الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُناجاةٌ : (مَاذا عَسَانِي)

علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)

2023 / 2 / 28
الادب والفن


دخلتُ الحرمَ فطاشَتْ رعشاتُ جَفلتي في سماءِ رحمتِهِ وبَرَكتِهِ،
وتلاشَت وحشاتُ رحلَتي في فضاءِ رِفْقِهِ وشَفَقَتِهِ،
وجاشَت تحتَ تَلألُؤِ حُنُوِّهِ الحنايا، وَعاشَتِ الرُّوحُ في رَحمةٍ مَمنوحةٍ لأهلِ مسجدي، وكانَ إستغفارُهم بالأسحارِ هو ذروةُ ما لديهم من مَزايا.
وقفتُ بين يديهِ لأُناجِيَهُ، ومَاذا عَسَاِنيَ أن أناجِيَهُ! ومَاذا عَسَاي!
مَاذَا عَسَايَ، وذا كياني بِآثامِهِ مُرتَكِسٌ، وكبريائي مُنتَكِسٌ، ولساني
مَاذا عَسَانِي، وذا عناني مُبْتَبِسٌ سَريرَةَ حَرفِهِ، وسنانِي
مَاذا عَسَانِي، وذا بياني مُحْتَبِسٌ جَريرَةَ ذَرفِهِ، وما كسانِي
مَاذَا عَسَانِيَ، وذا طَائِري في عُنُقي مُتَعَسِّسٌ، وجَنَاحَاهُ لطَرائِقي يتَجَسّسَانِ
مَاذَا عَسَانِيَ، وَذَانِكَ كاتِبَيَّ على كَتِفَيَّ مُسَرَّجانِ، ولبَوائِقي يُكَدِّسانِ
مَاذَا عَسَانِيَ، وذانِ شَطرايَ بِتقواهما مُتَحَمِّسان، وبفجورِهما طامِسانِ
مَاذَا عَسَانِي، وقَدْ هَامَ عَنَاني في أوداجِ تَأَفُفٍّ وأفواجِ تَكَلُّفٍ، وفي مَرسَاهما رَسَّانِي
مَاذَا عَسَانِي، وقَدْ صَامَ بَناني عن أمواجِ تَعَفُّفٍ وأزواجِ تَلَطُّفٍ، وعن مَسراهما نسَّاني
مَاذَا عَسَانِي، وقَدْ ظَنَّ الأنَامُ بأصابعَ يديَّ يَتَفْطَّرا وَرَعاً وتَنَسُّكاً، وللحسناتِ مُغَمِّسانِ
مَا عَسَانِي، وقَدْ أَنَّ الظَّلامُ بمرابعِ جفنيَّ، يَتَقْطُرا جَزَعا وتَهَتُّكَاً، وبالسيئاتِ يأسِرَانِي
مَاذَا عَسَانِي، إلّا أنْ ألوُذَ بالغَفَّارِ مِن شُؤْمِ بَوائِقي، ومن خسران
مَاذَا عَسَانِي، إلّا أن أعُوُذَ بالجَبَّارِ مِن لُؤمِ طَرائِقِي كإنْسَانِ
مَاذَا عَسَانِي، إلّا أَنْ أعتَصِرَ لأنتَصِرَ لِعَبَراتِ ذَرفِي، فِي ظلالِ إلهٍ حَميدٍ، أُنْسِيتُهُ وَمَا نَسَانِي
مَاذَا عَسَانِي، إلّا أَنْ أختَصِرَ لأحتَصِرَ نَظَرَاتِ طَرفِي، لِجلالِ رَبٍّ رَشِيدٍ، إنْ عَصَيْتُهُ وَاسَاني
مَاذَا عَسَانِي، إلّا أنْ أَفِّرَّ لأسِرَّ عبراتٍ صرفي إلى عليمٍ غَفُوُرٍ، فَيُعَدِّلُ عُيُوبي بلُطفِهِ لحِسَانِ
مَاذَا عَسَانِي، إلّا أنْ أُقرَّ لحليمٍ صَبُوُرٍ، فَيُبَدِّلُ ذُنُوبي بعَطفهِ لرضوانٍ وإحسَانِ
سُبْحَانَهُ...
سُبْحَانَهُ، وقد صَوَّرَ بياضَ الغيومِ، وحَوَّرَ وثَوَّرَ رياضَ الكروم، ونَوَّرَ وكَوَّرَالنجومَ ودَوَّرَ درعَ الخُنْفُسانِ
سُبْحَانَهُ، وقد مَنَحَ النَّملِ مَجَسيْنِ يتحسسانِ، وقد سَمَحَ لسليمانَ فهمَ ما يتهامسانِ
سُبْحَانَهُ، وقَد نَفَحَ في كلِّ زَوجَينِ على ظهرِها مودَّةً ورحمةً بها يتآنسانِ فيَعرسَانِ
سُبْحَانَهُ، وقَد كَبَحَ جماحَ طاغٍ بطاغٍ، وباغٍ بباغ، بتكَبُّرٍ يَتَغَطرَسانِ
سُبْحَانَهُ، ما أعظَمَهُ! سُبْحَانَهُ، ما أكرَمَهُ!
سُبْحَانَهُ، ما أحلمَهُ! سُبْحَانَهُ، ما أرحمَهُ!
سُبْحَانَهُ، إذ هوَ في عَورَاءَ مَسالِكي يَرعَانِي، وفي حَضِيضِهُمُ أَنْجَدَني، ومَا سَجّانِي
سُبْحَانَهُ، إذ هوَ في غَبْرَاءَ مَهَالِكي وَعَّانِي، لِيَفكَّ أسْريَ مِن طغيانيَ، ومن سَجَّانِي
سُبْحَانَهُ، إذ هوَ ينادينِي كُلَّمَا مَسَّنيَ طَائِفٌ مِن الشَّيطانِ، وَبِلَمزِهِ دَسَّانِي
سُبْحَانَهُ، إذ هوَ يَتَقَبَّلُ بلطيفِ حلمِهِ وحنانِهِ صلاةَ ساهٍ واهٍ لاهٍ شَارِدٍ نَعسَانِ
سُبْحَانَهُ، إذ هوَ يَتَقَبَّلُ منِّي صَلاةً أستحيَ أنا مِمّا فيها مِن لَهوٍ وسَهوٍ ونِسيَانِ
فمَاذَا عَسَايَ أنْ أنَاجِيَهُ، وذا خافقي بِآثامِ شَهوَتهِ مُضَرَّج، ولساني
وآهٍ من ساعةٍ محشرٍ في عرصاتِ الإلهِ، ثمَّ أوَّاهُ من تفريطٍ ورهانٍ بخسران!
وإيه يا ساعةَ مَنْدَمٍ في مُدانٍ مُجَلجَلٍ بديونٍ، ومُزلزَلٍ بسوءِ عقباهُ، وإيهٍ من عُمُرٍ مماطلٍ في تسويفِ هداهُ، بل وكانَ مُستَخِفّاً بلقياهُ
وها هو اليومَ فجأةً قد وَرَدَهُ، وها هو ذا قد أتاهُ، وهو ذا وجهاً لوجهٍ بحضرةِ دائنهِ، في ملكوتهِ وجبروتهِ وكبريائهِ وعلياهُ
لا مفرَّ ولا مَنجَأَ مِنهُ إِلَّا في غمرِ رحمتهِ وفضاه، ولا مقرَّ ولا مَلْجَأَ مِنهُ إِلَّا في أمر حكمته وقضاهُ.
أوّاهُ ثمَّ ويلاهُ!
مُحالٌ على النفسِ آنئذٍ تسديد ديونِها، وسيغيبُ عن الذِّكرِ بما ظَلَمَ مُناهُ ومُرتجاهُ
وستَثني النفسُ صدرَها لتَستخفيَ من كئيبِ عارٍ ببلواهُ، ومن لهيب نارٍ برَداهُ، وستُعجِّلُ بقناعةٍ صدورَ حكمِ تسديدِ الدَّينِ وجزاهُ، ولكن...
لعلَّ لمحَةَ {الْكَرِيمِ} النّابتةَ في بندٍ رحيمٍ، في سورة الإنفطار بفحواهُ:
"{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}"
قد تشفعُ وترفعُ عن المَدْيُونِ ثبورَهُ وويلاه، مَهما فسَّرَها مُفَسِّرٌ وتأوَّلَها مُتَأوِّلٌ تأويلاً يحرمُ العبادَ من كرمِ {الْكَرِيمُ} ورحماه
ولئن إستحضرَتها النَّفسُ آنئذٍ فسَتُسعِفُ في خلاصٍ ذاتِها ونجاة، من حُكمِ إستردادِ ثقيل الدَينِ وعسراهُ.
وإنَّ كلّاً لمّا هنالكَ لسالكٌ، وبحضرةِ جلالِ عرشهِ مُدانٌ بخزيٍّ وسُّوآهُ
وكُلُّ هنالكَ هالكٌ بما قدمتهُ يداه، فالبهيُ هالكٌ والشَّقيُّ، والهَنيُّ هالكٌ والدَّنيُّ، والغبيّ هالكُ، وحتّى النبيّ هالكٌ بلظاه
لولا رحمةُ {الْكَرِيمِ} في قانون سورة الإنفطار ونداهُ.
فلعلَّ الكلمةُ القلبَ يومَئذٍ مُستَحضِرُها، رغمَ هَجرهِ للقرآنِ، ورُغمَ جفاهُ.
وإنّما ذاتُ إستحضارِها هوَ كَرَمٌ منهُ وتكريم، لأنهُ هو {الْكَرِيمُ} وما من كريمٍ سواه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل