الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي سبل تغير السياسات الأمريكية تجاه إسرائيل ومتى؟

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2023 / 3 / 1
القضية الفلسطينية


قراءة في كتاب
جيريمي بريسمان
ترجمة: محمود الصباغ
عززت حرب العام 1967 العربية الإسرائيلية، دور إسرائيل في سياق بناء الهوية اليهودية الأمريكية. وكتب "شاؤول ماجد" كيف [أصبح] الخطاب اليهودي حول الصهيونية بعد الحرب "خطاب الهوية اليهودية ذاتها". ويصف الحاخام ألكسندر شندلر، زعيم اليهودية الإصلاحية، ارتباط اليهود بإسرائيل أشبه "بآلة غسيل الكلى، التي لا يستطيع [اليهود الأمريكيون] العيش بدونها". وفي العام 2022، اعتبر ويليام داروف، الرئيس التنفيذي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، إسرائيل "قاعدة رئيسية لليهودية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين".
بيد أن هذه الاستنتاجات السابقة لم تكن صحيحة دائماً، ففي أوائل القرن العشرين، رفض يهود الولايات المتحدة وأماكن أخرى في العالم الصهيونية إلى حد كبير باعتبارها حركة هامشية. وفي ظل الافتقار إلى دولة والسيطرة على وطن جغرافي إقليمي، كان اليهود المتدينون على الأرجح ينتظرون الخلاص الإلهي بدلاً من الخلاص البشري في أرض إسرءيل القديمة. وصوّت معظم اليهود بأقدامهم للبقاء في أوروبا والإمبراطورية العثمانية، وأمّا من هاجر منهم فقد توجهوا غرباً إلى الأمريكتين. وحتى بعد حصول إسرائيل على الاستقلال، في العام 1948، ظل المجتمع اليهودي منقسماً بشأن دعم إسرائيل. أبدى معظم اليهود الأمريكيين تقديرهم للدولة الجديدة، وساعدوا، كما كتب إريك ألترمان في كتابه الجديد، نحن لسنا واحداً: تاريخ قتال أمريكا على إسرائيل We Are Not One: A History of America’s Fight Over Israel (2022)، بوحي من رواية ليون يوريس "الخروج Exodus" 1958، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي في العام 1960 تمثيل بول نيومان. لكن السردية العامة لحرب 1967 كان لها صدى عميق بين اليهود في الولايات المتحدة. [ النسخة السينمائية من الرواية تم تحريرها بناء على اقتراحات مقدمة من الحكومات الإسرائيلية، كترويج اسطوري لتأسيس الدولة، ويشير ألترمان إلى إن إسرائيل التي طلبت من اليهود التعاطف معها لم تكن إسرائيل الحقيقية، بل إسرائيل الخيالية المثالية التي صورتها في رواية وفيلم "الخروج".. كانت صورة داود الإسرائيلي وهو يقاتل جالوت العربي -التي تم إحياء ذكراها في الرواية والفيلم أكثر تضليلًا من كونها لحظة مضيئة.. لكنها استمرت كأداة لمؤيدي إسرائيل في المناظرات."، ولهذا السبب، يقول ألترمان يظهر العديد من أفراد الجالية اليهودية، وخاصة طلاب الجامعات، غير قادرين على توجيه انتقادات لإسرائيل، تلك الإسرائيل التي تدربوا على الإيمان بها من قبل المجتمع اليهودي المنظم غير موجودة، لذا فهم غير مستعدين للنقد المشروع ضد إسرائيل، إسرائيل الحقيقية. لأن إسرائيل يوريس في "الخروج" أصبحت مركزية لهويتهم اليهودية، فهم يفسرون انتقاد إسرائيل على أنه معاداة للسامية، وهجوم على هويتهم- المترجمٍ.]
في مواجهة هجوم عربي محتمل -الذي كان مصدر خشية دائمة الجمهور من أن يرقى ذلك الهجوم، لو حصل في ذلك الوقت، إلى محرقة ثانية- شنت إسرائيل هجوماً مفاجئاً قضت فيه على منافسيها العرب تقريباً، واستولت على مساحات شاسعة من الأراضي العربية وتضاعف حجمها أكثر من ثلاثة أضعاف. وتوقع العديد من المسؤولين العسكريين الأمريكيين والإسرائيليين فيما بينهم عشية الحرب، انتصاراً إسرائيلياً. وأدى الانتصار الهائل والاستيلاء على الأراضي الكتابية "التوراتية" إلى تنشيط وتفعيل قطاعات من اليهود في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. كما أدت الحرب إلى "التقديس المفاجئ للمحرقة Shoah "، والذي كان متشابكاً بدرجة عميقة مع الالتزام القوي لليهود الأمريكيين تجاه إسرائيل التي أصبحت ملاذاً إيديولوجياً ومادياً لليهود، حيث ارتبطت ذكرى الهولوكوست بفكرة تؤكد على أن وجود دولة يهودية يمثل الضامن الوحيد الذي يمكنه الحماية من أي هجوم يستهدف الإبادة الجماعية لليهود في أي مكان. وعشية حرب 1967 تولد الشعور بأن كأن هذه الحرب قد تكون مقدمة لإبادة جماعية أخرى، مما عزز فكرة الملاذ اليهودي الآمن، لأن ما يحمي الشعب اليهودي وجود دولة إسرائيل وقواتها المسلحة. وإذا ما كان هذا الضمان يعني وجوب التضحية بالعالمية، فليكن ذلك. وهكذا، دعم العديد من اليهود الأمريكيين، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مجموعات المصالح المؤيدة لإسرائيل في العاصمة واشنطن، والتي سرعان ما استحوذت على الموارد والنفوذ السياسي. ومع نهاية التسعينيات، لم يحتضن معظم القادة اليهود إسرائيل لمصلحة الدولة فحسب، بل اعتقدوا أيضاً أن دعم إسرائيل كان مفتاحاً لبقاء يهود الولايات المتحدة -أكبر جالية يهودية في الشتات. وفقط، منذ العام 1967 تعمقت مركزية إسرائيل في سياق الهوية اليهودية. ولعل أوضح مظهر على هذه المركزية برنامج "اكتشاف إسرائيل Birthright Israel "، الذي أطلق في العام 1999 والذي استطاع جلب، منذ ذلك الحين، أكثر من 800 ألف شاب يهودي أمريكي، عبر رحلات مجانية تماماً لمدة عشرة أيام أو أسبوعين، إلى إسرائيل، حيث قام العديد من المشاركين بزيارة البلاد للمرة الأولى في حياتهم.
وتحتفل دولة إسرائيل هذا العام بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها، وبهذه المناسبة التي تقل عن قرن بقليل، شهدت الدولة خلالها تحولاً عميقاً. فإسرائيل الآن هي أقوى دولة في الشرق الأوسط. وهي ليست مستقلة وغنية ومسلحة نووياً فحسب، بل تحتضنها أيضاً العديد من المنظمات الثقافية والسياسية والدينية اليهودية في جميع أنحاء العالم.
يأتي كتاب ألترمان، إذن، في الوقت المناسب، ليتتبع "الجدل حول إسرائيل في الولايات المتحدة" ويقدم، عن كثب، دراسة الهوية الإثنية-الدينية، وعلاقات الشتات، والسياسة الخارجية، حيث ما انفك مشهد الدعم الإسرائيلي يزداد تعقيداً، ويستعرض أربع نتائج مهمة حول مركزية الدولة الإسرائيلية في سياق الهوية اليهودية بالنسبة لليهود الأمريكيين. ورغم إطلاقه تعميمات، إلا أنه يحدد عدة اتجاهات مهمة: أولاً، ساهمت اليهودية المتمحورة حول إسرائيل في دعم الإدارة الأمريكية غير المشروط للحكومات الإسرائيلية، بغض النظر عن سياساتها وسلوكها تجاه الفلسطينيين. ثانياً، عملت ردود الفعل تجاه إسرائيل على تحديد خطوط المعركة في أجزاء مهمة من العالم اليهودي المنظم في الولايات المتحدة. ثالثاً، يعني احتضان إسرائيل، وهويتها غير الليبرالية والقمعية المتزايدة، إهمال إرث العدالة الاجتماعية القوية للديانة يهودية. وأخيراً، ربما يكون التمركز حول إسرائيل قد فشل في إعطاء اليهود الشباب إحساساً قوياً بالهوية اليهودية أو، بشكل أكثر صراحة، سبباً للبقاء ملتزمين بتعريف أنفسهم كيهود. وكان الشعور بالغربة عن اليهودية المنتشر بين اليهود الأمريكيون الشباب بمنزلة رد فعل على سياسات إسرائيل غير الليبرالية.
ومنذ العام 1977، بدأت الحكومة والمجتمع الإسرائيليين ينزلقان بثبات نحو اليمين. وارتفعت النزعة القومية اليهودية وحمى الاستيطان بالترابط مع استمرار رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية، رغم بعض الاستثناءات المهمة لعملية أوسلو والضغط الوسطي الوجيز لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لاتخاذ إجراءات أحادية الجانب ( فك الارتباط مع غزة مثلاً). واستمر التيار اليهودي الأمريكي في دفاعه الحماسي عن إسرائيل، بوجود استثناءات طارئة وعرضية لاشك، وفي ذات الوقت، قوضت الجالية اليهودية المنظمة -بالإضافة إلى الحلفاء المسيحيين الإنجيليين مثل المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل Christians United for Israel (CUFI)- باستمرار انتقادات اليسار التقدمي الجوهرية للسياسة الإسرائيلية. كما تهدف لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية The American Israel Public Affairs Committee (AIPAC) ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى والمنظمات المتحالفة معها إلى ضمان عدم مهاجمة الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام للحكومة الإسرائيلية. وعندما تجاهل القادة الإسرائيليون أو عارضوا حل الدولتين، فقد قامت تلك المنظمات والجمعيات والمؤسسات بالأمر ذاته أيضاً.
سيطر هذا الإجماع القسري، أيضاً، على الخطاب حول القضية الأساسية لهوية إسرائيل. وعلى مدى عقود عدة، وبينما كان بعض المفكرين والقادة الفلسطينيين يضغطون من أجل دولة ديمقراطية واحدة، أصرت المنظمات اليهودية الأمريكية بشكل أساسي على الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية. كما طالبت منظمات، مثل بريرا Breira في السبعينيات، إسرائيل بتغيير مسارها والطلب أيضاً المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة استخدام صوته لإحداث التغيير. ومع ذلك، لا يمكن لهذه البدائل أن تضاهي تأثير أيباك، ومؤتمر الرؤساء Conference of Presidents، ورابطة مكافحة التشهير Anti-Defamation League (ADL)، والمنظمات المماثلة. وعندما شجب الفلسطينيون والحكومات الأخرى وهيئات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الاحتلال الإسرائيلي الوحشي لفلسطين وانتهاكات حقوق الإنسان، فسوف لن يقبل الجزء المهيمن من المجتمع اليهودي المنظم أي معارضة للسياسات الإسرائيلية، وشنوا هجوماً خطابياً ضد هذه الرسالة وأصحابها، وألقوا باللوم على نزعتي الإرهاب والرفض الفلسطينيتين للصراع وغياب أي رؤية للسلام عندهم.
تعمق التحالف العسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة بشكل كبير في السنوات التي تلت العام 1967. ويصور كتاب ألترمان التفاعل بين المنظمات الثقافية الأمريكية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، بما يشير إلى وجود مجموعة عوامل أدت إلى علاقات أقوى بين البلدين وضخ مليارات الدولارات كمساعدات أمريكية لإسرائيل، ومن هذه العوامل: القيم المشتركة والأمن القومي المتبادل المصالح، وجماعات المصالح المحلية الأمريكية. ومن المؤكد وضوح الدعم الفعال من حكومة الولايات المتحدة للسياسات القمعية لحلفائها في الشرق الأوسط مثل مصر والمملكة العربية السعودية. لكن هناك مفارقة معينة في التفسير القائل بقيام التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل على القيم الديمقراطية المشتركة، إزاء ما يظهر من دعم الولايات المتحدة لتلك الأنظمة في الشرق الأوسط التي تتنافى سياساتها مع تلك القيم الديمقراطية. وربما يعكس تحول إسرائيل الطويل تجاه اليمين نحو القمع والنزعة القومية المفرطة التراجع الديمقراطي للولايات المتحدة. وكان النائب الديمقراطي عن ولاية نيويورك، جيرولد نادلر، وهو مؤيد قديم لإسرائيل والتي تمثل ولايته معقلاً لعدد كبير ومتنوع من السكان اليهود، قد عبر عن قلقه (https://www.haaretz.com/us-news/2023-01-25/ty-article/.premium/as-congress-most-senior-jewish-member-i-now-fear-deeply-for-the-u-s-israel-relationship/00000185-e7fa-d82d-a7bf-fffb793b0000 ) من أن إضعاف الضوابط والتوازنات في الحكومة الإسرائيلية يمكن أن يخلق فجوة ديمقراطية تقوض التحالف الحالي. ويشير مقال نادلر إلى عواقب الاعتماد على إسرائيل لدعم الهوية اليهودية الأمريكية: يوجد الآن انفصال كبير بين السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل وفلسطين ووجهات نظر العديد من اليهود الأمريكيين. وفي السنوات الأخيرة، لم يشكك ترامب ولا إدارة بايدن، بشكل مقصود وهادف، في السياسة الإسرائيلية. ويفصّل ألترمان بإيجاز، كيف قدّم ترامب للحكومة الإسرائيلية تنازلات متعددة دون مقابل، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة. ولم تقم إدارة بايدن بالشيء الكثير لإلغاء أو تجميد أو وقف إسهامات ترامب تلك. وخلال الفترة ذاتها، وجد استطلاع أجراه معهد الناخبين اليهود أن "58٪ من اليهود الأمريكيين يؤيدون تقييد المساعدات العسكرية لإسرائيل لمنع استخدامها في الأراضي المحتلة". في حين تنظر إدارة بايدن وترامب والأغلبية في الكونجرس من الحزبين اليوم إلى مثل هذه السياسة الأمريكية كبديهة لا تستحق حتى التفكير فيها. وفي استطلاع آخر يعود للعام 2022 ، وافق 34٪ من اليهود الأمريكيين على أن "معاملة إسرائيل للفلسطينيين مماثلة للمعاملة العنصرية في الولايات المتحدة". ومع ذلك، عندما يزعم غير اليهود أن "إسرائيل عنصرية"، فإن الحكومة الإسرائيلية ومنظمات الإرث اليهودي الرئيسية سوف يصفون هذا الحديث بأنه معادٍ للسامية. وأحدد هنا منظمات "الإرث" – مثل أيباك AIPAC، ورابطة مكافحة التشهير ADL ، والمنظمة الصهيونية الأمريكية Zionist Organization of America (ZOA)، واللجنة اليهودية الأمريكية American Jewish Committee (AJC) - لأن الحياة التنظيمية اليهودية الأمريكية قد انقسمت بسبب الالتزام الثابت بإسرائيل. أيباك ستدعم أي حكومة إسرائيلية بغض النظر عن سلوكها وحركتها نحو اليمين.
ظهرت، في العقود الثلاثة الماضية، منظمات يهودية أمريكية جديدة لتمثل المواقف اليهودية التقدمية بشأن إسرائيل وفلسطين. على سبيل المثال، تتنافس جي ستريت J Street (التي تأسست في العام 2007) والصوت اليهودي من أجل السلام Jewish Voice for Peace حول نفس القضايا مثل AIPAC وتمثل موقفاً مختلفاً تماماً. في حين كانت أيباك مستعدة لتقديم الدعم المالي لأعضاء مجلس النواب الجمهوري المتمردين الذين دافعوا عن سياسات إسرائيل، رفضت جي ستريت هذه الممارسة. في الواقع، تعرّف جي ستريت نفسها بأنها مؤيدة لإسرائيل لكنها مناهضة للاحتلال. لكن ظهر في ذات الوقت، منظمات يهودية جديدة تحتضن إسرائيل دون اعتبار للاحتلال أو سلوكه. كان شيلدون أديلسون، الذي قدم "ما يقدر بنحو 426 مليون دولار لدونالد ترامب والحزب الجمهوري بين عامي 2016 و 2020"، الداعم الرئيسي لبرنامج اكتشاف إسرائيل Birthright Israel . كما قام بتمويل المجلس الإسرائيلي الأمريكي Israeli American Council (IAC)، الذي ينص، في موقعه على الإنترنت، على أن هدفه "ضمان هوية يهودية وإسرائيلية قوية للأجيال القادمة". وبينما بهدف المجلس الإسرائيلي الأمريكي إلى الاستفادة من مئات الآلاف من اليهود الإسرائيليين الذين انتقلوا إلى الولايات المتحدة، فإن فريق عمل مكابي Maccabee Task Force "مصمم على مساعدة الطلاب على محاربة هذه الكراهية [المعادية للسامية] من خلال تقديم الاستراتيجيات والموارد التي يحتاجون إليها من أجل قول الحقيقة عن إسرائيل"، وقد تلقت جمعية مكابي هذه أمولاً من أديلسون أيضاً. وفي جامعة كونيكتيكت، حيث أعمل، أرسل فريق عمل مكابي وجمعية الطلاب اليهود في الجامعة UConn Hillel مؤخراً ما يقرب من عشرين طالباً جامعياً للسفر إلى إسرائيل والضفة الغربية خلال العطلة الشتوية.
يلقي ألترمان باللوم على جمع التبرعات لدورها في الانفصال بين الرأي العام اليهودي والسياسات التنظيمية، فيقوله "على الرغم من أسمائهم، فإن مجموعات مثل أيباك (AIPAC) ، واللجنة اليهودية الأمريكية (AJC) ، والنداء اليهودي الموحد United Jewish Appeal (UJA) ليست بأي معنى ديمقراطي مسؤولة أمام المجتمع الذي تدعي أنها تتحدث باسمه. إنهم مسؤولون فقط أمام المتبرعين الأثرياء الذين يتحكمون في مجالس إدارتها". لكن التصدع الناجم عن هذه المنظمات غير الخاضعة للمساءلة حشد أيضاً اليهود الأمريكيين لإنشاء والانضمام إلى منظمات تمثل وجهات نظرهم بشكل أوثق.
علاوة على ذلك، نشهد الآن بوادر مبكرة على التغيير في الحزب الديمقراطي - المزيد من أعضاء الكونجرس على استعداد لاستدعاء السلوك الإسرائيلي وتقديم مخاوفهم إلى الإدارة. ويشير ألترمان أيضاً إلى أن السناتور بيرني ساندرز والسيناتور إليزابيث وارين، وهما اثنان من أبرز المرشحين لانتخابات الرئاسة للعام 2020، أعربا عن انتقادات للحكومة الإسرائيلية. في الآونة الأخيرة، في 19 شباط/ فبراير، قال ساندرز لشبكة سي بي إس نيوز "أعتقد أنه يتعين علينا وضع بعض القيود" لمليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية السنوية ( https://thehill.com/policy/international/3865439-sanders-israeli-democracy-is-in-peril/). ومع ذلك، فإن الرئيس بايدن ومعظم أعضاء الكونجرس الديمقراطيين لم يغيروا من مواقفهم إلا بالشيء القليل، واستمروا في احتضان إسرائيل على الرغم من الاحتلال. وفي موقف يردد صدى العديد من أعضاء الكونجرس، يصف تيد دويتش، العضو الديمقراطي السابق في مجلس النواب والمدير التنفيذي الحالي للجنة اليهودية الأمريكية، نفسه بأنه "ناشط يهودي مدى الحياة ومؤيد لإسرائيل".
كانت قيادة الحزب الديمقراطي بطيئة في التغيير لعدة أسباب، بما في ذلك بسبب المانحين. لا يرغب العديد من الديمقراطيين خسارة المتبرعين المؤيدين لإسرائيل والذين يحتاجون إلى ختم موافقة أيباك (AIPAC) قبل تقديم أي حملة. ولكن هناك عوامل أخرى أيضاً، يتتبع ألترمان العديد منها، مثل: ضغط جماعات المصالح، والقوانين التي تضفي الطابع المؤسسي على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ودقة الرواية الإسرائيلية حول الحاجة إلى قيام دولة يهودية برفض معاداة السامية، والرغبة في عدم إعطاء الحزب الجمهوري "مسمار جحا" لإسرائيل التي يريدها الجمهوريون الذين يعتقدون في قدرتهم على كسب الأصوات بالقول إن الديمقراطيين يكرهون إسرائيل، وسوف يتردد السياسيون الديمقراطيون في إعطائهم التبريرات المناسبة.
يفحص الكتاب كيف كان يمكن للجالية اليهودية الأمريكية أن تتطور بشكل مختلف لو لم تركز إسرائيل على الهوية اليهودية الأمريكية. وتمتلك الديانة اليهودية تقليداً قوياً عن معاني العدالة الاجتماعية، حيث تستدعي تيكون عولام תיקון אולם (إصلاح العالم) وغاميلوت حسيديم גימלאות חסידים (أعمال اللطف المحببة) للتركيز على العلل المحلية التي ابتلي بها المجتمع الأمريكي. على الرغم من أن المجموعات الأصغر تفعل ذلك، مثل Bend the Arc, Jews for Racial & Economic Justice، و Never Again Action، فإن التيار التنظيمي اليهودي السائد له أولوية مختلفة. على سبيل المثال، يشير ألترمان إلى تغير بيان الأولويات العامة للاتحاد اليهودي لأمريكا الشمالية في العام 2022 من دعم "السيطرة على الأسلحة وحقوق التصويت وحماية مجتمع الميم" إلى مناصرة "الأمن المجتمعي اليهودي ودعم إسرائيل". استنفد التركيز على إسرائيل الموارد أيضاً: تلقت رحلات استكشاف إسرائيل تبرعات بمئات الملايين من الدولارات، في حين أن المناهج التعليمية والمجتمعية المرتبطة بـ تيكون عولام "لم يكن أمامها سوى التسول في العقود الأخيرة".
ليس من المستغرب، كما يشير ألترمان، "تدني شعبية إسرائيل في ازدياد في وسط الشباب". لقد شعر اليهود الأمريكيون الشباب بالغربة عن إسرائيل -وربما عن اليهودية أيضاً. النسخة الأسطورية للتاريخ الإسرائيلي التي تروج لها المنظمات الأمريكية القديمة "تتناقض بشكل واضح مع الواقع الذي يرونه هناك على الأرض." بالنسبة إلى نداف تامير، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، أصبحت إسرائيل "عنصراً مثيراً للانقسام أكثر من كونها عنصراً موحداً. ويمثل هذا تحولاً في رؤية الدولة كمحرك لاستمرارية الأجيال اليهودية الأمريكية.
لكن التداعيات السياسية لسخط الشباب اليهود الأمريكيين وحتى المعارضة لا يبدو أنها تهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لقد أثبت صعود الدعم المسيحي الإنجيلي لإسرائيل منذ عهد ريغان والدعم الذي لا يتزعزع من اليهود الأرثوذكس الأمريكيين على أنه أكثر من كاف. علاوة على ذلك، فإن البعض في اليمين الديني الإسرائيلي بالكاد يعتبرون العديد من اليهود الأمريكيين الليبراليين يهوداً. وقد ينمو الانقسام بين نتنياهو واليهود الأمريكيين فقط عندما تفكر السلطات الإسرائيلية في تغيير تعريفات "اليهودي" بطريقة من شأنها أن تحرم بعض اليهود الأمريكيين الليبراليين من تحديد هويتهم على أنهم يهود في إسرائيل.
أحد الأسئلة المهمة التي لا يفكر فيها نتنياهو بشكل صحيح هو ما إذا كان تزايد السخط اليهودي الأمريكي من إسرائيل سيقوض التحالف العسكري والدبلوماسي الأمريكي الإسرائيلي القوي. اليمين الإسرائيلي لا يعتقد ذلك، رغم أن واشنطن تستطيع أن تضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال وقمعها لحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وإذا ما منعت إسرائيل من الوصول إلى أسلحة متطورة، ورفضت استخدام حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تدين الانتهاكات الإسرائيلية وانتهاكات القانون الدولي، وقيدت وصول الشركات الإسرائيلية إلى الاقتصاد الأمريكي، فسوف تكون إسرائيل في موقف أكثر هشاشة.
يعترف اليوم العديد من اليهود الأمريكيين، بعيداً، ليس فقط عن الهولوكوست ولكن أيضاً عن حرب 1967، بتأرجح إسرائيل المستمر منذ عقود وميلها إلى اليمين والعلاقات بين اليمين الإسرائيلي والقوى المناهضة للديمقراطية في الولايات المتحدة، ولا يمكنهم، بالتالي، التوفيق بين المحتل الرجعي والقومي المفرط مع قيمهم التقدمية. ونتيجة لذلك، سوف يسعون إما إلى جوهر مختلف لهويتهم اليهودية أو لا يسعون على الإطلاق. وإلى الحد الذي يكون فيه الدعم الشعبي لإسرائيل مهماً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن التحول الشعبي ضد إسرائيل بقيادة الجيل القادم من اليهود الأمريكيين يمكن أن يغير بشكل أساسي علاقة الولايات المتحدة بالدولة.
.....
العنوان الأصلي: Will U.S.-Israel Policies Ever Change
الكاتب: Jeremy Pressman
المصدر: https://www.bostonreview.net/articles/will-u-s-israel-policies-ever-change/
.....
*جيريمي بريسمان أستاذ العلوم السياسية ومدير دراسات الشرق الأوسط بجامعة كونيكتيكت. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان "السيف لا يكفي: العرب والإسرائيليون وحدود القوة العسكرية" (مطبعة جامعة مانشستر). في 2022-2023 ، كان بريسمان زميلًا غير مقيم في مركز كار لسياسة حقوق الإنسان في كلية هارفارد كينيدي.
**إريك ألترمان مؤرخ وصحفي ومؤلف وناقد إعلامي ومدون ومعلم يهودي أمريكي، حاصل على درجة الدكتوراة في التاريخ من جامعة ستانفورد. يعمل أستاذاً في جامعة مدينة نيويورك للغة الإنجليزية والصحافة في كلية بروكلين له 11 كتاباً منشوراً ويكني في الصحف والمجلات المختلفة: The Nation و The American Prospect، و Altercation، أحدث كتاب له هو We Are Not One: A History of America’s Fight Over Israel (2022).
تعريف بالكتاب: We Are Not One: A History of America’s Fight Over Israel
يتناول الكتاب بالتفصيل جذور التحالف الأمريكي الإسرائيل ومضامينه وآثاره المستقبلية، حيث كان "تاريخ" الحركة الصهيونية يقع دائماً في صلب المجادلات التي تناقش العلاقة بين أمريكا إسرائيل، وتأثير ذلك على الثقافة السياسية لليهود الأمريكيين، وعلى الرغم من "الجذور القديمة" للعلافة بين الصهيونية وأمريكا ولاحقاً إسرائيل وأمريكا، إلا أن الكاتب يرى في حرب 1967 نقطة انعطاف هائلة شكلت ذروة "مسطحة" لاهتمام اليهود الأمريكيين بإسرائيل، حيث بات دعم الجالية اليهودية "المنظمة" لإسرائيل يمثل جوهراً مركزياً لها، وازداد هذا الدعم بعد انضمام العديد من الجماعات الضاغطة التابعة للمنظمات اليهودية وللمسيحيين المحافظين الجدد (الذين يعتقدون أن إنقاذ إسرائيل هو تفويض إلهي) من أجل الحفاظ على صورة إسرائيل في الإعلام الأمريكي، والثقافة الشعبية والسينما والجامعات وصولاً إلى الكونغرس، من خلال الدفع بتهمة "معاداة السامية" لمن يعارضهم والتركيز على المحرقة في الذاكرة الجمعية لليهود علاوة على جعل دولة إسرائيل محرق بناء “الهوية القومية اليهودية"؟ ( يقتبس ألترمان عن بنزيون نتنياهو ( والد بنيامين نتنياهو، قوله "التاريخ اليهودي هو إلى حد كبير تاريخ محرقة... ).
يوظف ألترمان السياقات والتقاطعات التاريخية لنشأة وتطور كل من الحركة الصهيونية والولايات المتحدة, وهو ما يجعل البعض يزعم بـ "قدرية" العلاقة بين إسرائيل وأمريكا، ولعل عنوان الكتاب يشي إلى حد ما بهذا الالتباس عن قصة إسرائيل في المخيلة الأمريكية، وليس أبلغ من ذلك ما يستعرضه من مجاز صائبة بطريقة ما حين يعتبر إسرائيل "حمراء" بينما يهود أمريكا "زرق" إشارة إلى احتضان الجمهوريون لإسرائيل بينما يميل اليهود الأمريكيين في غالبيتهم للحزب الديمقراطي ( اللون الأحمر يرمز للفيل الأحمر رمز الجمهوريين والأزرق يمثل الحمار الأزرق رمز الحزب الديمقراطي).
يفترض ألترمان عدم انتظام العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، وأن اليهود الشباب الأمريكيين، لاسيما من هم خارج البيئة الدينية اليهودية الأرثوذكسية، بدأوا في الابتعاد عن "روح التجربة الصهيونية"، ويستند في رأيه هذا، جزئياً، على أحد استطلاعات الرأي الأمريكي
على الرغم من "المساحة التي تحتلها إسرائيل في النقاشات السياسية الأمريكية هي ، بكل المقاييس ، غير عادية" والدعم الذي تتلقاه إسرائيل لا يعتبر دعماً عادياً، وهو يتخذ أشكالاً لا حصر لها، بما في ذلك تهيئة استطلاعات الراي والمساعدات التي "لا مثيل لها في تاريخ أي أمة.. والتي تشمل حق النقض "الفيتو" في الأمم المتحدة، هذا بخلاف المساعدات العسكرية غير المنظمة تقريباً والتي تضمن تفوقاً عسكرياً استراتيجياً دائما لإسرائيل على جيرانها العرب وغض النظر هم جرائم إسرائيل المتكررة ضد الفلسطينيين. على الرغم من كل هذا، لم تتطور الدولة اليهودية الجديدة قط لتصبح الدولة "الطبيعية" التي كان يأملها الليبراليون الأمريكيون. لقد استندت صورتها إلى دعاية متحيزة إلى حد بعيد عن صورتها التي تظهرها واحة للديمقراطية الحديثة في بحر من الهمجية العربية. ومع ذلك، فإن دعم المهاجرين القلائل من يهود أمريكا كان بمثابة خيبة أمل لمؤيدي إسرائيل. لقد مرت بمراحل عديدة بما في ذلك مسألة ما إذا كانت معارضة الصهيونية هي معاداة السامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيقات بديلة لتيك توك حال حظره


.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م




.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟


.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب




.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24