الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الأبيض الهوليودي

حمدى عبد العزيز

2023 / 2 / 25
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في فيلم (الأسكندر المقدوني - Alexander) الذي انتج عام 2004 من اخراج المخرج الأمريكي الشهير أوليڤر ستون يجري الحوار التالي اثناء تلقي الصبي الإسكندر الأكبر دروسه هو ورفقائه من التلاميذ المقدونيين من ابناء النخب وفرسان المستقبل من النابغين على يد أحد الحكماء المعلمين الذين احضرهم ملك مقدونيا ووالد الإسكندر المقدوني ( الملك فيليب الثاني) من أثينا لتعليم ابناء النخب المقدونية ..
يجرى الحوار بين الحكيم المعلم وتلاميذه الصغار كالتالي
يقول الحكيم المعلم
- الفرس حكموا ثمانين بالمائة من العالم القديم على الأقل من اثيوبيا ومصر جنوباً وحتي القوقاز والبحران الداخليان في الشمال .. إنهم يحكمون ونحن جالسون كالضفادع ..
فيرفع أحد زملاء الصبي الكسندر يده موجهة سؤاله للمعلم
- أيها المعلم
فيجيب المعلم
- نعم
فيسأله الصبي
- لم الفرس بهذه القسوة؟
فيجيبه المعلم
- بربك يانيركوس..
هذا ليس موضوع اليوم ..
ثم يلتفت إلى الإسكندر المقدوني وباقي التلاميذ ثم يحتل وجه المعلم الحكيم الكادر كما لو أن صانعوا العمل يريدون إرسال رسالته لعالم اللحظة الراهنة أيضاً ..
لينطق بهذه الكلمات التي تشكل تصوراً كامناً عبر التاريخ ورسالة للأحفاد الأوربيين
[ - ولكنه صحيح فالأعراق الشرقية معروفة بهمجيتها ونزعتها لإشباع حواسها ، وهو شئ غبي للغاية ، إنهم يخصون الفتيان الصغار مثلكم من أجل متعتهم الجنسية .. أجل الإفراط في كل شئ هو سبب انهيار البشر .. لهذا نتفوق نحن الإغريق على سوانا .. فنحن نسيطر على حواسنا ..]
انتهي هذا الحوار الذي لايجب أن بمر مرور الكرام بما يثير من دلالات ومايطرح من اشكاليات تخص نظرة (أهل الغرب الأوربي) لباقي العالم الذي يصطلح عليه في الفيلم ب(الشرق) وآثار ذلك التصور الذي هيمن على الضمير الأوربي بدرجة ما ، وخلق آثار مدمرة لازلنا نعيش تفاعلاتها عبر تاريخ البشرية الماضي والحديث وفي قلب لحظتنا الراهنة ..
وبادئ ذي بدء فبالطبع من الناحية التاريخية لايمكن أن نجزم بمدى استناد هذا الحوار لنصوص تاريخية موثقة ، وربما جرى ذلك وفقاً للخيال السينمائي في معالجته الفنية للتاريخ وبمعنى أنه لايمكن الجزم بأن هذا الحوار قد وقع نصاً بالضرورة ، وقد لمح الراوي في الفيلم أن هذا الحكيم المعلم الذي جسده في هذا الفيلم الممثل الكندي (كريستوفر بلامر) هو الفيلسوف اليوناني أرسطو ، وهو أمر لايمكن الوقوف بثبات على دقته من الناحية التاريخية .
، والفيلم وإن كان ليس فيلماً وثائقياً وهو عمل فني روائي يستند إلى أحداث تاريخية لكنه في النهاية عمل فني يطلق دلالاته ويطرح رسائله ويقدم معالجات فنية لوقائع التاريخ واحداثه تنبع في النهاية من تصورات وقراءات معينة للواقع والتاريخ والذات ، هي في الغالب إبنة سياقات مجتمعية وثقافية معينة ..
وفي هذا الصدد فالفيلم يدنا على دلالة هامة في المعالجة السينمائية كجزء من المخيلة الثقافية المنتشرة بين الكثيرين من ابناء النخب الأوربية وهي تلك الصورة النمطية التي يتم تصديرها للمواطن الأوربي عبر نموذج الرجل الأبيض المتفوق حضارياً صاحب الجدارة المزعومة في الوصاية على العالم ، والذى تلح عليه هوليود (منذ مابعد المكارسية) عن الآخر وتقسيم هذه المخيلة العقلية التي تعاني من بعض النزعات العنصرية التي تدفعها لتصوير هذا العالم على أساس أن الإنسانية لم ترى حضارات سوى في هذا الجزء الأوربي من العالم والذي يطلق عليه الغرب (باعتبار ان امريكا هي إبنة الإرث الحضاري الأوربي بعد أن قطع الرجل الأبيض الأوربي المستوطن علاقتها بالعالم الهمجي (على حد وصف المستوطن الأوربي) عبر إبادة الهنود الحمر) ، وبالتالي برز مفهوم الغرب الذي تبدأ منه الحضارة الإنسانية وتنتهي ، وعليه فإن الإنسانية فيما عدا الغرب هي مجموعات من الهمج وأهل الشر الذين يعيشون عالة على منتجه الحضارى ، ولذلك فوفقاً لهذا التصور فأن العالم لابد أن يعيش على مشاعر الممنونية لهذا الرجل الغربي الأبيض الذي يرجع إليه الفضل الحضاري الإنساني ، ولابد أن ترث أجيال هذه البشرية تلك الممنونية وتواصل دفع دينها المستمر تجاه هذا الرجل الأبيض ، وبالضرورة لابد أن تقبل حقائقه وتصوراته عن العالم ، وأن تغض الطرف عن إرثه الإستعماري وماخلفه ذلك الإرث من آثار مدمرة على العديد من شعوب مناطق العالم كشعوب مناطق أمريكا الجنوبية والقارة الإفريقية ومناطق غرب آسيا وغيرها من شعوب العالم (الشرقي) …
ولعل هذا التصور الإستعلائي الغربي الذي يتم تصديره للمواطن الأوربي ولشعوب العالم على النحو الذي يحقق القوى الدافعة لنزعات الهيمنة على الآخر وإلحاقه بالحظيرة الغربية سواء في الأزمنة المريكتيلية (حرب الأفيون الأولى والثانية) كدليل صارخ ، أو في الحقبة الإستعمارية التي لازالت وطأة آثارها وتفاعلاتها ماثلة على شعوب أفريقيا والشرق الأوسط حتي اليوم ، ولازال ابناء ضحاياها يأنون من هذا الإرث حتي اليوم .
وربما يتبادر إلى الذهن أن مجريات مابعد سقوط الإتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة قد شهدت إزدهار هذه التصورات في ادمغة المراكز الرأسمالية العالمية وهي تشرع في عمليات (التكيف الهيكلي) مع بداية تسعينيات القرن الماضي وتضع (تفاهمات واشنطن) على أساس نظرية انتهاء الصراع باحراز التفوق النهائي للعالم الغربي وظهور نظرية (نهاية التاريخ) وما إلى ذلك
ولعل المركز الرأسمالي العالمي يحتاج بشدة لإشاعة تلك التصورات عن زعم جدارة الرجل الأبيض واحقية ولايته للعالم بوصفه وصياً على الحضارة الإنسانية وترسيخ المفاهيم الإستعلائية العنصرية الزائفة عن العالم (الشرقي) بوصفه عالم تسوده الهمجية ويشكل خطراً داهماً على حضارة ولابد من حصاره ومحاربته كمبرر لمعركة الغرب الأطلسي الكبرى التي تجرى اليوم دفاعاً عن الحصون المتهاوية لهيمنته على الشعوب والمهددة على يد الشرق حيث خطر التنين الصيني العملاق والصعود الروسي على هذه الهيمنة وتململ دول بعض دول الشرق من وظيفة التابع (كباكستان وتركيا وحتى بعض دول الخليج العربي) ونزوع بعض دول الشرق لتكوين كياناتها النازعة نحو الإستقلالية وتعميق حضورها الإقليمي (كالهند اقتصادياً ، وإيران الجيوسياسية) فضلاً عن النزعات اليسارية التحررية التي بدأت تضرب في قلب الحديقة الخلفية للمركز الرأسمالي العالمي الغربي حيث ينجح اليسار في حكم العديد من بلدان أمريكا الجنوبية ..
لعل هذا يساعدنا أيضاً على فهم طبيعة الحرب الأوكرانية الروسية وانخراط تحالف الناتو الأطلسي على هذا النحو فيها ، وكونها ستشكل نقطة فاصلة في تاريخ هذا الصراع الإنساني الممتد ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا