الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاييم الزعفراني: مسار حياة وفكر

زهرة الطاهري
أستاذة باحثة

(Zahra Ettahiri)

2023 / 2 / 21
سيرة ذاتية


إن المتابع لمسيرة حاييم الزعفراني العلمية يجدها مليئة بالعطاء وذات آفاق فكرية غنية شكلت، في مجملها، أعمالا تعَدّ مَرْجِعا لكل الباحثين في الثقافة اليهودية بمعناها العام أدبًا وإنسانياتٍ وعلومًا، في اتِّصالها بالمجتمع والاقتصاد والتاريخ والتربية والتعليم.
يعد حاييم الزعفراني من أهم الباحثين المُؤثّرين، وتكمن أهميته وقيمته فيما قدمه خلال مسيرته العلمية وتعدّد اختصاصاته الأكاديمية، وإجادته لعدّة لغات؛ وهي اللغة العربية والعبرية والفرنسية، مع كونه مغربيَّ الإحساس والانتماء. فمن مدينة الصويرة المغربية، مدينة الرياح التي كانت بوّابة تاريخيّة مشرعة على المحيط الأطلسي، استقطبت التجّار والرحّالة منذ العصور القديمة، وكان اليهود من جملة من استقر فيها من التجّار، وشهدت نشاطهم التجاري الواسع عبر قرون طويلة، ومن مجتمع يهودي نشطا تجارياً وفكرياً، إذ نشأ حاييم الزعفراني، اليهودي المغربي، الذي كرّس حياته للاشتغال على كلّ ما يتعلق بالطائفة اليهودية في المغرب، مستفيداً ممّا تمتّع به من تكوين أكاديمي في اللغتيْن العربية والعبرية وفي الحقوق، وما تلاه لاحقاً من تحصيل عالٍ للدكتوراه في العلوم الإنسانية، فضلا عن تاريخ طويل في التدريس والبحث والإشراف العلمي في العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث والمحافل العلمية في المغرب وفرنسا وأمريكا، ومراتب استشارية عالية. وممّا لاشكّ فيه أنَّ ما ساعد في بلورة رؤيته ومعارفه هو تكوينه المتين الذي جمع فيه بين التعليم الأكاديمي العالي من جهة، وتعمّقه وتخصّصه في الثقافة التقليدية اليهودية والعربية الإسلامية من جهة أخرى، فكان متعدّد الثقافات، وهو ما بدا واضحاً وجليّاً من خلال كتاباته التي عكست هذا التنوّع، وعبّرت أيضاً عن محبّته العميقة للمغرب، وأكّدت موقفه الذي اعتُبر منهجاً في تأريخه لإرث الأجداد، وهو أن ينظر من الداخل من قلب المكان والزمان ويعود ليستجمع قِطَع التاريخ المتناثرة ويرصّفها بعناية من خلال الفكر التشريعي والشعر الديني والكتابات الباطنية، ومن ذلك كلّه تكتمل الصورة.
كان حاييم الزعفراني حاضرا بقوة في عالم الفكر بحوالي خمسة عشر كتابا وبحثا أكاديميا حول اليهودية المغربية، التي تشكل جزء لا يتجزأ من التراث الوطني والتاريخ المغربي.
وصدر لهذا المفكر البارز عدة أعمال عن الثقافة اليهودية-المغربية، لاسيما دراسته لحياة اليهود في المغرب الأقصى، بعنوان "ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب"، التي بين فيها أن" يهودية المغرب ترعرعت في تربته وتشربت من مناهله مدة ألفي سنة"، وكذا مقالا بعنوان "يهود الأندلس والمغرب"، الذي يعد محاولة لمقاربة تجربة الجماعة اليهودية بالأندلس إلى غاية 1492 بمثيلتها بالمغرب إلى متم ستينيات القرن العشرين.
لقد كلف حاييم الزعفراني نفسه بمهمة البحث في ذاكرة طائفة عاشت على أرض المغرب زهاء ألفي عام، وتركت تراثا غنيا يعبر عن إبداع أدبي عبري أسهم بعض الأدباء اليهود المغاربة في تدوينه، فظل صداه يتردد في نفوس المهاجرين من اليهود المغارية، ولا سيما في طقوسهم واحتفالاتهم بالمناسبات الدينية، مثل لالة ميمونة وهيلولا، على اعتبار أن اليهودية المغربية تربت وعاشت في المغرب، وفي ظل تعايش تجلت مظاهره في الحياة اليومية بين اليهود والمسلمين على أرض المغرب، والتي تميّزت بالمساواة والتسامح والتقارب اللغوي والاجتماعي.
إن العمل الكبير الذي خلفه حاييم الزعفراني هو بمثابة مرجع أساسي، في تاريخنا كما في ثقافتنا وفي هويتنا وذاكرتنا".
كان حاييم الزعفراني مؤرخا ألمعيا لثقافة اليهود وعلاقتهم بالعرب عموما، وكتب أبحاثا مرجعية تدْرُسُ الفكر اليهودي تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا وقانونيا، وناهَزَت ذخيرته البحثية والعلمية خمسة عشر مؤلفا وأكثر من 150 مقالا حول اليهودية في المغرب والدول الإسلامية.
اختصّ حاييم الزعفراني بدراسة ثقافة اليهود، وصَرَفَ حياته للاشتغال على ألفيْ سنة من حياتهم في المغرب، موظِّفاً في ذلك نهجاً موسوعيا شمل كلا من التاريخ والزجل، والأدب الشعبي، والأدبيات الحاخامية، والفلسفة، والتصوف، واللسانيات، والشعر، والموسيقى؛ وهو المشروع الفكري الذي تمكّن بفضله من الإسهام بقوة في إبراز وبلورة المكون اليهودي في التاريخ المغربي وثقافته وتراثه، وهو أمر طبيعي لأن المغرب وَطَنُه.
