الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالاته المقبلة ( الجزء الثالث ) انتهى .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالاته المقبلة .
" إن الشروط الموضوعية للتغيير وكيفما كان اصلاحيا يمس اختصاصات الملك ، او ثوريا يهدف الدولة الديمقراطية ، قائمة ومتعمقة اليوم ، وما ينقصها غير نداء ودعوة النزول الى الشارع ، للدفاع عن القوت اليومي للشعب الذي اضحى يئن من آفة الجوع ، والأمراض ، والدكتاتورية ، وتغول البوليس السياسي في كل كبيرة وصغيرة . إن الجماهير عبرت بالملموس عن طموحها في التغيير الديمقراطي والدولة الديمقراطية ، وهي مستعدة للتضحية والاستشهاد في سبيله .. ان النظام لن يستطع اطلاق رصاصة واحدة عند نزول الشعب الى الشارع ، لان رقابة مجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، والاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، والمحكمة الجنائية الدولية له بالمرصاد . فعزلته الدولية ، بفضيحة Moroccan gate ، و Pegasus gate ، قد زادت وسيكون لها ما لها من سلبيات على ملف نزاع الصحراء الغربية " .
3 ) الوضعية الراهنة والاحتمالات المرتقبة . ( الجزء الثالث ) . بين الخط الوطني الثوري ، ودور مؤسسة الجيش في الصراع الذي يدور .
ان المحددات والثوابت التي تعرضنا لها بإيجاز ، والتي تتحكم في سياسة النظام وتكتيكاته من جهة ، وتبلور وتعمّق تناقضه مع الجماهير الشعبية من جهة ثانية ، هي التي تطرح امامنا كمثقفين سياسيين ومحللين للشأن العام ، معالم تطور الأوضاع المستقبلية ، وتسمح لنا ليس بالتنبؤ او التخمين ، لكن بالتأكيد على الحقائق والاحتمالات الواقعية التالية :
اولاً : ان الأسباب الهيكلية والدوافع الموضوعية ، الاقتصادية والاجتماعية ، منها والسياسية التي أدت الى تفجر سخط الجماهير الشعبية ، وتذمرها ، وإقبالها على الانتفاضات الشعبية ، 23 مارس 1965 ، و 9 يونيو 1981 ، ويناير 1984 ، وحركة 20 فبراير في 2011 رغم فشلها البيّن .. ، لا تزال قائمة حاضرة وبشكل اقوى ، في ظل تركيز العالم على الديمقراطية وحقوق الانسان ، في بناء العلاقات بين الدول .
ان لعبة الإعلان عن الزيادة في المحروقات وفي الخضر واللحوم ، ومرة الإعلان عن تراجع الأسعار التي ينهجها النظام البطريركي ، الرعوي ، البتريمونيالي ، والمفترس لثروة الشعب المفقر ، وتبذيرها في شراء القصور ، وفي الكماليات ، والملاهي ، وتهريبها الى الابناك الاوربية المختلفة ، لن يغير من واقع اقتصادي / اجتماعي غاية في التأزم والتردي ، واقع تجاوز بكثير في ترديه وتفسخه ، ما كانت عليه الأوضاع قبل جميع الانتفاضات التاريخية التي اقبل عليها الشعب المغربي . وبما ان النظام العلوي عاجز هيكليا عن إيجاد أي حل لهذه الازمة ، التي تستفحل وتتطور في شكل تصاعدي ، لا آنيا ولا في الأفق المنظور ، فان دوافع السخط والنقمة الجماهيرية تظل قائمة ، وبالتالي شروط الانتفاضة الجماهيرية التي قد تتحول الى ثورة ضد النظام ، ولو بأشكال مخالفة ومتنوعة ، تظل اليوم قائمة هي الأخرى . اذ لا يعقل ان يثري ويزيد غنى فاحش الملك ، واسرته ، وأصدقائه ، وأصدقاء أصدقائه ، والمقربون من هذا الجيش الذي استولى على ثروات المغاربة ، والشعب صاحب الثروات ينعم في الفقر، ويعاني الجوع والتجويع .
ثانيا : وهنا بيت القصيد . فأمام وضع مأزوم ومرفوض كهذا ، ليس للنظام سوى الاستمرار في الاعتماد على القمع واللجم ، والقتل والتشريد ، كسياسة ومنهج في الحكم البوليسي . ومع انفضاح اكذوبة لعبة ( الاجماع ) والمسلسل الانتخابوي ، وحكم عليها الشعب بالإفلاس ، وتعريتها بشكل نهائي امام الرأي العام الداخلي والخارجي ، لان دستور الملك الممنوح جسد الدولة في شخصه لا في غيره ، أنا الدولة ، الدولة أنا .. فان الحكم الدكتاتوري سيزيد من تشدده في قمع الحريات الديمقراطية ، وتضييقه الخناق على المناضلين ، والمنظمات الجماهيرية ذات المصداقية الحقيقية وسط الجماهير ، وتسليط عصا القمع الغليظة على احرار وشرفاء الوطن الحقيقيين . فعندما يدين البرلمان الأوربي الوضع المزري للديمقراطية ولحقوق الانسان ، ويتجاهلك الرئيس الفرنسي Emanuel Macron ، فتمة شيئا غير طبيعي وغير مقبول يجري بالسلطنة ، ويتعين إصلاحه لإرجاع الأوضاع الى ما كانت عليه قبل تفجر فضيحة Morocco gate ، وفضيحة Pegasus gate اللتان ستكون لهما نتائج سلبية على نزاع الصحراء الغربية . وهنا فان الحكم المأزم ولتفادي هزات قادمة ، سيزيد في وثيرة تسليط القمع والعصا الغليظة ، على المعارضين ، والمثقفين ، والكتاب ، وفاضحي الفساد ، والداعين الى الدولة الديمقراطية ، دولة المؤسسات ، وليس بدولة الأشخاص ، هذا مع العلم ان مأزق ( مسلسل التحرير ) الذي فشل ، سيزيد تعمقا ، وتزيد معه استنزاف الحرب ومستلزماتها .
وإذا كان القمع المنهجي لبوليس الملك ، يسمح للنظام بالاستمرارية وبالتحكم المؤقت في الأوضاع ، فانه سلاح ذو حدين لا محالة ، لأنه يبرز ويفضح طبيعة النظام والحكم البوليسي المطلق ، ويعمق من عزلته الدولية ، ويعمق من عزلته الشعبية ، ويقلص من ( مصداقيته ) لدا القوى الامبريالية ، وبالتالي فانه لا يعمل سوى على رفع التناقض الأساسي الى مستويات أعلى ، ويزيد من ضعف القصر والدولة ، رغم مظاهر القوة والعجرفة .
ثالثا : ان هذا الوضع الشاد للنظام البوليسي والغير مقبول ، سيفتح الباب امام احتمال خطير اصبح يلوح في الأفق اكثر من أي وقت مضى . ذلك ان الامبريالية الامريكية والفرنسية ، تعي خطورة الوضع القائم ، وتنظر بعين الحرص والانتباه ، الى مصالحها الضخمة بالمغرب ، استراتيجيا ، واقتصاديا ، وسياسيا . ومن هنا فأنها لن تتردد في استعمال الانقلاب العسكري ، في حالة انفلات الأمور من يد عملاءها المحليين ، وتململ ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية ، وقواها التي ستبزغ من وسطها ، وذلك لاستدراك الوضع ، ومحاولة اجهاض الثورة الوطنية والديمقراطية المحتومة ، وقطع الطريق على أيّ تطور جذري يفلت زمام المبادرة من بين ايديها ، ويمس بمصالحها الأساسية .
والجذير بالذكر ان البرجوازية الكمبرادورية ، خوفا على حاضرها ومستقبلها ، وفي غياب مخارج سياسية بديلة ، قد تنقلب بدورها على النظام وتخرج من كنفه ، لتشكل القاعدة الاجتماعية لأيّ مشروع امبريالي انقلابي ، خاصة وانها مهيئة اكثر من غيرها ، لضمان مصالح الامبريالية ، وصيانتها بحكم ارتباطها المصيري بهذه المصالح . ( انضمام تجار البزار في ايران الى جانب الثورة ضد نظام الشاه المقبور ) .
ان مخاطر تحضير انقلاب عسكري من قبل الامبريالية يبقى قائما ، وسيتم اللجوء اليه في حالة ما اذا وصل ضعف النظام وعزلته بفعل كفاح جماهيري ، درجة من الخطورة تهدد مصالحها الأساسية . فالمطلوب من هذا " البديل " ان يكون على شكل تغيير فوقي ، دون المس بجوهر الهياكل المذكورة ، في حين هدفه الثابت يبقى هو : احتواء المد الشعبي ، والحيلولة دون بلوغه أهدافه الثورية ، ومنع وضرب أي تطلع وطني حقيقي داخل الجيش نفسه .
وبعبارة أخرى فان المؤسسة العسكرية ليست مفصولة ومنعزلة عن المجتمع ، وما يدور فيه من صراعات ، وما يشهده من تناقض أساسي تناحري بين الأقلية الاقطاعية / البرجوازية خادمة الامبريالية وعميلتها ، والمنتفعة من وجودها في نفس الوقت ، واوسع الجماهير الشعبية التي تعاني من الظلم والاستبداد والاستغلال الفاحش ، على يد الأقلية المترفة واسيادها الامبرياليين . فكان من الطبيعي إذن ، نتيجة انعكاس هذا التناقض الصارخ داخل القوات المسلحة نفسها ، ان نجد تصنيفا وصراعا داخل هذه القوات ، ما بين قاعدتها الشعبية المضطهدة والمُستغَلة من جنود ، وضباط صف ، وضباط وطنيين من جهة ، وفئة الضباط الكبار من كلونيل ماجور فجنرال ، المتعاونين مع الدولة الصهيونية خدام الامبريالية والحكم .
كما كان من الطبيعي ان نجد الامبريالية وعملاءها تخطط ، وتدبر المؤامرات ، والدسائس للسيطرة والهيمنة على الجيش من اعلى ، كما جرى في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية ، وافريقيا ، والوطن العربي ، خاصة وان هذه المؤسسة تُعتبر بحكم نمط تنظيمها ، وقوة سلاحها ، مصدرا أساسيا للحكم والنظام المستقبلي .
ان هذه المؤامرة لا تستهدف ضرب المد الجماهيري بشكل عام ، واجهاضه والحيلولة دون تجذره وتعمقه وحسب ، ولكنها موجهة أيضا بنفس المنطق ، ومن اجل نفس الأهداف الرجعية ، ضد الجنود ، والضباط الوطنيين ، والقاعدة الواسعة من الجيش .
ومن ثم يكتسب الطرح الوطني الثوري بالنسبة لهذه المسألة ، كل أهميته وصحته ، عندما يحذر من المحاولات الانقلابية الفوقية المغشوشة ، التي تستهدف ايهام الشعب بالتغيير وحتى بالثورة ، في حين انها لن تعمل سوى على حفظ مصالح الأجانب الى مدى ابعد .
ان الخط الوطني الثوري هو من يرفض الانقلابات العسكرية ، ويعمل على استئصال جذور الهياكل الاقطاعية والاستعمارية من بلادنا ، وانهاء هيمنة الامبريالية وعملاءها المحليين ، كيفما كانت مواقعهم داخل الجيش او خارجه ، أي صياغة اهداف النضال الوطني الثوري المناهض للاستعمار والامبريالية ، وعميلتهما الطبقة الاقطاعية الرأسمالية أيا كانت مواقعها .
رابعا : ومع وضعية غليان جماهيري كهذه ، وتعمق السخط والتذمر الشعبي ، وغلبة اليأس والانهزامية لدا أوساط النيو يسار المخزني ، وتراجع تأثير المد الإسلامي التنظيمي ، وما يفرضه نزاع الصحراء الغربية التي بدأت أصوات كثيرة تدعو الى مباشرة المقاومة المسلحة من قلب المدن والأراضي الصحراوية ، لتواكب الحرب الدائرة منذ 13 نونبر 2020 ، والدعوة للخروج في انتفاضات بالمدن الصحراوية المتنازع عليها ، بين النظام المغربي وجبهة البوليساريو ، بسبب غلبة اليأس والانهزامية لدا بعض الأوساط ، تبدو التربة خصبة كذلك للمغامرة المسلحة المعزولة ، التي يدفع اليها بعض الانتهازيين الطامعين في الحكم وفي السلطة . ورغم ضعف هذا الاحتمال ، فلا يجب استبعاده تماما ، بحكم توافر عناصر لا تنتعش الاّ في الماء العكر ، وتشكل المغامرة بديلها ، وبرنامجها الواحد الأوحد للمساومة بها ، طمعا في الحصول على مكانة ضمن مشروع التغيير الفوقي للسلطة المسخرة من طرف الامبريالية .
خامسا : ان اثارة هذه العوامل والاحتمالات الناجمة عنها ، تأخذ في الظرف الراهن أهمية قصوى . فكما هو واضح ، اصبح العنصر الخارجي ، متجسدا في الامبريالية بتواجدها العسكري ، وهيمنتها الاقتصادية والسياسية ، عنصرا مؤثرا في الصراع ، وقد يكون حاسما . وان المنعطف التاريخي الذي سجلته جميع الانتفاضات الشعبية حتى 11 فبراير 2011 من جهة ، ومن جهة ثانية تعاظم حظوظ الاحتمال الثالث ( الانقلاب الامبريالي ) ، يطرحان على الحركة الثورية المغربية ، التي تعمل الظروف المزرية السائدة لتأسيسها بكل المغرب ، تعقيدات كبيرة ومسؤوليات جديدة وملحة ، إذ في كلا الحالتين ، الانقلاب الامبريالي ، او الانتفاضات الشعبية ، لن يتردد أعداء الشعب في تسليط الإرهاب عليها ، والتصفيات كمقدمة لإجهاضها .
ولن يكون من باب المغالاة التأكيد ، على ان الحركة الثورية المغربية بكل اطيافها الأيديولوجية والعقائدية ، موضوعة امام خيار واحد لا خيارين اثنين : إما ان تتمكن من تطوير أوضاعها الذاتية وتصليبها ، بترسيخ مكتسباتها وتقويتها ، حتى تكون في مستوى التجاوب مع الوضع بكل احتمالاته ومتطلباته ، وإما ان تتعرض للإجهاض والتصفية .
وإذا كنا قد ركزنا خلال هذه الدراسة السياسية والاستعراض السريع للأوضاع السياسية ، واحتمالاتها على استراتيجية النظام ، وخططه ، وتكتيكاته ، فليس معنى ذلك اهمال الوضع الجماهيري ، ومكتسبات الحركة التقدمية المغربية رغم ضعفها اليوم ، او انّ النظام وحلفاءه يتمتعون بموقع قوة بشكل مطلق ، ينفدون من خلاله كل مخططاتهم بشكل آلي ، او بضربات سحرية .. على العكس من ذلك ، فان الشعب المغربي وقواه الحية الأيديولوجية والعقائدية ، هو صاحب الكلمة الأخيرة ، وأن أي تحليل يتغاضى عن ذلك او يسقط من حسابه قدرة الجماهير الشعبية على الرد والمواجهة ، انما هو تحليل مبتور يتغاضى عن نصف المعادلة السياسية القائمة ..
اما من جهتنا فلقد اكدنا في غير هذه المناسبة ، ونؤكد على ضوء الاحداث المتفاقمة والمستجدة بالساحة الوطنية ، ان الشروط الموضوعية للتغيير الثوري في المغرب ، قائمة وبشكل كبير منذ عشرين سنة الماضية ، وان الجماهير الشعبية عبرت بالملموس عن طموحها في التغيير الجذري ، واستعدادها للتضحية والاستشهاد في سبيله . يبقى الخلل اذن في الشروط الذاتية ، أيّ في دور الطليعة الثورية ، بما لهذا المصطلح من ابعاد أيديولوجية ، وسياسية ، وجماهيرية ، وحتى عقائدية ، القادرة على تأطير نضال الجماهير، والتجاوب معه ، والالتحام به ، وقيادته نحو أهدافه الإيجابية المنشودة .
فهل ستتمكن الطليعة الثورية المغربية من رص صفوفها ، وبلورة تنظيمها ، وحشد كل الطاقات الوطنية والتقدمية الصادقة ، في معركة التغيير الوطني الديمقراطي الحقيقي ، والالتحام بالجماهير الشعبية في نضالاتها اليومية العريضة ، والمتعددة الجبهات ، كما في وقت الانتفاضات الجماهيرية الشعبية والمجابهة ؟
ان التفاؤل للتغيير يدفعنا للقول بان هذا هو الاحتمال الأقوى بالنسبة لكل الاحتمالات السابقة الذكر ، وهو الأعْند والاصلب من كل الحسابات الامبريالية والرجعية ، التي تحضر للمغامرة كالانقلاب العسكري او البلانكية للانقضاض على الحكم من فوق وفي غياب الجماهير .
( انتهى ) ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات