الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة السويس ( من بحث الدكتور كريم عبد العزيز غازي المقدم لقسم العلوم السياسية بجامعة ستافورد شاير البريطانية )

سمير الأمير

2023 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


أزمة السويس*
بقلم / د كريم عبد العزيز غازى
ترجمة / سمير الأمير



كانت أزمة السويس عام 1956 في منتصف القرن العشرين لحظة فاصلة فى العلاقات الدولية ونقطة تحول في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. بدأت الأزمة في 26 يوليو 1956 عندما أمم الرئيس المصرى جمال عبد الناصر شركة قناة السويس التي كانت هيئة مملوكة للأجانب تدير الممر المائي الضيق الذى يمر عبر الأراضي المصرية والذى كان حيويا للتجارة الدولية.
بعد عدة أشهر، بالتحديد في أكتوبر1956، هاجمت بريطانيا وفرنسا (بالتواطؤ مع إسرائيل) مصر في محاولة لاستعادة السيطرة على القناة وإسقاط عبد الناصر(1)
و في مواجهة الإدانة الدولية القوية لا سيما من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، أجبرت الثلاث دول الغازية على الانسحاب دون استعادة السيطرة علي القناة أو إسقاط ناصر
وكانت عواقب أزمة السويس بالغة الأهمية. فمن وجهة نظر أوربية، كانت بمثابة نهاية التطلعات البريطانية والفرنسية لدور إمبراطوري في الشرق الأوسط، كما أنها كشف للأوروبيين أنهم لم يعودوا يتمتعون بالقدرة على انتهاج سياسة خارجية لا تحظى بدعم الولايات المتحدة. و عززت مواقف البعض في أوروبا الغربية من الذين فضلوا إتباع سياسات مستقلة عن الولايات المتحدة في مواجهة تخليها المتوقع عن حلفائها
أما من وجهة نظر استعمارية،فقد شجعت تلك الأزمة الدول التي تكافح لإزالة الآثار الاستعمارية الأوروبية من أراضيها وتسريع انسحاب تلك القوى الإمبريالية من مستعمراتها(2) ومن وجهة نظر القوة العظمى في الحرب الباردة، مكنت أزمة السويس الاتحاد السوفيتي من اكتساب سمعته كبطل يساعد على استقلال العالم الثالث ومكنته من شن حملته الأيديولوجية في تلك البلدان تحت ظروف مواتية بشكل أكثر من ذى قبل(3)
وباضمحلال دور بريطانيا و فرنسا فى الشرق الأوسط، نشأ فراغ في القوة سرعان ما تم ملؤه من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، واضطلع كل منهما بدورً أكثر نشاطًا وشكل بداية دخول المنطقة لما عرف بالحرب الباردة(4)
وكانت العلاقة البريطانية-المصرية في قلب الأزمة، فقبل شهر واحد فقط من تأميم القناة، كانت القوات البريطانية قد غادرت مصر بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 1954 والذى أنهى أربعة وسبعين عامًا من الاحتلال و ضمن المصالح المتبادلة بين مصر وبريطانيا
ومع ذلك وبعد أربعة أشهر فقط من انسحاب القوات البريطانية، كانت بريطانيا ومصر في حالة حرب مع بعضهما البعض، (5) كيف حدث ذلك؟ ووجدت الدولتان اللتان تفاوضتا على اتفاقية الجلاء نفسيهما في نهاية المطاف في أتون الصراع، الذي أدى بعد ذلك إلى أزمة دولية؟


وفي محاولة لتحليل هذه العلاقة وفهم تأثيرها على الأحداث، يمكننا استخدام عدد من الأساليب والمقاربات المختلفة، وإحدى هذه الأساليب هو النظر إلى دور العوامل الداخلية مقابل العوامل الخارجية في العلاقة. وهناك أسلوب أو نهج آخر وهو النظر فى العوامل طويلة الأمد والعوامل قصيرة الأمد واستخدام مصطلحات الأسباب السريعة، والأسباب والمتوسطة والعميقة.
ويمكن تجميع الأسباب المتوسطة والعميقة تحت مصطلح " التكوينية- الماهية، للدلالة على أنها كانت نتيجة لعمليات طويلة الأجل وضعت الكثير من الأسس وحددت الإطار الذي تفاعلت من خلاله العوامل الآنية و تلك السريعة التأثير، والتى يمكن أن تعزى نتائجها إلى شخصيات وأحداث معينة ويساعدنا هذا النهج على فهم العديد من التطورات والتغييرات التي حدثت في هذه العلاقة، ويمكن تحديد عدد من العوامل العميقة. على الرغم من أنه كان هناك القليل من الشعور بالمهمة الإمبريالية في بداية احتلال بريطانيا لمصر عام 1882، ولكن العلاقة
التي تطورت بين البلدين كانت بلا شك استعمارية، تميزت بعدم التكافؤ لصالح بريطانيا(6) و ظل هذا التفاوت ديناميكية ثابتة في العلاقة، على الرغم من تغير أشكالها وتطورها، من محمية كرومر كرومر المستترة، إلى محمية الحرب العالمية الأولى، إلى الإمبريالية غير الرسمية لشبه الاستقلال في عهد الملكية البرلمانية(7) وكان الدافع الأساسي لبريطانيا طوال تلك هو قناة السويس"الوريد الحيوى للإمبراطورية"(8) و كانت القناة مهمة أيضا كبوابة للهند، ولكن بعد عام 1945 مع استقلال الهند، أصبحت القناة والقاعدة العسكرية هناك نقطة ارتكاز النظام الإمبراطوري الجديد فى أفريقيا والشرق الأوسط، (9)وعامل من العوامل طويلة الأمد أيضا فى ديناميات من العلاقة كان رد فعل الحركة الوطنية المصرية على الوجود البريطاني
ومطالبتها بالانسحاب الكامل من مصر قاد الحركة في البداية حزب الوفد في سنوات ما بين الحربين، وتلا ذلك، حملة أكثر إصرارا على المطالبة بالانسحاب بعد الحرب ضمت أيضًا
عددا من القوى غير البرلمانية مثل الإخوان المسلمين، (10)، وقاد هذه الحملة ناصر
والضباط الأحرار(11) في أعقاب انقلاب عام 1952 الذي أطاح بالنظام الملكي،
هذه المواجهة المستمرة بين الإمبريالية والحركة الوطنية في فترة ما بعد الحرب أدت إلى حالة شديدة السيولة تراوحت بين سلسلة من المفاوضات المطولة الفاشلة و الأعمال العدائية المفتوحة في حملة حرب العصابات، حتى نجاح اتفاقية عام 1954 التي ضمنت إجلاء القوات البريطانية (12)وبينما بدا أن هذه الاتفاقية أدت إلى حل عديد من القضايا العميقة، إلا أنها أظهرت عوامل وسيطة جديدة كان من شأنها أن تهدد العلاقات البريطانية المصرية، واصطدمت رغبة بريطانيا فى الهيمنة المستمرة على الشرق الأوسط تحت غطاء تحالفات الحرب الباردة بدور مصر الجديد الساعى ليكون مركزا للعالم العربى على أساس عدم الانحياز(13)



أدت محاولات كل من البلدين لتأمين مصالحه مع الآخر أدت إلى محاولات متبادلة لتقويض بعضهما البعض. هذا هو السياق في الذى أصبح فيه عداء رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن لناصر عداء شخصيا (14)، وأدت إلى سلسلة من الأحداث والقرارات التي تم التعجيل به وضع كلا البلدين على طريق حرب السويس مثل سحب تمويل السد العالي في أسوان، وتأميم عبد الناصر الانتقامي لقناة السويس(15)


ومع ذلك، كان الرجلان تحت ضغط داخلى هائل. والسياسة الاستعمارية الجديدة بعد الحرب كانت ترمى لتوفير الأساس لإعادة الإعمار بعد الحرب في بريطانيا نفسها (16)
ومن أجل، التوصل إلى اتفاق مع مصر في عام 1954، كافح إيدين مع المتعصبين
الإمبرياليين في حزبه، بقيادة المبهر ونستون تشرشل، الذي كان مصمماً على منع السقوط الإمبراطوري الذي ظهر أنه يحدث في جميع أنحاء الإمبراطورية


وذلك جعل ايدن عرضة بشكل خاص للهجمات من داخل حزبه، وهو حساس بشكل خاص لأي خطوات يتخذها ناصر لتقويض النفوذ البريطاني (17)، كان على عبد الناصر عبء مواجهة الاستياء الاجتماعي والاقتصادي في مصر وضرورة تأمين انسحاب بريطاني يؤمن له البقاء السياسى داخليا ، لإدراكه بأن الانسحاب كان سبب سقوط العديد من الحكومات المصرية قبل مجيئه للسلطة(18) وعندما شنت إسرائيل غارة على قطاع غزة الخاضع للسيطرة المصرية في أوائل عام 1955 ،طالب مجلسه العسكري برد أكثر حزما وهو ما لم يستطع ناصر أن يوفره من خلال التعاون مع الغرب(19)

وقد تسبب ذلك فى اتخاذ مصر خطوة الدراماتيكية تمثلت فى التوصل إلى صفقة أسلحة مع الاتحاد السوفيتي مما أتاح للاتحاد السوفيتى موطئ قدم كبير في المنطقة لأول مرة. فحتى ذلك الحين، كانت الولايات المتحدة قد منعت النفوذ السوفيتي في المنطقة من خلال سياسة الاحتواء، التي سعت بعد ذلك إلى تقويتها من خلال سلسلة من التحالفات العسكرية و كان من المأمول أن تكون مصر محورا ومر تكزا لهذه السياسة (20) لكن الولايات المتحدة أدركت أنه منذ الحرب فقدت الإمبريالية البريطانية مصداقيتها وخاطرت بتجاهل القوى الوطنية الناشئة في الشرق الأوسط، (21) لذلك سعت الولايات المتحدة للتوسط في
الخلاف البريطاني-مصري على الانسحاب على تأمين تعاون المصرى معها في الحرب الباردة. تم ضمان الانسحاب، ولكن الشروط الأمريكية على المساعدات
لمصر كانت غير مقبولة من قبل جمال عبد الناصر ومن تلك النقطة فصاعدًا، سعت الولايات المتحدة أيضًا لتقويض ناصر، ليس بالقوة، ولكن بشكل حاسم(22)

