الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احزان الشعراء...حقيقية أم مفتعلة؟

محمد حمد

2023 / 2 / 21
الادب والفن


(يا ساقيّ أخمرٌ في كؤوسِكما - امْ في كؤوسِكما همٌ وتسهيدُ)


دأب الشعراء، منذ القدم، على إحاطة قصائدهم بهالة من الحزن والأسى والشكوى والتذمر.حتى وان لم يكن للحزن علاقة مباشرة أو تجربة معاشة في حياتهم اليومية. وفي اغلب الحالات تجد أن الشاعر تواق إلى طرح نفسه وكأنه "ضحية" مجنى عليها من قبل جهة أو طرف ما. نظام سياسي. حبيبة. قبيلة. اصدقاء . اقدار أو عواذل وحساد. هؤلاء هم خصوم الشاعر وأسباب أحزانه واتراحه. واذا لم يجد الشاعر في حياته ما يستوجب الحزن عليه تراه يعمد إلى اختلاق قصة أو موضوع موشّح بالحزن واللوعة. والهدف من ذلك هو أن يضع نفسه موضع "الضحية" وان نذرف عليه الدموع. وان يكون مركز اهتمام القاريء. وكلها محاولات ناعمة لكسب أو لاستجداء مشاعر وعواطف المتلقي. والعزف "شعريا" على الاوتار الحساسة للكثير من البسطاء. ومعلوم أن الناس منذ الازل كانت وما زالت تتعاطف مع الضحايا. خصوصا ضحايا الحب والغرام والعشاق المنكوبين.
ولكن المثير للفضول هو أن الكثير من الشعراء الشباب. وبلا تجارب حياتية ذات اهمية تذكر ينسجون قصائدا مشحونة بالحزن والشقاء والألم من اولها الى آخرها. إلى درجة تجعلك تشعر بكمية الزيف والكذب والافتعال طاغية على كل بيت أو جملة. فهل الحزن بات يجري في عروقنا نحن الشعراء؟ ام اننا بحاجة ماسّة إلى الدعم المعنوي والمؤاساة والتضامن؟
يقول التاريخ أن غالبية الشعراء المشهورين، من العصر الجاهلي إلى يومنا هذا، عاشوا في قصور الملوك والخلفاء والنبلاء والأمراء والحكام. ومعظمهم تمتّع بحياة رغيدة يحسد عليها. واذا كان للحزن اثر في حياة بعضهم فهو مجرد استثناء وليس قاعدة.
ما دفعني إلى الخوض في هذا الموضوع الشائك هو امريء القيس. فهذا الشاعر كما يعرف الجميع كان ملكا وابن ملوك ومن قبيلة كان لها نفوذ واسع وسيطرة على الفبائل الاخرى. وحياة هذا الشاعر كما هو معروف عنه لا تنقصها السلطة ولا الجاه. ولا المال ولا النساء والخمر واللهو. بدليل أنه تلقى خبر مقتل إبيه وهو في حانة مع نديم له. وقال في تلك اللحظة قوله المشهور " اليوم خمرُ وغدا امرُ".
كما أنه تمتع في حياته أكثر من أي شاعر آخر. ومع ذلك نراه يقول " وليل كموج البحر ارخى سدوله - عليّ بأنواع الهموم ليبتلِ) . ولا ادري ما هي "انواع الهموم " التي يشير إليها امريء القيس بن حُجر في معلقته الشهيرة؟
وحتى في حالة المتنبي، وهو شاعر عظيم بلا شك، لم يكن الحزن الطاغي على بعض قصائده الا تعبيرا عن واقع "قاسي" لم يعشه بالضرورة بشكل مباشر. فالمتنبي عاش وكتب اجمل قصائده في قصور الامراء والنبلاء اصحاب الجاه. من أمثال سيف الدولة الحمداني. فمن أين جاءه كل هذا الحزن؟
ولكن الرغبة لدى الكثير من الشعراء بان يكونوا في مركز اهتمام القاريء هي التي تدفعهم، في اغلب الاحيان، الى المبالغة في التعبير وتضخيم حجم الالم والحزن .
لا ينكر أن اللغة العربية، ابتداء من القرآن والأحاديث النبوية والشعر الجاهلي، تحتوي على إمكانيات واسعة للمبالغة وتضخيم الأمور. بطبيعة الحال هذا ليس عيبا أو نقصا في اللغة بحدّ ذاتها. ولكنه استغلّ بشكل "مبالغ" فيه من فبل الشعراء. والشاعر، تقريبا دون استثناءات، هو نرجسي بطبعه. هدفه الأول هو أن يكون في الطليعة، في دائرة الضوء. وهذا الهدف يدفعه الى الخوض في المآسي والأحزان والعذابات، لانه الطريق السالك للوصول إلى قلب القاريء أو المتلقي. طبعا هذا لا ينكر أن الكثير من الشعراء جرت علبهم ويلات ومصائب وآلام. سجنوا وعذبوا وشردوا من ديارهم واوطانهم. لكن يبقى حجم الحزن المعبّر عنه في القصائد، لدى الغالبية العظمى، لا يعدو كونه أكثر من مبالغة تهدف إلى كسب القاريء الذي يجد نفسه، في حالات معينة، موضوع القصيدة وصاحب أحزانها الدامعة !
اما فيما يتعلّق بالشعر والاغاني الشعبية فالحديث فعلا ذو شجون. بكاء وعويل وآلام واسى في كل كلمة ونغمة وحركة يد ونظرة عين. نحن شعوب بلا افراح....تقريبا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?