الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية -أمس-

رياض ممدوح جمال

2023 / 2 / 24
الادب والفن


تأليف: كولن كامبيل كليمنتس
ترجمة: رياض ممدوح جمال

الشخصيات:
سيدة معتدة بنفسها.
ضابط بريطاني متقاعد من الجيش البريطاني في الهند.

(زاوية منعزلة في صالة رقص داخل بيت في لندن. الزاوية مخفية تقريبا بأشجار النخيل وفيها أريكة طويلة مليئة بالوسائد الملونة. إن هذه الزاوية موضع لمن يريد الاختلاء بالأحبة من الشباب. كيف جاءت سيدة تجاوزت الستون بهذه الزاوية، انه أمر لا يمكن فهمه. ولكنها هي هنا على أي حال، قد دخلت من باب خلفي وتجلس في هذه الزاوية عندما ترفع الستارة، يدخل ضابط بريطاني).

هي: (متكـئة إلى الوراء وغـارقة بالوسائـد ومغمضة العينيين) أوه، يا عزيزي! كـم تغيرت الأشياء! (تفكـر بالتسريحات السخـيفـة للصبايـا، وملابسهـم الـمضحكـة، وطـريقـتهـم الشنيعة وغـير المعقولة في الرقص) كـم تغيرت الأشيـاء! لا يمكـنني أن اصدق ذلك مستحيـل. (رجـل محترم كـبيـر السن أنيق جـداً بزيه الرسمي يصل عـند الأريكة ويتعثر).
هو: انه الخراب.. التدهور السخيف.. الغباء الذي يغزو العالم. (يـرى السيـدة) أوه، استميحـك عـذراً. استميحـك عـذراً. اعتقدت بأنني كنت لوحـدي.
هي: هل كنت تقصد الرقص بكلماتك تلك؟
هو: صحيح تماماً، صحيح تماماً. كلامي غير معقول أليس كذلك؟
هي: (رافعة حاجبيها) أنت تعني أنها غير مألوفة؟
هو: أنهـا تقـريباً الكـلمات الملائمة لهـذا الرقص. (يبدأ بالبحث عن نظارته بانفعال) تقريباً هي الكلمات المناسبة.
هي: كـلماتك هـذه ناتجـة عـن الحفـلة، أننا غـير معتادين عـلى مثل هذه الحفلات عندما كنا...
هو: كلماتي، ناتجة عن.. ناتجة عن..
هي: (هو بطيء في فهم المزاح) اعني الشابات.. الشابات.
هو: (وجـد نـظـارته ويثبتهـا عـلى عـينيه بصعـوبة) بالضبط بالضبط! نعـم، الشابات. كـلماتي تخص الشابـات الرقـص عندهم مجرد رفع الثياب لإظهار الأطراف.
هي: ألن تجلس، أيها العقيد؟
هو: (بوقاحة) جنرال. جنرال يا سيدتي.
هي: (تـرفع نظارتهـا) جـنـرال.. اغـفـر لي خطئي أوه، نعـم نحـن كـنا نتكـلم عـن الرقص. أتـرى أن العالـم يتغير الآن بهـذه السرعـة، وأنـا اعـتقـد أن الرقـص يجب أن يجـاري العالم.
هو: العالم هو نفسه يركض بسرعة.
هي: (تـداعب ريش مهفتهـا البيضاء، وعـندما تتكـلم الآن تقـل رعشة صوتهـا) الرقص كان مختلفاً عندما كـنا شباباً لكـننا يجب أن نكون متسامحين، نحن كبار السن الآن.
هو: (نظارته تركت أثراً عميقاً على انفه) كبار السن؟ استميحك عذراً! لسنا من كبار السن. يا سيـدة، لسنا من كبار السن حقاً. بل متوسطي العمر، ربما، نعم متوسطي العمر- ولكن لسنا من كبار السن.
هي: (تنظر للأعلى) نعم، متوسطي العمر، حقاً.