تميل الكتابات حول هذا الموضوع إلى دراسة الأزمة وخلفيتها من وجهة نظر
محددة إما من المنظور الأوروبي (خاصة البريطاني)لانحدار المنحى الاستعمارى، و إنهاء الاستعمار، فى ظل تنافس القوى العظمى في الشرق الأوسط أو من منظور الصراع العربى الإسرائيلي. حيث ربما تكون هذه الرسالة مختلفة في اعتمادها على مراجعة
النصوص المصرية المكتوبة فى الموضوع ومحاولة إبراز المنظور المصري حتى نصل للازمة خاصة هدف عبد الناصر كوطني ومكانته في الآونة الأخيرة فى الحركة القومية المصرية خلال تبني نهج يركز على العلاقات البريطانية المصرية عبرالنظر في العوامل الداخلية / الخارجية والآنية والقصيرة والطويلة المدى وكيفية ذلك يتم وضع هذه العوامل في سياق الحرب الدولية الباردة الدائم التغير، و يفحص جوهر خلفية العلاقة الأساسية للأزمة من المنظور طويل الأمد الذى يحدد استمرارية التغييرات التي تشكل دوافع كل من الجهتين الأساسيتين
كل هذه العوامل المختلفة ساهمت بدرجات متفاوتة وكان هناك في كثير من الأوقات تفاعلات معقدة بينها، ومع ذلك فإن السياق المنهجي الذي حدثت فيه هو أيضًا بالغ الأهمية. إن التغير فى العلاقات البريطانية-مصرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى أزمة السويس
لا يمكن مناقشته بمعزل عن التغييرات الجارية في المشهد الدولي الذي شهد التراجع النسبي في قوة ومكانة بريطانيا على المستوى الدولى وظهور التنافس بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي. بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى التى كانت موجودة منذ عقود. كان الاختلاف يكمن أنه في عالم ما بعد عام 1945، وجدنا أن طبيعة النظام الدولي، الذى كانت تهيمن عليه بريطانيا قد تغيرت، وكافحت بريطانيا لكى تكيف نفسها مع هذا النسق العالمى الجديد، وهذا شكل اختلافا كبيرا لاسيما أن مصر تحت قيادة ناصر استطاعت أن تقرأ وتفسر هذه التغيرات جيدا، الأمر الذى ساعد فى حسم نتائج أزمة السويس لصالح جمال عبد الناصر، لقد توقع عبد الناصر ما قاله دين أكسون فيما بعد سنة 1962 " لقد فقدت بريطانيا إمبراطورية، ولم تجد لنفسه دورا بعد "(23)










مراجع المقدمة

1 Calvocoressi, P. (2009): World Politics since 1945. Ninth Edition. Pearson Longman:UK. pp. 330-334.
2 Keylor, W.R. (2010): The Twentieth-Century World and Beyond: An International History Since 1900. Fifth
edition, Oxford University Press: Oxford. pp. 278.
3 Ibid.
4 Best, A., Hanhimaki, J.M., Maiolo, J.A. And Schulze, K.E. (2008): International History of the Twentieth
Century and Beyond. Second edition. Routledge: New York. pp. 450.
5 Calvocoressi, P. (2009): World Politics since 1945. Ninth Edition. Pearson Longman:UK. pp. 324-326
6 Mansfield, P. (1971): The British in Egypt. Weidenfield and Nicolson: UK. pp.xi.
7 Thornhill, M.T. (2006): Road to Suez: The Battle of the Canal Zone. Sutton Publishing: UK. pp. 10-11.
8 Ibid. pp. 3.
9 Ibid.
10 Mansfield, P. (1971): The British in Egypt. Weidenfield and Nicolson: UK. pp.283.
11 Ibid. pp.307-308.
12 Stephens, R. (1973): Nasser: A Political Biography. Pelican Books: UK. pp. 132.
13 Ibid. pp. 146-148.

14 Ibid. pp. 179.
15 Ibid. pp. 193-195.
16 Thornhill, M.T. (2006): Road to Suez: The Battle of the Canal Zone. Sutton Publishing: UK. pp. 19.
17 Ibid. pp. 156.
18 Stephens, R. (1973): Nasser: A Political Biography. Pelican Books: UK. pp. 135.
19 Ibid. pp. 142-143.
20 Gardner, L.C. (2011): The Road to Tahrir Square: Egypt and the United States from the Rise of Nasser to theFall of Mubarak. The New York Press: New York. pp.38.
21
Ibid. pp.7.
22 Ibid. pp.70

23 Brinkley, D. (1990): Dean Acheson and the Special Relationship . The Historical
Journal33 (3). pp. 599-608..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي