الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نتحرر من سلطة الارض؟/3

عبدالامير الركابي

2023 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تدخل الارض كعامل اساس في تخليص الكائن البشري من سلطتها، كانها بالاحرى تتخلص هي منه، ومن طول رعايتها له بعدما ولدته، ولانها امه التي تريده افضل واكثر قدرة وتحررا، فانها لاتتوانى عن اللجوء لممارسة علاقة "الطرد" مع كائن لاشك انها احبته، وهذا النوع من التصرف ليس فريدا، او ان الكوكب الارضي لم يسبق له ان مارسه من قبل، ففي موضع بعينه ـ وهو موضع صغيرـ، وجدت المجتمعية عند اولى المحطات التحولية، داخل اشتراطات تقارب "العيش على حافة الفناء"، حيث البيئة، وكل ظروف العيش، مجافية ومضادة للجهد البشري، بما قد افضى وقتها الى ظهور المجتمعية الاولى "اللاارضوية"، المتطابقة كينونة مع الغرضية المضمرة في الظاهرة المجتمعية ومآلها، باعتبارها محكومه للنزوع التحولي الكوني، المقرر له الانتكاس ابتداء لنقص في الوسائل والضرورات المادية والاعقالية الواجب توفرها، وهو ما اوكل لنتائج التفاعلية المجتمعية الطويلة، وخلاصتها منتجا متضادا مع المجتمعية الارضية الاحادية، حيث تحين ساعة الانقلابيه الضرورية المفضية لاكتمال شروط الانقلاب التحولي المؤجل.
تبدا عملية الطرد البيئي محدودة فريدة ومفردة، لتنتهي شامله عامة، ومع الاله وانبجاسها تنقلب اشتراطات العلاقة المجتمعية البيئية، فتختل وحدة البيئة/ الكائن البشري، مايفضي لقلب قاعدة الاستمرارالمجتمعي المتماثل، ولايعود للمنطق البقائي التابيدي من مكان باعث على الثقة، بينما تحل مبررات التفارقية، ومنطق الخلاص من الوجود الارضي، واجمالا النزوع التحولي، بينما تحضر بداياته وماقد تركه من تراث، وان بصيغته الاولية ليغدو من قبيل المدخل والمادة الدالة، بما لها من خاصيت، بمثابة الانتقالة المتطابقة مع الهدف المضمر غير المكشوف عنه النقاب.
وقتها يكون من اللزم القاهر الذهاب الى تبديل المحور المعتمد على انه غاية التصيّرية الوجودية، بالانتقال الحاسم الواضح، من اعتماد الجسدية كغاية، الى الحقيقة العقلية مع ضرورة الانقلابية في تعيين ماهو واجب ومضمر لهذه الجهه، اضافة للاعتبار المطابق للسيرورة الاعقالية، ومراحلها من فعاليّة ماقبل ادراك الذات، الى ادراكها باعتبار المسرى المومى اليه، الشكل المطابق لنوعه، على مستوى التطور، مابين لحظة حضور اولى ازدواجي سابقة على وعي الذات، تعذر الوعي بها يتيح غلبة المادة والجسدية، على العقل نفسه، وهو مايميز الطور "الانسايواني" من التاريخ البشري، بصفته عتبه ضرورية، سابقه على الانتقالية التي لاكمال عقلي، اي لا "عقل"، ومن ثم لا "انسان" من دون بلوغ اعتابها.
على هذا يصير المسار العقلي كابتداء، متلازم مع بزوغ الحياة مافوق الارضية البيولوجيه، فيكون مضمرا، ويستمر كذلك ايان الطور الحيواني وتحولاته، مع طغيان الحضور الجسدي الحيواني، فلا يحضر الا مع الانقلاب الكبير، وانتقال الحيوان الى الانتصاب على قائمتين، واستعمال اليدين، فيكون ذلك على اهميته القصوى حضورا ناقصا، غير متحرر من سلطة الجسدية والحاجاتيه الحيوانية، واشتراطات العيش المجتمعية الممكنه، بانتظار الذهاب الى الكمال والاستقلالية التي شرطها وعي الذاتيه.
لكم تبدو الارض حميمه وراعية بلا حدود، حتى وهي تضطر الى الانقلاب على وليدها والانتقال لاشتراطات طرده من عالمها، وكم هي متوافقه مع حقيقته ومسار تصيّره الذاهب الى الكمال، والى التحرر من وطاتها هي نفسها، فاذا نزعت عنه ركائز الامان التي اعتادها، واطمان لها، فبقصد تهيئة الاسباب واشترطات التخلص من نمط من التفكر والاعتقاد انتهى زمنه، وصار لابد من تغير الشروط التي تتيح الانتقال اليه وعيا، لهذا ولاجل العقل، ولكي يبلغ ساعته الكبرى، غير تلك التي عرفت "حضوره" الكبيرمع الانسايوان، بحيث نتعرف اليوم على ماهو مطلوب، اي "اكتماله"، اي ظهور العقل، لاكما يتردد اليوم من تسميات عن " العقل" الذي هو بالاحرى مجرد محطة وسيطه ضمن سياق تصيّري نشوئي، نهايته ومقصده "كمال العقل"، حيث يصح وقتها وفي حينه فقط، اطلاق اسم "العقل" على هذا الجانب الوجودي التحولي الاساس، ومقصد الحياة الثانيه الكونية مافوق الارضوية.
يختلف الحضور الارضوي المجافي بجوهر رعائي، بانه طور بلا سلطة، ولايترتب عليه وعلى النتائج المتوقعه منه، تكريسا لسطوة الكوكب كما كان عليه الحال من قبل، فاللحظة الراهنه من الرعائية الارضية، هي لحظة افتراقية ماساوية، تهمس على مدى الكون بالحزن الذي يصعب وصفه، بعد مليارات السنين من الوحدة والتفاعلية الحية، فالعقل هو ذات لايوجد ولايمكن ان يكون، اذا لم يكن متحررا كليا بلا سطوة، ولا اثر لاحد عليه، معه يتبدل الوجود ومعطياته، ومنطوى كينونته، وهنا يتجلى الغرض والمستهدف الاكبر الذي تناوبت عليه التفاعلية والقرون بالالاف، املا في دخول محرابه.
سالني احدهم: كيف يمكن للعقل ان يستقل، هل عن طريق نقله الى مخلوق آلي، ام عن اي طريق، والسؤال مع انه يعكس مرة اخرى نطاق ومحدودية الادراكية الحاجاتية الجسدوية، الا انه مثل في الوقت نفسه تكرار متوقع لنقطه فاصلة على مستوى وعي مابتعدى السائد، فالعقل الارضوي يعتقد بثقة، بان الجسد يمكن ان يستقل، وهو يرى ذلك ويعيشه ويعرفه بالبداهة والولادة والمعايشة، بحيث يعتبره انموجا، بالاخص وهو يراه ويلمسه ويعيش في كنفه، وهذا هو نوع الاستقلال الذي يعرفه، ويمكن ان يتعامل معه كحقيقة مطلقه، العقل هو جزء منها، مدمج فيها، وعنصر من مستلزمات كمالها، بلا اي افتراض يخلخل "الاحادية" التي هو عليها، ومن ذلك الازدواج نفسه افتراضا.
كيف يمكن لشخص من هذا النوع ان يتقبل فكرة "الاستقلال العقلي"، اول ماسيخطر له اذا واجه اقتراضا كهذا، هو "ومن سيحمله ياترى؟"، فلا عقل ممكن اذا لم يتوفر له حامل مادي، فهو بلا رجلين ولايدين وبلا جسد، وبمثل هذه المواصفات لا يجوز الحديث عن "الاستقلال" من دون حتى الشعور، بان مايقال او يعتقد، هو بالاحرى نوع استقلال موافق للخاصية الجسدية المادية، وليس الماورائية كما يمكن ان يتصور اصحاب هذا الاعتقاد، ممن يختزلون المادية في المعاين الملموس، والا احيل الى مايطلقون عليه الماوراء مع استبعاد كلي لاحتمالية المادي اللامادي.
متى يصير بالامكان التوقف قليلا للتفكير في احتمالية الاستقلالية المختلفه نوعا، بعد النظر في العقل خارج التصور المعتمد، حيث الادوات الجسدية تحتاج الى "عقل"، ولهذا وجد، وليس لانه بحاجة اصلا الى حامل، بل الى ادوات محدودة باشتراطات بعينها، يكون خلالها عقل متشكل غير مكتمل، مايجعل من النظر يذهب والحالة هذه الى اختلاف قدراته، وماهو مهيأ له خارج حالته الراهنة المنقوصه، بما في ذلك مانحن غير مستعدين الان لادراكه معه، مما من شانه جعله يصير هو ككينونه مكتفيه بذاتها، متناسبه مع عالم من صنفها، مؤكد انه ليس ذلك الذي نعيش في كنفه وبارشاده اليوم.
"العقل" هو معطى مرشح للسكن في عالم مطابق لخاصياته، لنوع ونمطية وجود اخر غير ذلك الذي نعيشه، حيث الجسدية حاضرة وغالبه بحاجيتها، واشتراطات العيش المتماشية معها، وحيث من يعيشون مع العقل الادنى يضعون العقل في حجرهم ويطبطبون عليه، مع انهم يعيشون به ولايرون الا مايره فلايخطر لهم احتمال ان تحدث عند لحظة بعينها، قفزة في الكينونة العقلية، كما يمكن ان يحدث في اي من مكونات الوجود الحيه، وكما حدث من قبل يوم انتقل الحيوان الى الكائن المزدوج "الانسايوان"، فاذا بالحجر والجسد خارج الاعتبار، اقل بكثير من ان يحيطا بالموجود الجديد، المستقل الذاهب الى الحياة الثانيه اللاحقة والمقررة ابتداء، بعد الحياة الحالية الجسدية الانسايوانيه.
ولا تحدث القفزات والانعطافات الكبرى من دون محفزات واسباب واليات فاعلة، المؤكد انها صارت اليوم، ومن هنا فصاعدا، حالة العيش المهيمنة على الوجود، حيث الارض في حالة خصام وطرد للكائن الذي ولدته من احشائها، بينما تجهد الان لكي تراه حرا مستقلا عنها وعن سطوتها الطويلة التي هياته اخيرا، واكسبته كل ماهو بحاجة اليه لكي يغدو "عقلا"، مدركا لذاته وكينونته بعدما ظل خارجها طويلا.... وليس "عُقَيلا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم