الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالاته المقبلة .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


" إن الشروط الموضوعية للتغيير وكيفما كان اصلاحيا يمس اختصاصات الملك ، او ثوريا يهدف الدولة الديمقراطية ، قائمة ومتعمقة اليوم ، وما ينقصها غير نداء ودعوة النزول الى الشارع ، للدفاع عن القوت اليومي للشعب الذي اضحى يئن تحت آفة الجوع ، والأمراض ، والدكتاتورية ، وتغول البوليس السياسي في كل كبيرة وصغيرة . إن الجماهير عبرت بالملموس عن طموحها في التغيير الديمقراطي والدولة الديمقراطية ، وهي مستعدة للتضحية والاستشهاد في سبيله .. ان النظام لن يستطع اطلاق رصاصة واحدة عند نزول الشعب الى الشارع ، لان رقابة مجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، والاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، والمحكمة الجنائية الدولية ، له بالمرصاد . وقد زادت عزلته الدولية بفضيحة Moroccan gate ، و Pegasus gate ، التي سيكون لها ما لها من سلبيات على ملف نزاع الصحراء الغربية "
1 ) محددات المرحلة السياسية : ( يتبع )
ان الازمة القائمة اليوم في المغرب ، وفي ظل ( قيادة ) محمد السادس ، هي اكبر ازمة يعرفها المغرب في تاريخ الازمات السابقة التي تم تفسيرها " بالسكتة القلبية " التي كانت تمويها لاستدراج المعارضة البرجوازية للدخول الى حكومة الملك ، لإشراكها في جزء من نصيب سبب الازمة المستفحلة .
اذا كان من الواضح والمؤكد ان لهذه الازمة طابعها الظرفي الخاص ، فان استحضار محدداتها المرحلية ، واساسا ابراز عمقها الثابت ، واسبابها الهيكلية ، لهو امر ضروري لتلافي التحاليل الجزئية ، والخلاصات المبتورة .
ان تسلط اقلية لفوف الاقطاع والرأسماليين السماسرة ، على مقاليد الحكم عشية الاستقلال الشكلي Aix les Bains ، كورثة للاستعمار ووكلاء عنه ، جاء ليجهض المسيرة النضالية التي خاضتها الجماهير الشعبية العريضة ضد الاستعمار المباشر ، من اجل فرض طموحها في الاستقلال والعيش في كرامة وحرية ، هي الآن مفقودة بالمرة مع محمد السادس .
ورغم محولة النظام البطريركي ، البتريمونيالي ، الرعوي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي المفترس والمفقر للشعب ، إضفاء طابع الشرعية على هذا الواقع الذي سرق الدولة ، سواء ب ( التناوب السياسي ) ، او بقوة القهر والقمع ، فانه لم يتمكن في الحقيقة الاّ من اجترار الوضع المتأزم والمرفوض اطلاقا ، واطالته زمنيا ، معمقا في نفس الوقت التناقض الأساسي الذي تتواجد فيه أوسع الجماهير الشعبية ، مع حفنة من المتسلطين المستغلين السماسرة ، ومنقلا به الى مستويات اكثر حدة وشدة . وقد شكلت اللعبة الانتخابوية ، الى جانب القمع المنهجي الدائم ، الاطار المستمر لمحاولة التنفيس عن هذا التناقض ، بتمييع الصراع ، ومحاولة تحريفه عن جوهره الحقيقي الذي هو الدولة الديمقراطية ، أي فرض سيادة الشعب وتحكمه في مصيره . وقد استفاد النظام الرعوي البطريركي ، البتريمونيالي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي ، المفترس لثروة المغاربة الذين زادوا فقرا في عهد محمد السادس ، من عملية الإجهاض التي كانت القوى التقدمية تكسر بها نضالات وتطور هذه الحركة ، سواء بمغامراتها الفوقية ، او بتذبذباتها ومناورتها الغامضة أحيانا ، وخيانتها الواضحة أحيانا أخرى .
غير ان هذه الحلول الموسمية التي يلجأ اليها النظام الرعوي البطريركي باستمرار ، لفك عزلته الشعبية والدولية ، سرعان ما كانت تصطدم بالواقع الموضوعي العنيد الذي لا يحتمل لا الترقيع ولا المداورة . وهكذا ظلت الازمة السياسية بالبلاد ولا تزال ، ازمة هيكلية تنخر النظام السياسي السلطاني القائم ، كنظام وحُكْم يفتقر أيديولوجيا ، وسياسيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، لأدنى المقومات في عصرنا الحاضر ، عصر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، لان اختصاص النظام المخزني بطقوسه وتقاليده المتوارثة ، هو إعادة انتاج نظام العبودية التي لا علاقة لها بالحرية الإنسانية ، حتى يسهل عليه الافتراس ونهب ثروة الرعايا المفقرة بكل اطمئنان .
ان هذه الحقيقة الأولية لم تبق قائمة فقط ، بل زادت رسوخا ووضوحا طوال مرحلة ما سمي " بمسلسل التحرير ، الذي فشل عندما خسر النظام العلوي قضية الصحراء الغربية ، وبأجماع دولي من مجلس الامن ، الى الاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، ومحكمة العدل الاوربية ، وقبلها محكمة العدل الدولية التي أصدرت رآيها الاستشاري في 16 أكتوبر 1976 ، ينص على حل الاستفتاء لتحديد جنسية أراضي الصحراء المتنازع عليها ، و " مسلسل الديمقراطية " الذي ركز الحكم في شخص الملك دون غير. أي أنا الدولة والدولة أنا . فالانتخابات هي انتخابات الملك ، والبرلمان برلمانه ، والحكومة حكومته تشتغل لتنزيل برنامج الملك الذي لم يشارك في الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد ، رغم طول هذا المسلسل " مسلسل التحرير والديمقراطية " ، واستمراريته الملفقة . وان المسألة الأساسية التي أعطت لهذه المرحلة خصوصيتها وتعقيداتها في آن واحد ، هو نزاع الصحراء الغربية ، الذي تعرض للتشويهات عندما انتهى باعتراف محمد السادس بدولة الجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في 31 يناير 2017 ، واصدر ظهيرا ( شريفا ) وقعه بخط يده بهذا الاعتراف الذي نشره بالجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد 6539 ، ثم ما ترتب عن هذا المسلسل من " اجماع مزيف " ، لم يكن في الحقيقة سوى غطاء لذيلية الأحزاب البرجوازية ، وقياداتها المتآمرة ، والمتخاذلة ، وانجرارها وراء النظام العلوي البطريركي ، البتريمونيالي ، والرعوي .. .
فاستغلال هذه المسألة من موقع التحكم والمبادرة ، مكن النظام والطبقة السائدة المرتبط به ، من تجاوز تناقضاتها الداخلية مؤقتا ، وسمح للنظام باسترجاع مصداقيته التي اصبح مطعونا فيها من قبل الامبريالية ، خاصة مع الأدوار الخيانية الخطيرة التي تصدى لها الحكم ولا يزال ، بخصوص القضية الفلسطينية عندما ابرم اتفاقيات خيانية بوليسية وعسكرية مع الدولة الإسرائيلية . وقد عزز النظام تحكمه في الساحة الداخلية ، بالتعديل الممسوخ لدستور الملك الممنوح في سنة 2011 ، الذي كان بدوره مجالا لتكريس الانحراف والعمالة من قبل اشباه اليسار الذين اندمجوا في مسلسل النظام ، لتزيين وجهه البشع في ميدان حقوق الانسان ، وفي ميدان الديمقراطية ، وباستعدادهم للمشاركة كموظفين سامين برتبة وزراء في حكومة الملك ، لا حكومة الشعب .
ان القمع المنهجي والاغتيالات ( حسن الطاهري .. شباب الحسيمة المحروقين ... الخ ) ، وخنق الحريات الجماهيرية ، والنقابية ، والديمقراطية ، كانت ولا تزال هي التجسيد اليومي لمحمد السادس ، باسم التجسيد اليومي " لانفتاح النظام " المنغلق حول ذاته .
غير ان مكاسب النظام الطقوسي هذه ، لم تكن وما كان لها ان تكون من القوة لكي تصمد وتستمر ، لولا احتكار الإصلاح المغامر ، للتعبير السياسي والتنظيمي لجزء من قواعد النيو يسار ، الذي اصبح يؤمن بالدولة المخزنية ، ويتوق للاشتغال ضمن مؤسساتها التي هي مؤسسات الملك . ومع ذلك بقيت هذه المكاسب مهزوزة وخاضعة للأخذ والرد باستمرار ، لعدة عوامل منها أساسا :
ا – ان ما سمي" ب ( الانفتاح ) السياسي ، لم يكن في الحقيقة سوى انفتاح النخبة الخائنة على نفسها ، وعلى بعضها البعض . والاقطاب المفترضة للقيادات الانتهازية ، لا يمثلون داخل ( الاجماع ) سوى انفسهم ومصالحهم الفئوية ( نبيلة منيب ) ، بل انهم ممثلي هذا ( الاجماع ) المتسلط الذي ميّع حركة النضال الديمقراطي الحقيقي ، وجعل الساحة الوطنية بارتمائهم في حضن النظام المخزني ، فارغة يملئها النظام البطريركي المفترس وحده دون غيره .
ان ( الانفتاح ) المصنوع ، وفي ظل حالة استثناء مفروضة وغير معلن عنها ، كان بالضرورة انتقائيا لا يتوجه الاّ لمن استعد للعمل في دائرة التزكية اللاّمشرطة لاستراتيجية النظام وخططه المفضوحة ، مقابل الانفتاح المصلحي الضيق ، والحالة هذه ، فانه لم يكن ليعود باي فائدة ملموسة لصالح الجماهير التي تئن من الجوع ، ومن الامراض المختلفة ، لا على مستوى الاقتصادي ، ولا على المستوى السياسي .
ب – ظل ( الاجماع ) الافتراضي تبعا لذلك ، قائما على أرضية اقتصادية اجتماعية متفجرة . فالواقع الاقتصادي الاجتماعي لم يشهد مع محمد السادس ايّ تطور إيجابي ، من شأنه ان يدعم التحالف النخبوي الفوقي ، بل على العكس من ذك استمر في التدهور والتأزم ، منعكسا على الجماهير الشعبية بالمزيد من القهر ، والتجويع ، والفقر ، والتفقير ، مقابل تضخم ثروة الملك ، وثروة اسرته ، وعائلته أ وأصدقائه ، وأصدقاء الأصدقاء ، والمقربين .. الخ ، بشكل فاحش في غضون عشرين سنة الماضية ، حيث تحول محمد السادس من ( ملك الفقراء ) ، الى اغنى حاكم في العالم .
ج – رغم غياب المعارضة البرجوازية التي كانت تحرك الشارع ، كسنة 1981 ، و 1984 ، وقبلهما انتفاضة 1965 ، لم يتوقف المد النضالي الجماهيري المغربي عن التطور والتصاعد ، رغم القمع البوليسي الفاشي ، وتواطئ أحزاب النيو مخزن التي أصبحت من المتلاشيات ومن الاطلال . بل ان هذا المد تمكن من فرض نفسه في ساحة النضال الشعبي ، او فيما يخص توسيع رقعة النشاط الثقافي والجمعوي الهادف ، وتطوير تعابيره واساليبه ، او على المستوى السياسي الذي اصبح فارضا نفسه في الساحة ..
واذا كان نظام محمد السادس قد تمكن بفضل تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 الانقلابية ، قد تمكن من إطالة ما يسمى افتراضا ب ( الانفتاح ) ، او ( الاجماع ) ، بفضل العصا ، وبفضل حقنات المساعدات الخارجية ، وتواطئ طابوره الخامس الذي تحول من المعارضة الى ضدها ، بالتزكية وبالتطبيل لإنجازات غير مجودة لملك غائب خارج المغرب منذ توليه ( الحكم ) ، فان الواقع الموضوعي بفعل ازمة الجوع التي اضحى المغاربة يشتكون منها ، كان أعند وأقوى ، وهذا ما جسدته الاحتجاجات الجماهيرية التي انتقلت الى الأطراف ، والى القرى والمداشر الصغيرة .. ومن خلال تحليل المعطيات المتراكمة ، فالتغيير سيكون بابه الصحراء التي خسرها النظام ، وتنتظر حل تيمور الشرقية الذي سينتهي باستقلال الصحراء عن الدول المخزنية .. في غضون سنتين او اقل .. واذا ذهبت الصحراء ، ستكون حتمية سقوط النظام ، وسقوط الدولة العلوية التي كان سيسقطها الجيش في 16 غشت 1972 ، وفي انقلاب الضباط الوطنيين الاحرار في 9 يوليوز 1971 ..
( تابع ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلى أين سيقود ستارمر بريطانيا؟ | المسائية


.. غزة .. هل اجتمعت الظروف و-الضغوط- لوقف إطلاق النار؟ • فرانس




.. تركيا وسوريا.. مساعي التقارب| #التاسعة


.. الانتخابات الإيرانية.. تمديد موعد التصويت مرتين في جولة الإ




.. جهود التهدئة في غزة.. ترقب بشأن فرص التوصل لاتفاق | #غرفة_ال