الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حِمايةُ الفُقَراءِ مِن أفضلِ الصَّدَقاتِ

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 2 / 26
الادب والفن


لفظ (الفقراء) في معاجم اللغة العربية جمع تكسير، مفرده (الفقير)، الذي اشتُقَّ من الفَقْر، ويُقصَد به كل ما كان ضِدَّ الغِنَى، وأَصلُ الفَقْرِ: الحاجةُ؛ فـ(الفقيرُ) هو: المحتاجُ. قال اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[سورة فاطر، الآية15 ]؛ أَي المحتاجون إِليه، عز وجل. و(الفقير) أيضًا هو من أصيب فَقاره، أي عموده الفقري، أو نُزِعَتْ فِقْرَةُ ظَهْرِهِ فانقطع ظهره؛ فهو فعيل بمعنى مفعول، أي فقير بمعنى مَفْقُور، وَمن ثَمَّ لم يَعُد قادرًا على الحركة ولا الكسب من باب أولى، و(الفقير)- كذلك- هو الذي لا مال له، وهو العاجز عن كسب ما يؤمن لقمة العيش له أو سد حاجته؛ فهو من لا يملك قوت عامه، سواء كان لا يملك شيئا أو يملك أقل من قوت العام. ويرتبط لفظ (الفقراء) في الخطاب الإسلامي- سواء أكان قرآنًا كريمًا أو سنة نبوية أو كلامًا فقهيًّا- بلفظ (المساكين)؛ فـ(الفقراء والمساكين) هما الصنفان الأولان من الأصناف الثمانية المستحقة لفريضة الزكاة ونافلة الصدقات، في الآية الستين من سورة التوبة، والتي حددت مصارف الزكاة، حيث يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾، وكلاهما(الفقراء والمساكين) بحاجة إلى مُؤْنة، والفقراء أشد حاجة؛ لأن الله بدأ بهم، والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم؛ وتدبر هذه الآية الكريمة يدلنا على أن الفقر والمسكنة والاحتياج الفوري السريع العاجل، من أهم أسباب صرف الزكَوات والصدقات وإخراجها...
وفي القرآن الكريم مفهوم واسع للفقراء، حسب الحاجات الاقتصادية المستحدثة اليوم؛ إذ أصبح من الحاجات الأساسية الضروية في زماننا: الكهرباء والماء والهواتف والمواصلات والتعليم، ومتطلبات شعيرة الزواج... وغير ذلك من الضروريات. ولعل الإشارة إلى ذلك جاءت في قول الله تعالى: ﴿لِلْفُقَرِاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً﴾[سورة البقرة، من الآية 273] فنحن هنا أمام نوع خاص جديد من (الفقراء)! وهم من وصفهم الإمام الطبري(224-310هـ) بأنهم مَن يحسبهم الجاهل- بأمرهم وحالهم-أغنياء من تعففهم عن المسألة، وتركهم التعرض لما في أيدي الناس؛ صبرًا منهم على البأساء والضراء، وهم مَن لا يستطيعون تقلُّبًا في الأرض، وسفرًا في البلاد، ابتغاءَ المعاش وطَلبَ المكاسب، فيستغنوا عن الصدقات، فيحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف! وهذا المفهوم الواسع (لـلفقراء) ورد في الحديث النبوي الشريف الذي نصه: قالَ رسولُ اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "ليس المسكينُ الذي يطوفُ على النّاسِ تَردُّه اللُّقمةُ واللُّقمتانِ والتَّمرةُ والتَّمرتانِ، ولكنِ المسكينُ الّذي لا يجدُ غِنًى يُغنيهِ، ولا يُفطَنُ به فيُتَصَدَّقُ عليهِ، ولا يقومُ فيسألُ النّاسَ". وفي لفظٍ في الصّحيحين: "ليس المسكينُ الّذي تردُّه التّمرةُ، والتّمرتانِ، ولا اللُّقمةُ، ولا اللُّقمتانِ، إنّما المسكينُ الذي يَتَعفّفُ، واقرؤُوا إنْ شِئتُم يعني قولَه تعالى: ﴿ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾، وقال الإمام النووي(631-676هـ): الفقير هو الذي لا مال له ولا كسب، يقع موقعًا من حاجته؛ فالذي لا يقع موقعًا، كمن يحتاج عشرة ولا يملك إلا درهمين أو ثلاثة، فلا يسلبه ذلك اسم الفقير، وكذا الدار التي يسكنها، والثوب الذي يلبسه متجملاً به"؛ فالفقير إذن هو من يعيش تحت حد الفقر والعَوَز فهو في حاجة إلى من يعينه ويكفيه ويسد رمقه، ويحقق المطالب الضرورية في الحياة من مطعم ومشرب ومسكن وملبس ووسائل العيش والحياة الأساسية والتي تجعله آمنًا في سِرْبِه!
والفقر مصيبة خطيرة فتاكة بالفرد والمجتمع معًا؛ لما له من مخاطر جمة، ومن آفات كثيرة؛ فالفقر مَدْعاة لانتشار الفواحش بأنواعها، من زنا وتحرش واغتصاب، ودعارة وعُهْر ومجون، كما أنه سبب في كثير من المشاكل الأمنية كالسرقة والنهب والغش والتزوير وأكل أموال الناس بالباطل، والوقوع في كبيرة الإرهاب والإجرام والإفساد في البلاد والعباد... وما أشبه ذلك، وقد يؤدي ببعض البشر إلى الكفر أو الخيانة! وذلك بأن يبيع دينه بأي مال، فيبيع الدنيا الفانية بالآخرة الباقية، وبأن يكون بموالاة أعداء الله، وأعداء الوطن ومداهنتهم ومعاونتهم؛ ونجد إشارة إلى ذلك في قول الله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 271]؛ فواضح من الآية الكريمة أن الصدقة خير لنا أجمعين؛ فالضمير في (لكم) يعود على الجميع على المتصدق، والمتصدق عليه، على الأغنياء، وعلى الفقراء، معا، أي على المجتمع كله، وفي الخطاب النبوي الشريف إشارة إلى خطورة الشح والبخل، حيث يقول الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقوا الظُّلمَ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلُّوا محارمَهم"؛ فالهلاك والخسران والوبار، وسفك الدماء واستحلال المحار، وغير ذلك ن المضار إنما تقع في المجتمع، عند انتشار الفقر وكون الأغنياء أَشِحَّاء بُخَلاء، ووجود فوارق كبيرة بين أفراد المجتمع. ومن ثم نجد النبي الكريم الجواد الخاتم -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه الغِنَى، قائلاً: «اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى»، كما كان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من الفقر، قائلاً:"اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر"، أي من قلب حريص على جمع المال أو من الفقر الذي يفضي بصاحبه إلى كفران النعمة في المال ونسيان ذكر المنعم المتعال، وقال المناوي(ت952-1031هـ): أي استعيذوا بالله من الفقر والعيلة، أي الفقر مع كثرة العيال؛ فإن ذلك هو البلاء الأعظم، فعلى المسلم أن يتوكل على الله تعالى، ثم يأخذ بأسباب الرزق والغنى الحلال الجائز شرعًا وقانونًا؛ لحماية نفسه وأهله من الوقوع في مصيبة الفقر وبَلِيَّة العَوَز.
ولا ريب في أن (الفقراء) بمختلف أنواعهم وأحوالهم هم أهمُّ طبقة اجتماعية الآن تحتاج العون والرعاية والبر والتصدق والإنفاق... وغير ذلك من الأساليب الاقتصادية التطوعية، التي تعمل على حمايتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم. وعندما نتدبر آيات الإنفاق والتصدق في القرآن الكريم نجد أنها تُعنَى أولَ ما تُعنَى بالفقراء والمساكين اليتامى وغيرهم من الضعاف، كما نجد أن للإنفاق والتصدق ثوابًا متنوعًا بين (ثواب عَقَدي إيماني) يتمثل في أنه يحقق الركن الثالث من أركان الإسلام، المُسمَّى الزكاة، و(ثواب أخرويّ) يتمثل في تكفير السيئات. قال الله تعالى: ﴿إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيم﴾. [سورة التغابن، آية: 17]، وفي سورة البلد نجد الإنفاق على الفقراء سبب الخلاص من كل عقبة في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾. و(الرقبة) هنا جاءت نكرة عامة؛ لتشير إلى كل إنسان عنده كرب أو هم أو ضيق من فقر ونحوه، والإطعام في يوم المجاعة يكون للفقراء غالبا، وما اليتيم القريب ولا المسكين المترب إلا نوعان من الفقراء؛ فالصرف على هؤلاء هو السبيل الوحيد للخلاص من العقبات والمعوقات في الحياة الدنيا والحياة الآخرة... ونجد الثواب النفسي والأثر الاجتماعي والاقتصادي للتصدق والإنفاق يرد في الأمر الإلهي لرسولنا الخاتم-صلى الله عليه وسلم-: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. [سورة التوبة، آية: 103]، وفي قوله تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. [سورة البقرة، آية: 245]، وقوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. [سورة البقرة، آية: 261]، وفي قول الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾. [سورة البقرة، آية: 276] أي أن الله يضاعف اأجر الصدقات ويربها ويُنَمِّيها لصاحبها؛ فالعمل على حماية الفقراء من خلال إنفاق المال عليهم سبب في البركة العامة في الرزق والتوسعة فيه، وقد أخبرنا النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- أن ما ينفقه العبد المسلم من صدقة في سبيل الله تعالى لا يكون سببًا في نقصان ماله، بل هو وسيلة من وسائل تزكية المال وتثميره وتوسعته والبركة فيه، فالصدقة لا تنقص المال ولا تقلل منه، كما يظن ضعاف العقول ومرضى القلوب، وأكبر دليل على ذلك أن الله - تعالى-قد تكفل بالإنفاق والإخلاف على من ينفقون في سبيله، فقال سبحانه: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39]، والصدقة الحامية للفقراء تحمي صاحبها. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في حديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه"! وفي حديث ثان: "كُلُّ امْرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ"...وغير ذلك من أنواع الثواب الدنيوي والأخروي...
إن الزكوات والصدقات وكفالات المُعسرين والأعمال الخيرية والتطوعية في ظلال الإسلام، من أهم وسائل علاج مشكلة الفقر، ومن أبرز طرق حماية الفقراء؛ ولذا نجد اهتمامًا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين أرسل معاذ بن جبل- رضي الله عنه- إلى أرض اليمن وأمره أن يأخذ الزكاة من أغنياء أهل اليمن وأن يردها على فقرائهم، وفي هذا حل لمشكلة التفاوت الاقتصادي الفاحش؛ حيث يعمل الإسلام على عدالة التوزيع، وتقارب الملكيات في المجتمع، التي هي أساس استقرار كل مجتمع وقوة كل أمة.... فعلينا أن ننشر ثقافة التصدق والعمل الخيري والإحساس بالفقراء والمحتاجين بين أبناء الوطن... حفظ الله مصرنا وأمتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??