الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرص الأردن الاقتصادية البديلة: ندرة الموارد وصعوبة الاختيار

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2023 / 2 / 21
الادارة و الاقتصاد


لا تقتصر الأزمات في الوطن العربي على أزمة الإصلاح السياسي ومركزية السلطة التنفيذية الشديدة في إدارة الشؤون نيابة عن الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني الرديفة، بل تتعداها الى الاقتصاد وبرامجه، والذي تستحوذ عليه مراكز صنع القرار نيابة عن التشاركية مع مؤسسات المجتمع المدني اجمالاً، بدعوى أنها تملك صورة جليّة لمدخلات ومخرجات المصلحة الوطنية، وتعقِدُ في سبيل ذلك عشرات الورشات والمؤتمرات الاقتصادية والاستثمارية وبرامج الإصلاح والتصحيح، بمشاركة الخبراء والعظماء في شؤون الاقتصاد والإدارة والإنتاج !
ورغم أن ذلك يجري برؤية متفق عليها بين لجان مختصة ومراكز صنع القرار والجهات المانحة للتغيير والإصلاح الاقتصادي، ويخرجون بجملة توصيات لا تختلف كثيراً عن أساليب الحلول التقليدية من داخل الصندوق وخارجه، إلا أن المخرجات النهائية لا تحقق الأهداف المرجوة منها!
لا جديد يذكر عند الحديث عن وضع الاقتصاد الأردني الذي يعاني من سلسلة أزمات متوالية منذ منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، حيث شهد الأردن عشرات الخطط لمحاولة معالجة الوضع المالي للبلاد وإحراز التقدّم والتنمية الاقتصادية ومواجهة التحديات الداخلية والإقليمية، وكانت برامج الإصلاح الهيكلي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، قد جرّبت العديد من السياسات الاقتصادية التي ظلّت عاجزة عن احداث اختراق ملموس في واقع الاقتصاد الأردني أو مستقبل مجتمعهِ.

إشكالية التنمية بين توصيات صندوق النقد والخصخصة
وقد اتّبعت الحكومات المتعاقبة؛ خلال العقدين الماضيين؛ وصفة "خصخصة القطاع الحكومي" لمحاولة الخروج من مأزق تفاقم المديونية والعجز المالي في موازنات الدولة، نجحت لفترة محدودة -عام 2008- في تخفيض مستوى الدين بالتزامن مع ارتفاع معدلات النمو وزيادة المساعدات الخارجية، لكن المديونية تفاقمت في السنوات الأخيرة حتى تجاوز ت ما نسبته (90%) من اجمالي الناتج المحلي.
‫ وفق تصوّرات صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الأردني يواجه صعوبات تتعلق "بتباطؤ ديناميكيات النمو والتحديات الهيكلية"، وخلال الفترة بين عامي (2016 و2019) بلغ متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي (2%)، مع ضعف واضح في خلق وظائف جديدة وارتفاع معدلات البطالة.‬‬‬
‫ويعزو الصندوق الدولي ضعف أداء النمو إلى الصدمات الخارجية الكثيرة التي شهدها الأردن في السنوات العشر الأخيرة، خاصة الهجرة السورية، لذلك ركزت الحكومة في خطتها الاقتصادية قصيرة الأمد خلال الفترة ‫(2021-2023) على إعطاء الأولوية لإصلاحات بيئة الأعمال وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتمويل القطاعات الحيوية لتعزيز الاستثمار وخلق الوظائف. ‫‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وفي دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية تحت عنوان "برامج صندوق النقد الدولي مع الأردن من العام 1989 -2016 النتائج والدروس المستفادة" عام 2017م، أكدّت انه "لم تتحققّ أهداف برامج صندوق النقد الدولي التي تم تطبيقها في الأردن لمؤشرات الأداء، مثل: زيادة معدلات النمو الاقتصادي؛ وتخفيض معدلات التضخم؛ ومعالجة الاختلالات الهيكلية المزمنة في المالية العامة..".
وأضافت الدراسة أن جميع برامج الصندوق لم توفّر سياسات اقتصادية ذات بعد تنموي؛ إذ تركّز على الإصلاح المالي في الموازنة العامة والقطاع النقدي بشكل رئيس، وأن برامج الصندوق الدولي، لم تتضمن حلولاً واستراتيجيات طويلة الامد؛ نظراً لجمود بعض بنود الاتفاق الحكومي، مثل: الأجور والرواتب والتقاعد، وركزت حصراً على التقنين من حجم الزيادات في هذه البنود، ما أدى إلى استمرار المشكلات الهيكلية في بنود الانفاق الحكومي وحسب.
وأوصت الدراسة بصرورة ابتعاد السياسيت الرسمية عن اعتماد برامج الصندوق الدولي بوصفها بديلاً عن الخطط الاقتصادية الوطنية التي تهدف إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي، ورفع مستويات التنمية في المحافظات.
رؤية التحديث الاقتصادي
وفي عام 2022، أطلق الأردن برعاية ملكية سامية رؤية مغايرة جذرياً للتحديث الاقتصادي تستهدف تشجيع النمو وخلق الفرص على مدى السنوات العشر المقبلة، بالتزامن مع خطة تحديث القطاع العام، بهدف تحقيق التنمية الشاملة القادرة على الصمود في المستقبل المتوسط.
وبعد اجتماع ما يقرب من (500) خبير ومختص في الاقتصاد والإدارة والأعمال، بينهم ممثلون عن الجهات الدولية المانحة، خرجت الرؤية بتصور شامل دقيق، وجاء في مقدمتها أنها "مختلفة عن سابقاتها في الأردن لتعلّمها من أخطاء الرؤى والإستراتيجيات السابقة.." كما أنها نتاج تعاون مئات الخبراء والمختصين، لمحاولة إيجاد الطرق الفعالة والواقعية، وبالتالي فان الرؤية الجديدة تعلن منذ البداية أن الخطط السابقة كانت قاصرة وغير فعاّلة، وغير واقعية في بعض الأحيان، والأهم أن الرؤية الجديدة وضعت آليات للمساءلة عند التقصير أو الفشل، وهو الأمر الذي لم يتوفّر للخطط والبرامج الاقتصادية السابقة!
وتقوم الرؤية على ركيزتين: الأولى رفع معدلات نمو إلى ما نسبته (5.6%) سنوياً، وهي نسبة عالية الطموح، والثانية تحسين جودة الحياة؛ بما في ذلك رفع حصة الفرد من الدخل الحقيقي بنسبة (3%) سنوياً، حيث أن حصة الفرد من الدخل الوطني في تراجع دائم منذ عام 2008م.
الفرص البديلة أو الضائعة
يعتقد خبراء الاقتصاد أن تفضيل الحكومة لاختيار محدد من بين عدة اختيارات سوف ينطوي على تكلفة إضافية، زيادة على التكلفة المعلنة، يمكن تسميتها بتكلفة الفرصة الضائعة، فلو اختارت الحكومة مثلاً الانفاق على مشروع البنية التحتية من ضمن خيارات أخرى مثل التعليم والصحة، فان علم الاقتصاد يعتبر أن تكلفة البنية التحتية لن تقتصر على المبلغ المرصود للمشروع، بل ستنطوي أيضاً على تكلفة أفضل خيار تركته الحكومة، يتعلق بالمشاريع الأخرى، وهذا ببساطة ما يشير إليه علم الاقتصاد بمفهوم" تكلفة الفرصة البديلة" أو بتعبير أصح "تكلفة الفرصة الضائعة".
ويشير مصطلح "تكلفة الفرصة البديلة" (Opportunity Cost) إلى فائدة كان من الممكن الحصول عليها، ولكنه تمّ التخلي عنها لتحقيق هدف آخر. ويعتبره أخرون عملية مفاضلة بين البدائل المتاحة عند اتخاذ القرار الاقتصادي.
فرص الأردن البديلة: ندرة الموارد وصعوبة الاختيار
يقوم الاقتصاد اجمالا على فكرة استغلال الموارد ومواجهة ندرتها من خلال الاختيار بينها بشكل نسبي، ووفقاً لأهميتها، إذ أن ندرة الموارد يحتمّ على الحكومات أن تقوم بعملية الاختيار بينها بموجب سلم أولوياتها وحاجاتها المحلية، وبالتالي يظهر "الاختيار بين الفرص" القائمة بصفته وسيلة للتعبير عن كيفية استخدام الموارد الاقتصادية في توفير السلع وزيادة الإنتاج أمام المستهلكين، وعملية الاختيار ستؤدي إلى طرح فرص ضائعة من قائمة الموارد المحتملة، نتيجة منح الأولوية لحاجات وموارد ملحة وضرورية في حينه.
ندرة الموارد وحساب تكلفة الفرصة البديلة للخيارات المتاحة في الدول، يوجّه الحكومات دائماً لتخصيص الموارد بشكل نموذجي، بعد الإجابة بدقة على إشكالية ماذا على الحكومة أن تنتج وكيف تفعل ذلك، ولمن تنتج؟
المعضلة الأساسية للاقتصاد الوطني هي الندرة، أي ندرة الموارد الطبيعية، ولذلك هناك مشكلة تتعلق بالاستخدام الأمثل للموارد الشحيحة وطريقة توزيعها، وصعوبة أخرى تتعلق باتخاذ القرار المثالي لاستخدام الموارد بشكل انتاجي مثمر!
ولم يعد سراً القول إن الأردن بلدٌ محدود الموارد الطبيعية المكتشفة، وكانت الخيارات المتاحة أمام الحكومات الأردنية منذ تأسيس المملكة، تقتصر بشكل رئيسي على قطاع الخدمات والتجارة والسياحة، وعلى بعض الصناعات الاستخراجية، وفقر الأردن بالموارد الطبيعية، جعلت من اقتصاده عاجزاً عن مواجهة خمسة تحديات: الطاقة والمياه والرقعة الزراعية واللجوء وتذبذب الأسواق.
وخيار "المساعدات الخارجية والمنح والقروض" الذي تعتمد عليه الحكومات الأردنية منذ عقود، ساهم في ضياع العديد من الفرص البديلة التي كان من الممكن الاعتماد عليها مبكراً لمواجهة تداعيات متوالية الازمة الاقتصادية الراهنة اليوم، فمثلاً يعتبر "الاستثمار" بمثابة الفرصة الحقيقية البديلة أو الضائعة التي واجهت تحدّيات داخلية جمّة (أغلبها بيروقراطية)، وهي اليوم فرصة وطنية قائمة لتوسيع القاعدة الإنتاجية وتنويع خيارات الاقتصاد الأردني، وذلك في حال توافرت الإدارة الرشيدة وبيئة الأعمال المستقرة الجاذبة للاستثمارات .
ويسعى الأردن لتغيير الوضع الاقتصادي بشتى السبل، والتغيير يتطلب محاولة الخروج من التفكير بالأنماط الاقتصادية القائمة والقديمة، واجتراح حلول جذرية جديدة، وتنفيذ سياسات مغايرة عن المتوفرة اليوم، ويظل الإصلاح والتحوّل الاقتصادي يظل مرهوناً بتحديد الفرص المتاحة والحقيقية والبحث عن فرص بديلة ومعرفة كلفها المتوقعة، وزيادة توجُّه الاقتصاد نحو الخارج وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحفيز النمو وخلق فرص العمل الكبرى بقيادة القطاع الخاص.
إشكاليات برسم التفكير
في ظل تفاقم أزمة المديونية، وبيع أهم المؤسسات الانتاجية، وعدم قدرة الدولة على المضي قدماً في خصخصة ما تبقى من مؤسسات خدمية حيوية، وصعوبة أن تخفّض الحكومات الدعم من ميزانيتها السنوية:
1. فهل الدولة مستعدة للتضحية بالفرص البديلة في حال تفاقمت الأزمة أكثر مما هي عليه اليوم، أسوة بما جرى في الثمانينيات؟
2. هل تملك رؤية التحديث الاقتصادي الحلول الناجعة للانقلاب على الخطط القديمة التي تحقق أهدافها المرجوة؟ وهل يمكنها مواجهة تحديات الفقر والبطالة؟
3. كيف يمكن للأردن البحث عن الفرص الضائعة وإعادة استثمارها بشكل مثالي بعيداً عن طرائق التفكير التقليدية؟
4. ماذا تعني الفرصة الاقتصادية البديلة بالنسبة للأردن؟ وما هي الفرص الاقتصادية البديلة القادرة على تغير مسار قطار الاقتصاد الوطني؟ وما هي تكلفتها؟
5. كيف يمكن استنساخ تجارب ناجحة للفرص البديلة في دول تتشابه مع الأردن وظروفه الاقتصادية؟
6. هل يستتبع تغيير الخطط التقليدية والنظريات القديمة الفاشلة التي اعترفت الدولة فيها، تغييرٌ متوازي على صعيد الإدارات والعقليات التي تولّت أجندة الإصلاح وفق مبدأ المتابعة والتقييم والمحاسبة والشفافية ؟
لا يبدو أن الإجابات على هذه الأسئلة سهل للغاية، خاصة وأن التنظير لا يتقاطع مع واقع ما اعتادت عليه الحكومات من وضع خطط عريضة وشعارات عظيمة، سرعان ما تسقط أمام أول اختبار أو أزمة، لكن نطرح الأسئلة اليوم لمحاولة دقّ جرس الإنذار للتنبيه لخطورة الأزمة الاقتصادية الراهنة والحلول المناسبة التي يمكن تطبيقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل


.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده




.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال


.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.




.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي