الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيدة بيكسبي ومعطف الكولونيل/ قصة قصيرة

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2023 / 2 / 21
الادب والفن


رولد دال
ترجمة محمود الصباغ
استهلال
نشرت قصة "السيدة بيكسبي ومعطف الكولونيل" في مجلة نيويوركر في العام 1959، وهي في الواقع تنويع لحكاية شعبية متداولة منذ العام 1939 في الولايات المتحدة. ويعتمد السرد في القصة على ضمير العائب، عبر راوي يقص علينا الحكاية، مما يعطي حرية أكبر للكاتب لوصف الأحداث وتقديم تلميحات أكثر عما يمكن أن يحدث بعد قليل, كأنه يقودنا من يدنا في غرقة مظلمة لا يعلم مخرجها إلا هو، وينجح "دال" في توظيف الاستعارات الأشد غرابة في رؤية الزوجة لنفسها في سياق علاقاتها مع زوجها كأن ترى نفسها مجرد كائن سلبي تعيش شعور دائم بالعجز (لكنها ترفض، على كل حال، الاستغناء عن المكاسب الاقتصادية للعلاقة معه) بسبب قلة اهتمام زوجها بها ورعايتها لها، ورغبتها في بناء علاقة تقدرها أكثر كفرد. وسوف نلحظ أهمية المجازات من خلال السخط الذي تظهره على زوجها عندما تقارنه بالكولونيل، عشيقها، فيستخدم "دال" على لسان الزوجة مقاربة دقيقة وحساسة تصف به الزوج وشخصيته وسلوكه اليومي (كذلك الأمر ينطبق على اللغة المجازية للكولونيل المتأثرة بهوايته كصياد) ويبدو السيد بيكسبي بعيداً عن أي مزاج حاد أو نزق ذكوري، بل يظهر كشخص غير متطلب تكاد تقتله تفاصيل حياته اليومية ومليء بالرضا الذاتي ودقيق في تصرفاته ونظيف ولكن ليس إلى حد السرساب، وهنا تكمن المفارقة، ففي حين يبدو دقيقاً ومركزاً في عمله، يظهر متجاهلاً لزوجته، ويقلل من قيمتها ويتهمها بعدم معرفتها للعديد من الأمور. وتلعب الاستعارات على لسان الزوجة دور حاسم في "تنميط" الزوج، لتقنع نفسها بالغربة عنه. ومن الواضح عدم سهولة نقل القصد الحقيقي من تلك المجازات إلى لغة أخرى، نظراً لارتباط الاستعارات بروابط ثقافية ولغوية محلية قد تكون عصية على الترجمة المباشرة لنقل معادل دقيق لها، ولابد من وسيلة مماثلة قادرة على خلق نواقل وسيطة للتعبير عن الإحساس الذي تمتلئ به الاستعارات والمجازات، وسوف تعتمد أي صياغة محددة على سياق النص والارتباط الثقافي لكل لغة.
تعبر القصة عن فشل مؤسسة الزواج الرسمية، من خلال مثال عن زوجين من الطبقة الوسطة في المجتمع النيويوركي، وهذا ما نلاحظه مباشرة من حوار الزوجين مع بعضهما. وبصرف النظر عن أصل القصة المفبركة، يحاول "دال" استعراض أسلوب النساء الأمريكيات في تعاملهن مع أزواجهن لتحقيق مكاسب مالية. والكاتب ليس شخصاً ساذجاً حتى يأخذ مثل هذه القصص على محمل الجد ويعتبرها تفسيراً "سوسيولوجياً" للعلاقة الزوجية في دولة رأسمالية كبيرة، بل ربما الهدف من القصة يتمثل في دفعنا للتفكير الجدي في السلوك الموجه لأفكار الأشخاص (الأزواج) وكيف يشعرون ويتصرفون ويعيشون، أي تفاعلهم مع بعضهم البعض ومع العالم من حولهم. من خلال منظومة أخلاقية يقررون فيها تحقيق ذواتهم (لا يطرح الكاتب سؤلاً كبيراً عن طبيعة الأخلاق في المجتمع الأمريكي.. ليس هذا الهدف فيما يبدو) في سياق ثقافة اجتماعية تعززها نزعة استهلاكية مكثفة غزت النسيج الاجتماعي الأمريكي في ستينيات القرن الماضي، وفي سياق مؤسسة الزواج بوصفها صورة مصغرة للثقافة التي هي بدورها بناء مرن متحرك لجهة تطور المؤسسات لتلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع؟
وهكذا تنعكس قيم الأفراد في قيم المجتمع وهذا ما يجعلنا نتفق نوعا ما مع ملاحظات "دال"، لاسيما موضوع الطلاق وتمجيد النزعة الاستهلاكية التي سوف تعبر عن قيم مختلفة تنمو على حساب القيم الأخرى السائدة ( لا تكترث السيدة بيكسبي كثيراً لخسارتها علاقة حب مع الكولونيل طالما حصلت على معطف ثمين.. وتعبر عن ذلك بقولها دون تفكير أو انتباه.. ما يسقط من السماء تتلقاه الأرض.. فضلاُ عن المساحة الكبيرة المخصصة لأفعال وردود أفعال السيدة بيكسبي على المعطف.. فهذا التأثير الذي يتركه المعطف عليها لم يكن له أن يتعزز لولا عمق تأثير النزعة الاستهلاكية عند السيدة بيكسبي.. ألم نرى كيف تبدلت فصارت: مبهرة، متألقة، غنية، متأنقة، حسية وشهوانية والأهم من ذلك قوية)..
هذا دون الخوض في الثيمة الشائعة "الزوجة العاشقة والزوج المخدوع" فهذا موضوع يطول الحديث فيه
......
أمريكا.. أمريكا، ليس مثل أمريكا بلد للنساء، ففيها يمتلكن فعلاً، حوالي 85% من ثروة الأمة. وسوف يكون بحوزتهن مطلق الثروة عما قريب. فالطلاق بات أمراً مربحاً وسهلاً ومنظماً، وفوق كل هذا صار حدثاً سريع ما ينسى؛ إذ تستطيع أي سيدة طموحة تكراره مرات ومرات على قدر ما يحلو لها، مما يعني مكاثرة أرباحها وثروتها إلى أرقام فلكية حقاً. ولو توقف الأمر عند الطلاق لهان الأمر، ولكن في أمريكا، أرض الفرص العظيمة للمرأة، يعتبر موت الزوج كأحسن مكافأة تنالها الزوجة. ولنقل ذلك بطريقة أخرى، موت الزوج طريقة مثالية تفضلها الكثير من سيدات أمريكا للحصول على الثروة، فهن يعلمن أن انتظارهن لن يطول.. إذ لابد لضغط العمل.. وضغط الدم، أن يكونا قد فعلا فعلهما بإنهاك ذاك الشيطان المسكين، المدعو زوجاً، منذ مدة ليست قصيرة، ولابد أن يأتي خبر موته عاجلاً أم آجلاً، وهو غارق في عمله.. منكب على مكتبه، يقبض، بيد، على زجاجة المنشطات، وفي اليد الأخرى أقراص المهدئات. وكما هي العادة، لا تلتفت أجيال الذكور الجديدة لهذه الأمور، ولا ترتدع، لعدم السير على خطى هذا النمط المرعب من ثنائية الطلاق أو الموت، بالأحرى الطلاق والموت. فكلما ارتفعت معدلات الطلاق، زاد شغف الشبيبة بالنساء، فيسعون للزواج، مثل الفئران، قبل سن البلوغ تقريباً، وما إن تصل نسبة كبيرة إلى حيطان السادسة والثلاثين حتى يكون لدى الواحد منهم زوجتان سابقتان، على الأقل، تنتظران حصتيهما على جدول رواتب النفقة. وماذا بعد! على الرجال أن يعملوا، مثل ثور الساقية، كالعبيد، كي تحافظ السيدات على أسلوب الحياة الذي اعتدن العيش عليه. هذا فعلاً ما يقوم به الرجال، ولكن، مع اقترابهم من منتصف العمر مبكراً، أو دون انتباه، يتسلل شعور الخوف وخيبة الأمل ببطء إلى خلاياهم، وفي نهاية المطاف، إلى قلوبهم، ما يدفعهم للهروب، ليشكلوا جماعات صغيرة تتحلق حول بعضها في المقاهي والحانات في الأمسيات العديدة، فيشربون ويبتلعون أدويتهم ويواسون بعضهم في سرد القصص والحكايات.
وللأمانة، لا يختلف، الموضوع الأساسي لهذه القصص أبداً، ففي كل حكاية، على الدوام، ثلاث شخصيات رئيسية: الزوج والزوجة والكلب القذر: فالزوج شخص أنيق ونظيف. يعمل بجد واجتهاد في وظيفته أو عمله. والزوجة ماكرة ومخادعة وفاسقة، وغالباً ما يكون حجم خداعها ومخاتلتها بحجم خداع ومخاتلة الكلب القذر. ولكن الزوج طيب جداً، طيب إلى حد لا يستطيع كشف مؤامرة زوجته وكلبها القذر. وهل عليه أن يكون ديوثاً لبقية حياته؟.. للأسف نعم.. هذا هو الحال. ولكن لحظة.. لحظة، اسمعوا، لم تنته القصة بعد. فسوف يقوم الزوج، وفي مناورة رائعة منه، بقلب ظهر المجن لزوجته المتوحشة. ولا شك ستصاب بالدهشة والذهول.. والمذلة والانهزام. وعند هذه اللحظة يبتسم، بهدوء، جمهور الرجال المتحلقين حول البار، ويأخذون قسطاً من الراحة بعد اشتعال خيالهم بتفاصيل الحكاية.
ثمة قصص كثيرة تشبه هذه وتدور حول الفكرة ذاتها، وحول إبداعات عالم الأحلام الرائع المرغوب فيه عن انتصار الرجل الحزين، غير أن معظمها، والحق يقال، بعيدة عن الإثارة والجودة وسخيفة ومربكة بحيث لا تستحق حتى إعادتها. غير أن هناك نموذج واحد من بينها يتفوق على الجميع، خاصة إذا علمنا بصحته كصفة تميزه، ليس هذا فحسب، بل هو مثال شائع جداً عند من يُلدغون من جحورهم مرتين وثلاثة كنوع من العزاء. فإذا كنت -يا عزيزي- أحدهم، وإذا كنت لم تسمع بهذا النوع من الأشخاص من قبل، فلا شك سوف تشعر بمتعة في سرد نهايتها، واسمها "السيدة بيكسبي ومعطف الكولونيل".. وهي كالتالي:
يعيش الزوجان بيكسبي في شقة صغيرة في مدينة نيويورك. ويعمل السيد بيكسبي كطبيب أسنان يؤمن لهما دخلاً متوسطاً. والزوجة بيكسبي امرأة ممتلئة ونشيطة ومليئة بالحماس والحيوية. وقد اعتادت السفر مرة واحدة شهرياً إلى بلتيمور لزيارة عمتها، فكانت تستقل القطار، بعد ظهر يوم الجمعة من محطة بنسلفانيا، لتمضي بقية اليوم والليلة وتعود إلى نيويورك في اليوم التالي، في الوقت المناسب، لإعداد طعام العشاء لزوجها. لم يمانع السيد بيكسبي هذا الترتيب، فكان يعلم أن العمة "مود" تعيش في بلتيمور، وأن زوجته مغرمة جداً بها، ومن الظلم حرمانهما متعة اللقاء الشهري. وقد توصلا إلى هذه المساومة، منذ البداية، طالما لم تصر السيدة بيكسبي على مرافقته لزيارة عمتها.. فالسيدة العجوز عمتها هي في نهاية الأمر، وهذا ما بدا مريحاً أيضاً للسيد بيكسبي.
إلى حد الآن تبدو الأمور كأنها تسير على ما يرام. ولكن، (دائما هناك "ولكن.) لم تكن العمة أكثر من حجة اخترعتها السيدة بيكسبي، فالكلب القذر يتربص بمكر في الخلفية، على هيئة رجل نبيل يعرف بـ "الكولونيل".. وهكذا كانت بطلتنا تقضي معظم وقتها في بلتيمور بصحبة هذا الوغد فاحش الثراء، الذي يعيش في منزل فخم وساحر على أطراف البلدة، وحيداً دون عناء إرهاق زوجة أو عائلة، ولا أحد حوله سوى عدد قليل من الخدم المخلصين، وعندما يكون وحده، دون السيدة بيكسبي، كان يسلي نفسه بركوب الخيل وصيد الثعالب.
عاماً بعد عام، استمر هذا التحالف اللطيف بين السيدة بيكسبي والكولونيل دونما عوائق، رغم اللقاءات القليلة، التي لا تتعدى اثنتا عشرة مرة في العام -مرة واحدة كل شهر- وهذا عدد قليل لو فكرنا في الأمر، ولعل قلة العدد هذه كانت أحد أسباب عدم شعورهما بالملل، بل يبدو أن فترة الانتظار كانت تزيد من ولعهما، حتى أن كل لقاء بات يحتفظ بأجوائه وذكرياته الحميمية الفريدة والخاصة وكأنه فعلاً لم شمل عاشقين.
"وااهوووو".. هكذا كان يصرخ الكولونيل* في كل مرة يلتقيان معا في محطة بلتيمور. ثم يتابع "أووه يا عزيزتي، كدت أنسى تماماً كم أنت ساحرة ومثيرة.. هيا بنا نجد جحراً نختبئ به بعيداً عن هنا"**
استمر الأمر على هذا الحال، ثماني سنوات كاملة، حتى أتى ذلك اليوم المصادف لفترة ما قبل عيد الميلاد بقليل، حيث كانت "نيتس بيكسبي" تقف في المحطة تنتظر قطار نيويورك، لقد كانت زيارتها للكولونيل مميزة جداً أكثر من المعتاد مما جعلها تبدو في مزاج مرح. في الحقيقة، تشعرها صحبة الكولونيل بمزاج مرح، فله أسلوب خاص يجعلها تشعر بطبيعتها كامرأة رائعة بطريقة ما، وتملك مواهب خفية وغريبة، وساحرة بما لا يقاس؛ ويا لها من أحاسيس تلك التي تعيشها مع الكولونيل بخلاف حياتها مع طبيب الأسنان القابع في منزله هناك، والذي لم يفلح قط في إيصالها إلى مثل هذه المشاعر، فالحياة معه عنوانها الصبر الأبدي تعيشه مثل مريضة تنتظر دورها في عيادته، تجلس صامتة، لاشيء حولها سوى تلك المجلات التي يضعها الأطباء في غرف الانتظار.. هكذا كانت تحدث نفسها وهي تعقد مقارنات في عقلها وقلبها بين زوجها الطبيب والكولونيل صياد الثعالب، وبينما هي كذلك، أتاها صوت هامس: "طلب مني الكولونيل أعطيك هذا"، استدارت صوب الصوت ورأت "ويلكنز" سائس خيل الكولونيل، ذو البشرة الشاحبة والذكي والقصير بشكل لافت، تقدم نحوها وهو يدفع علبة كرتونية كبيرة بين ذراعيها، ولما صارت في حضنها، تقريباً، صرخت" يا سعدي ويا هناي يا ويلكنز! أهذا لي!، قالت ذلك بحماس وانفعال. ثم تابعت :هل يوجد رسالة؟ هل أرسل واحدة؟ ألا يوجد رسالة؟، فأجاب السائس وهو يهم بالمغادرة "لا.. ليس هناك رسائل".
ما إن استقلت القطار، حتى حملت العلبة إلى غرفة السيدات وأغلقت الباب خلفها. وهمست لنفسها وهي تفك الخيوط المحكمة حول العلبة "لا شك هذا مثير.. انظري يا نيتس إنه صندوق وكبير.. ثم تابعت بصوتٍ عالٍ "أراهن أنه فستان".. "بل ربما فساتين.. انظري إلى حجمه، انظري، مش ممكن يكون فستان واحد، ولكن لحظة يا نيتس، ماذا لو لم يكن فستان؟ ماذا لو كان بداخله ملابس داخلية؟ ملابس داخلية كثيرة وجميلة.. أووه، لقد تعبت، سوف لن أنظر إلى الداخل، سأحزر باللمس، سأتحسس وأحاول التخمين، نعم وسأحاول حتى تخمين اللون، والشكل.. والثمن، ولمَ لا؟.. نعم أستطيع ذلك".
أغمضت عينيها بقوة ورفعت الغطاء ببطء، ثم دسّت يدها داخل العلبة، حركتها يميناً وشمالاً، هناك الكثير من ورق الحشو في الداخل، وكان يصلها صوت احتكاك أصابعها بالورق، آهااا. هناك مغلف.. أو ربما بطاقة، تجاهلتها وتابعت البحث من جديد. غرست يدها عميقاً تحت الأوراق، وأصابعها تتمدد وتمتد برقة وتتحرك مثل نبته تتعربش جذع شجرة. وفجأة انفجر صوتها:
-"يا عفو الله.. معقول؟ لا لا ..لا يمكن.. غير معقول"
فتحت عينيها على أقصى اتساع وحدقت في المعطف، وانحنت ترفعه خارج العلبة، فبدأت طبقات الفراء السميك الغض تحدث جلبة لطيفة أثناء احتكاكه بالورق. وأخيراً تمكنت من إخراجه ورفعه أمام عينيها على طوله، يا له من معطف جميل.. جميل حقاً، نظرت نحوه بذهول وحبست أنفاسها، فهي لم ترَ في حياتها معطف مصنوع من فرو "المنك"، لمسته وهي تقول إنه "منك".. بالطبع، ولكن انظري يا نيتس! يا لروعة لونه؟ ما هو؟ لعله أسود؟ نعم إنه أسود.. يا إلهي معطف "منك" أسود، كيف يمكن أن يحصل لي كل هذا؟ ولكن عندما حملته واقتربت من النافذة لتفحصه أكثر لاحظت لطخة من اللون الأزرق أيضاً.. مممم.. أسود لامع مفعم بأزرق غامق حافل مثل الكوبالت، يا له من لون باذخ، نظرت بسرعة إلى الملصق، وقرأت "منك لابرادور"، ولا شيء آخر. فقط هاتين الكلمتين، لا اسم يدل على المتجر، أو أي شيء آخر. فقالت لنفسها، لعل هذا من فعل الكولونيل، ربما هو من نزع اللصاقات، يا له من ثعلب عجوز ماكر حين يصر على عدم ترك أثر له. "طيب... كما يريد" قالت ذلك هي تخمن كم ثمن المعطف. هذا النوع ليس رخيصاً حتماً.. كم إذن؟ أربعة آلاف؟ قالت بجرأة.. بل ربما خمسة أو ستة آلاف دولار؟ وربما أكثر.
لم تشأ، بالأحرى، لم تستطع رفع عينيها عنه.. إذ لا يمكنها الانتظار أكثر، وما هي إلا ثواني حتى خلعت معطفها الأحمر البسيط وأنفسها تتسارع وتلهث. لم تتمالك نفسها، كانت عيناها على وسعهما، لكن.. يا إلهي ملمس الفرو لا يوصف، قد ينتابك إحساس لا تستطيع تفسيره حين تتغلغل أصابعك في طياته، أووه.. وتلك الأكمام العريضة الضخمة السميكة ذات الردة الجميلة! سمعتْ ذات مرة من أحدهم أنهم يستخدمون جلود الإناث للذراعين وجلود الذكور لبقية المعطف؟ قال لها أحدهم ذلك. ربما كانت جوان راتفيلد. على الرغم من أنها لم تستطع تخيل كيف يمكن لجوان معرفة أي شيء عن فرو "المنك".
بدا أن المعطف الأسود العظيم ينزلق على جسدها من تلقاء نفسه تقرباً، وكأنه جلد ثاني لها
إش.. إش .. ! ما هذا.. لا شعور يضاهي ما تحس به الآن.. حقاً، لقد كان الشعور الأكثر غرابة! نظرت في المرآة، كان منظر المعطف عليها رائعاً، حتى هي نفسها بدت فجأة كأنها شخص آخر جديد، بدت مبهرة، متألقة، غنية، متأنقة، شهوانية ومبهجة، كل هذا دفعة واحدة وفي ذات الوقت. والأهم، إحساس القوة التي منحها المعطف لها، وهكذا كان بمقدورها الذهاب إلى أي مكان تشاء، فيتناثر الناس من حولها مثل الأرانب.. هذا رائع.. لقد كان الأمر برمته رائعاً إلى أقصى حد.
التقطت السيدة بيكسبي المغلف الذي كان لا يزال في العلبة. فتحته وسحبت رسالة الكولونيل: "سمعتكِ تقولين، ذات مرة، إنك مغرمة برائحة "المنك"، لذا أحضرت لك هذا، قيل لي أنه جيد، أرجو قبوله كهدية فراق مع خالص أمنياتي، سوف لن نتمكن من اللقاء مجدداً، لأسباب شخصية تخصني، وداعاً وحظاً سعيداً".
هل يمكن تخيل هذا!
الكولونيل بح!.. هكذا دون سابق إنذار أو حتى تمهيد!
يا له من أمر مروع ويا لها من صدمة، لاشك أنها سوف تفتقده بشدة.
صفنت السيدة بيكسبي قليلاً وبدأت تمسّد فراء المعطف الأسود الناعم ببطء، وتنهدت أخيراً وخرج صوتها:" يلا.. الذي يقع من السماء تتلقاه الأرض" ثم ابتسمت وطوت رسالة الكولونيل، استعداداً لتمزيقها وإلقائها من النافذة، لكنها لاحظت أثناء طيها ثمة سطر مكتوب على الجانب الآخر: "ملاحظة. فقط أخبري زوجك أن عمتك الكريمة واللطيفة أعطتك إياه كهدية عيد الميلاد". فانفرج ثغر السيدة بيكسبي في تلك اللحظة عن ابتسامة عريضة ناعمة، ثم فجأة ارتد إلى الخلف كقطعة مطاطية: "ماذا تهرف وك يا سيدي الكولونيل، جنّ الرجل يا ناس" وتابعت تقول: لا تملك العمة ثمن معطف كهذا يا عزيزي الكولونيل، لا يمكن لشخص مثلها أن يقدم لي هدية ثمينة كهذه"، ثم انتبهت لنفسها فجأة وصرخت "طيب يا شاطرة إن لم تكن العمة مود فمن إذن؟".
يا لكل شياطين الأرض والسماء.. كيف لم تنتبه، شغلها حماسها عن التفكير في هذا، رغم أهميته. ليس لديها الكثير من الوقت، ففي غضون ساعتين ستكون في نيويورك، ولا يتطلب الأمر بعد ذلك أكثر من عشر دقائق لتصل البيت، وسوف يكون زوجها في استقبالها كالعادة، وحتى رجل مثل سيريل، يعيش غارقاً في أنفاق جذور الأسنان المظلمة وحفر الأنياب والأضراس والنواجذ، لا بد سيسأل : "من أين لكِ هذا؟".. حالما يراها قادمة تتمختر، فجأة، في عطلة نهاية الأسبوع مرتدية معطفاً من فرو "المنك" بقيمة ستة آلاف دولار.
أتعلمين بمَ أفكر؟ قالت لنفسها "إن لم يخب ظني، فالكولونيل اللعين فعل هذا عمداً ليزيد عذابي، فهو يعلم تمام العلم أن العمّة مود ليس لديها ما يكفي من المال، وهو يعلم عدم قدرتي على الاحتفاظ به دون تبرير مقنع للسيد الموجود في المنزل الآن.. آه يا كولونيل.. آه منك.. كم يغيظني الأمر لو كان ظني صحيحاً..
لكن فكرة التخلص من المعطف كانت أصعب وأقسى من البحث عن تبرير، لا يمكنها تحمّل ذلك. "يجب أن أحتفظ به".. قالت بصوت عال: "يجب أن أحتفظ بالمعطف... يجب.. يجب". ثم هدأت قليلاً وعدلت من جلستها وقالت: "طيب يا حلوة.. خلص اعتبريه لك، لا داعي للذعر، فقط اجلسي بهدوء وفكري قليلاً، أنت ذكية ولن تعدمي وسيلة للاحتفاظ به، أليس كذلك؟ لا تخافي من سيريل، سبق وخدعتيه من قبل، وهو، كما تعلمي، لا يرى أبعد من نهاية مسبار الأسنان الذي بين يديه، فلا تنفعلي.. اجلسي هادئة وفكّري مليّاً، مازال لديك متسع من الوقت.
بعد ساعتين ونصف، ترجلت من القطار في محطة بنسلفانيا وسارت بهدوء، كانت ترتدي معطفها الأحمر القديم مرة أخرى وتحمل العلبة الكرتونية بين ذراعيها، في الخارج، أشارت إلى سيارة أجرة، ولما توقفت، سألت السائق "هل تعرف سمسار رهن لم يغلق بعد في مثل هذا الوقت"؟ رفع السائق حاجبيه ونظر نحوها بوجه مرح وقال" هناك الكثير منهم في الجادة السادسة"، فاندفعت داخل السيارة وقالت خذني إلى أول محل منهم إذن.. من فضلك". سرعان ما توقفت السيارة أمام متجر معلق فوق مدخله ثلاث كرات نحاسية. نزلت السيدة بيكسبي من السيارة وتوجهت نحو المحل وطلبت من السائق انتظارها. في الداخل، قط كبير يجلس على المنضدة ويلتهم رؤوس سمك موضوعة في صحن أبيض. نظر القط نحوها بعيون صفراء زاهية، ثم نظر أشاح بوجهه بعيداً واستمر في الأكل. وقفت السيدة بيكسبي بجانب المنضدة بعيدة قدر الإمكان عن القطة، في انتظار أن يأتي شخص ما، وبدأت تحدق في الساعات، وأبازيم الأحذية، والدبابيس المطلية، والمناظير القديمة، والنظارات المكسورة، والأسنان الاصطناعية. وتساءلت لماذا هناك دائماً من يرهن أسنانه.
-"نعم؟ أي خدمة؟" قال صاحب المتجر وهو يخرج من مكان مظلم في مؤخرة المحل.
-"أوه، مساء الخير"، وبدأت تفك الخيط حول العلبة الكرتونية. اقترب الرجل من القط وبدأ يربت على أعلى ظهره، بينما واصل القط أكل رؤوس السمك.
-"أرجو أن تعذرني وتعذر سخافتي.. لقد فقدت حقيبتي منذ بعض الوقت.. واليوم سبت كما تعلم، وجميع البنوك مغلقة، ولا بد لي من بعض المال لعطلة نهاية الأسبوع.. وكما ترى، هذا معطف ثمين للغاية، لكنني لا أطلب الكثير، فقط ما يكفيني حتى يوم الاثنين. ثم أعود واسترده". انتظر الرجل ولم يقل شيئاً. ولكن عندما سحبت معطف "المنك" وهبط الفراء السميك الجميل على المنضدة، رفع حاجبه وسحب يده بعيداً عن القطة وتقدم نحو المعطف، ثم حمله بكلتا يديه ورفعه أمامه ليتأمله. وتابعت السيدة بيكسبي كلامها :" لو كان معي ساعة أو خاتم كنت أعطيتها لك بدل المعطف، لكني في الحقيقة لا أملك شيئاً بخلاف هذه المعطف ثم بسطت يديها لتثبت صحة كلامها؟ فقال صاحب المتجر وهو يداعب الفراء "مفهوم.. مفهوم.. لا بأس.. لا عليك". فبدا الارتياح على وجهها وقالت "أوه.. نعم لا بأس، كل ما أريده مبلغ يكفيني حتى يوم الإثنين.. ما رأيك لو قلنا خمسين دولار؟.. فرد الرجل على الفور: "سأعطيك خمسين دولار". فقالت "إنه ثمين جداً.. يساوي ضعف ذلك مئة مرة، لكني واثقة بعنايتك به جيداً إلى حين عودتي"
مد الرجل يده داخل درج أمامه وأخرج ورقة ووضعها على الطاولة، بدت الورقة تشبه القسائم التي يضعها الناس على مقابض حقائبهم أثناء السفر، الشكل والحجم بالضبط، والورق البني القاسي. لكن هذه محززة من المنتصف بحيث يمكن قطعها إلى قسمين متطابقين. قال صاحل المتجر فجأة "الاسم".. فأجابت: دعك من هذا ومن العنوان. توقف الرجل وكان طرف القلم يحوم فوق السطر المنقط منتظراً أن يطرزه ببعض ما تنطق به السيدة، كررت السيدة بيكسبي ليس عليك كتابة الاسم والعنوان، أليس كذلك؟. حرّك الرجل كتفيه بلا مبالاة، وهزّ رأسه وانتقل القلم إلى السطر الثاني المنقط. حاولت أن تشرح أكثر فقالت " أفضّل ألا أضع اسمي وعنواني، إنها معلومات شخصية بحته، فأجابها صاحب المتجر "عليك إذن أن لا تفقدي نصف القسيمة إذن".
-لن أفقدها؟
-خير لك، وإلا.. أي شخص يجلبها إلى هنا يمكنه الحصول على المعطف
-نعم ، أعرف ذلك.
-سيكون التسليم بمطابقة الرقم فقط
-نعم أعلم ذلك
-طيب ماذا ترغبين أضع وصفاً؟
-لاشيء، لا وصف أيضاً، شكراً لك، الوصف ليس ضرورياً، فقط ضع مقدار المبلغ.. هذا يفي بالغرض
-بقي القلم يحوم مرة أخرى فوق الخط المنقط عند السطر الثاني
-أظن عليك وضع وصف ما، فالوصف يساعد في حال رغبت ببيع القسيمة، من يدري؟ ربما يخطر لك بيعها
-لا.. لن أبيعها
-ولكن قد تضطرين، اسأليني أنا، الكثير ممن يأتون هنا يبيعون قسائمهم
-" لحظة من فضلك، لحظة، أنا لست مفلسة كما تظن، إن كان هذا قصدك، كل ما في الأمر فقدت حقيبتي، هل كلامي واضح؟.. فقال الرجل "حسن، هذا شأنك، فالمعطف معطفك في نهاية الأمر"، وهنا خطرت للسيدة بيكسبي فكرة لم ترتاح لها فسألته" ولكن قل لي، إذا لم أضع أي وصف للمعطف على القسيمة، كيف أتأكد أنك ستعيد لي المعطف وليس أي شيء آخر". فأجاب كله حسب السجل، فقالت: كيف يعني.. إذا كان كل ما لدي مجرد رقم، يمكنك بسهولة أن تعطيني أي شيء قديم، أليس كذلك؟
فقال الرجل "هل تريدين أن تضيفي وصفاً أم لا؟
-لا.. خلص خلص، أثق بك.
فكتب الرجل على طرفي القسيمة "خمسين دولار" وأعطاها جزء واحتفظ بالجزء الثاني وأخرج من محفظته المبلغ وناوله لها وهو يقول "الفائدة 3% شهرياً"
-نعم.. طيب، شكراً لك، ستعتني بالمعطف جيداً، أليس كذلك؟ فأومأ الرجل برأسه دون أن يتفوه بحرف
-هل أعيده إلى العلبة
-لا.. لا داعي لذلك
وهكذا انتهى الأمر على خير، واستدارت وخرجت إلى حيث السيارة التي كانت تنتظرها، وبعد عشر دقائق كانت في البيت. فدخلت وانحنت لتقبيل زوجها وهي تقول "حبيبي لم أتأخر، توحشتني؟". وضع سيريل بيكسبي الجريدة المسائية ونظر إلى الساعة على معصمه وقال "إنها الساعة السادسة والنصف واثنتي عشرة دقيقة". "لقد تأخرتِ قليلاً، أليس كذلك؟"
-"أعلم. ما باليد حيلة، إنها القطارات المروعة.. آه صحيح.. ترسل لك العمة مود تحيتها ومحبتها كالمعتاد.
-كم أتوق للشراب، هل ترغبين بشيء؟"، ثم طوى جريدته على هيئة مستطيل أنيق ووضعها على ذراع كرسيه. واتجه نحو البوفيه، في حين بقيت وسط الغرفة تخلع قفازاتها وتراقبه بعناية متسائلة كم من الوقت عليها أن تنتظر!!، لم يلحظ تعابير وجهها فقد كان يدير ظهره لها، ينحني إلى الأمام لقياس كمية الشراب التي سيضعها في الكأس، يسكب قليلاً ثم يرفع الكأس ويضع وجهه قرب جهاز القياس، وينظر إليه كما لو أنه يفحص فم أحد مرضاه. كان يبدو لها الأمر مضحكاً حين تراه ضئيل الحجم قياساً بالكولونيل، فذاك كان ضخماً وخشناً، ولو اقترب منه أي شخص، فلا بد أن يشم رائحة خفيفة تشبه رائحة الفجل الحار، بينما هذا الذي أمامها الآن، يبدو صغيراً وأنيقاً ونحيلاً، ولا رائحة له على الإطلاق، باستثناء رائحة قطرات النعناع التي يضعها في فمه ويمصها كي تبقى رائحة نفسه لطفية أمام مرضاه.
اقترب منها يحمل كأساً زجاجيةً معايرة وقال: انظري ماذا اشتريت لقياس معايرة الفيرموت المعطر، أستطيع من خلاله الوصول إلى أدق النسب.
-أووه يا حبيبي، ما شاء الله عليك شو ذكي، ثم تابعت تقول لنفسها، "علي التفكير جدياً بوسيلة تجعله يغير طريقة اختياره لثيابه"
تبدو بدلاته سخيفة للغاية إلى حد لا يوصف. لقد انتهى ذلك الزمان الذي كانت ترى بدلاته رائعة، تلك السترات "الإدواردية" ذات الطيات الأمامية العالية والأزرار الستة الأمامية، تبدو لها الآن غريبة وسخيفة، وكذلك السراويل الضيقة مثل عمود المدخنة، وتابعت كأنها توجه الكلام لزوجها:" كان يجب أن يكون لك وجه من نوع خاص مناسب لارتداء أشياء كهذه" وهو ما لم يمتلكه سيريل بالطبع. فقد كان وجهه طويلاً ونحيلاً ومليئاً بالعظام، وأنفاً ضيقاً وفكاً يبرز بعض الشيء إلى الأمام، ولو رأيته آتياً من بعيد يرتدي واحدة من تلك البدلات القديمة المشدودة على جسمه بإحكام فسوف تحكم عليه كأحد شخصيات رسوم سام ويلر الكاريكاتورية، ولعله كان يظن نفسه شبهاً لبو بروميل. وفي الحقيقة حين كان يستقبل المرضى في عيادته يعمد إلى فك أزرار معطفه الأبيض ليروا تلك الزخارف الموجودة تحته؛ وهدفه، بطريقة ما غامضة، نقل انطباع للمريض بأنه يشبه كلباً أليفاً بطريقة ما. لكن السيدة بيكسبي كانت تعرف أن ليس كل ما يلمع ذهباً، والريش الجميل ليس سوى خدعة يخفي خلفه قبحاً. فكل هذه الأناقة الفارغة لم تكن تعني لها شيئاً. بل تذكرها بطاووس عجوز منتوف نصف ريشه يجلس على العشب. أو إحدى تلك الأزهار السخيفة ذاتية الإخصاب -مثل الهندباء. إذ لا لزوم لتخصيب الهندباء قط، فهي تعطي بذوراً دون تلقيح لتنتج نسلاً جديداً، وما كل تلك البتّلات الصفراء اللامعة إلا مجرد مضيعة للوقت، أو تفاخر فارع لا لزوم له، أو حفلة تنكرية. ما هي الكلمة التي يستخدمها علماء الأحياء؟ "ثانوية الجنس"؟ "توالد عذري"؟ نعم الأمر ينطبق على الهندباء فهي تتكاثر بطريقة التوالد العذري. ولهذا السبب، والشيء بالشيء يذكر، سوف تكون الهندباء وأزهارها السخيفة تلك حاضنة صيفية لبراغيث الماء. يشبه الأمر إلى حد ما بعض من هراء لويس كارول، ثم تابعت التفكير.. هكذا الأمر إذن براغيث الماء والهندباء وأطباء الأسنان، وهراء لويس كارول.. جميعهم في سلة واحدة. ثم قالت وهي تحمل كأس الشراب وتجلس على الأريكة وحقيبة يدها على حجرها: "شكراً لك يا حبيبي.. ولكن قل لي الآن، كيف أمضيت ليلة أمس"
- لا جديد، بقيت في العيادة وقمت بصب بعض الحشوات السنية، كما عملت تحديثاً لبعض الوصفات.
