادية، فلقد تراجعت التوجهات الاشتراكية والشمولية في العديد من دول العالم التي تحولت من نظام الاقتصاد المخطط إلى نظام اقتصاد السوق. كما شهد العديد من دول العالم نمواً اقتصادياً كبيراً كالصين وأيرلندا وإسبانيا وبتسوانا والفلبين. فلم تتمتع أي حقبة تاريخية معروفة قط بمثل تلك الفترة الممتدة من النمو الاقتصادي في بعض الدول، كما قد حدث في النصف الأخير من القرن العشرين، والعقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين.

يمكننا التمييز بين فرعين رئيسين لعلم الاقتصاد:

الفرع الأول – الاقتصاد الجزئي Microeconomics الذي يناقش ويحلل سلوك المؤسسات الفردية (المستهلكون الأفراد الأسر، الشركات، التجار، المزارعون)، أي العرض والطلب والأسعار. ويعد الاقتصادي الإنكليزي آدم سميث Adam Smith مؤسساً لعلم الاقتصاد الجزئي Microeconomic، هذا التخصص الاقتصادي الذي يعنى بدراسة سلوك الكيانات الاقتصادية المستقلة، كالأسواق، والشركات، والأسر المنتجة.

قام آدم سميث في كتابه: ثروة الأمم The wealth of Nations (1776)، بدراسة مسألة الأسعار وكيفية تحديدها، لاسيما أسعار الأرض Land والعمل Labor ورأس المال Capital. كما اهتم بإبراز نقاط القوة والضعف في آليات السوق Market Mechanism، والأهم من ذلك قام بتحديد أبرز خصائص الأسواق التي تتمتع بالكفاءة، وكان يرى أن المنفعة الاقتصادية تتحقق كنتيجة قيام الأفراد برعاية مصالحهم الخاصة. وما زالت أهمية هذه القضايا وقيمتها مستمرة حتى اليوم. ومع أن دراسة علم الاقتصاد الجزئي قد شهدت تطوراً هائلاً فيما بعد، إلا أن الكثير من المشاهير ورجال السياسة والاقتصاد على حد سواء لا يزالون يقتبسون أقوال Smith ونظرياته.[1]

الفرع الثاني – الاقتصاد الكلي Macroeconomics الذي يركز على الاقتصاد الجمعي مثل مستوى الدخل القومي، حجم العمالة الكلية، تدفق الاستثمارات من فرع لآخر، التطور الاقتصادي، تاريخ تطور نشاط المنظمة الاقتصادية لفترة طويلة من الزمن، وعلاقتها بالنشاطات والمؤسسات الأخرى.

دخل هذا العلم إلى حيز الوجود في صورته الحديثة، على يد الاقتصادي الإنكليزي جون مينارد كينز John Maynard Keynes في عام 1935 حين نشر كتابه: النظرية العامة حول العمالة، والفائدة، والمال، . General Interest and Money، Theory of Employment حين كانت كل من إنكلترا والولايات المتحدة آنذاك ترزحان تحت وطأة الكساد العظيم الذي خيم على العالم طوال عقد الثلاثينات من القرن العشرين. حيث طالت البطالة أكثر من ربع قوة العمل الأمريكية آنذاك. وقام كينز Keynes باستحداث نظريته الجديدة القائمة على تحليل العوامل التي تقوم عليها الدورة الاقتصادية، وما يعتريها من طفرات البطالة والتضخم. وأصبح علم الاقتصاد الكلي معنياً بدراسة العديد من المجالات، مثل: الكيفية التي يتم على أساسها تحديد مستويات الاستثمار والاستهلاك Investments & consumption، وطريقة إدارة البنوك المركزية Central Banks للنظام النقدي وأسعار الفائدة Interest rate، وأسباب الأزمات المالية الدولية، والأسرار الكامنة خلف الانتعاش الاقتصادي في بعض الدول والركود في البعض الآخر. وعلى الرغم من التطور المذهل الذي حققه علم الاقتصاد الكلي منذ أن خرجت علينا الرؤى الأولى لـ Keynes، إلا أن القضايا التي قام بمناقشتها، لا زالت هي التي تحدد جوانب دراسة هذا الفرع من علم الاقتصاد، حتى وقتنا الحاضر. [2]

وهكذا يتقارب الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي معاً ليشكلا جوهر ما يعرف بعلم الاقتصاد الحديث Modern Economics.

ستبقى مفاهيم الاقتصاد الجزئي كالعرض والطلب على مستوى الوحدة الاقتصادية والندرة والكفاءة والتخصص ومبدأ الميزة النسبية، مفاهيم رئيسة ومحورية طالما بقي مفهوم الندرة قائماً. كذلك مفاهيم الاقتصاد الكلي فيما يتعلق بمفاهيم العرض والطلب الإجماليين، والدور الذي يلعبه النقد الوطني والنظام النقدي العالمي. إضافة إلى نظرية النمو الاقتصادي التي تلقى قبولاً واسع الانتشار، والبطالة والتضخم والدورة الاقتصادية وإمكانية استيعابها وتلافي سلبياتها.

الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

[1] – بول آ سامويلسون ووليم د نوردهاوس Paul A. Samuelson, William D. Nordhau، علم الاقتصاد، نشر مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الأولى بيروت لبنان 2006، ص 5.

[2] – أنظر، بول آ سامويلسون ووليم د نوردهاوس Paul A. Samuelson, William D. Nordhau، المصدر السابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 08 مايو 2024


.. الرئيس الصيني في ضيافة الإيليزيه.. وسط توترات جيوسياسية واق




.. البنك المركزى: ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لـ41 مليار دولار


.. سعر جرام الذهب الآن فى مصر يسجل 3100 جنيه لعيار 21




.. -ذا تليجراف-: قاعدة سرية في إيران لإنتاج المسيرات وتدريب عنا