إن كتابات الزعفراني تكشف عن انفتاح عميق على الثقافة اليهودية في الغرب الإسلامي في فترة شكلت التاريخ الحقيقي ليهود المغرب، وهي الفترة التي امتدت ما بين نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين. لقد خص الزعفراني هذه الفترة بالبحث والدراسة انطلاقا من أشكال فكرية عديدة، باعتبارها جزءا لا ينفصل عن المحيط الثقافي في الغرب الإسلامي، من أهمها: التعليم والقانون والأدب المكتوب والشفوي، والشعر، فكلف نفسه بمهمة علمية، وعلى نطاق واسع، أحيا من خلالها عالما من حياة الطائفة اليهودية المغربية وثقافتها، كما أشاد الدارسون بكتاباته، واعتبروها مساهمة في التراث الوطني المبعوث من النسيان والمؤدي إلى أفكار جديدة.
فقد عني حاييم الزعفراني بدراسة فترة ما بين نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن العشرين، فتناولها في كتابات ودراسات شملت معارف متعددة قصد إحياء الذاكرة اليهودية المغربية، فمنها ما هو تربوي تعليمي، ومنها ما هو تشريعي قانوني، ومنها ما هو فكري وأدبي؛ لتعبر في مجملها عن هوية مغربية يهودية شهدت تحولات وتغيرات على المستوى الثقافي والاجتماعي طيلة القرون الخمسة الأخيرة.
إن ما قدمه الزعفراني عن اليهود من أبحاث، يعد مخزونا علميا يحظى بالاهتمام والدرس؛ ذلك أن الرجل انكب على البحث منذ خمسة عقود من الزمن قصد بعث فكر يهودي ظل حبيسا لسنوات طوال، ومن خلاله حاول إثبات هوية يهودية، انطلاقا من كتابات خلفها يهود أسلاف، سواء تعلق الأمر بالتربية أو القانون أو الإبداع الشعري أو التفسير التلمودي أو النثر الفني أو الكتابات الصوفية والسحرية؛ فقد شمل مجمل هذه الكتابات معلومات قيمة يجتمع فيها التاريخي بالاجتماعي والديني بالفكري، علما أن هذه القيم لا تنفصل في شموليتها عن المحيط العام الذي نشأت فيه، ونقصد بذلك الأندلس والمغرب؛ فالعلاقات التي كانت تربط اليهود بالمسلمين في هذا المحيط علاقات متينة بلغت مستوى الحوار والتلاقي، تجلى ذلك في الآداب الشفوية باللهجات المحلية، سواء منها اليهودية الأمازيغية، أو اليهودية العربية، أو اليهودية الأندلسية، زد على ذلك الأساطير والحكايات الشعبية وتقديس الأولياء.
ومن خلال هذه المسيرة العلمية التي خلدها حاييم فقد ظَلَّ بعيدا في كتاباته عن كل تأويل إيديولوجي مُغْرِض، وظلّ متصلا فقط بفهم مختلف أشكال المعرفة اليهودية، وَفِيّا لقناعاته بضرورة عدم التخلي عما علَّمَهُ إياه التاريخ، وقد قال في كتابه المعنوَن بـ ”يهود الأندلس والمغرب”، “لا بد من أن نحاول النظر إلى الأشياء من الداخل، وأن نتجاوز حَواجِزَ الغَيرِيَّة، وأن نحتفظ دوماً بالمسافة الكافية التي تسمح لنا بالنظر والفهم. إنّ الذي يحقق المستقبل الأفضلَ والأحسنَ هو الذي يترك جذوره تمتد عميقاً في الماضي". الأمر الذي ينص عليه الدستور المغربي الذي يُجزم بأن الثقافة اليهودية جزء من الثقافة المغربية ورافد من روافدها البهية.
لقد خلّف حاييم خزانة ثرية حول تاريخ اليهودية بالمغرب وفي الدول الاسلامية. والامر يتعلق بمؤلفات مرجعية تتناول تاريخ اليهود بالمغرب على المستويات التاريخية والسوسيولوجية والاقتصادية وأيضا القانونية، فقد اهتم فضلا عن ذلك بالروافد العبرية في الثقافة المغربية وأولى اهتماما كبيرا للثرات اليهودي في مختلف تجلياته وتعبيراته.
إضافة إلى أنه اعتمد في تأليف العديد من الكتب والمقالات على كم هائل من المصادر والأرشيف وجميع أنواع الوثائق، خاصة باللغة العبرية، وأصبحت منشوراته المستندة إلى منهج علمي صارم منذ صدورها أحد أهم المراجع بالنسبة لكل الباحثين المهتمين في مختلف أنحاء العالم باليهود المغاربة.
والجدير بالذكر أيضا، أن حاييم زعفراني أشرف على تدريس وتكوين أساتذة مغاربة متخصصين في الدراسات الشرقية خاصة اللغة العبرية وهم من أهم الاساتذة والباحثين في الجامعات المغربية إلى يومنا هذا، وقد كان لهم الفضل في تدريسنا بمنهج وأسلوب حاييم الزعفراني، وكذلك إسهامهم في تدريس اللغة العبرية وتعميق البحث في الثقافة اليهودية، ونأمل أن نرى المزيد من الاهتمام من الجامعات المغربية في هذا المجال وإحداث شُعب ومراكز لتدريس اللغات الشرقية وتعميق البحث فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24