-أووه يا عزيزي سيريل، من جديد؟ ألم يحن الوقت بعد لأن يساعدك أحدهم في هذه الأعمال المرهقة؟. أنت مهم جداً وبارع للقيام بهذه الأمور ولكن لمَ لا تعطِ صب الحشوات لأحد الفنيين؟"
-ولكن تعلمين كم أحب القيام بأعمالي بنفسي، هذا يشعرني بنوع من الفخر، لاسيما حين أنجز تلك الحشوات وأتأملها في فم المريض.
-أعلم ذلك، أعلم أنك تحب عملك وتفخر به، وباعتقادي أنت تصنع حشوات رائعة، لاشك أنها الأفضل في العالم برمته. لكني أخشى عليك يا عزيزي من الإرهاق، لا أريدك أن تحرق نفسك وتفنيها هكذا، لمَ لا تدع تلك المرأة، ماذا كان اسمها؟ بولتيني؟ أجل بولتيني، لمَ لا تدعها تعمل تلك الوصفات؟ فهذا جزء من عملها على كل حال، أليس كذلك؟.
- أجل، هي تقوم بذلك أحياناً، ولكن لو صار هذا جزء من عملها فأنا مضطر حينها إلى زيادة راتبها، وبالتالي رفع أسعاري قبل كل شيء، بكل الأحوال، لن تقوم به مجاناً ولن تكترث لأمري طالما ستقوم بهذا العمل مقابل المال، فهي لا تعرف من هو غني ومن هو ليس غني.
قالت السيدة بيكسبي، وهي تضع كأسها على البوفيه: "إنه شراب مثالي.. بل منتهى الروعة" ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منديل كما لو كانت تريد أن تتمخط ثم هتفت "انظر! وك يا عزيزي سيريل" ورفعت القسمية وتابعت "لقد نسيت أن أريك هذه! قسيمة وجدتها للتو على مقعد سيارة الأجرة. انظر عليها رقم، لابد أنها ورقة يانصيب أو ما يشبهها، لذلك احتفظت بها." ثم ناولت الورقة البنية القاسية الصغيرة إلى زوجها الذي أخذها بأطراف أصابعه وبدأ يفحصها بدقة من جميع الزوايا، كما لو كانت سنّاً. ثم قال بهدوء وبطء " أتعلمين ما هذه القسيمة؟"
-لا، لا أعرف".
-"قسيمة رهن".
-"وماذا يعني هذا؟"
-"قسيمة من سمسار رهن. مدون اسم المحل وعنوانه -في مكان ما في الجادة السادسة".
-"خسارة، يا لها من خيبة. كنت آمل أن تكون تذكرة يا نصيب من إيريش سويب"
- لا داعي للخيبة، لعل في الأمر فائدة وتسلية نوعاً ما.
-ولكن كيف تراه مفيداً ومسلياً يا عزيزي؟
وبدأ الزوج يشرح لها ماهي قسائم الرهن تلك وفوائدها، مضيفاً أي شخص يملكها يحق له المطالبة بمادة الرهن.
استمعت السيدة بيكسبي بصبر حتى انتهاء "المحاضرة" ثم قالت بسرعة متسائلة:" هل تعتقد أن الأمر يستحق"؟
-"أعتقد ذلك.. يستحق الأمر معرفة الرهن. هل ترين ما مكتوب هنا؟ قيمة الرهن خمسين دولار. هاي هي مدونة هنا، أتعلمين ماذا يعني؟
-"لا يا عزيزتي، ماذا يعني؟"
-"هذا يعني أن مادة الرهن ربما تبلغ قيمتها أضعاف هذا المبلغ، لاشك أنها ذات قيمة كبيرة."
-"هل تقصد أنها ستكون قيمتها خمسين دولاراً؟"
-"بل ربما أكثر من خمسمائة".
-"خمسمائة! ماذا تقول؟!"
-"ألم تستوعبي الأمر بعد؟.. سمسار الرهن لا يمنحك قط أكثر من عُشر القيمة الحقيقية".
-"يا إلهي! لم أكن أعرف ذلك قبل هذا"
-"هناك كثير من الأشياء لا تعرفيها يا عزيزتي، والآن اسمعيني جيداً، وانظري هنا حيث أشير، ألا ترين.. لا يوجد اسم وعنوان مالك القسيمة
-"ولكن من المؤكد هناك ما يشير إلى صاحبها؟"
-"على الإطلاق. لا يوجد ما يشير إلى صاحب القسيمة وعنوانه، في الواقع الكثير يفعلون ذلك. لا يرغبون أن يعرف الغير ذهابهم إلى مكاتب الرهن، لعلهم يخجلون"
-"إذن هل تعتقد يمكننا الاحتفاظ بها؟"
-"بالطبع ، يمكننا. هي ملكنا الآن".. فقالت بحزم: "تقصد ملكي، فهي قسيمتي.. أنا من وجدتها".
-"وهل هذا مهم يا حلوتي؟ ألا يمكننا الذهاب والحصول على الرهن في أي وقت نريده مقابل خمسين دولاراً فقط؟"
-"أوه، يا لها من متعة لو حصل!.. سنشعر بالإثارة لاشك، خاصة لأننا لا نعرف ما هو، أليس كذلك يا سيريل؟"
-"أجل، يمكن بالفعل أن يكون أي شيء، ولكني أرجح أن يكون خاتماً أو ساعة"
-"أليس من الأفضل لو كان كنزاً حقيقياً؟ أقصد شيئاً قديماً حقاً، مزهرية قديمة رائعة أو تمثال روماني؟".
-"يا عزيزتي.. لا أحد يستطيع معرفة ما هو.. ما علينا سوى الانتظار وسوف نرى"
-"عظيم.. رائع جداً! أعطني القسيمة إذن، وسأسرع صباح الاثنين لأكتشف ما هو!"
-"من الأفضل أن أذهب أنا"
"أوه لا!".. قالت بصوت عال "بل أنا.. دعني أذهب أنا!"
"لا أظن ذلك مناسباً. سأمضي إلى المتجر أثناء طريقي إلى العمل"
-"لكنها قسيمتي يا سيريل. لا تنسَ! لذا دعني، من فضلك، دعني أنا من يحضر الرهن! لماذا ينبغي أن تنال وحدك كل المتعة"؟
-"وهل تعرفي هؤلاء التجار؟ هل تعرفين التعامل معهم؟ ستكونين، وحدك، عرضة للغش والخداع."
-"لا .. قطعاً لا.. لن يحصل هذا، من تظنني؟ أعطني القسيمة من فضلك."
ابتسم الزوج وقال: " ولكن هل معك خمسين دولار.. بدون ذلك لن تقدري على استرداد الرهن.. عليك دفع خمسين دولاراً نقداً قبل أن تحصلي عليه".
-"أعتقد إني أعرف ذلك أيضاً"
-"أرى من الأفضل لك عدم التعاطي بمثل هذه الأمور، يعني.. إذا ما عندك مانع."
-"لكن تذكر يا سيريل، أنا من وجد القسيمة.. فهي ملكي، أيّا كان الأمر، فهي في نهاية الأمر ملكي ومن حقي، ألا ترى الأمر من زاويتي، هل تقدر؟ أعتقد أنك تستطيع، أليس كذلك؟"
-"بالطبع يا عزيزتي إنها لك، لا داعي لأن تشغلي نفسك بهذا الأمر."
-" مش القصد يا سيريل، كل ما في الأمر إني متحمسة زيادة عن اللزوم."
-"أضف إلى ذلك يا عزيزتي، لم يخطر ببالك قط أن يكون الرهن، ربما، شيئاً ذكورياً، كأن يكون ساعة جيب، مثلاً، أو مجموعة من الأزرار، فكما تعلمي، لا يقتصر الأمر على النساء اللائي يذهبن إلى سماسرة الرهن". فقالت السيدة بيكسبي بنوع من الشهامة: " في هذه الحالة سوف أتنازل عن حقي به وأقدمه هدية لك بمناسبة أعياد الميلاد عن طيب خاطر.. ما قولك الآن؟" ثم تابعت "ستغمرني السعادة لو سارت الأمور على هذا المنوال. ولكن إذا كان يتعلق بشؤون النساء، فأريده لنفسي.. تمام؟ اتفقنا؟
-"نعم اتفقنا .. طيب عندي اقتراح، لماذا لا تأتي معي ونجلبه معاً؟"
كادت أن توافق وتقول نعم، لكنها تراجعت في الوقت المناسب، إذ لم ترغب أن يتعرف عليها صاحب المتجر بحضور زوجها، فتبدو كأنها زبون قديم. فترددت في الإجابة وقالت ببطء شديد " لا.. لا أعتقد هذا ضرورياً، أكثر ما يهمني أن أعيش جو إثارة أكبر لو بقيت في البيت أنتظرك.. أووه يا عزيزي ليته يكون شيئاً يهمنا كلينا أو أي منا"
-"دعيني أذكرك أنه يتوجب علينا دفع خمسين دولار، فإن كنت لا أعتقد يساوي قيمة المبلغ فلن آخذه.
"لكنك قلت قد تكون قيمته خمسمائة دولار."
-"نعم أنا متأكد أنه كذلك لا تقلقي بهذا الشأن."
-"أووه، سيريل. بالكاد أستطيع الانتظار! أليس هذا مثيراً؟"
-"أجل إنه ممتع".. قال ذلك ووضع القسيمة في جيب صدرته.
-"لا شك في ذلك."
وأخيراً أتى صباح الاثنين، وبعد الإفطار، تبعت السيدة بيكسبي زوجها حتى الباب وساعدته في ارتداء معطفه. ثم قالت:
-"لا ترهق نفسك كثيراً في العمل يا حبيبي"
-"حسناً لن أفعل".
-"ستكون هنا في السادسة.. أليس كذلك.. لا تتأخر، لن أحتمل الانتظار؟"
-"أتمنى ذلك."
"هل سيكون لديك وقت للذهاب إلى ذاك المتجر؟"
"يا إلهي، لقد نسيت الأمر كلياً. سآخذ سيارة أجرة وأذهب إلى هناك الآن. إنه في طريقي"
-"مازلت تحتفظ بالقسيمة، أليس كذلك؟" فتحسس جيب صدرته وقال " آمل أنها هنا .. آه ها هي"
-"ولديك ما يكفي من المال؟"
"نعم ما يكفي بالكاد."
فقالت وهي تقف بالقرب منه وتشد ربطة عنقه: "حبيبي"، ثم استقامت واعتدلت في وقفتها وقالت: "إذا كان شيئاً لطيفاً، أقصد شيء تعتقد أنه قد يعجبني، هل ستتصل بي فور وصولك؟"
-"سأفعل إن كانت هذه رغبتك".
-"تعلم كم أحبك يا سيريل، وآمل أن يكون الرهن شيء رجالي يخصك.. نعم أتمنى ذلك حقاً.. أتمنى أن يكون لك وليس لي"
-"هذا كرم منك يا عزيزتي. علي الإسراع الآن."
بعد حوالي ساعة، رن جرس الهاتف، فذرعت السيدة بيكسبي الغرفة بسرعة كبيرة لدرجة أنها رفعت السماعة قبل انتهاء الرنة الأولى.
-"حصلت عليه!"
-"حقاً! أوه، سيريل، فما هو؟ هل هو جديد؟"
-"جيد!".. إنه رائع! انتظري حتى ترينه بعينيك سوف يغمى عليك بلا شك!"
"حبيبي، قل ما هو.. هيا قل بسرعة!"
-"كل ما يمكن قوله أنك فتاة محظوظة، حقاً أنت كذلك."
-"إذن هو شيء يخصني؟"
-"بالطبع، هو شيء يخصك. وأنا ما زلت مذهولاً كيف يمكن لشيء بهذه القيمة يقبل صاحبه رهنه بخمسين دولار فقط، قولي عني ما تريدين ولكني لا أراه سوى شخص مخبول"
-" سيريل يا عزيزي! توقف عن إبقائي في حالة تشويق! لا يمكنني تحمل ذلك!"
-"بل ستصابين بالجنون عندما يصبح بين يديك".
-"فما هو؟"
-"احزري." وعن هذه النقطة، توقفت السيدة بيكسبي عن المتابعة وقالت لنفسها "توخي الحذر يا بنت، توخي الحذر وانتبهي ألا يزلق لسانك بكلمة.. ثم تابعت مع زوجها "لعله قلادة؟"
-"خطأ"
-"خاتم من الماس."
-"أنت حتى لم تقتربي من شيء.. حسن سأعطيك تلميحاً. إنه شيء يمكنك ارتدائه."
-"شيء يمكنني ارتدائه؟ تقصد مثل قبعة؟" فقال ضاحكاً: "لا، ليس قبعة".
-"بالله عليك إلا أخبرتني؟"
-"لا.. لن افعل.. ستكون مفاجأة عندما أعود مساءً إلى البيت"
-"وهل تظنني سأنتظر حتى المساء؟ ابق حيث أنت فأنا قادمة الآن!"
-"الأفضل أن تبقي في البيت يا عزيزتي"
-"لا تكن سخيفاً يا حبيبي. لماذا تقول هذا؟
-"لأنني مشغول جداً الآن. وستفسدين جدولي الصباحي، وأنا أصلاً متأخر نصف ساعة فعلاً عن عملي".
-"طيب سأحضر في ساعة الغداء؟"
-"لا آخذ استراحة غداء في العادة، ولكن مش مهم تعالي في الواحدة والنصف، سأكون أتناول شطيرتي.. هيا إلى اللقاء"
في الواحدة والنصف تماماً، وصلت السيدة بيكسبي إلى مكان عمل زوجها وقرعت الجرس. فتح لها الباب بمعطفه الأبيض.
-"أوه ، سيريل، أنا متحمسة جداً!"
-"يجب أن تكوني كذلك، لو تدرين كم أنتِ محظوظة؟" ثم قادها عبر الممر إلى غرفة عيادته. وقال لمساعدته التي كانت منهمكة بوضع الأدوات في جهاز التعقيم: "اذهبي وتناولي غدائك يا آنسة بولتيني". "يمكنكِ إنهاء ذلك عندما تعودين" انتظر حتى رحلت الفتاة، ثم مشى إلى الخزانة التي كان يعلق بها ثيابه ووقف أمامها مشيراً بإصبعه. قال: "إنه هناك.. هيا أغمضي عينيك." امتثلت السيدة بيكسبي لأوامره. ثم أخذت نفساً عميقاً وحبسته في أعماق صدرها، وخلال ثواني الصمت التي أعقبت ذلك، سمعته يفتح باب الخزانة، ثم صوت يشبه الهدير الناعم وهو ينزع ثوباً من بين أشياء أخرى معلقة هناك. ثم قال: "حسنًا! يمكنك أن تفتحي عينيك!". فقالت وهي تضحك: "لا أجرؤ على ذلك".
-"هيا. خذي نظرة خاطفة."
بدأت تقهقه بخجل، ورفعت أحد جفنيها قليلاً، بما يكفي لتتمكن من رؤية مشهداً ضبابياً داكناً للرجل الذي يقف هناك بملابسه البيضاء وهو يحمل شيئاً ما في الهواء. ثم صرخ إنه من فرو "المنك".. "منك" حقيقي. وعند هذه الكلمة السحرية فتحت السيدة بيكسبي عينيها بسرعة، ثم بدأت تتقدم وكأنها تحاول أن تثبت المعطف على كتفيها
ولكن.. ما هذا؟
لم يكن هناك معطف.. ليس سوى وشاح رقبة سخيف من الفرو يتدلى من يد زوجها الذي يدأ يلوح به أمامها ويقول "متعي عينيك بمنظره". رفعت السيدة بيكسبي يدها إلى فمها وبدأت تتراجع. وقالت لنفسها، سأصرخ.. سأفعلها لاشك.. ها أنا سأصرخ بالفعل
-"ما الأمر يا عزيزتي؟ ألا يعجبك؟" وتوقف السيد بيكسبي عن التلويح بالوشاح، وبدأ يحدق بزوجته منتظراً أن تقول شيئًا. فبدأت بالتمتمة " لماذا.. نعم.. أنا.. أعتقد.. نعم .. أعتقد أنه... جميل.. جميل حقاً".. فقال الزوج انظري إلى حالك وصوتك كيف انقطعت أنفاسك للحظة.. أليس كذلك".. فردت عليه بشرود " أجل. نعم.. قسمنبلاه انقطعت أنفاسي.. ليش الكذب!"، فتقدم نحوها وهو يقول" انظري إنه وشاح عالي الجودة، وانظري إلى لونه الجميل أيضاً، هل تعلمي؟ أعتقد أن قطعة جديدة مثل هذا ستكلفك ليس أقل من مئتين أو ثلاثمئة دولار بالحد الأدنى" فردت عليه " أكيد لا شك في ذلك". تأملت الوشاح من جديد ولاحظت أنه مصنوع من نوعين من الجلد، قطعتي جلد رثتين ضيقتين مع رأسين وتجاويف الأعين مطعّمة بنوع من الخرز ومخالب صغيرة تتدلى إلى أسفل. كان أحد الرأسين يضع الطرف الخلفي للآخر في فمه، كأنه يعضّه.
قال الزوج "والآن هيا ضعيه على كتفيك لأراه" وانحنى إلى الأمام ولف الوشاح حول رقبتها، ثم رجع أو خطوتين إلى الخلف وصاح من شد إعجابه "كم هو مثالي، كأنه مصنوع لك يا نيتس.. على رأي المثل.. مش كل مين صف الصواني صار حلواني.. ومش كل مين لبس وشاح "منك" صار اسمه نيتس "
"لا، أكيد.. طبعا لا".
"لا أحبذ لك أن ترتديه عندما تخرجين إلى التسوق وإلا سوف يعتقد الجميع أننا من أصحاب الملايين، مما سيكلفنا الكثير من الفواتير المضاعفة"
"سأحاول تذكر ذلك ياسيريل."
"لقد كلفني خمسين دولار.. أتمنى أن لا يكون لديك أي مشاريع شراء في فترة الأعياد، فما دفعته اليوم كان أكثر مما كنت سأنفقه على أي حال". واستدار ومضى نحو المغسلة وبدأ يغسل يديه وتابع: "هيا امض الآن يا عزيزتي واشتر لنفسك غداءً لطيفاً، كان بودي لو آخذك أنا، ولكن للأسف لدي عجوز في غرفة الانتظار يعاني من كسر في تلبيسة أسنانه".
وهكذا تحركت السيدة بيكسبي نحو الباب لتغادر العيادة وهي تقول لنفسها، سوف أقتل صاحب المتجر ذلك، أقسم سأقتله، سأعود الآن إليه وأرمي وشاح العنق القذر هذا في وجهه، وأطالبه بمعطفي، وإذا رفض سأقتله من كل ولابد، وانتبهت لصوت زوجها الذي مازال يقف أمام المغسلة يأتيها "هل أخبرتك أنني سأعود إلى المنزل في وقت متأخر هذه الليلة؟"
-"لا.. لم تقل شيئاً
-"حسن ها قد فعلت.. من المحتمل أن أتأخر حتى الثامنة والنصف.. أعتقد ذلك حتى الآن.. ربما اتأخر حتى التاسعة.. من يعلم؟"
-"طيب لابأس .. إلى اللقاء" وانطلقت السيدة بيكسبي وأغلقت الباب خلفها.
في تلك اللحظة بالذات، دخلت الآنسة بولتيني، مساعدة زوجها، تمخر أمامها. رمقتها الآنسة بولتيني بما يشبه التحية وقالت "يبدو النهار رائعاً، أليس كذلك سيدة بيكسبي" وابتسمت وتابعت السير وهي تنثر خلفها رائحتها وعطرها، وبدت مثل ملكة في معطف أسود جميل من فرو "المنك"...
نعم هو ذاته، المعطف الذي أعطاه الكولونيل للسيدة بيكسبي.
....
العنوان الأصلي: Mrs. Bixby and the Colonel s Coat
الكاتب: Roald Dahl

.....
هوامش المترجم
*يستخدم الكاتب هنا الكلمة "Tallyho!".. وهي صرخة يستخدمها الصيادون ليخبروا بعضهم البعص عن مكان الفريسة، ونظراً لأن الكولونيل، عشيق السيدة بيكسبي، يمارس هواية صيد الثعالب، فلابد أنه يستخدمها تلقائياً في حديثه اليومي نظراً لأنها تستخدم أيضاً في صيد الثعالب عند رؤية الثعلب لتنبيه الأعضاء الآخرين في الصيد، وحسب قاموس أكسفورد، يعود تاريخ كلمة Tally-ho إلى العام 1772 تقريباً، ولعلها مشتقة من الكلمة الفرنسية taïaut، التي كانت تستخدم كصرخة لإثارة كلاب الصيد عند صيد الغزلان. ويتابع قاموس أكسفورد الشرح بالقول أن أصل الكلمة الفرنسية يعود كلمة Taille haut من النصف الثاني من القرن الثالث عشر وهي دمج لكلمتين كانت تستخدمان في الحروب: Taille بمعنى مقدمة أو طليعة السيف و "haut" تعني مرتفع أو "مرفوع". ويكون المعنى السيوف إلى الأعلى أو سلاحك إلى الأعلى
**يستخدم الكاتب تعبير Let s go to earth ويستخدم بالأصل للدلالة على (الفريسة المطاردة) التي تختبئ في جحر تحت الأرض. لعل رولد دال يلمح بطريقة ما أن السيدة بيكسبي ليست أكثر من "صيد" أو "فريسة" بالنسبة للكولونيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