هو: (يتقـدم نحـو الأريكـة، ويجـلس عـليهـا بصعوبة، ويـفرك ركـبتيه بـحـذر. مـن وراء الـنخـيـل يـأتي صوت ضجـيـج اوركسترا "جاز" حديثة جداً). ها قد عادت تلك الموسيقى الشنيعة ثـانية، ذلك المضرب الجهنمي! إنهـا مثل الطبول الأفريقية! بل أسوأ بكثير! (يتوقف) نعـم، إن رأيك صحيح حقاً، أن الـزمن يتغير. يجب أن نتقبـل الجـديـد، وإلا نبـدو متخلفين.
هي: (تتنهد) لسوء الحظ.
هو: تمنيت (صعـود مفاجئ في الموسيقى) تمنيت، عـندما قـبلت الدعوى لحفلة الليلة، بان أجد شيء، شيئاً يذكرني بالماضي بأيام شبابي.
هي: (تنجذب لهـذا الموضوع) هـل يمكنني أن أسأل، هـل سبـق وان جئت لهذا المكان من قبل.
هو: نعم، نعم كثيراً، ومنذ زمن بعيد.
هي: ألا ترى انه لاشيء تغير فيه، أنا أيضاً اعرف هذا المكان جيداً.
هو: لا شيء قـد تغير؟ حقاً؟ حسناً. نعم، يبدو لي انه قـد تغير. ربمـا أنـا الـذي قـد تغيـر، (يبحث عـن نظارته ثانية) ربما أنا قد تغيرت.
هي: (متفاجئة) ربمـا! أنت تعـلم أن واحدنـا عـندما يكـبر فـي السن...
هو: (متفاجيء) كبيرة! سيدة كبيرة في السن؟
هي: اقصد، متوسط العمر.
هو: منذ أن كـنت في مقتبل العمر، أي كـنت لم أتجاوز العشرين بعد، كنت أتردد إلى هذا المكان وفي تلك الفترة انخرطت كـضابط في الجيش، في الخـدمة الملكية في الهـند الشرقية وكان زملائي يسمونني "ريتشارد".
هي: (متفاجأة وبصوت منخفض) ريتشارد؟
هو: (ودياً) نعم، ريتشارد.
هي: في الخدمة الملكية في الهند الشرقية؟
هو: نعم، نعم، وقـد أبليت بلاءاً حسنـاً. وخدمت المملكة في الهند واحداً وأربعين سنة، فمنذ واحد وأربعون سنة لم آتي لهـذا المكان. والآن وقد تقاعدت فعدت من الهند.
هي: واحداً وأربعين سنة.. قبل واحد وأربعين سنة؟
هو: جئت الآن لهـذا المكان، لاستعيـد ذكـريات شبابي، ورؤية الزوايـا والأركـان والـوجـوه القديمة (يتوقـف لحظة وينظر إلى السقـف) وبعض الأشخاص المقربين الذين تركتهم منذ واحـد وأربعيـن عـاماً، وبالـذات أتطلع لملاقـاة وجه واحـد بشكل خاص.
هي: إذن أنت...
هو: أوه، نعـم، إن ذلك صحيح جـداً. اعـتقـد إن كـل واحد منـا بحاجة إلى الأحـاسيس والحـب كـالأطفال. أوه، إني كـنت غارقـاً في الحب، وبجنـون. كـنت لا أستطيع أن أعيش من دونهـا كـانت جميلة وذكـية، وذات عينين زرقاوين وشعـر ذهبي...
هي: (تحرك بشكل عصبي المهفة اليدوية) وأنت.. نسيتها تماماً بعد أن سافرت؟
هو: (ينظر للأعلى وبسرعة) نعم، نعم... نسيتها تماماً. تعرفين مشاغل الخدمة في الجيش، والغربة.
هي: (وبهمس منخفض) وتزوجت واحدة غيرها؟
هو: (بانفجار) أبدا! أوه استميحك عذراً. (يهدأ ثانية) لا.. لا، لم أتزوج أبداً، في الحقيقة لم يكن لدي الوقت للزواج.
هي: و.. والشابة؟
هو: (يرفع كتفيه دلالة عدم المعرفة) ما أخشاه هو أن تكون هي الآن أماً ولها عائلة كبيرة. أوه، يا عزيزتي، الزمن يتغير ويجري بسرعة. أنا كـنت عاشقاً لها. لكن العائلة.. عائلتها، كـانت رافـضة لـزواجي مـنهـا، لـذلك قـطعـت الصلة بهـا وانـضممت إلـى الخـدمـة الـعسكـريـة ي الـهـنـد (يتـكئ إلى الخـلف ويسحب نـفساً عميقـاً) وكـنت مقتنعـاً جـداً بتصرفي ذلك.
هي: نعم؟ وأنت.. أنت الم تحاول رؤية الشابة عندما كنت تأتي إلى انكلترا؟
هو: أراها؟ أراها؟ أوه، يا عـزيزتي، لا. لأنه قـد يكـون ذلك محـرجـاً لكـلينا. (يغمض عـينيه) أتـريـن، نحـن انشغلنـا بأعمالنا في ذلك الوقت. حتى إني لم آتي مرة لأسال عنها.
هي: ولكن كيف تسافر وتتركها؟
هو: ليس هـكـذا بالضبط، دعـيني أتذكـر، أتذكـر أني كـنت قـد طلبتها للزواج.
هي: وهل رفضت؟
هو: دعيني أتذكر، هل رفضت؟ (ينقر رأسه بشرود ذهـن) هل رفضت؟ آه، الآن تذكرت! قالت بأننا يجب أن نفكر جيداً في الأمر وبعناية جداً، "بعناية جداً"! أتذكر كيف جعدت ما بين حاجبيها فوق انفها الصغير.
هي: (أعادت رأسها إلى الخلف وتحدق ببرود إليه) وهـل فكرت أنت بعناية، "بعناية جداً"؟
هو: لا على الإطلاق! أنا كـنت معـروراً تلك الأيام، مثل أكـثر الشباب. كرامتي قد جرحت (يضحك بهدوء) كنت مغروراً فتوقعت حالما اطلبها للزواج، سترتمي بين أحضاني، من فرط سعادتها. لكن شيئاً من هذا لم يحدث.
هي: افـهـم ما تـريـد أنت. تـريـد أن تـرمي نفسها عليك وكـأنها زوجتك.
هو: نعم، نعم، كزوجة تماماً.
هي: إذن أنت كنت شاباً رومانسياً، ولست واقعياً.
هو: تماماً جداً، فقد كنت اقرأ الروايات الرومانسية.
هي: وهل فقدت كل اثر للشابة بعد ذلك؟
هو: تمامـاً (يتوقـف لحظـة) كـنت مغـروراً بنـفسي، مثـل أكـثر الشباب. ولـكـن بعـد عـدة سنـوات قـرأت خبـراً في إحـدى الصحف بان آن...
هي: (تستدير نحوه بسرعة) آن؟
هو: نعم، آن، آن. ذلك الاسم الجميـل، أليس كـذلك؟ كـنت مولعاً بـهـذا الاسم. كـنت أقـول إني بعـد عـدة سنوات قـرأت في صحيفة ما بـان آن سافـرت مع أبيهـا إلى فـلـورينس، ومنـذ ذلك الحين لم اعرف عنها أي شيء.
هي: وبهذا انتهت رومانسيتك؟
هو: ليس كذلك.. نعم، نعم، تماماً بهذا انتهت رومانسيتي.
هي: (بعد مهلة طويلة) الم تتزوج أنت أبداً؟
هو: لا، ما كان لدي الوقت، كنت مشغولاً دائماً. أوه، فكـرت بذلك أحيـاناً، وليس في اغـلب الأحيان، كما قـد يبدو لك، لكن أحياناً. في الخدمة العسكرية نحس بالوحدة، وخاصة في فترة الإجازة.
هي: أوه.
هو: فلم أكن بحاجة إلى الزواج فقط، بـل إلى شخص يهتم بي، يبدد وحدتي.
هي: وهل بقيت محتاجا لمثل هذا الشخص؟
هو: (ينظر للأعـلى بخـوف) نعـم، تماماً، أوه، تماماً... وان الـرجـال يتـفـاوتـون في ذلك. (صوت ضحـك ومـوسيـقى صاخبة يكـسر هـدوء المكان) هـا قـد عـادت تلك الموسيقى الجهنمية ثانية.
هي: أنها مـوسيقى الفـارس (كـلاهما يجـلسان بصمت يستمعـان للمـوسيقى، تمـسح بسرعـة دمعـة مـن عـلى خـدها) نعـم، فـارس. آه، ما أجمل تلك الأيام! الموسيقى تعيد الذكـريات، آه، قبـل واحـد وأربعين سنة كـنت أنا أيضاً ارقص مثلهم، لكن...
هو: (يتحسس نظارته) أنت.. حقاً!
هي: وفي هذا البيت، نعم، قبـل واحد وأربعين سنة.
هو: (يـحـدق مـن خلال نظارته إلى السيـدة) قبـل واحد وأربعين سنة كذلك في نفس تلك الفترة؟
هي: هـل يبدو أن ذلك عهد بعيد؟
هو: واحـد وأربعـون سنـة، واحد وأربعـون سنـة، (يهـز رأسه فجأة) إذن، لا بد إننا كنا نعرف بعضنا البعض.
هي: ربما.. ربما.
هو: يا لغبائي، لم أتشرف بمعرفة اسمك.
هي: نعم، ربما نكـون نعرف بعـضـنا، وربمـا لا.
هو: ذلك صحيح.. وأنت هل عشت في انكلترا منذ ذلك الوقت؟
هي: لا، بعد أن.. (تسعل) غادرت انكلترا لم اعد إليها، لدي فيلا في فلورينس.
هو: هل تـعـيشـين في ذلـــك المكـــان البـهـيــج، فلـوريـنتـس؟
هي: ومع ذلك أحس بالوحشة، أحياناً.
هو: حقاً. أحيـاناً، نعتقــد أن أناسـاً معينين بأنـهم سعداء. ولكن بعد ذلك نكتشف كم إننا كنا مخطئين.
هي: (شاردة الذهن) نعم.. نعم.
هو: لـكـنـي.. لـكـنـي اعـتقــد انـه لابــد وان لـــديك أطـفــــال.
هي: لا، انا لم أتزوج أبداً.
هو: إن هذا غير معقول. أليس كذلك؟
هي: (تنظر للأعلى) أليس كذلك؟
هو: (مبتعداً عنها لنهاية الأريكة) واعتقد انك لم ترغبي بالزواج؟
هي: لا.. لا.
هو: (ينـظر إليـها بعـينيين نصـف مغلقـتين) أتعـرفـين (تصــدح الموسيقى) لـقد جـاءت تــلك المـوسيـقى الجـهنمـية ثانـيـة!
هي: نعم، ربما من الأفضل لنا ان ننظم إلى الحفلة، أيها العقيد، عفواً، الجنرال.
هو: (بحيرة) السير العام ريتشارد.
هي: أوه، استميحك عذراً!
هو: وهل يمـكن ان أتشـرف بعـرفة لمن انا مدين بهـذه النصـف ساعة اللـطيفة جداً، هل لي أن أتشرف بمعرفة مع من أنا كنت أتكلم؟
هي: (بعد جهد كبير) نعم، إنها انا السيدة آن.
هو: السيـدة آن؟ (يتـعثر السـير ريتشارد في سيره) السيـدة آن؟
هي: نعم ياسيدي ريتشارد؟
هو: يا الـهي، آن! كـان لـدي إحسـاس بأنـك آن من اللحظة التي رأيــتـك فيـها، لكـني يـجـب ان ادخـل إلــى الداخـل لأراك جيـداً. بعـد كـل هـذه السـنوات، وفـي هـذا المكان بالذات...
هي: نعم، ريتشارد.
هو: (مـنـفـعلاً وبحمـاس) آن! قـلـت بأنـك لـم تـتزوجي أبــداً؟
هي: لا، لم أتزوج أبداً.
هو: لكني كنت اعتقد...
هي: أنت كنت مخطئاً في اعتقادك.
هو: (يمـسك يـد السيـدة آن ، ويرفـعـها إلى شفتيه ببطء) وعندما قـلت، انـه يجـب ان نفكـر وبعـناية جـداً عنيت حقاً ما قلت.
هي: نعم، كنت اعني ما أقول. حقاً.
هو: نـعــم، أنــت الان ليــس كـأي امـرأة (يـرجـع ظهـره إلــى الوراء ويـفـــرك رأسـه مـنـذهـلاً) لسـت مثــل أي امــرأة!
هي: أليس كذلك؟ (من مكان معين تسمع موسيقى الفالز. والقمر كان يشرق في الخارج).
هو: ما أجمل تلك الأيام!
هي: كانت أياماً سعيدة.
هو: نعم، نعم (ينظر للأعلى فجأة) إلا يزالون راقصـو موسيقى الفالز يرقصون؟
هي: نعم، موسيقى فالز.
هو: آن، هل تنهي هذه الرقصة معي؟
هي: نعم، ريتشارد. (تمد يدها إليه فيأخذها).



ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا