الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في قصّة -الرّحلة القصيّة في طلب الكُنافة النابُلسيّة- للدكتور سمير كتاني

أحمد كامل ناصر

2023 / 2 / 23
الادب والفن


رغم ما تميزت به كتابة القصة القصيرة المحليّة من محدوديّة وضمور، ورغم غياب شبه كليّ للمجموعات القصصّية المنشورة في بلادنا، إذ لم تظهر إلا في أعمدة بعض الصحف والمجلات أو وسائل الاتصال الاجتماعيّة كالفيسبوك، والتويتر، والانستجرام وغيرها؛ فإنّ المساهمة الأدبيّة في الكتابة القصصيّة على الأغلب، كانت شحيحة وضئيلة وتتسم بالمحدوديّة والانحسار سواء على مستوى أسماء كتاب القصّة المحليين أو على مستوى الإنتاج الأدبيّ الذي أصدره هؤلاء الكتّاب، وتميّز غالبًا، بالاتجاه الواقعيّ والتعبير عن الواقع الاجتماعيّ المعيش.
في هذه القراءة، سنحاول الوقوف على تصور عامّ لطبيعة الكتابة القصصيّة المحليّة من خلال بعض التقنيات اللغوية والأسلوبية تكشفت في كتاب "أناس وأجناس: مجموعة قصصّية ساخرة". للدكتور سمير كتاني. وهنا، نعتقد أنّ لا بدّ للناقد الأدبيّ من منهج ينطلق منه مزودًا بقيم ومعايير ألفها ودرج على استخدامها ولا يستطيع التخلي عنها، لا لجمود فيه أو انغلاق في نظريته، بل لأنّه يعجز أن يطوّر كل يوم قيمًا جديدة تعتمد العمق النفسيّ والفكريّ لهذا اللون الأدبيّ. ومن هذا المنطلق، رأينا ألاّ نخوض في مغامرة نقديّة شاملة لهذه المجموعة القصصيّة قد لا تعطي هذا العمل قيمته الأدبيّة واكتفيتا بالتعليق على قصّة "الرّحلة القصيّة في طلب الكُنافة النابُلسيّة". وإن اقتصر وقوفنا على قصّة واحدة من الكتاب؛ فإننا نرى فيها تمثيلاً مقبولا ونموذجًا جيدًا يبرز الاتجاه الأدبيّ الذي انحاز اليه الكاتب بخاصّة.
قصة "الرحلة القصيّة في طلب الكُنافة النابُلسيّة" هي أولى المجموعة القصصيّة التي تصدّرت كتاب "أناس وأجناس" وهي قصّة تسرد أحداث رحلة سوريالية شبيهة بالشطحات الصوفيّة تتخذ مدينة نابلس مسرحًا لأحداثها التي تتقاطع، تتكامل وتتحاور مع شخصيّة الراوي السارد العليم بكل شيء. ومع توازي المحكيّ التخيليّ يشكّل الكاتب البنية العامّة للقصّة، هذا التوازي يتلامس حينًا ويتقاطع حينًا آخر ليؤسس حركة جدليّة تحررت من النمطيّة وشهدت تحوّلاً جديدًا ينسج عالم القصّة المتخيّل بعلاقات واهية وهميّة بين الشخصيات المجهولة المتحركة في فضاء أحداثها.
ولعلّه من غريب الأمر أن يجعل الكاتب قطعة الكنافة النابلسيّة محورًا لبناء قصته القصيّة، منطلقًا باتجاه الماضي عبر الذاكرة ليستحضر كل ما يمكن استحضاره من الأحداث والأمكنة والعلاقات مع الآخرين التي هي امتداد لذاكرة المكان - مدينة نابلس- وربما تسوقه قدماه اثناء تجواله في أزقة البلدة القديمة حيث محل " حلويات الشرق" الذي أفقده توازنه النفسيّ وخيّم على عقله وطغى على ذاكرته. ومن المفارقة الساخرة أنه يجهل قِبلة "حلويات الشرق" في الوقت الذي عرف مكانه الكثيرون، ولا ندري ما السبب الحقيقي لاختياره الكنافة النابلسيّة بالذات مع أنّ قرانا ومدننا العربيّة في الداخل لا تخلو من محلات الحلويات التي تتزيّن بأنواع مختلفة من الكنافة وفي نفس المسمّيات والمستويات.
يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، وأنّ الكاتب يعتقد أو لنقل: ما زال يتوهم، أنّ قطعة الكنافة النابلسيّة اللذيذة في طعمها والمذهلة في شكلها ولونها تعكس ثقافة المكان والزمان المعيش، فالكنافة المتخيّلة لا شكّ، من وجهة نظره، مرهونة بجماليّة المكان وحضوره، وربما حضارة الانسان وثقافته... لكنّه ما يلبث أن يصطدم بواقع مؤلم جعله يراجع موقفه كلّه ويعيد ترتيب أفكاره من جديد. إنّ هذا التغيير الذي طرأ على المكان، كان له وقع شديد في نفس الراوي؛ فصدمه الواقع الذي لم يكن يتخيله، فاستدار يفتش عن أشياء تاهت عنه ... وأنّ قراءة متأنّية لأحداث القصّة تكشف لنا هذا التصوّر وتلخص الصراع الذي يعتمل داخل شخصيّة الكاتب /الراوي "العالم بكل شيء".
تتداعى أحداث القصّة، بحيث تتداخل في النصّ عناصر سرديّة يقف على رأسها راوٍ يشاهد الاحداث ويشارك فيها مشاركة فعّالة؛ فيغرق الراوي/ البطل في الواقع المعيش، مسهبًا في عرض ظاهرة التلوّث البيئيّ المنتشرة في مدينة نابلس (روائح كريهة تصدر من اللحوم ورؤوس الخراف المعلقة في دكاكين الأزقة والشوارع، ومياه الصرف الصحي الجارية في الطرقات). وهي ظاهرة لها أسبابها، لعلّ من أهمها الفقر والجهل. وقد يعود ذلك إلى انحسار في عمل السلطات المحليّة التي لا تهتمّ بتطوير البنية التحتيّة والبيئة المدنيّة في المدينة وحاراتها التي ما فتئت تحتاج إلى رعاية اجتماعيّة وثقافيّة واقتصاديّة. وبالاعتماد على السياق الذي تروى فيه احداث القصّة، يبدو انّ الكاتب هدف إلى ابراز البعد السلطويّ للحكم المحليّ الذي يرسّخ التخلّف، والإهمال، والعجز، والتردي. فتظهر مدينة نابلس بحلّتها الجديدة القديمة، ويقف محل "حلويات الشرق" بأجوائه المذهلة شامخًا ليأخذ حيّزًا كبيرًا ومساحة واسعة من أحداث القصّة متمثلاً بالشخصيّات النمطيّة التي تُقَدَّم بشكل كاريكاتوري- هزليّ... كلّ هذه المشاهد تدفع الكاتب الى اتخاذ موقف من هذه الظواهر الغريبة ومن هذه الصور واللقطات إذ عهدناها في المجتمعات العربيّة التقليديّة التي لا زالت تتصوّر أنّها من طبائع الأمور. وما جاء حوار الكاتب مع صديقه في نهاية الأحداث إلا دلالة رمزيّة مراوغة ليوهم نفسه أنه يسير في الطريق السليم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ القصّة فيها من التشويق وجماليّة اللّغة وبساطة الأسلوب ما يضفي عليها جماليّة فنيّة متميّزة. وأنّ الكاتب استطاع في هذه القصّة السردية النقدية أن يعكس الواقع الاجتماعي الذي تعيشه مدينة نابلس بكل تفاصيله وأسراره وخفاياه. ولعلّ الكتابة القصصية لدى كتاني قد شهدت تطوّرا وتحوّلا على مستوى الثيمات والتناول، وهو تطوّر يحيل على مدى قدرة الكاتب على توظيف الإمكانيات الفنيّة والمعرفيّة والجماليّة التي ينفتح عليها النصّ القصصي الواعي بذاته والذي يغني المشهد الإبداعيّ المحلّي من حيث خصوصيّة النصّ القصصّي ونوعيّته، ومن حيث المساهمة في تطوير أسئلة القراءة وأسئلة النقد الأدبيّ.
هكذا ننتهي إلى القول: بأنّ في زخم الإنتاج القصصيّ المحلّي الذي نشهده اليوم سواء، على صفحات الفيسبوك أو في بعض الإصدارات الورقيّة المنشورة، أستطاع الكاتب سمير كتاني أن يحقق مساحة واسعة من الكتابة القصصيّة الناجحة، كواحد من مجالات ابداعه، ما يؤهله أن يحتل مكانة بارزة بين كتاب القصة المحليّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص