الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق الأمس يَد تبني ويَد تزرع وعراق اليوم يَد تَقتُل ويَد تَقمَع

مصطفى القرة داغي

2023 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


في عراق السبعينات والثمانينات، الذي فتحنا أعيننا على أيامه وأحداثه، كنا نسمع ونقرأ شعارات من قبيل "يَد تبني ويَد تزرع" و "زينب تَعمل وراشد يَزرع"، والتي كنا نرى ونلمس ترجمتها في مشاريع العمل الشعبي التي شارك الشباب من خلالها ببناء مجمعات سكنية تعاونية، تم منحها بأسعار رمزية للموظفين والعمال. أو في تشكيل جمعيات فلاحية، شَجّعت بعض الفلاحين على العودة لزراعة أراضيهم التي هَجَروها، وقدّمت لهم ما يحتاجوه من دعم.

هذه الشعارات سرعان ما تلاشت، وتلاشت معها آثارها على الحَجَر والبشَر لأسباب عِدّة. منها أنها كانت شَعبَوية لِدَغدغة المشاعر، أكثر من كونها تنموية للتطبيق. بالإضافة لسياسات نظام صدام العبثية التي أدّت لحَربين مُدمِّرتين، ساقَت راشد الى الموت في جبهات القتال وحَوّلت زينب الى أرملة، فتوقف البناء والعُمران وبارَت الأرض. في التسعينات تحول راشد الى صايم مصَلّي وزينب الى حجية مُحَجبة لا يُفَوِّتان فرضاً، وإختزلوا أحلامهم التي كانت في الستينات والسبعينات تطال السماء، بالزواج وإنجاب الأطفال في الحياة، ودخول الجنة بعد المَمات، وليس بالدراسة والبناء والزراعة والعمل، بسَبب تأثير حَملة عبد الله المؤمن الإيمانية! وصلاة جمعة الليث الأبيض المليونية! بعد2003 إستغل ساسة النظام الجديد هذه النقطة لتحقيق أهدافهم التي تتمثل بجعل العراق حديقة خلفية لمشروع إيران التوسعي، وإقتصاده الى محفظة نقود لتمويله، وشبابه الى مرتزقة لتنفيذه. لذا شكلوا الحشد الهجين، الذي يُمَثل لملوم مليشيات باتت تجمع الشباب الضائع، وهُم كثر، لتَحويلهم الى قتلة مأجورين، بعد أن كان آبائهم وأجدادهم في مثل أعمارهم يعملون ويزرعون وينتجون. الى جانب ذلك سُمِح لمجتمع الريف بالتغوّل على مجتمع المدينة لفرِض قيمه عليها، بعد أن كان الأمر معكوساً قبل عِدة عقود، وكانت قيم المدينة الحضارية هي التي بدأت تسود!

نتيجة لهذا الإنهيار الذي أصاب تركيبة المجتمع، وإنحَدَر بقيَمِه الى الحَضيض، باتت الفتاة العراقية تعيش تهديداً مُستمِراً. قد يبدأ من بيتٍ لم يَعُد آمناً على طفولتها، أو قد لا يُشَجّعها على الدراسة، ولا يحترم خياراتها في شريك حياتها، بل يَقمعها ويُقايضها كُصّة بكُصّة أو فصلية، كما حدث مع طيبة. وقد ينتهي بمليشيات رعاع نصّبَت نفسها متحدثة بإسم الله وحامية للشريعة، لن تتورع عن قتلها لأنها مثلاً لا ترتدي الحجاب! ونتيجة لهذا الإنهيار، بات كل من يعمل لخدمة وطنه مُهَدَّداً بالخطف، كما حصل مع الناشط البيئي جاسم الأسدي، لأنه لم يضَع مصالح إيران التي أقامت دولة المَذهب المُمَهِّدة لدولة الحجة بقيادة وكيله الولي الفقيه خامنئي، قبل مصالح العراق، ولم يَفهَم أن بيئة الأهوار التي يدافع عنها، لا تساوي بالنسبة لحكام العراق الجدد نِكلة! وسيكونون سعيدين بالتضحية بها ثواب وعَرَبون ولاء لأسيادهم في إيران. لذا يعمدون للتضييق على نشطاء البيئة، الذين يمكن أن يفضحوا سياساتهم بالتعامل مع ملفات الموارد المائية، كالأهوار التي تعاني مِن الجفاف لإنخفاض مَناسيب الأنهُر بسَبب السدود التي أقيمت على منابعها في الجارتين اللدودتين إيران وتركيا، وخصوصاً الأولى!

ومثلما لم تَسلَم طيبة على نفسها، لمُجرد أنها أرادت أن تعيش حياة البشر، بعيداً عن العنف. لم يَسلَم جاسم على نفسه، لمُجرد أنه أراد لبيئته أن تكون أبهى وأجمل، وتنال ما تستحقه مِن رعاية وإهتمام. كلاهما، طيبة وجاسم، تجاوزا خطوطاً حُمُر وضَعها مجتمع مريض وساسة فاسدون. فجاسم تجاوز خطوط ساسة عملاء، لا يشغلهم سوى تحقيق مصالح إيران وعمائِمها ومشروعها التوسعي القومي ذو الصبغة الدينية الطائفية، حتى وإن كان على حساب مصلحة بلادهم ومَصالحهم هُم كبَشر! فقد كان له دور فعال في ضَم الأهوار الى قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، إضافة الى كونه مصدراً معتمداً للمعلومات المتعلقة بها، بالتالي تسليط أنظار المنظمات الدولية إليها بعد أن كانت مَنسية مُهمَلة. لذلك طاله التهديد والخطف الذي لم يَعُد مقتصراً على الناشطين السياسيين، بل وبات يشمل الناشطين والباحثين المهتمين بالبيئة العراقية وأسباب تدهورها، لأن عملهم بات يَمَس مجال نشاط وحركة وبالتالي يُهَدد مصالح الملشيات المسلحة التي تسعى للسيطرة على مصادر المياه والمزارع السمكية في جنوب العراق الذي بات مشاعاً لها. لكنها عادت وأطلقت سراحه كونه شخصية معروفة أثار إختطافها تنديداً تجاوز المستوى المحلي، كما أنها على ما يبدو لم تكن تنوي تصفيته أساساً، بل تلقينه درساً وإيصال رسالة من خلاله، لذا رأيناه بعد خروجه حزيناً منكسراً، نتيجةً لما تعرض له من تعذيب، تخبرنا هيئته بما يمكن أن يحدث للمرء حينما تطاله يد هؤلاء المسوخ الذين باتوا حكام العراق، وأصحاب الأمر في إدارة شؤونه ورسم مقدراته!

أما طيبة ففضَحت وعَرّت تقاليد بالية طفيلية تنخُر المجتمع منذ سنوات، وتعتاش على تخلف أفراده وجهلهم بآدميتهم التي باتت رَهناً لأعرافها المُسَلطة على رقابهم كسيف الإرهاب الذي قد يقطعها إذا لم تخنَع له، فأما أن ترضى الفتاة بتعنيفها وإستغلالها، أو يتم قتلها وإغتيالها. فحينما تحَرّش بها أخوها الوَضيع لم يُعاقَب، بل أجبَرها الأب المُريع على السكوت حفاظاً على سمعة العائلة! لكن حينما مارَسَت حقها الطبيعي بإختيار زوج وحياة نظيفة خارج هذه الأجواء المَوبوءة تم قتلها من قِبل الأب والأخوة، ومنهم المُتحرّش، لأنها برأيهم جَلَبت العار للعائلة! ومما يزيد طين المأساة بلة، هو أن الأم قد ساهمت بإستدراجها، رغم علمها أن الغاية هي قتلها، لأنها متواطئة معهم! وأن الشرطة لم تُحَرِّك ساكناً، رغم أنها إستَنجَدت بهم، لأنهم متعاطفون معهم! وحينما نقول بأن هذا المجتمع بات مُرعباً بتشوهاته، ينزعج البعض! لأنه لا يزال مُصِرّاً على رؤيته كمجتمع طيبة وكرم ونخوة، وغيرها من الإدعائات الكاذبة، التي تَعَوّد عليها العراقيون، ولا وجود لها على أرض الواقع. فلو عُدنا للواقع، سنجد أن أهم سبب لعدم تطبيق القانون في جرائم ما يسمى غسل العار أو الشرف، هو الموافقة الضِمنية والتواطؤ من قبل أفراد العائلة والمجتمع. وإلا فإن العقوبة في أساسها هي الأشغال الشاقة أو الإعدام، لأنها قتل عَمد، بالتالي لو طبقت ستكون رادعة، وتُساهم في الحَد من هذه الجرائم بشكل كبير. إلا أن المجتمعات الذكورية لا تزال تعتبر قتل الإناث بإسم الشرف عملاً بطولياً، لأنه يُشعِرها برجولة زائفة لا تمتلكها في الحقيقة لا قولاً ولا فِعلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء الاسرائيلي يستبق رد حماس على مقترح الهدنة | الأ


.. فرنسا : أي علاقة بين الأطفال والشاشات • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد مقتل -أم فهد-.. جدل حول مصير البلوغرز في العراق | #منصات


.. كيف تصف علاقتك بـمأكولات -الديلفري- وتطبيقات طلبات الطعام؟




.. الصين والولايات المتحدة.. مقارنة بين الجيشين| #التاسعة