الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتح بين كونها حزب سلطة وحركة تحرر (1 من2)

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 2 / 27
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


نهاد أبو غوش*
كيف تستقيم حقيقة مشاركة أعضاء في الهيئة القيادية الأولى لحركة فتح (اللجنة المركزية) في مراسم عزاء الشهيد عدي التميمي في مخيم شعفاط، مع انخراط أجهزة ومؤسسات تابعة للسلطة التي تقودها فتح، في سياسات وإجراءات تناهض المقاومة وتعاديها؟ التساؤل عينه ينسحب مع تمجيد صف واسع من كوادر وقادة حركة فتح، ومن بينهم وزراء، وأعضاء مركزية ومجلس ثوري ومسؤولي أقاليم، لعدد من الفدائيين الذين نفذوا عمليات بطولية في الداخل المحتل عام 1948، وعمليات أخرى في القدس أدت إلى مصرع مستوطنين، مع أن الموقف الرسمي للحركة ولفصائل منظمة التحرير الفلسطينية يعارض العمليات الفدائية إذا وقعت داخل الخط الأخضر، أو أدت إلى مقتل "مدنيين" إسرائيليين وخاصة من النساء والأطفال.
يمكن تفسير التناقض أعلاه بالدوافع الفردية لدى هذا المسؤول أو ذاك، وحرصه (أو حرصها) على مشاطرة ابناء شعبه مناسباتهم الاجتماعية إما مجاملة أو التماسا لشعبية، أو بدافع من مشاعر شخصية صادقة، لكن مزيدا من الفحص والتدقيق لهذه الظاهرة يكشف تناقضا أوسع من كونه ظاهرة فردية عابرة، ليتبين أنه تناقض رافق حركة فتح، ومعظم الفصائل المنضوية في إطار المنظمة، منذ بدء تطبيقات اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة. وهو التناقض الذي ترتب على كون حركة فتح نشأت كحركة تحرر وطني هدفها تحرير وطنها وشعبها، وخاضت في سبيل ذلك عشرات المعارك والمواجهات على أرض الوطن وفي الشتات، وقدمت آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وبين كونها "حزب سلطة"، والسلطة هذه مُكبّلة ومُقيدة باتفاقيات أمنية وسياسية واقتصادية مع دولة الاحتلال تمنعها من اللجوء ل"العنف" في مواجهة الاحتلال، وتفرض عليها التزامات أمنية وإدارية وقانونية تضعها بدلا من ذلك في مواجهة المقاومة.
سوف نعمد في هذا المقام إلى تركيز بحثنا على حركة فتح، لكونها قاطرة الحركة الوطنية الفلسطينية والعمود الفقري لمنظمة التحرير، ومن قاد النضال الوطني التحرري منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة حتى توقيع اتفاق اوسلو، ولكونها كبرى المنظمات الفلسطينية، والفصيل الذي يقود السلطة، مع ان سمات هذا التناقض وبعض تجلياته تنطبق بهذا القدر او ذاك على باقي فصائل العمل الوطني.
كثيرة هي الشواهد، القديمة والجديدة، على احتدام التناقض بين الطابع الوطني التحرري لحركة فتح، وبين كونها حزب سلطة، ولعل أبرز هذه الشواهد هو وجود الآلاف من منتسبي الحركة في سجون الاحتلال بسبب مشاركتهم في المقاومة، إلى جانب مختلف المظاهر الاحتجاجية التي تعبر عنها شرائح وقطاعات واسعة من كوادر الحركة، ثم اتساع اشكال "التفلت" والتحرر الذاتي من قيود الاتفاقيات من خلال مشاركة عناصر محسوبين على الحركة، وبعضهم من المنتسبين لأجهزة السلطة الأمنية، في فعاليات المقاومة واستشهاد بعضهم او اعتقالهم خلال أعمال التصدي لاقتحامات الاحتلال.
انتفاضة الأقصى وتبخر أوهام اوسلو
يمكن القول أن وقائع الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) شهدت ذروة هذا التناقض بين الطبيعتين المتعاكستين للحركة، وهو أمر لا يقتصر على اجتهادات الأفراد بناء على قناعاتهم الشخصية، بل يصل إلى تشكيل جناح مسلح للحركة "كتائب شهداء الأقصى" ومشاركة أعلى المستويات القيادية للحركة في توجيه أعمال المقاومة المسلحة وتمويلها، وهو ما رددته المصادر الصهيونية مرارا وتكرارا من خلال اتهام الرئيس الشهيد ياسر عرفات بالوقوف وراء الهجمات المسلحة، ثم محاكمة عدد من أبرز القيادات والكوادر المتقدمة في الحركة ومن بينهم على سبيل المثال الأسير مروان البرغوثي، واللواء فؤاد الشوبكي مسؤول المالية العسكرية، علاوة على اغتيال عدد آخر من الكوادر المتقدمة في الحركة.
جاء انفجار التناقض خلال الانتفاضة الثانية لكي يبدد الآمال ويبخر الأوهام التي نشأت على أثر اتفاق اوسلو، والتي راهنت فيها قيادة المنظمة، اي قيادة فتح والسلطة لاحقا، على أن مسار أوسلو سوف يفضي حتما إلى الحرية والاستقلال والدولة المستقلة، ليتبين بالواقع الملموس، والذي اكدته كل تجربة السنوات اللاحقة وصولا إلى حكومة نتنياهو- بن جفير- سموتريتش، بأن اتفاق اوسلو لم يكن اكثر من فخ أو مصيدة جرى من خلالها الإيقاع بالجسم الرئيسي للحركة الوطنية الفلسطينية وقيادتها، وتكبيلها بجملة من القيود والشروط التي منعتها من الاضطلاع بدورها في مواجهة الاحتلال، ولا شك أن الأمر لم يقتصر على القيود والإملاءات القسرية لتطويع الحركة الوطنية واحتوائها وتعطيل دورها المناهض للاحتلال، بل إن الأخطر تمثل في الامتيازات والإغراءات والمكاسب التي تمتع بها كبار المسؤولين في السلطة والتي شملت مناصب ومواقع ونفوذا ومصالح تشكلت من التزاوج والتداخل بين قطاعات الأعمال والتجارة وبين مواقع القرار في راس الهرم البيروقراطي للسلطة، وتشكلت شرائح مستفيدة من هذا الوضع الشاذ الذي وجدت الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها مقيّدة إليه على حساب الدور الذي نشأت من أجله، واكتسبت مكانتها ورصيدها في صفوف الشعب بفضله وبفضل التضحيات الجسام التي قدمتها الحركة عبر تاريخها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً