الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن الإصلاح

فهد المضحكي

2023 / 2 / 25
دراسات وابحاث قانونية


يبدو أن معنى الإصلاح مازال محل عدم اتفاق بين الحكومات العربية من جانب والمثقفين والمواطنين من جانب ٱخر، فأغلب الحكومات ترى أنها قد حققت الكثير من برامج الإصلاح، وأن إنجازات الإصلاح صارت ملموسة على أرض الواقع، في حين أن قطاعا كبيرا من المثقفين والعديد من فئات المجتمع يرون أن الإصلاحات الحقيقية لم تتحقق بعد، أما المواطن العادي فهو لا يدرك أبعاد الإصلاح إلا من خلال رفع مستوى معيشته وزيادة راتبه وإحساسة بالعدل والمساواة، وبين رؤية الحكومات، وأفكار المثقفين أصبح المواطن تائها إلى حد الذي جعله يصاب باليأس والإحباط. يذكر الكاتب السياسي المصري أكمل قرطام في مقال له، أصبح الإصلاح المنشود في أزمة حقيقية، وكما أن الطبيب لا يستطيع علاج المرض إلا بعد الكشف عن الأسباب الحقيقية للمرض، فإن الإصلاح الحقيقي، لن يحدث إلا بعد تشخيص أزمته ومعرفة أسبابها، ودون ذلك فإن الكلام والخلاف حول الإصلاح يصبح غير ذي معنى ولا طائل منه. ولعل من المفيد هنا أن نتوقف عند أهم الأسس التي لاغنى عن فهمها وأخذها في البلدان العربية عند البدء في الإصلاح المنشود.

أولاً: الإصلاح ليس مطلوباً من أجل الإصلاح ذاته وإنما مطلوب من أجل التنمية بأبعدها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتنمية هي الوسيلة الأساسية والوحيدة لبلوغ التقدم، والتقدم هو الذي يمنع اندثار الحضارات أو تقوقعها.

ثانياً: لا يمكن بناء عملية الإصلاح دون وضع إستراتيجية للإصلاح، وهذه الإستراتيجية تختلف من مجتمع لٱخر، وهي تمثل الترمومتر الذي يقيس ما يحتاجه المجتمع من عمليات إصلاح بصفة عاجلة، وما يحتاجه بصفة ٱجلة، كما أن الإستراتيجية هي التي تحدد مقدار التغيير المصاحب للإصلاح الذي يمكن للمجتمع أن يتحمله والتغيير الذي يمكن أن يصيبه بالفوضى والعشوائية «والمهم أن تراعي إستراتيجية الإصلاح البيئة الداخلية والبيئة الخارجية».

ثالثاً: إن بناء استراتيجية الإصلاح والبرامج التي تتفرع عنها تستلزم الاتفاق حول مفهوم الإصلاح الحقيقي الذي يحتاجه المجتمع وتوظيف هذا المفهوم في وضع برامج هذه الإستراتيجية، ولابد أن نأخذ في الأعتبار أن عملية الإصلاح هي عملية متكاملة في شتى جوانب السياسات «السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، فما أن تبدا عملية الإصلاح في جانب معين إلا وألقت بظلالها على الجوانب الأخرى. فلا نتصور على سبيل المثال أن يحدث إصلاح اقتصادي يؤدي إلى زيادة القدرات التنافسية للدولة في اجتذاب مشروعات دولية أو استثمارات أجنبية دون أن يسبق ذلك تعديل القوانين المقيدة للحريات العامة واستقلال السلطة القضائية، فالاستثمار لا يمكن أن يزدهر إلا في ظل قوانين طبيعية وأجواء تتسم بالشفافية، كما أن ازدهار الاستثمار لابد وأن يؤثر على الإصلاح الاجتماعي «يؤدي مثلاً إلى تغيير المنظومة التعليمية بحيث تكون قادرة على إفراز مواطنين أكفاء للعمل والتعامل بفعالية مع تلك المشاريع الاستثمارية الدولية التي أفرزتها برنامج الإصلاح الاقتصادي».

رابعاً: إن الإصلاح يعبر عن عملية تشاركية وتفاعلية بين الحكومة والشعب، وهذه التفاعلية التي تحقق«الرضا لعام عن الإصلاح»، وإذا كانت عملية الإصلاح تهدف إلى تغيير الواقع القائم إلى واقع جديد مع ما يتطلبه ذلك من توفير الظروف المجتمعية التي يطلق العنان لعملية الإصلاح بشكل مترابط ومتزامن في شتى المجالات، بحيث لا يمكن الفصل فيها بين جوانبه، فلا يمكن التصور أن ذلك قد يتم دون مشاركة جماهيرية واسعة في هذه العملية، وضمانة هذه المشاركة هو حصول برنامج الإصلاح على الرضا المجتمعي العام، إن أنفراد الحكومات برأيها في الإصلاح دون مشاركة من فئات وطوائف المجتمع يعني أتباعها نمط السلطة الأبوية التي هي أحد مفاهيم الحكم الديكتاتوري البعيد عن الديمقراطية الذي يؤدي حتماً إلى العزوف عن المشاركة الفعالة اللازمة لتحقيق الإصلاح، فمثلاً لا يتصور أن تنفرد الحكومة بتعديل قانون الصحافة دون مشاركة الصحفيين.

خامساً: إن العملية الإصلاحية لا يمكن أن تنجح في أي دولة دون السلطة التشريعية، باعتبارها الممثل الشرعي والفعلي لإرادة الشعب. وعلى النواب أن يخلعوا عباءتهم القبلية والطائفية والمناطقية، وأن يرتدوا عباءة الشعب وأن يسعوا جميعاً إلى الاتفاق حول مفهوم الإصلاح وعملياته، وعليهم أن يعلموا«نواب الشعب» أن شرعيتهم وحصانتهم مستمدة من الشعب مصدر السلطات، وأن السلطة التنفيذية مسؤولة أمامهم عن أدائها وهم مسؤولون أمام الشعب الذي قام بانتخابهم، ولايجوز للنائب أن يتنازل عن حقوقه بترك الحكومة تنفرد باتخاذ قرارات الإصلاح أو تخويلها هذا الحق وحدها.

سادساً: إن الإصلاح عملية دائمة ومتجددة ومستمرة، لا تتوقف عند حد فهي بطبيعتها عملية قابلة للتغيير من زمن إلى ٱخر بل وفي داخل الزمن الواحد إذا ماطرأت عليه أوضاع أو ظروف جديدة، والعامل الحاكم لتجدد عملية الإصلاح هو أن تراعي هذه العملية متغيرات البيئة الداخلية للدولة، وواقع البيئة الخارجية فكل بيئة منها يعتمل فيها الكثير من المتغييرات والتطورات وعملية الإصلاح الناجحة هي القادرة على استيعاب ذلك، وعملية الإصلاح التي تعجز عن أن توفق بين بيئتها الداخلية والبيئات الخارجية الأخرى، فإنه لابد أن يصيبها الجمود والفشل، فمثلا لم يعد متصوراً أن يكون هناك إعلام موجه تسيطر عليه الحكومات في ظل الانفتاح الفكري الذي أفرزه الإعلام الحر في البيئات الخارجية.

سابعا:. الإصلاح ليس مطلوباً لتحقيق الاستقرار بقدر كونه مطلوبا من أجل التنمية، ولأن أحد مقومات التنمية هو وجود الاستقرار فإن الإصلاح هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق التنمية التي تبعث على الاستقرار، أما الإصلاح الذي يهدف إلى تثبيت الاستقرار والحفاظ على الأوضاع القائمة كهدف رئيسي فإنه يتحول إلى عملية وقتية ليس لها مردود حقيقي على المجتمع.

ثامناً: مشروعية الاختلاف حول ٱليات ووسائل تحقيق مفهوم واستراتيجيات الإصلاح، فطالما أن عملية الإصلاح عملية مجتمعية سيشارك فيها كل طبقات وفئات المجتمع، فمن الممكن أن تتعدد الرؤى وتختلف في بعض الأحيان إلا أن الجميع يجب أن يتفق حول مفهوم المصلحة العامة التي تظل غير قابلة للتجزئة، أو تخضع للتفسيرات المتعارضة، فالمهم ألا يغيب مفهوم المصلحة العامة عن إدراك المجتمع لأن غيابه يجعل طريق الإصلاح ذاته غير محددد المعالم. هناك من يرى، وهو على حق، ان الإصلاح السياسي الديمقراطي يعتبر مدخلا لكل الإصلاحات، وان المخاطر والتهديدات الطاردة للاستثمار لاوجود لها في الدول الديمقراطية التي تستظل بدستور محصن من العبث به بقوانين لا حصانة لأحد من سيادتها، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالدول التي ساد بها الفساد مثل ماليزيا وسنغافوه، نجدها في مصاف الدول المتحضرة، لأنها وبفضل الإصلاح السياسي الديمقراطي، نهضت من ركام الفساد والرشى والتخلف والجوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف


.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد




.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال


.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا




.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة