الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألبير آريِّه.. قصة مرحلة..ورحلة وعي ودور

أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)

2023 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يقدِّم لنا المناضل الشيوعي المصري "ألبير آريِّه" (1930-2022) أحد كوادر الحلقة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية التي انطلقت بواكيرها في عشرينيات القرن الماضي مع ميلاد أول حزب يساري للطبقة العاملة في عام 1924، في مذكراته الصادرة عن دار الشروق حاملة اسم "ألبير آريِّه..مذكرات يهودي مصري"، تحرير "منى أنيس"، يقدِّم لنا شهادة حيَّة "لا على تاريخ مصر بقدر ما هي شهادة على أشخاص مصريين وغير مصريين، عاشوا فيها وخارجها"بتعبيره، يرويها لنا بجسارته المعهودة، ووعيه التساؤلي النقدي، وتمرُّدِه على كل نزعة دوجمائية ضيقة. يقدِّمها لنا من خلال مسيرته الطويلة، العميقة والمتنوِّعة، ومنحنيات تطورها الاجتماعي: الحياتي والسياسي، على مدى نصف قرن من تاريخنا.وعبر تجرِبته الحزبية في الحركة الشيوعية المصرية، وفي السجون والمعتقلات الناصريَّة التي استضافته إحدى عشرة سنة من 1953 إلى 1963 في منعطفات معاركه من أجل التحرُّر الوطني والاجتماعي، ودفاعًا عن الحريَّات الديمقراطية وحقّ الطبقات الشعبية في المبادرة المستقلة؛ ومن ثَمَّ رفضًا لتأميم المجال العام وقمع كل التشكيلات السياسية والنقابية.فضلًا عن كفاحه ضد الحركة الصهيونية ونظام فصلها العنصري الاستيطاني الإسرائيلي، وسعيه وابنه سامي والسيدة ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية إلى الحفاظ على التاريخ اليهودي من معابد ومدافن وإعادة إحياء جمعية قطرة اللبن الخيرية بوصفهم جزءًا أصيلًا من تاريخ مصر وحركتها الديمقراطية وروافدها الوطنية..مُشدِّدًا على أهمية إعادة كتابة التاريخ من خلال أبطاله وصُنَّاعه الحقيقيين، وتصويب ما يَشوبه من انحيازات وهوًى، من دون أن يسقط في شَرَك رومانسية تُمجِّد الماضي على حساب المستقبل.لاسيما أن جُلَّ رفاقه ومُجايليه منذ عقد الثلاثينيات حتى السبعينيات، رحلوا للأسف من دون أن يُوثّقوا تجارِبهم النضالية وأدوارهم الفكرية والسياسية التي نهضوا بها في خدمة أمَّتِهم، وتحريرها من كل صنوف الاستغلال والاضطهاد والقهر والاستعمار.فحرموا أبناءهم والأجيال الأحدث من رؤية تقويمية نقدية تتناول الوقائع والأحداث من جوانبها المتعدِّدة، في إطار رؤيتها للحقبة الماضية، ومن خلال تطلّعها للمستقبل.
لهذا قال بنفاذ بصيرةٍ:"للأسف بعد الإفراج عن الشيوعيين سنة 1956، لم يتحدثوا عمَّا لاقوْه من تعذيب، وكيف أمر اللواء إسماعيل همَّت- وكيل مصلحة السجون، وهو ضابط جيش سابق، ومدير السجن الحربي أيام الملك، ومعروف بشذوذه وساديته وحُبِّه للدم واستمتاعه بتعذيب المعتقلين- بجَلد مائة شخص مضرب عن الطعام، ووضعهم في التأديب في ظروف شديدة السوء، لدرجة أنهم كانوا يشربون مياه المجاري"، وأضاف:"لم يتحدثوا بسبب موجة الحماس الوطني التي طغت بعد التأميم والعدوان الثلاثي.وبسبب صمتهم هذا، تكرَّرت موجة التعذيب سنة 1959مرَّة أخرى".
مؤكّدًا أنه لم يندم على شيء في حياته، بل عاشها- عاش حياته الخصبة والغنيَّة والمتنوِّعة كما أحبَّ وأراد واختار؛ فانتمى وضحَّى بصدقٍ وتجرُّدٍ كامليْن؛ بوصفه مثقفًا ثوريًّا صُلبًا، يعيش الهمَّ المشترك للجماعة الإنسانية، ويُدرك بشكلٍ جليٍّ طبيعة القوى الفاعلة في المجتمع واتجاه حركتها.الأمر الذي قاده إلى القول بثقةٍ:"آرائي السياسية هي التي علّمتني حُبَّ مصر، والتمسُّك بها، ورفض أي محاولةٍ للنفي منها.وأجمل فترةٍ في حياتي كانت فترة السجن؛ تفاعلتُ فيها مع الناس، وأحسستُ بهم، وأنشأتُ صداقاتٍ، وعرفتُ المجتمع المصري على حقيقته.كما قابلت خيرة رجال مصر في الفن والأدب والثقافة والسينما، وفي مجالات عديدة أخرى".
وبهذا استطاع ألبير آريِّه أن يصوغ لحياته معنى من خلال تبلور رؤيته السياسية، وارتباطه بالجماهير الشعبية التي كان يقف معها منحازًا إلى قضيتها، وتبنيه الفكر الاشتراكي العلمي من أجل امتلاك وعي ملائم لمتطلبات الوضع التاريخي، وتجسيد التقليد الثوري للطبقة العاملة، وحلّ أزمة علاقات الإنتاج الرأسمالية بتحويلٍ ثوريٍّ واعٍ للمجتمع، وثقته في مستقبل بلاده النابعة من استيعابه للواقع في صيرورته لا في سكونه، وإيمانه العميق بدور القوى المجتمعية الحية الفعَّال في حركة التاريخ.
وعلى هذا النحو، لم يتخلَّ ألبير آريِّه طَوالَ حياته عن هموم السياسي الذي يمارس السياسة في الثقافة، ولا عن هموم الشيوعي الذي يمارس الثقافة في السياسة، وظلَّ دومًا ذلك المقاتل الشرس صاحب المسئولية الأخلاقية الرفيعة فيما أنيط به من مسئوليات سياسية ومهامَّ تنظيمية، مُفيدًا من الماضي في استشرافه لغدٍ أفضل.
ينتمي ألبير آريِّه إلى عائلةٍ تعود جذورها من جهة الأب إلى اليهود السفارديم (اليهود الشرقيين) الذين هُجِّروا قسريًّا من إسبانيا إلى النمسا، فبلغاريا، ثمَّ إلى تركيا.ومن إسطنبول إلى الإسكندرية، هرب والده جاك آريِّه على ظهر باخرة في زي بحَّار قبل أن يتمَّ تجنيده في الجيش العثماني إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى.أمَّا عائلة والدته ماتيلدا آريِّه فتنتمي إلى اليهود الأشكناز (اليهود الغربيين) ذوي الأصول الروسية.غير أن بعضهم هاجر إلى تركيا فرارًا من حملات الإبادة والتطهير العِرقي التي تعرَّض لها اليهود في روسيا القيصرية.وقد تزوَّجَ جَدُّه جَدَّتَه في تركيا، وجرى توثيق عقد زواجهما فيما بعدُ في مصر بعد أن شجَّعتهما أخت جَدَّتِه الكبرى المقيمة في الإسكندرية على المجيء إلى مصر.وقد افتتح والده محلًّا أسماه "نيو لندن هاوس" لبيع الملابس والأدوات الرياضية التي كان يُورِّدها للجيش الإنجليزي وللمدارس، بالإضافة إلى ملابس الكشافة، كما كان لديه قمصانجي أرمني يُدعى أرتين يقوم بتفصيل الملابس، وكان المحلّ في شارع قصر النيل، ثمَّ نقله إلى ميدان مصطفى كامل محتفظًا بالاسم نفسه، إلى أن باعته أمُّه في أثناء وجود ألبير في السجن.تزوَّجَ جاك آريِّه ماتيلدا آريِّه عام 1922، وأنجبا راشيل عام 1924 التي أسماها على اسم والدته تيمُّنًا، لكن ماتيلدا آريِّه لم يُعجبها الاسم؛ فأطلقت عليها اسم إيلَّا ella، وبعدها بستّ سنوات وُلد ألبير عام 1930 في 46 شارع الفلكي بمنطقة باب اللوق بالقاهرة، في الطابق الثالث.بَيْدَ أن ألبير وجد صعوبة في نُطق اسمه؛ فدعا نفسه"تي تي"، وهو الاسم الذي عُرفَ به في محيط العائلة ولدى أصدقائه المقرَّبين، وهناك فيلم تناول حياته أُنتجَ باسم "بلكونة تي تي"، غير أن الوحيدة التي لم تُنادِه بهذا الاسم طَوالَ حياتهما كانت زوجته الكاتبة الصحفية "سهير شفيق" شقيقة الكاتبة اليسارية الصحفية الكبيرة "أمينة شفيق".
كان والده جاك آريِّه إسرائيليَّ الديانة، وهو الاسم الشائع في هذه الفترة، فلم يكن يُقال وقتذاك: يهوديّ الديانة كما هو الآن؛ لهذا كان يُطلق على الطائفة اليهودية اسم الطائفة الإسرائيلية، وكان يحمل الجنسية العثمانية، ثمَّ حصل على الجنسية المصرية بعد الاستقلال الشكلي عام 1922.وكذلك كانت والدته مصرية الجنسية، إسرائيلية الديانة.وقد رفض جاك آريِّه ترْكَ مصر بعد حرب 1956 "فكانت مِصريته بالاختيار، وأصبحتْ أيضًا اختياري الذي لن يستطيع أحد أن يسلبه مني"على حدِّ تعبير ألبير.فمصر هي البلد الذي وُلدَ وعاشَ وسُجن وتزوَّجَ وأنجبَ وماتَ ودُفن فيه.
يقدِّم لنا ألبير آريِّه في مذكراته هذه، لوحة بانورامية عن مصر وتطورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والعمراني، وعن دور الأقليات الأجنبية واليهودية في المجتمع المصري قبل عام 1952؛ حيث كانوا يعيشون ويمارسون مختلف الأنشطة في مناخ عام اتَّسم بالتسامح وعدم التمييز على أساس الجنس أو الدين.حتى إن ألبير آريِّه يروي في الحوار الذي أجراه معه د.محمد أبو الغار ونُشرَ في كتابه "يهود مصر في القرن العشرين، كيف عاشوا ولماذا خرجوا؟ أن عالم النفس الفرنسي من أصل مصري "جاك حسون" كتبَ في مذكراته التي دعاها باسم "يهود النيل" أن أباه إذا أرادَ أن يُصلي ولم يجدْ معبدًا قريبًا منه، كان يُصلي في المسجد، يعني في بيت الله. وكانت للأجانب امتيازات خاصَّة ومحاكم قنصلية ومختلطة؛ مما دفعَ المِصريين إلى النضال من أجل إلغائها، وهو ما تحقَّقَ لهم عام 1937 بمقتضى اتفاق مونترو.لكن كان لهم دورهم الذي لا يُنكر في الحركة الاجتماعية من خلال النقابات والصحافة، والحركة العمالية والسياسية.
نشأ ألبير نشأة عَلمانية تستند إلى توجهات والدته المتحرِّرة من سلطة الكهنوت وحقه المُدَّعى في السيادة العليا على العالم الزمني؛ فتمتَّعت بحرية روحية وداخلية كاملة دفعتها إلى أن تُوصيَ بألَّا يُصليَ عليها حاخام عند وفاتها، وأن تُدفن كالمسيحيين بملابسها داخل صندوق خشبي مزدان بالورود، وكان لها ابن عم يُدعى "روبير جولدنبيرج" انتسب إلى الحزب الشيوعي المصري عام 1924، وكذلك كان حال أخته اليسارية التي انضمت إلى الحزب الشيوعي الفرنسي ثم تركته، وحصلت على الدكتوراه في تاريخ الأندلس، وكانت أستاذة بالجامعة وعضوة بالأكاديمية الملكية الإسبانية، غير أنها استاءت هي وأمها من إسلام شقيقها وزواجه بمسلمة، على الرغم من علمهما أن هذا مجرد إجراء قانوني شكلي لن تترتب عليه أي التزامات دينية، "ولكن الأمر كان يتعلق عندهما بالمبدأ" أو لعله من باب "الاعتزاز بالهُويَّة حتى إنها أوصت بحفر نجمة داود على شاهد قبرها كنوع من التحدي لكل مَن كان يصمها بيهوديتها"على حدِّ تعبير ألبير، وقد أخبرت أخته سامي ابن ألبير عندما حدَّثها عن اهتمامه بالحفاظ على المعابد والمدافن اليهودية وإحياء جمعية قطرة اللبن الخيرية، بأنها لا تهتم بذلك، ولا تشغل هذه الأشياء بالها. لذا رفضت والدته إلحاق ألبير بمدرسة الناصرية بشارع شامبليون التي كان ناظرها الأستاذ العقيلي صديقًا شخصيًّا لوالده، ويرتادها أبناء الأسر الأرستقراطية، ويرتدي تلاميذها الطربوش رمز العثمانيين والهُوية الإسلامية في مواجهة قُبعة الأوروبيين رمز الحداثة والفرنجة، وشجَّعته على الالتحاق بمدرسة الليسيه الفرنسية ليكون مع أخته.ومن المعروف أنها مدرسة تقوم على مبادئ العَلمانية التي دعت إليها الجمهورية الفرنسية الثالثة، وحرَصَت على صيانة حرية الضمير والمعتقد للجميع. لهذا لا توجد خانة للديانة في استمارة التقديم لها، وتحظر الكلام في الدين داخلها. مما جعل ألبير يشعر في أعماقه بأنه مدين لتعليمه الفرنسي وللثقافة الفرنسية بما أصبح عليه من توجُّه سياسي، بل لكلّ ما له علاقة بالتنوير والعَلمانية والتقاليد الديمقراطية لديه.ويذكر ألبير أن أول معبد دخله كان المعبد الإسباني بالقدس عام 1944، وأنه لم يتردد على المعابد اليهودية المصرية إلَّا من الخارج سوى مرَّاتٍ قلائلَ في المناسبات الاجتماعية لحضور فرحٍ عام 1952، أو للمشاركة في جِنازة السيدة "زفيرة بهار" والدة القائد اليساري هنري كورييل عام 1965، أو بعد إعادة ترميم معبد بوابة السماء بشارع عدلي بدعوةٍ من المرحومة كارمن وينشتين رئيسة الطائفة اليهودية السابقة عام 2006، كما دخل معابدَ أثرية في بلدان أجنبية كثيرة، لكن على سبيل الزيارة السياحية ليس إلَّا.يقول ألبير:"الحقيقة أنني لم أشعر بأي روحانيات في المعابد أو الكنائس أو المساجد التي دخلتها.والمرَّة الوحيدة التي شعرتُ فيها بطاقة روحانية كانت في أحد الأديرة بالقدس، بعد أن مشيتُ في طريق الآلام الذي مشى فيه المسيح.قد يكون عدم اهتمامي بالدين بسبب التربية العَلمانية الحازمة التي نشأتُ عليها، والتي كانت بعيدة عن الديانات وطقوسها، على الرغم من اهتمام أبي بالشكليات".
كذلك نلمح في مذكرات ألبير آريِّه، إيمانه المبكِّر بأن الحركة الصهيونية مشروع استعماري.. عنصري.. استيطاني، وُجِدَ منذ البدء لإجهاض حركة التحرُّر العربي، وضمان السيطرة على الموارد والثروات العربية وفي مقدمتها النفط.وهو ما تبدَّى لنا مما استخلصه من دروس من رحلتيْه إلى الكيبوتسات (المستوطنات) الإسرائيلية؛ الرحلة الأولى كانت عام 1944مع والدته وشقيقته، وكانت فلسطين في هذا الوقت تحت الانتداب الإنجليزي، وقد سافروا من القاهرة إلى فلسطين، ومنها إلى دمشق بالسيارة، ومن دمشق إلى بيروت، ثمَّ عادوا إلى فلسطين، ومنها إلى القاهرة. ثمَّ من رحلته الثانية عام 1945مع هانز بينكاسفلد الذي كان يعرف أخته، وهو شيوعي من أصل نمساوي، عمل مدرِّسًا، ثمَّ ترك التدريس واتَّجه إلى السينما واشترك في تصوير فيلم تسجيلي عن جوامع مصر الأثرية، كما عمل مساعد مخرج لأحد المخرجين الفرنسيين الذي كان ناظرًا عامًّا في مدرسة الليسيه ثمَّ تفرَّغ للسينما، ووالداه طبيبان، وأربعة من رفاقه؛ أحدهم روجيه زميل دراسته في مدرسة الليسيه، والثلاثة الآخرون أعضاء في نادي المكابي اليهودي، وقد نصحهم هانز بزيارة المستوطنات بمفردهم من دون أهاليهم؛ بهدف التعرُّف على ما يفعله اليهود في الكيبوتسات.يقول ألبير:"لم أحب طريقة الحياة في الكيبوتس التي كانت عبارة عن نقاط ارتكاز يتمّ بها احتلال الأرض، وتأسيس نوع من أنواع المجتمعات الزراعية العسكرية التي كانت تُدار بشكل تعاوني.الحياة فيها جماعية بلا خصوصية تقريبًا؛ فالجميع يأكلون معًا، ويرتدون نفس الملابس، والنظام شبه عسكري، وهم يستنسخون التجرِبة الزراعية السوفيتية.اكتشفتُ هناك عالَم الزراعة وتربية الدواجن والمواشي.لكننا لم ننسجم معهم، ولم نحب المكان، حتى المؤمنون من مجموعتنا بالصهيونية كرهوا المكان، وقد يرجع ذلك إلى فقر الحياة الثقافية والترفيهية؛ فلم تكن هناك غير مجموعة من الأغاني الحماسية"، ويُضيف قائلًا:"وكان من ضمن مَنْ قابلناهم هناك مصرية صهيونية تمَّ ترحيلها بعد عام 1956إلى إسرائيل، ولكنها لم تتحمَّل الحياة هناك، وهاجرت بعد ذلك إلى إيطاليا".
والاستيطان الصهيوني إحدى صور الاستعمار الأبارتهايدي الذي يستهدف الأرض من دون السكان العرب، والسيطرة على الموارد الفلسطينية ومصادرتها، والزعم بأن لليهود حقًّا تاريخيًّا موروثًا في فلسطين يستوجب إحياء الشعب اليهودي؛ ومن ثمَّ فصم عُرى التواصل بين الأراضي الفلسطينية، وفرض وقائع جديدة على الأرض، وتعزيز الهجرة اليهودية، وتأمين المستقبل السكاني لإسرائيل، وتحقيق التوازن الديموجرافي بين الفلسطينيين واليهود.وهنا يقول ألبير آريِّه:"فالحياة كانت بدائية جدَّا في كل شيء، وتتمّ بشكل جماعي؛ مما أكّد لي أن إسرائيل هي عبارة عن كِيان مغتصب للأرض بغرض فرض نظام عسكري".لهذا"دربوهم في إسرائيل على فنون القتال اليدوي، وتعلّمتُ إحدى الضربات القاتلة، وكان المدرِّب الذي يقوم بتدريبنا يقول لنا:لو هجم عليك عربي تقوم بعمل هذه الحركة"، مُضيفًا:"لم أستخدم هذه الحركة طيلة حياتي قط؛ فأنا بطبيعتي غير مُحبٍّ للعنف".لهذا استقرَّ في يقينه أن"الحركة الصهيونية حركة عدوانية ضد العرب"؛ الأمر الذي"جعلني ضد الحركة الصهيونية على أساس متين؛ فأنا مقتنع بشعار"يا عمال العالم اتحدوا" الذي لا يقوم على أساس العصبية القومية".
غير أن هانز بينكاسفلد الذي سعى إليه ألبير آريِّه لكي يضمَّه إلى الحركة الشيوعية، سافر خصيصًا معهم إلى فلسطين المحتلة لإقناع صديقه الإسكندراني"آرتور شوارتز" بالعودة إلى مصر مرَّة أخرى، وأن يلفظ الكيبوتس والحركة الصهيونية، ويتبنَّى الاشتراكية العلمية والمادية التاريخية، ونجح في مهمته هذه؛ مما دفعه - آرتور شوارتز- إلى اقتحام نادي المكابي في القاهرة وإلقاء خطبة نارية تفضح ماهيَّة الحركة الصهيونية ودورها في تشويه الوعي اليهودي، وأنها أكبر كارثة حلّت بيهود العالم، فقاموا بمقاطعته وطرده بالقوة، "وفيما بعد افتتح شوارتز مكتبة في الإسكندرية، وأصبح من أقطاب التروتسكيين وزعمائها مع إدوار الخراط حتى تمَّ القبض عليهما عام 1948".وانقطعت علاقة ألبير كذلك بنادي المكابي ذي التوجُّه الصهيوني، وبعضويْن من الأعضاء الثلاثة الذين رافقوه في رحلة الكيبوتس هذه؛ لإصرارهما على اعتناق الصهيونية التي حوَّلت اليهود إلى عنصريين، أما الثالت فقد رحل إلى باريس وعاش بها، وأصبح ألبير يلتقيه كلما حلَّ زائرًا بمدينة النور.وكان ألبير قد ذكر للدكتور محمد أبو الغار في الحوار المُشار إليه آنفًا، أن أول عمل أوكلَ إليه بعد انخراطه في الحركة الشيوعية، هو "الدخول في الحركات الصهيونية، وخاصَّة المكابية، لجذب اليهود من الصهيونية إلى الشيوعية؛ فشعار الحركات الشيوعية هو مساعدة جميع الأقليات وليس اليهود فقط، وتحويل الجميع من احتياطي للاستعمار إلى احتياطي للحركة الوطنية".ومن أبرز مَن انتشلهم ألبير من مستنقع المكابي الصهيوني، وكسبهم للحركة الشيوعية "يوسف أوزمو" الذي زامله بعد ذلك في الليمان سنوات عدة. لذا عندما سعى الكاتب الصحفي سعد كامل لدى د.ثروت عكاشة في محاولةٍ لإيجاد عمل لألبير، أبلغه عكاشة أنه تحدَّث عنه مع صلاح نصر الذي طلب منه أن يعرف مدى استعداده للسفر إلى إسرائيل، فأبلغ ثروت سعد كامل بذلك لاستطلاع رأيه، فرفض ألبير بحسم وتضايق من اقتراحه هذا؛ لأنه معروف في إسرائيل بمعاداته للصهيونية، وأنه يتوقَّع القبض عليه في المطارهناك إذا افترضنا موافقته على السفر.وطلب ألبير من سعد كامل أن يُبلّغ ثروت عكاشة بأنه لا يريد أن يكون مصيره كمصير كيفورك بابازيان.
يُزيح ألبير آريِّه النقاب عن الدور الحيوي الذي قام به الأجانب الشيوعيون سواء في مدرسة الليسيه الفرنسية أو خارجها في تشكيل وعيه ووعي رفاقه من طراز: أنور عبد الملك ومحمد سيد أحمد وأمينة رشيد وحليم طوسون وتوفيق حداد ومحمد الشواربي وإلهام سيف النصر ومدحت غزالة وروجيه وسواهم، ودفعهم إلى الاهتمام بالأدب والتاريخ والسياسة، وربطهم بالتيار الوطني اليساري العام، وبالثقافة بمحتواها الاجتماعي التقدمي الديمقراطي، والإفادة من الدروس النضالية التحررية التي أرساها الشيوعيون عبر تاريخهم المديد، في مناخ اتسم باحتدام الصراع الوطني مع الاستعمار، وبمفاعيل الهزيمة العربية الصاعقة في فلسطين؛ مما أسهم في تهيئة الأرضية المناسبة لتبني الماركسية وطروحاتها، والاشتراكية ورؤاها في حلِّ قضايا التخلف والتنمية والاستقلال الوطني ومهمات الحاضر والمستقبل؛ من أجل التناغم مع جديد العصر وتحولات العالم وحركة الحياة.ومن هؤلاء الأساتذة: ماكس إديريث ورينيه جرانييه وهانز بينكاسفلد ولوسيان كرامر ورافائيل سيتون وأنجيلو دو ريتز وسواهم، وإن كان ألبير يدين كذلك بالفضل في تربيته وتربية أقرانه السياسية لعددٍ من القيادات الماركسية التي لعبت دورًا كبيرًا في تطوير الوعي الطبقي والارتقاء بزخم الجماهير الثوري من طراز: مارسيل شيريزي وروث ماتالون زوجة هليل شوارتز وإيزاك نينيو وعزرا هراري وزوجته وإيلي ميزون وزوجته شيشي ومسئولتيْه السياسيتيْن في بواكير حياته السياسية: بوليت وسيمون وغيرهم؟ لهذا عاش ألبير حياة سياسية وفكرية غنية بالرؤى الحداثية العلمية، وبالأفكار الإنسانية العقلانية التنويرية، وبالنقاشات الفلسفية العميقة.ولاغرو في ذلك؛ فقد كان عضوًا في رابطة قدامى طلبة مدرسة الليسيه الفرنسية بنشاطاتها الثقافية والتعليمية وحواراتها مع شخصيات كبيرة من طراز محمد حسين هيكل باشا أحد زعماء حزب الأحرار الدستوريين وحافظ باشا رمضان من زعماء الحزب الوطني وبعض الطلاب الشيوعيين مثل عبد المنعم الغزالي أحد رموز الحركة الشيوعية في الجامعة. وشارك وهو بعدُ طالب عمره ستة عشر عامًا وبضعة أشهر، ممثلًا لاتحاد الطلبة المصريين في اجتماع المجلس الوطني لاتحاد الشباب العالمي. وكان دائم التردد على مكتبة "الميدان" التي أنشأها هنري كورييل ليشتري منها الكتب الماركسية – اللينينية ونشرة "سوفييت نيوز" والمجلة الأسبوعية "الحرب والطبقة العاملة" التي ظلَّت تصدر بهذا الاسم حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ثمَّ تحوَّل اسمها إلى "الأزمنة الحديثة"، كما عرف طريقه إلى "المركز الثقافي الاجتماعي" الذي كان يُديره هنري كورييل زعيم تنظيم حمتو ثم أحد زعماء حدتو وعزرا هراري رئيس الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية وغيرهما من القيادات الشيوعية، ومشاركته الدائمة في ندوة الاثنين التي كان يُنظمها القسم الرياضي لجريدة البورصة المصرية وتتضمن تعليقًا على أهم الأخبار السياسية العالمية. ومواكبته لعروض دار الأوبرا المصرية بفضل علاقات والده الوثيقة بمديريها الذين تعاقبوا على رئاستها: سليمان نجيب وعبد الرحمن صدقي وشكري راغب. وزياراته المنتظمة لباريس التي كانت بالنسبة إليه هي"الثورة، هي المقاومة، هي لغة دراستي"، مُضيفًا:"عرفتُ باريس الثورة وباريس المظاهرات، وحضرتُ مظاهرات كثيرة للحزب الشيوعي الفرنسي في أكثر من مناسبة"؛ فكان يقوم بتوزيع منشورات التضامن مع المعتقلين الشيوعيين المصريين في يوم الاحتفال بذكرى تأسيس الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كانت تُنظمه سنويًّا جريدته "لومانيتيه"، ويشارك في فاعليات الحزب السياسية كالاحتجاج على زيارة الجنرال "ريدج واي" قائد القوات الأمريكية في الحرب الكورية، وكذلك في مظاهرات حركة السلام العالمية للتضامن مع اليونان، وحرصه على متابعة كل جديد في حقول السينما والمسرح والأدب والفن التشكيلي مما تَعْمُر به باريس وتغتني من موجاتٍ وتياراتٍ عالمية جديدة.وقيامه وصديق عمره حليم طوسون بإنشاء مشروع للترجمة من خلال نشرة كانا يُعدانها للتعليق على الأحداث العالمية، وبيعها لسفارات الدول الاشتراكية.ومحاولته تأسيس نادٍ للسينما في مصر مع هانز بينكاسفلد والمونتير إميل بحري والمخرج صلاح أبو سيف.ومساندته رفيقه في الجامعة سعد نديم في مواجهة مرشَّح الإخوان اليميني الرجعي حتى نجح وزملاؤه في إسقاطه.وانضمامه في عمر السابعة عشرة وزميل دراسته روجيه إلى حملة مكافحة وباء الكوليرا الذي أصاب مصر عام 1947؛ فذهبا متطوعيْن لمدة شهر إلى حارة اليهود تحت إشراف السيدة "روزيت العجم" عقيلة هنري كورييل (الرفيق يونس) التي كانت همزة الوصل بين يهود حدتو والطائفة اليهودية في هذه الحملة وقاما بعمل إحصائيات، حامليْن زجاجات الفينيك وبخَّاخات الفليت لتطهير البيوت، ولم يأبها لمراقبة البوليس السياسي لهما.
لقد كان ألبير آريِّه أنموذجًا لمناضل شيوعي حقيقي آمن بالمادية التاريخية وبالنظرية الاقتصادية الماركسية وبالتاريخ النقدي للثورات وللحركة العمالية الحديثة، وبأن الماركسية منهج في التفكير، وأداة صالحة لتحليل الواقع الاجتماعي ومراكمة خبرات ثمينة من النضالات العمالية. لذلك انضمَّ إلى تنظيم إسكرا الذي تزعمه هليل شوارتز (الرفيق شندي)، ثمَّ إلى حدتو بعد الوحدة بين حمتو وإسكرا عام 1947، ثمَّ إلى التنظيم الشيوعي الموحَّد، فالمتَّحد، وأخيرًا الحزب الشيوعي المصري الذي جمع التنظيمات الماركسية كلَّها في إطار تنظيمي واحد؛ إدراكًا منه لأهمية وضرورة بناء الحزب الثوري الذي يُمثّل انصهار وعي الطليعة الثورية بوعي الشغيلة المضطَهدين، من خلال برنامج سياسي شامل يتناسب والشروط التاريخية الموضوعية والحاجات الذاتية للجماهير.لذا رفض ألبير العمل بالمحاماة فور تخرُّجه في كلية الحقوق الفرنسية، ولم يُكمل دراساته العليا في القانون الذي شعَرَ بتعارضه مع الماركسية وطابَعِها المادي الجدلي العلمي، وانصبَّ اهتمامه كلّه على دراسة التاريخ والعلوم السياسية والاقتصاد السياسي، وعاش حياة ملؤها العمل على تنظيم الجماهير وتحريكها باتجاه التغيير والديمقراطية والتقدم الاجتماعي حتى إنه يقول عن نفسه ورفاقه: (كنا نجلس على الرصيف في الشارع بميدان الإسماعيلية لنتحدَّث، ونجوب الشارع ونحن نغني أغانيَ ثورية فرنسية وإيطالية، من ضمنها أغنية شهيرة اسمها "العلم الأحمر")، فضلًا عن أغاني إيف مونتان الذي كان قريبًا جدًّا من الحزب الشيوعي الفرنسي، كما أولعَ بشعر المقاومة الفرنسي خاصَّة شعر لوي أراجون وبول إيلوار، وحضر لقاء مع إيلوار وهو يُلقي قصيدته الشهيرة"أثينا"، كما حضر العرض الأول لفيلم"معركة الحياة" عن حركة السلام العالمية، وتأثَّر بروايتي "الأم" لمكسيم جوركي و"فونتمارا" لإيجنازيو سيليوني. ولعب ألبير دورًا مهمًّا في تجنيد عدد كبير من الشباب للحركة الشيوعية، وأصبح مسئولًا عن خلية من المرشَّحين ليُدرِّس لهم الماركسية في تنظيم إسكرا، واختُير عضوًا في مكتب الدعاية المركزي لحدتو المسئول عن إصدار الكتب والنشرات الخارجية، ثمَّ انتقل بعد ذلك إلى قسم الجهاز الفني السري، وقام بتأمين الرفاق المختبئين وتنسيق الاتصال بين الهاربين المطلوب القبض عليهم، وكان جمَّ النشاط لا يكفّ عن الحركة والدأب والمثابرة فكان يعمل بالنهار في مكتبه الخاصّ بالاستيراد والأدوات الرياضية، وبعد الظهر في محلِّ والده، وابتداءً من الساعة السادسة مساءً يباشر نشاطه السياسي وهو تدبير مقابلات واتصالات قيادته السياسية التي كانت تتمّ لدواعي الأمن في سيارته التي يذرع بها شوارع القاهرة وضواحيها وهم يتناقشون ويُخطّطون بعيدًا عن العسس وتلصُّصهم، حتى إنه يذكر أنه وهاري أنتيبي (الرفيق ياسين) ظلَّا طَوالَ الفترة الممتدَّة من 1948إلى 1950متفرغيْن للعمل السري تمامًا فلم يذهبا إلى أي مكان عام أو يترددا على السينما أو المسرح أو ما شاكلَ ذلك، ولطهارته الثورية المُفرطة دفع والده إلى رفض الحصول على توكيلات تجارية من ألمانيا الغربية أو الاستيراد منها؛ لأن بها فلول النازية، كما أقنعه بعدم تعليق صورة الملك فاروق داخل محلّه وفق أوامر محافظة القاهرة بعد حريق القاهرة وافتتاح المحال، بل هدَّده بأنه إذا أذعن لهذه التعليمات وعلّق الصورة فلن يحضر الافتتاح.
الإخوان المسلمون ومواقفهم المخزية
يُقدِّم لنا ألبير آريِّه في مذكراته الفريدة هذه، عرضًا تفصيليًّا لمواقف جماعة الإخوان المسلمين في السجن ومهادنتهم للسلطة، ومعاداتهم لأي قوى سياسية راديكالية، وإيثارهم السلامة والخنوع والاستتباع للنظام الحاكم وأجهزته الأمنية، على نحو ما كان ينتهجه إمامهم حسن البنا من علاقات مشبوهة مع نائب رئيس الاستخبارات الإنجليزية في مصر "هيوارث دن" والقصر الملكي وجلاد الشعب إسماعيل صدقي باشا وأحزاب الأقلية، وفي الوقت الذي وصف فيه المرشد الثاني للإخوان "حسن إسماعيل الهضيبي" زيارته للملك الفاسد فاروق بأنها "زيارة نبيلة لملك نبيل"، كان طالب الحقوق الشيوعي "إلهامي سيف النصر" أول من رفع شعار "يسقط الملك" في الجامعة؛ لذا كان الشيوعيون أول من تصدَّى للإخوان المسلمين فاضحين ماهيَّة الدور التخريبي الذي اضطلعوا به من خلال تحالفهم مع القوى الرجعية في المجتمع المصري، وصدر في هذا الصدد أول كتاب يُسلّط الأضواء على مواقفهم هذه بعنوان "الإخوان المسلمون في الميزان" باسم مستعار هو"محمد حسن أحمد" لمناضل شيوعي يدعى "عبد الرحمن ناصر". لهذا لم يكن بالعجيب العاجب أن يذهب أحد أعضاء الجماعة المعتقلين الذي كان ثاني اثنيْن مسئوليْن عن الراديو في السجن قبل زميله الشيوعي "روبير جرنسبان" لسماع إذاعة إسرائيل بعيدًا عن أعين الرقباء بدلًا من سماع نشرات الأخبار المحلية والعالمية، والبرامج المختلفة التي تُعيدهم إلى واجهة المشهد العام ، فضلًا عن الأغاني والموسيقى التي يُحرِّمها الإخوان ويزدرونها كما يروي ألبير آريِّه في مذكراته.وفي الوقت الذي رفض فيه الشيوعيون السياسة العقابية القاضية بالصعود إلى الجبل وتكسير البازلت وملء أربعة غلقان يوميًّا، وخاضوا إضرابًا للاحتجاج على ذلك، رفض الإخوان وصعدوا للجبل، وأفتى عضو مكتب إرشادهم الشيخ أحمد شريت بأن الإضراب عن الطعام منهيٌّ عنه شرعًا بزعم أنه انتحار!
وعندما قاطع الشيوعيون العملاء الإسرائيليين الذين نفذوا "العملية سوسنة أو فضيحة لافون" التي أمر بها بنحاس لافون وزير ما يُسمَّى الدفاع الإسرائيلي في مصر لتفجير أهداف مصرية وبريطانية وأمريكية، والإيعاز بأنها من لدن الأجهزة المصرية؛ ومن ثمَّ الإيقاع بين مصر وبريطانيا وأمريكا؛ أقول عندما رفض الشيوعيون التعامل معهم على أي نحوٍ كان باعتبارهم جواسيسَ، استمرَّ الإخوان في الاتصال بهم، وروى العميل روبير داسا في مذكراته التي نشرها في إسرائيل أنه كان يساعد الإخوان المسلمين، وأنه سقى مهدي عاكف كوب الماء الذي أنقذ حياته بعد جُرعة التعذيب التي تلقَّاها في السجن الحربي.وهنا قال عاكف مبرِّرًا موقفه الشائن هذا لألبير: شوف ربنا عمل فيَّ إيه.بعت لي واحد يهودي ينقذ حياتي!
وعند ترحيل الشيوعيين والإخوان المسلمين إلى سجن الواحات عام 1955، أخذ الشيوعيون يهتفون كلما مرَّ القطار بمناطق سكنية: "تسقط الدكتاتورية العسكرية" تشهيرًا بالنظام الإجرامي الذي اعتقلهم وعذَّبهم وقتل زملاءهم، بينما لاذَ الإخوان بالصمت المقيت خوفًا وجُبنًا!
وبينما أنشأ الشيوعيون في سجن الواحات مدرسة لمحو أميَّة السجَّانة والمساجين كان ناظرها الرفيق محمد خليل قاسم صاحب الرواية الرائدة "الشمندورة"، وتنظيم سلسلة محاضرات في العلوم والأدب والفن والسياسة والرحلات كنوع من المقاومة للحصار المفروض عليهم، وكان د.شريف حتاتة يكتب للسجَّانة والمسجونين الأدوية المناسبة لأمراضهم، أو يمرّ عليه السجَّانة في الليل ليحكوا له على ما تعانيه زوجاتهم وأولادهم من متاعب صحية فيُشخِّصها لهم، ويكتب لهم الأدوية المطلوبة، أو يُعطيهم خطاب توصية لأحد أطباء قصر العيني ممن كانوا زملاء له، لم يكن للإخوان من دورٍ سوى الخطابة الإنشائية في الدين والاستسلام للأمر الواقع .
وعندما أيَّد الشيوعيون قرارات التأميم الصادرة في 23 يولية 1961 التي مصَّرت الشركات الأجنبية ودفعت باتجاه انتهاج سبيل التنمية الصناعية أساسًا؛ من أجل تمكين رأسمالية الدولة البيروقراطية من الاحتفاظ بسوقها الوطنية، رفض الإخوان المسلمون تأييدها وعمدوا إلى ضرب الشيخ سعيد شلبي عندما أيَّدَ تأميم القناة، ولحمايته قامت إدارة السجن بنقله من مخيَّم الإخوان ليسكن بجوار الشيوعيين، وذلك على نحو ما كانوا يضربون الطلبة الشيوعيين وطلبة الحزب الوطني القديم في الجامعة في سنوات الأربعينيات بالعصي والجنازير، فيهتف كل الطلبة ضدهم: لا فاشية.. لا إخوان.. لا تجارة بالأديان. ومن الجليِّ أن الإخوان المسلمين من أنصار الرأسمالية وبخاصَّة العولمة الرأسمالية الأمريكية، ويقوم مشروعهم الاقتصادي على إنشاء مؤسسات الصدقة والإحسان الإسلامية من زكاةٍ وأوقاف، وهو ما لا يحقِّق المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين.ولعلنا نذكر تصريح رئيسهم الراحل محمد مرسي الذي قال إنه لا يقبل أن يأكل المصريون من الربا، ثمَّ عاد وقرَّر أن قرض صندوق النقد الدولي والقرض التركي والوديعة القطرية خدمة دين، مُمَوِّهًا ومُخْفيًا اسمها الحقيقي وهو "الفائدة".
أمَّا ثالثة الأثافي، فهي ترحيب مكتب إرشاد الإخوان المسلمين في السجن بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ورفضهم المشاركة في المعركة ودحر العدوان.في الوقت الذي شكَّل فيه الشيوعيون في السجن كتيبة كان قائدها الرفيق محمد مختار جمعة ونائبه الرفيق سيد سليمان الرفاعي، اللذيْن قاما بتدريب زملائهما عسكريًّا على استخدام البندقية لي أنفيلد، والمسدس المجري توكاجيت، والمدفع الرشاش بوين، وصنعا لهم بدلًا عسكرية وعلمًا وصاريًا.بينما تجمَّع زملاؤهم الشيوعيون في الخارج في "معسكر طويحر" بمحافظة الشرقية؛ حتى يستطيعوا دخول بورسعيد والانضمام للمعركة.وهو ما يدلّ على ضعف مشاعر الإخوان الوطنية، واستعدادهم الدائم للتحالف مع أي قوى معادية للوطن غربية كانت أو خليجية.
كذلك كان ألبير آريِّه دائم الشجار مع مُتعهِّد الطعام الإخواني "عم حمزة"؛ بسبب تفنّنه في التلاعب بكميَّات الأكل المُورَّدة!
أمَّا النكتة الحقيقية فتتجسَّد في أن الإخوان الذين يزعمون أنهم الناطقون الرسميون باسم الدين الإسلامي، أخفوْا رغبتهم في بناء جامع للمساجين وللسجَّانة خشية اصطدامهم بمباحث أمن الدولة وريبتها من نشاطهم ودعاواهم الكاذبة على نحو ما كان يفعله مهدي عاكف الذي كان يأتي كلّ أسبوع بكشف به طلبات معينة يشتريها من محلّ والد ألبير، زاعمًا أنها لمعسكر الكشافة الذي تُقيمه جماعة الإخوان المسلمين، ثمَّ تبيَّن أنه معسكر تدريب عسكري على السلاح، تمَّ اكتشافه بعد ذلك وإغلاقه عام 1953، بينما "قرَّر الشيوعيون بناء جامع للسجَّانة من الطوب النَّي، وكان زميلنا أحمد سليم خبيرًا في ضرب الطوب، وقام الفنانون الشيوعيون بعمل شبابيك للجامع بالجبس على الطراز العربي"؛ من أجل إرساء مُناخ من الألفة والتوادّ بين الجميع، وتصحيح الصورة المغلوطة التي تُشيعها أجهزة الأمن المأجورة عن الشيوعيين وعدائهم للدين والمتدينين، ولخلق مساحة للحوار الجاد والتواصل الإنساني تسمح بمناقشة قضايا عدة تتعلق بالوطن حاضره ومستقبله.
الشيوعيون وعبد الناصر
بعد أن كان جمال عبد الناصر يقوم بدور حارس التوازن بين تيار يُمثله عبد المنعم أمين ومستشاره سيد قطب، يُساندهما أعضاء مجلس قيادة الثورة من الإخوان المسلمين (كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين الشافعي)، نجح في فرض سياسة الردع وأوقع حركة الجيش في هذا المسلسل الرديء من التصرفات الخرقاء، وبين ممثلي اليسار يوسف صديق وخالد محيي الدين اللذيْن لم يتوانيا عن الضغط من أجل إعلاء أساليب الإصلاح والتعامل بالحسنى والتعقل مع الطبقة العاملة، فإن جمال عبد الناصر بعد أزمة مارس 1954 أضحى يقود تيارًا يسعى إلى إقامة دكتاتورية عسكرية تحكم البلاد حكمًا مطلقًا، ووجَّه ضربة قاصمة إلى الحركة الشيوعية باعتقال 41 من قياداتها وأعضائها في طنطا وكفر الزيات وشبرا الخيمة، وقبلها كان قد اعتقل 102 من السياسيين؛ منهم 48 شيوعيًّا، وقُتل الرفيق محمد عثمان على يد زبانية المباحث في أثناء التحقيق معه، وادَّعوا أنه هرب، وأخفوا جثته ولم يُسلموها لأحد، بل لم يبلّغوا عن وفاته منذ 1954حتى الآن! وفي 23 ديسمبر 1958، صرَّح عبد الناصر بأن المعركة مع الاستعمار قد انتهت، والآن بدأت المعركة مع الشيوعية.وفي هذه الأجواء المسعورة عمد جمال عبد الناصر ورفاقه إلى إرضاء الغرب ودوائره الاستخباراتية بالترويج لما أسموه كذبًا بالخطر الشيوعي، وضرورة التصدي له بكل الوسائل؛ وقبض في ليلة واحدة على خمسة آلاف شيوعي عام 1958، وعُذّبوا تعذيبًا وحشيًّا أفضى إلى استشهاد عدد كبير من خيرة أبناء مصر ورجالها مثل: سعد التركي وعلي متولي الديب ومحمد رشدي خليل وعلي زهران وحسب الله مرسي وسيد أمين وأحمد البكار وشعبان حافظ وهلال عبد العزيز شعبان وعبد القادر مفتاح وشوقي البهنساوي وفريد حداد وشهدي عطية الشافعي اللذيْن قُتلا على الرغم من أنهما كانا مؤيديْن لعبد الناصر".يقول ألبير:"قُتل شهدي في 16 أو 17 من يونية 1960في حفلة من حفلات الاستقبال التي كان يُجرَّد فيها المعتقلون من الملابس، ويجرون بين صفيْ عساكر مسلّحين بالشوم والسياط حتى يصلوا إلى السجن، فتُعدّ لهم حفلة تعذيب جديدة، ويرتدون ملابس السجن بدون ملابس داخلية، ويُتركون حفاة، ويدخلون العنابر، ويجري لهم تفتيش يومي يُضربون فيه صباحًا، ويجعلونهم يصعدون للجبل يوميًّا لتكسير البازلت".كما قُتل الرفيق لويس إسحق يوم الإفراج عنه في الرابع من إبريل عام 1964برصاصة غادرة من ضابط اختُير خصيصًا لذلك وسواهم.وكان اللواء إسماعيل همَّت وكيل مصلحة السجون "يفرض على المعتقلين الشيوعيين العمل في الصحراء، يلمون الشوك بملابس السجن الخفيفة وهم حفاة؛ بزعم استصلاح الصحراء! بينما أعفى المساجين العاديين من هذا العمل". كما "استولت مباحث عبد الناصر في أغسطس 1952 على المطبعة الرونيو المملوكة لحدتو التي كانت تطبع منشورات الضباط الأحرار، وحكموا على الشيوعيين بالسجن خمس سنوات بمن فيهم رجل أرمني اسمه ملكون ملكونيان، وهو مسئول الاتصال بين المطبعة والضباط الأحرار، وكان يُسلّم المنشورات والنشرات إلى جمال عبد الناصر، ولم يكن يعلم مَن هو"، ويُضيف:"أخذ عبد الناصر آلة الطباعة الرونيو ووضعها في مُتحف مجلس قيادة الثورة، وقال إنها الآلة التي كانت تطبع منشورات الضباط الأحرار، ولم يقلْ إنها الآلة التي كان الشيوعيون يطبعون للضباط منشوراتهم عليها".ثم يُتابع:"عندما تمَّ تطهير البوليس السياسي، وتحويله إلى إدارة المباحث العامة، تركوا- أي الضباط الأحرار- ضباط مكافحة الشيوعية كما هم، بل قاموا بترقيتهم.ثمَّ حوَّلوا القضايا الشيوعية لمجلس عسكري مكوَّن من عسكريين فقط، ويُطبق عليهم القانون العسكري والإجراءات العسكرية، ويُصدِّق على الحكم الحاكم العسكري.وقد رأس المحكمة العسكرية في أول قضية شيوعية القائمقام أحمد شوقي، وبعد أن اختلف مع مجلس قيادة الثورة بعد ذلك، قُبض عليه وحُكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، وعيَّنوا بدلًا منه لواءً سيئ السمعة اسمه محمد فؤاد الدجوي الذي رُقِّيَ لفريق بعد ذلك".ويؤكّد ألبير آريِّه أن مَن كان يُصدِّق على الأحكام هو جمال عبد الناصر الحاكم العسكري الذي رفض ومجلس قيادة حركته الإفراج عن الشيوعيين بحجة مضحكة تدلّ على جهلهما البيِّن، مؤداها أن الشيوعية ليست جريمة سياسية، بل جريمة اجتماعية! وأن الشيوعيين لا يكونون سياسيين إلَّا إذا وصلوا السلطة، وبما أنهم لم يتسنموا السلطة بعدُ؛ فهم مدانون بالجُرم الاجتماعي المشهود! بل لم يهتم عبد الناصر بالمعلومات الدقيقة التي حصل عليها هنري كورييل من زميل صحفي شيوعي أرمني اسمه "يعقوب باتمانيان" عن خطة العدوان الثلاثي بالتفصيل، وسلمها لثروت عكاشة الملحق العسكري في روما؛ ليسلمها بدوره إليه، "واعتبرها ألاعيب مخابراتية، ثمَّ اعترف في إحدى خطبه أنه كانت لديه معلومات عن الغزو ولم يُصدِّقها" مما يُبرهن على قصر نظره، وضيق أفقه السياسي.
كان التعذيب النفسي والبدني الذي مُورسَ بحقّ الشيوعيين يرمي إلى تصفية تيار سياسي واجتماعي وفكري داخل مصر، واستئصال شأفته، أي تصفية الشيوعية.
لكن الشيوعيين كانوا يُقدِّمون دفوعًا سياسية في المحاكم، فتقاطعهم المحكمة وتمنعهم، وهوجمَ ألبير وهو معتقل من خلال مانشيت صغير نُشر في جريدة الأهرام يقول:"الحكم على الصهيوني ألبير آريِّه المتصل بهنري كورييل"..هذا على الرغم من أن اسم كورييل لم يَردْ في القضية، بل لم يَردْ في القضية أصلًا أنه - أي ألبير- يهودي، بل كانت صفته أنه مدير محالّ "نيو لندن هاوس".
مقاومة الشيوعيين الباسلة
لم يستسلم الشيوعيون، ولم يقبلوا بالأمر الواقع، بل صمدوا وقاوموا كل عوامل التصفية والقتل وتصحير العقول؛ فكتبوا الشعر والقصة والرواية والمسرحية على الشكائر الفارغة وأوراق البفرة، وهرَّبوا الكتب وأنشئوا المكتبات والأتيليهات وأبدعوا في الرسم والنحت؛ حيث لم يكن مسموحًا إلّا بإدخال الملابس والكتب الدينية والسجائر، وأقاموا مسرحًا قدَّموا عليه المسرحيات التي كتبوها في السجن بالإضافة إلى مسرحيات عالمية، وأصدروا مجلة للمسرح تُعنى بتقديم نقد مسرحي وثقافة مسرحية، وبرزت مواهب في التمثيل أصبح لها تاريخها الفني فيما بعد مثل الفنان علي الشريف، ونظّموا سلسلة طويلة من المحاضرات والحوارات العميقة في الاقتصاد والسياسة والفلسفة والتاريخ والعلوم والأدب والفن، وقامت حركة ترجمة كبيرة لأمهات الكتب العالمية، ونشأت صحافة حزبية تهتمّ بتقديم التحليلات السياسية والأبحاث العلمية، واستطاعوا في مواجهة مؤامرة تجويعهم وتركيعهم زراعة الصحراء بالفجل والجرجير والطماطم والبسلة والورقيات لتلبية احتياجاتهم الغذائية بدلًا من أكل السجن الرديء، بينما لم يحاول الإخوان المسلمون مشاركة الشيوعيين نشاطهم في الزراعة، وتجنَّبوا الاختلاط بهم بدعوى أنهم ملحدون! واستطاع الشهيد شهدي عطية الشافعي بما يملكه من كاريزما وذكاء يأسر بهما الألباب تجنيد عدد من المساجين العاديين للحركة الشيوعية، وتمكَّن الرفيق فؤاد حبشي من التأثير على الشاويش عبد الغفَّار فغيَّر من معاملته الفظّة للمساجين العاديين، وتوقَّف عن ضربهم، حتى إنه اعتقد أنه كان يمشي في طريق خاطئ، وبعث الله له الشيوعيين ليُنقذوه من هذا الطريق، وطلب ألبير من والده إحضار راديو زينيت يعمل بالكهرباء والبطارية لمتابعة الأخبار الإقليمية والعربية والعالمية، والاستماع إلى الموسيقى والغناء، كما عمل في ورشةٍ للتجليد كانت تضمّ رفعت السعيد ويرأسها منصور زكي؛ لتجليد الكتب وصونها من الاهتراء وتهريب الخطابات بداخلها.وكان مسئولًا عن تنظيف حجرة بأحد المخازن تحوَّلت إلى صالة تنس طاولة، وكوَّن مع د.شريف حتاتة والشاعر محمود توفيق فريقًا لتنس الطاولة، وأحضر والده المضارب والكرات والطاولة، وكراسي للجلوس عليها في الجنينة، وفصَّل لهم مجموعة من الملابس البيضاء للذهاب بها إلى المستشفى.وأدخل مجموعة من الأفلام السينمائية لعرضها في السجن عن طريق مدير شركة مترو جولدن ماير الذي كان متزوِّجًا ابنة عمّ والدة ألبير.وشارك في فريق السجن الذي كان يُنافس فرق السجون الأخرى من خلال مباريات الاتحاد الرياضي للسجون، إلى أن منعت المباحث العامَّة الشيوعيين من اللعب خارج السجن، فكانوا يذهبون متفرِّجين.وأنشأ حديقة في السجن وزرعها بالورود بفضل البذور التي كانت تبعث بها والدته، كما زرع شجرة سيسبان بجوار سور السجن، كان يجلس تحتها المترجم حليم طوسون ويشرب القهوة التركي؛ فأطلق عليها زملاؤه اسم"الكوخ".وقد رسم الفنان زهدي العدوي لوحة لألبير وهو بملابس العمل وفي يده شوكة الزراعة كأنه فلاح، كما رسمه أيضًا الفنان حسن فؤاد في لوحة بديعة.بَيْدَ أن ألبير دخل عالم الفن عن طريق الفنان حسن فؤاد من خلال ورشة التماثيل والمسرح؛ حيث كان وصديق عمره حليم طوسون يُحضران ويُجهِّزان الجبس الطبي، ويصنعان القوالب من الطَّفلة وحين تجفّ يصبَّان فيها الجبس، ويُقدِّمانها للفنانين: حسن فؤاد وزهدي العدوي وعبد الوهَّاب الجريتلي وشمس السلّاب وخالد إبراهيم.ونجح الشيوعيون في إلغاء التقليد الذي أرسته وزارة الداخلية لإذلالهم وكسر إرادتهم من خلال إجبارهم على " خلع الأحذية عند دخول مكتب مدير السجن، وحلق شعرهم زيرو". يقول ألبير:"رفضتُ عمليات غسيل المخ والاستنكار- استنكار الشيوعية، والتوقيع على استمارة بعدم الاشتغال بالسياسة، وحضور محاضرات يُلقيها بعض أساتذة الجامعة المتعاونين مع الأمن عمَّا يُسمَّى الاشتراكية الناصرية - سبيلًا للخروج، ورأيتُ أن الطريقة الوحيدة للمقاومة هي المشاركة في المجالات الفنية والاجتماعية والرياضية والتأليف الأدبي وقراءة الكتب"، ثمَّ يُضيف:"كان جزء من نشاطنا الحزبي، تحطيم الحصار المفروض علينا عن طريق إرسال خطابات نذكر فيها ما يحدث لنا في المعتقل من تعذيب وتنكيل، والاتصال بالمساجين على ذمة القضايا الكبرى، وبالخارج". وكانت مجموعة حدتو في فرنسا المسمَّاة "مجموعة روما"، أو "لجنة منطقة الخارج" وفق التسمية التنظيمية، تقوم بالاتصال بالأحزاب الشيوعية في الخارج، والضغط باتجاه الإفراج عن المعتقلين والمسجونين، وتوزيع نشرات الحزب بعد أن يترجموها، وتمثيل الحزب في كل المؤتمرات الدولية والاحتفالات، ومساعدة المعتقلين وعائلاتهم، وإرسال كتب ومجلات وأدوية وكاميرا على هيئة قلم، والاتصال بشخصيات عامَّة لها علاقة بعبد الناصر وتزور مصر لإثارة قضايا المعتقلين.غير أن دكتاتورية عبد الناصر كانت تستفز الجميع وتستثير حَنَقهم، حتى إن الدبلوماسي والكاتب الصحفي من أصل مصري إريك رولو كتب في مذكراته "في كواليس الشرق الأوسط، مذكرات صحفي بجريدة لوموند" يقول إن نيكيتا خروشوف الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي لمزَ أنور السادات الذي أتى إلى موسكو ليدعوه إلى حضور افتتاح السد العالي بأسوان قائلًا له بلهجةٍ تمزج بين الجِدّ والفكاهة:"لا أريد أن أخاطر بالتعرُّض للقبض عليَّ عندكم بسبب معتقداتي الشيوعية".
شجاعة ألبير آريِّه
تنطوي مذكرات ألبير هذه على مراجعة نقدية للذات ولتجرِبته الحزبية، وما تمخَّض عنها من مواقف وممارسات سياسية أثّرت على ديناميته الثورية وجدل علاقته بواقعه وقدرته على التعبير التاريخي عن كل مطامح أمته صوب الديمقراطية والتقدم الاجتماعي؛ ومن ثمَّ الاشتراكية.
فعندما دخل ألبير المستشفى اليوناني لإجراء عملية الزائدة الدودية، أحبَّته إحدى الممرضات وتدعى ريتا، وأرسلت له خطابًا تُصرِّح فيه بحبها له، وأنها في انتظاره لكي يزورها، فردَّ على رسالتها بأنه لا يُبادلها الحب! ويُعلّق ألبير على ذلك قائلًا: كنتُ جبانًا، وظننتُ بالخطأ أن الحبَّ والثورية لا يمكن أن يجتمعا معًا، ولا حتى يمكن التوفيق بينهما!
يؤكّد ألبير أنه أخطأ بتوقيعه على "بيان الشيوعيين في السجن الحربي" الذي كتبه الشاعر كمال عبد الحليم ويوسف حلمي المحامي لتأييد ما أسمياه "الإجراءات التقدمية للجيش" بناء على طلب مباشر من حسين عرفة رئيس المباحث الجنائية العسكرية الذي زارهما في السجن، وطلب منهما بيان تأييد لعبد الناصر، وأنه بمجرد كتابته سيُفرج عنهما! وبعده أفرج عن كمال عبد الحليم ويوسف حلمي وسعد كامل وآخرين. وبذلك استُخدِمَ فريق يميني ساهم في تخريب الحركة الشيوعية المصرية بقيادة كمال عبد الحليم (خليل) الذي أنهى الوجود المستقل للحزب الشيوعي المصري (حدتو) عام 1964من أجل تكوين الحزب الواحد مع عبد الناصر من خلال برقية أرسلها له بهذا المعنى يوم انتخابه رئيسًا للجمهورية؛ أقول استُخدِمَ هذا الفريق لدعم عبد الناصر الذي مثّل الدكتاتورية العسكرية البغيضة في صراعه على الحكم مع اللواء محمد نجيب الذي كان يعمل على إعادة الحياة النيابية إلى البلاد، ومشاركة الأحزاب بعد تطهيرها واستقرار الحكم الديمقراطي البرلماني، وكان يُسانده خالد محيي الدين مع عدد من الليبراليين والمهنيين والمثقفين والشيوعيين.ويروي ألبير أن عبد اللطيف بغدادي أخبر خالد محيي الدين أن انفجارات جروبي وإضراب عمال النقل والمظاهرات التي انطلقت في الشوارع مطالبة بسقوط الحرية كانت من تدبير جمال عبد الناصر الذي استغلها في إلغاء قرارات مارس 1954المنادية بعودة الحياة النيابية وإلغاء الرقابة على الصحف وعودة الجيش إلى ثكناته.
كذلك أدان ألبير الأساليب البيروقراطية الفوقية في إدارة صراعات الحزب السياسية والتعامل مع كوادره المختلفة؛ فبعد نشوء"الحزب الشيوعي الموحَّد"، بدأت اللجنة المركزية في تقليل عدد المحترفين وكانوا أساسًا زعماء محترفين في حدتو، ويحصلون على راتب شهري قيمته خمسة عشر جنيهًا، ثمَّ بغتةً وجدوا أنفسهم في الشارع، وبدءوا في البحث عن عمل.يقول ألبير: (تحطّمت الوحدة بين هذه الأحزاب، وطرد أربعة من اللجنة المركزية منهم شهدي عطية الشافعي وفؤاد حبشي، وبدأت الخلافات.حاولت الأغلبية أن تأخذ كلّ الأجهزة الفنية، وخطفت الأقلية جزءًا منها.الأقلية قالت على الأغلبية"تكتل"، والأغلبية قالت على الأقلية"انقسام").ولا شكَّ أن غياب الحياة الديمقراطية الحزبية الداخلية، وعدم وجود قنوات ملائمة للتعبير عن وجهات النظر المعارضة، واختزال الحزب في قيادته، وقيادته في شخص أمينه العام؛ أدى إلى إشاعة مناخ من التوتر والشك في الآخر، والميل إلى العنف والعدوانية، وسيادة قيم استبدادية بذريعة أمن الحزب ووحدته.وقد عانى ألبير نفسه من انحسار الديمقراطية من البنية التنظيمية للحزب؛ فقامت السكرتارية المركزية بفصله وزميله روجيه من التنظيم، ثمَّ أنزلتهما إلى مستوى مرشَّح بعد أن تقدَّما بتظلم؛ لمجرد اختلافهما مع رفيقة تدعى ريموند كوهين أجرت تغييرات لم تعجبهما في لجان رابطة قدامى مدرسة الليسيه، واتُّهما بالفوضوية.أو إبلاغه من قِبل مسئوله السياسي هانز بينكاسفلد بعد وصوله (ألبير) من فرنسا خريف عام 1947بأنه أصبح عضوًا في حدتو على الرغم من عقابه بالتنزيل إلى مرشّح بزعم أنه فوضوي! يقول ألبير:"ولعل السبب الحقيقي وراء ضمِّي هو رغبة تنظيميْ حمتو وإسكرا في إثبات تفوق أحدهما على الآخر من حيث عدد الأعضاء في لحظات الوحدة والاندماج؛ ومن ثمَّ أصبحتُ عضوًا في مكتب الدعاية التابع لقسم الأجانب"على حدِّ تعبيره. أو سخريته اللافتة من انضمامه إلى تنظيم إسكرا الذي لم يكن يملك برنامجًا ولا نظامًا سياسيًّا لسيرورته الداخلية، فقط قواعد للأمان وأخذ الاحتياطات من البوليس، ووجوب أن يكون لدى العضو دُرْج بمفتاح لوضع النشرات فيه، مع العلم أن ذلك لن يحميه من تعقّب البوليس له وتفتيشه والوصول إلى أوراقه، وعلى الرغم من عدم اقتناعه بذلك، نفَّذ التعليمات حرفيًّا من باب الانضباط التنظيمي!
كما يذكر ألبير أيضًا أن من توصيات حزبه السياسية "ألَّا نسافر إلى الخارج، كنوعٍ من الانتماء إلى البلد"، ويُعلّق قائلًا:"نفَّذتُ التوصية وأنا غير مقتنع بها".
وهو ما يعكس طبيعة التكوين الحزبي ومركزة القرار في يد حّفْنةٍ من القيادات والكوادر المُسيِّرة لحياة الحزب الداخلية، والمهيمنة عليها، دون انفتاحٍ على الأعضاء والحوار معهم والقبول باختلافهم، فما قيمة حزب شيوعي لا يُعلي من أهمية الديمقراطية ولا يولي ممارستها اهتمامًا خاصًّا؟
كما كان تنظيم إسكرا يعمد إلى تسكين كلّ مَن يُجيد لغاتٍ أجنبيةً ويسكن في منطقة وسط البلد في قسم الأجانب، وهذه لا ريب نكتة، فما علاقة هذا بمصريته؟ هل يُلوِّث المستوى الاجتماعي للعضو، وإجادته لبعض اللغات الأجنبية دماءه المصرية، أو نقاء عِرقه المصري؟! كم من مناضلين شيوعيين صُلبي المراس أتوْا من أوساط أرستقراطية أو عائلات بورجوازية.
ناهيك عن سهولة التراشق بالبوليسية، وتلويث شرف الرفاق السياسي بهذا الاتهام الذي لا يستند في كثير من الأحيان إلى دلائل تدعمه، وإنما يُستخدم لإرهاب الخصوم، وحسم الخلافات السياسية لصالح طرف على حساب طرف آخر، وإقصاء المعارضين، حتى إن قيادات كبيرة لها تاريخها وتضحياتها العظيمة مثل شهدي عطية الشافعي وسيد سليمان الرفاعي وألبير نفسه لم يسلموا من هذا الاتهام كما روى في مذكراته هذه.بل لعل القصة التي رواها ألبيرعن زميل شيوعي يُدعى "كريم الخرادلي" تعكس لنا طبيعة هذا المناخ الملغوم..الموبوء.فقد كان طالب الهندسة كريم الخرادلي عضوًا بالمنظمة الشيوعية المصرية (مشمش) التي كانت تصم التنظيمات الأخرى بالخيانة والعمالة للأمن؛ ومن ثمَّ حدت بأعضائها مقاطعة التنظيمات الأخرى، واتخاذ موقف ترانسندالي مترفَّع ومتسامٍ منها.وما إن ألقيَ القبض عليه وأودِع سجن الواحات حتى طلب من مأمور السجن "الحلواني" أن يقوم بتسكينه في خيمة بمفرده، فاستفسر منه المأمور عن السبب، فقال له إن كل الموجودين معه في السجن يراقبونه لحساب المباحث.فسأله المأمور: هل تعتقد أن الحكومة تبني سجنًا وتملؤه بالمعتقلين والضباط والحرَّاس من أجل مراقبة سيادتك؟ وصفعه على وجهه.وأخذ المأمور يفرك يده عجبًا واندهاشًا؛ إذ كيف يُقيم عشرة أو خمسة عشر في خيمة، وهو في خيمة انفرادية، في الوقت الذي يشكو فيه السجن من نقص كبير في الخيام؟ يقول ألبير:"اعترضنا على ذلك، واضطررنا المأمور إلى الاعتذار له، ووصلنا لاتفاق أن ينام كريم على لوحٍ خاصٍّ به في الخيمة المختلطة، وقام بدوره بعمل حاجز من الرمل يفصله عنهم، وكان يستلم طعامه من جماعة الإخوان المسلمين".
يرى ألبير أن التقرير الذي كتبه إبراهيم عرفة (حوتر) الذي كان معتقلًا في سجن الجناح، وطالبَ فيه بحل الحزب وانضمام الشيوعيين إلى الاتحاد القومي، كان من البدايات التي مهَّدت فيما بعد لحل الحزب وتصفيته، على الرغم من أن زملاءه الشيوعيين عقدوا كونفرنس أدانوا فيه مشروعه هذا، بَيْدَ أنه أفرجَ عنه إثر ذلك وترك الشيوعية ولم يسمع عنه أحد.
لم يقتنع ألبير مطلقًا بجدوى أو أهمية الوحدة بين الدول العربية، مُرجِعًا ذلك إلى تخوفه الدائم من حزب البعث، وإلى إيمانه "بصراع الطبقات"، وأنه لا يفهم "ما الذي يربط بين أمير من أمراء البترول وفلاح مصري"، مُضيفًا:"كنتُ مؤمنًا بالكفاح المشترك ضد الاستعمار، ولكني كنتُ ضد الاندماج.كما أني أرى أن هناك خصائصَ لكل بلد" وفقًا لقانون التطور اللامتكافئ.ورأيه هذا لا يتناغم بالطبع ورأي حزبه الذي أكّد في وثيقته الصادرة عن "اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري" في أغسطس عام 1964 بعنوان"من أجل تأمين سير بلادنا في طريق التطورغير الرأسمالي.من أجل وحدة كل قوى التقدم والاشتراكية في بلادنا، ودحر قوى الثورة المضادة"، المنشورة في الجزء الثاني من كتاب د.فخري لبيب "الشيوعيون وعبد الناصر..التحالف والمواجهة 1958- 1965"، وجاء فيها:"إن الوحدة العربية تقوم على وحدة الهدف بين الشعوب العربية"، وأضافت:"وحدة لها مضمون اجتماعي وتقدمي؛ لأنها تستبعد من دائرة الوحدة العربية التي تناضل من أجلها الشعوب العربية كل قوى التخلف والرجعية المستندة إلى الاستعمار في البلاد العربية"، وتابعت بقولها : "إن تأكيد هذا الاتجاه التقدمي لقضية الوحدة العربية في مواجهة الاتجاهات القومية الشوفينية التي تُروِّج لها الأجنحة اليمينية المتطرفة من البرجوازية العربية، وبنوع خاص قادة حزب البعث، إنما يُبشِّر بانتصارات قادمة لحركة القومية العربية؛ لأنه يفتح الطريق أمام كل القوى الثورية في البلاد العربية لتُقيم وحدتها على أساس جديد من النضال لتصفية السيطرة الاستعمارية تصفية تامَّة، ولتشقَّ بحزم – في الوقت ذاته – طريق التقدُّم الاجتماعي".
يُثير ألبير قضية حلِّ التنظيميْن الشيوعييْن الأساسييْن "حدتو والحزب الشيوعي المصري" في مارس وإبريل 1965، في إطار سعي عبد الناصر المحموم إلى تأميم الحياة السياسية والانفراد بالسلطة؛ ومن ثمَّ إفراغ المجال العام لصالح تنظيمه الذي كان سريًّا على الشعب وعلنيًّا على النظام وأجهزته، والذي أنشأه بديلًا من أي تنظيمات أخرى خارجه، وكان يرأسه وزير داخليته شعراوي جمعة الذي كان "يُمسك بيديْه شقي الرحى:التنظيم الطليعي بالوجوه الشيوعية السابقة، ومفاتيح أبواب السجون والمعتقلات" على حدِّ تعبير د.فخري لبيب في كتابه المذكور آنفًا - مما يدل على منهج عبد الناصر البوليسي في معالجة أي قضية، خاصَّة لو كانت سياسية، وقد روت لي طبيبة صديقة أنها ابتعدت عن هذا التنظيم المباحثي – التنظيم الطليعي- بعد اللقاء الأول مع مسئول مجموعتها الذي لم يكلفهم إلَّا بجمع النكات التي تُطلق على عبد الناصر ونظامه، ولأجل ذلك – أي من أجل حلِّ هذيْن التنظيميْن المستقليْن- قامت حدتو من جانبها بعقد كونفرنس في منزل يوسف صديق فوَّضت بمقتضاه كمال عبد الحليم باتخاذ القرار المناسب؛ فلم يدخر وسعًا في إلغاء التنظيم المستقل، وأرسل تلغرافًا لعبد الناصر من مكتب تلغراف التحرير يُعلنه بذلك في يوم عيد ميلاده هدية منه لرئيسه الهُمام! أما الحزب الآخر "الحزب الشيوعي- الراية" فقام أيضًا بحلِّ نفسه.وسيقت في هذا الظرف المرير تبريرات عجيبة لتسويغ قرار انتحار أصحابها السياسي على مذبح انتهازيتهم اليمينية من قبيل: إن بلادنا تختار طريق التطور غير الرأسمالي ..طريق التطور الاشتراكي! بزعم أن هذا الطريق هو الطريق الذي ارتضاه الشعب وتبناه قادة البلاد! وأنه على الرغم من أن السيادة الساحقة في قطاع الزراعة هي للرأسمال الخاص، وأنه تقوم في الريف علاقات رأسمالية قوية، فإن الاتجاه الرسمي هو إلى تضييق نطاق الملكية العقارية الكبيرة والاهتمام بنشر الأشكال التعاونية ! والغريب أنهم راحوا يُشيعون هذه التحليلات المجافية للواقع الموضوعي على الرغم من أن حصيلة التحولات التي أصابت بنية الريف المصري إثر إصلاحيْن زراعييْن (1952-1961) لم تُغيِّر العلاقات الطبقية الأساسية في الريف، وإن كانت نسبة صغار الملاكين داخل البرجوازية الصغيرة الريفية زادت بالمقارنة مع نسبة المستأجرين الصغار؛ فثمة قسم من الأراضي المأخوذة من كبار الملاكين قد بيعَ لهم.أما التعاونيات فسيطرت عليها في الواقع البرجوازية الريفية المتوسطة.
ويتأسى ألبير آريِّه حقيقة لما آلت إليه أمور البلاد وشئونها تحت وقْع آلة القمع الناصرية التي لم تستثنِ أيًّا من معارضيها، فيقول بصدق بالغ:"الحزب بالنسبة إلينا كان هو حياتنا، هو العائلة، وقد دخلنا السجون وبعضنا مات من أجل مبادئ ذلك الحزب، ولا وجود للشيوعية بدون تنظيم"، ويُتابع قائلًا:"بعد حلِّ الحزب صرَّح متحدِّث باسم التنظيم الطليعي أن هناك لبسًا، وأن الأحزاب التي حلّت نفسها لا تتحد مع التنظيم الطليعي، وإنما يتمُّ ضمُّ أعضائها للتنظيم، وأن التنظيم هو الذي يختار من ينضمُّ له"، وهنا نصل إلى قمة الملهاة الناصرية؛ حيث "وجد الشيوعيون الذين دخلوا التنظيم قبل حلِّ الحزب أنفسهم خارج التنظيم الذي دخله أشخاص آخرون اختارهم التنظيم الطليعي وفقًا لمعاييره.وعمومًا أصبح أغلب الشيوعيين معزولين فليس من حقهم الدخول في الاتحاد الاشتراكي الذي اقتصر النشاط السياسي في البلد على أعضائه".ومن المعروف أنه لم يكن مسموحًا لأحدٍ بالعمل أو السفر إلَّا إذا كان عضوًا بالتنظيم السياسي الوحيد في البلاد وهو "الاتحاد الاشتراكي العربي"! ونظرًا إلى إيمان ألبير آريِّه بعدم جدوى هذا التنظيم السلطوي الفارغ من أي محتوى سياسي جاد، لم يهتم بحضور أي اجتماع أو ممارسة أي نشاط داخله، بعد أن ذهب إلى مقرِّ الاتحاد الاشتراكي في قصر النيل في أعقاب حلِّ حزبه الشيوعي، وحصل على كارنيه العضوية، وهو لا يعرف إن كان معزولًا سياسيًّا أم لا.إذ يبدو أن التعليمات الأمنية لم تصلهم بخصوصه.
ألبير آريِّه والمسألة اليهودية
يُعَرِّج ألبير آريِّه بأسى بالغٍ على قضية شائكة أثارت لغطًا كبيرًا في صفوف الحركة الشيوعية المصرية التي رفعت شعار "تمصير الحزب الشيوعي المصري وإقصاء اليهود منه"؛ لذا عندما وُضِعت لائحة الحزب الشيوعي المصري الموحَّد، تُركَ مقعدان شاغران في اللجنة المركزية بسبب اعتراض التنظيمات الأخرى بخلاف حدتو، على وجود هنري كورييل وكمال عبد الحليم في اللجنة المركزية، وإن كانوا قد تحللوا أو تنصلوا من هذا الشرط بعد ذلك، وأعادوهما ليشغلا موقعيْهما القيادييْن هذيْن.كما كان "من شروط الوحدة بين التنظيمات الشيوعية حلُّ مجموعة روما بقيادة هنري كورييل وزملائه.وكان الحزب الشيوعي المصري يؤكد دائمًا أنه لا يوجد يهود في صفوفه.وكان هناك طالب يهودي في كلية الطب أقنعوه بترك الحزب، وأن يسافر". مُضيفًا:"وأعلن الحزب الجديد أنه لا توجد عضويات خارج القطر المصري، وأن هذا لا يمنع من أن تستمرَّ الاتصالات في حدود معينة مثل إرسال الأموال والقيام بحملات تضامن".كما رفض ألبير آريِّه مع رفاق حزبه التقرير الذي كتبه الأستاذ محمود أمين العالم ود.عبد العظيم أنيس وقدَّماه باسميْهما الحركييْن "فريد وسيد"، وفيه يُطالبان بإبعاد اليهود عن الحزب؛ لأن وجودهما لا يتفق والمطالبة بالوحدة العربية. ورأى ألبير في ذلك إهدارًا لنضال اليهود، وتشكيكًا في وطنيتهم بالرغم من التضحيات الجمَّة التي قدموها دفاعًا عن وطنهم مصر.لكن للحقيقة والتاريخ لم يكن الموقف هنا موجَّهًا ضد اليهود بوصفهم يهودًا، بل ضد صهيونية هنري كورييل ومجموعة روما التي كان يقودها في باريس، وجعلت شغلها الشاغل باعتراف ديدار روسانو إحدي عضواتها "الإسهام في حل الصراع الإسرائيلي- العربي بتيسير الحوار أساسًا بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين"، وكان هنري كورييل كما جاء في كتاب"رجل من نسيج خاص"، تأليف"جيل بيرو"، يقول بوضوح كامل:"فإنه بدفاعنا عن حقوق الفلسطينيين العرب، فإننا لا ندافع عن قضية عادلة فحسب، بل نخلق الظروف المناسبة لاعتراف العرب بالحقوق الشرعية لليهود الإسرائيليين"- ص 411 من الترجمة العربية للطيف فرج، قافزًا بذلك على القضية الأساسية ومفادها أن إسرائيل أصلًا مشروع استعماري.ويعلم هنري كورييل علم اليقين أن ذلك لن يتحقق إلَّا على أرضية الاعتراف بالعدو الصهيوني، وشرعنة احتلاله للأراضي الفلسطينية التاريخية.كما ذكرت ديدار روسانو في الجزء الثاني الذي عَنْوَنته باسم "مصر" من مذكراتها "رسائل إلى حبايبي"، أنها كرَّست جُلَّ وقتها بعد عودتها إلى أوروبا للإسهام في تسوية هذا الصراع، "وآنذاك اشتركتُ في نشاط منظمة غير حكومية باسم"فلسطين وإسرائيل يعيشان معًا" ص 37 من ترجمة د.مراد عثمان خلَّاف.هكذا دون تحديد لماهية إسرائيل ودورها الإمبريالي المنوط بها في المنطقة الذي لا يمكن أن يتصالح بحال مع مصالح الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية.
غير أن موقف ألبير آريِّه من الصراع العربي- الإسرائيلي ينسجم لاشكَّ مع موقف زعيمه التاريخي هنري كورييل الذي اتفق مع رفيقه يوسف حزان على أن "ذهاب السادات إلى القدس عمل طيب" كما جاء في كتاب جيل بيرو المذكور آنفًا ص 412 من ترجمة لطيف فرج.لهذا يقول ألبير في مذكراته هذه:"لم أوافق على عدم ذكر اسم إسرائيل ونعتها بالعدو الصهيوني، وكنت ضد شعارات تحطيم إسرائيل؛ فأنا بطبعي ضد الشعارات"، مُضيفًا:"لم أتفق مع العمليات الفدائية ضد المدنيين وعمليات خطف الطائرات، وأرى أنها تسيء للقضية الفلسطينية؛ فأنا مع العمليات ضد العسكريين لا قتل الرياضيين أو المدنيين عمومًا".فلماذا يُغفل ألبير ما يفعله المستوطنون الصهاينة الذين يدعوهم خطأ بالمدنيين بالشعب الفلسطيني في ظلِّ حماية مباشرة من جيش الاحتلال الصهيوني؛ حيث يقومون بإتلاف مزروعاته وتجريف أرضه الزراعية وتسميم آبار مياهه، وممارسة شتى صنوف العربدة وخطف أطفاله واحتجاز وإعدام أبنائه ميدانيًّا، والاعتداء الوحشي على رموزه الدينية والوطنية، والاستيلاء على الأرض والموارد ؟ ألا يعلم ألبير أن جُلَّ مَنْ يسميهم "الرياضيين الإسرائيليين" هم من المجندين والعسكريين المحترفين في جيش الاحتلال هذا؟ لماذا يتغاضى عن أن مَن يُطلق عليهم في كتابه "أنصار سلام إسرائيليين" هم في حقيقتهم جماعات هامشية لا وزن لها، تتاجر بهم إسرائيل كوردة تضعها في عروة الجاكت من أجل الترويج لديمقراطيتها المزعومة الزائفة، في الوقت الذي تضطلع فيه نخبتها العسكرية برسم سياستها وتقرير مصيرها؟ ثم ما النتائج السياسية "العظيمة" التي تمخضت عن لقائه هو والأستاذ شحاتة هارون بأحد الشيوعيين الإسرائيليين ويدعى فايلر؟ إن مثل هذه اللقاءات تُعين إسرائيل على إيهام العالم بأنها مجتمع مُحبّ للسلام يريد أن يعيش في أمان مع جيرانه العرب الذين يعانون من "التعصب القومي الضارّ الذي تشعل نيرانه الطبقات الحاكمة من أجل مصالحها الخاصَّة وضد المصلحة الوطنية" بتعبير هنري كورييل، ص 412 من ترجمة لطيف فرج لكتاب جيل بيرو"رجل من نسيج خاص"! مع أن المجتمع الإسرائيلي هو في جوهره مجتمع الإجماع الصهيوني القائم على الفصل العنصري والتطهير العرقي..والمنحاز بخريطته السياسية إلى اليمين المتطرِّف.حتى بات من العسير التفرقة بين مواقف الكنيست ومواقف الشارع الإسرائيلي.بل لعل ما أفرزته الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت عام 2022 بانتخاب إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتيريتش وسواهما تدل دلالة قاطعة على أن العدو الصهيوني أزالَ أي أثر أو وجود لاتفاق أوسلو، وأبقى على الوجه النازي الحقيقي له دون تزويق أو تجميل.
ولا شكَّ أن مثل هذه المواقف التي ينتهجها اليونسيون – الاسم الحركي لهنري كورييل- ومنهم الأستاذ ألبير آريِّه، لهي ترجمة صادقة لما كان يُنادي به كورييل عام 1953من أنه ومجموعته التي كوَّنها في باريس باسم "مجموعة روما":"تناضل من أجل حلّ النزاع بين الدول العربية وخاصَّة مصر من ناحية، وبين إسرائيل من ناحية أخرى"-لاحظ استخدامه لفظ النزاع لا الصراع، وكأن الصراع مع العدو الصهيوني مجرد نزاع على حدود وليس صراع وجود.أليس لافتًا في هذا السياق رفض ألبير آريِّه نعت إسرائيل بالعدو الصهيوني؟ أليست إسرائيل محكومة بإيديولوجية صهيونية تنادي بأرض إسرائيل الكبرى التاريخية، وهي إيديولوجيا كولونيالية استعمارية توسعية عدوانية؟
أما النقطة الأخرى الحَرِيَّة بالمناقشة حقًّا، فهي حديث ألبير آريِّه عن التراث اليهودي المصري في إطارالجهود المبذولة في هذا الصدد لصونه والحفاظ عليه.والخلاف هنا حول كلمتيْ"التراث اليهودي".وهو ما يُصوِّبه أحد أساتذته وقادته التاريخيين في الحركة الشيوعية المصرية "المناضل الإيطالي المصري الأصل مارسيل إسرائيل الذي غيَّر اسمه بعد قيام دولة الاحتلال الصهيوني عام 1948إلى مارسيل شيريزي" بقوله:"لا يوجد تراث يهودي أو حضارة يهودية بالمعنى الدقيق للكلمة، كما لا يوجد أدب يهودي أو فلسفة يهودية أو علم يهودي.اليهود توزعوا في العالم، وأصبحوا جزءًا من أدب وثقافات الشعوب التي انتموا إليها"، مضيفًا:"إذا كان لنا أن نتحدث عن تراث يهودي وجضارة يهودية، شرط وضع هذه الكلمات بين أقواس، فإن أفضل ما في التراث اليهودي والحضارة اليهودية ارتبط بالتراث العربي والحضارة العربية"، وضرب لنا مثلًا بـ"ابن ميمون العالِم والفيلسوف والطبيب اليهودي، وكان يكتب بالعربية وصديقًا حميمًا لابن رشد، وكانت هناك روافد فكرية مشتركة بينهما لا تعرف التعصب الديني؛ فكلاهما تأثر بالفلسفة اليونانية، وكلاهما أثَّر في الحضارة الأوروبية، وحرثا معًا ومع غيرهما من علماء العرب التربة أمام عصر النهضة في أوروبا.اسبينوزا الذي تقوم كل فلسفته على العقل قرأ لابن رشد وابن ميمون.لكن اليهود الآن يذهبون إلى مقبرة ابن ميمون الذي دُفن في سيبيريا ويتبولون عليها؛ لأنه في رأيهم ملحد وكافر، وكل جريرة الرجل أنه حاول أن يُعطي تأصيلًا عقلانيًّا للتوراة"- مارسيل شيريزي:أوراق مناضل إيطالي في مصر، ص 48، دار العالم الثالث، الطبعة الأولى 2002.
سنوات المعاناة بعد الإفراج
خضع ألبير بعد الإفراج عنه في الخامس من إبريل 1966 بعد أحد عشر عامًا أمضاها في المعتقل من 1953- 1964 للمراقبة البوليسية التي تبدأ من السادسة مساء حتى السادسة صباحًا (ويأتي الضابط والعسكري والشاويش في أوقات مختلفة ليتأكدوا من وجودي في البيت.وكنا نذهب أنا وحليم طوسون ومحمد سيد أحمد إلى قسم قصر النيل التابعين له لنوقِّع، واستمرَّت المراقبة عدة أشهر". ويُضيف ألبير:"بعد فترة ذهبتُ للمباحث العامة وقدَّمتُ شهادة من مكتبي، أطلب فيها تأخير فترة المراقبة لتبدأ من العاشرة مساء، ولكنهم جعلوها من الثامنة، وبالطبع لم أستطع الذهاب إلى المكتب، واستمرَّ هذا الوضع لخمسة أشهر". وكانوا قد حكموا عليه بغرامة قدرها مائة جنيه، وصادروا سيارته الموريس وباعوها في مزاد الداخلية بمبلغ 101 جنيه. وبفضل الرئيس خروشوف الذي رفض زيارة القاهرة إلَّا إذا أفرجَ عن كلّ المعتقلين الشيوعيين، صدر قرار العفو عنهم، ونشرَ في الجريدة الرسمية، وفي اليوم التالي لصدوره رُفعت المراقبة.ثمَّ حصل ألبير على كارنيه عضوية الاتحاد الاشتراكي الذي لم ينتظم يومًا في صفوفه، ولا مارسَ داخل جدرانه أي نشاط من أي نوع.
بَيْدَ أن ألبير آريِّه الذي شهد فترات من الاستقرار الاجتماعي في حياة والده، واجه فترات ركود في العمل وشُحٍّ في موارده المالية إثر وفاته بعد أن"بدأ الموظفون في سرقة المحل new London house، وكانت أمي يائسة من خروجي من السجن، فباعته بعد استئذاني فوافقت على أن تترك لي مكتب الجملة الخاصّ بي وبالأدوات الرياضية، وكان على اسم زوجة صديقي المحامي علي عبد الباري". ثمَّ أسَّس مكتبًا صغيرًا للتوكيلات محاولًا العمل في مجال الاستيراد، لكنه فشل، بينما نجح فحسب في مجال تجارة الملابس والأدوات الرياضية الذي عمل فيه والده وحقق وجودًا متميِّزًا مشهودًا به، كما عمل ألبير في مجال التصدير بعد توقف الأنشطة الرياضية في البلاد كافة إثر هزيمة الخامس من يونية عام 1967، وإلغاء الميزانيات المخصَّصة لها؛ بدعوى أن الرياضة نوع من الإلهاء عن المعركة والاستعدادات الجارية لها. وزاد الطين بِلَّة قيام أحد ضباط الجيش بسحب توكيل الشركة المجرية الذي حصل عليه منه، من دون وجه حق، وأخذه لنفسه! وفي التحليل الأخير، عاش مستورًا بعائد دخله من المكتب الذي كان يُدرُّ عليه خمسين جنيهًا في الشهر، بالإضافة إلى ثلاثين جنيهًا من العمارة التي كان يملكها في حي مصر الجديدة، وراتب زوجته وقدره ستة وعشرون جنيهًا من عملها بجريد المساء التي تصدر من دار التحرير المعروفة إعلاميًّا باسم جريدتها الأساسية "الجمهورية". واستطاع أن يبني فيلَّا في العجمي للتصييف والاستجمام فيها هو وأسرته الصغيرة.غير أنه اضطر إلى بيع عمارة مصر الجديدة بثمن بخس؛ حتى يتخلَّص من مشاكل إدارتها.
ثم تزوَّج ألبير في 31 من مارس عام 1966الصحفية "سهير شفيق" التي تعرَّف عليها عن طريق رفيق نضاله المترجم حليم طوسون؛ حيث كانت صديقة لزوجته، غير أن السيدة سهير تعرَّضت لمضايقات جمَّة من مباحث أمن الدولة قبل زواجها وبعد زواجها به، واستُدعيت أكثر من مرَّة لسؤالها عن علاقتها بألبير، وحقيقة ارتباطها به، وحذروها من مغبَّة الزواج بيهودي؛ مما قد يسبِّب لها متاعب كثيرة في المستقبل.ووصل الأمر بضباط المباحث حدَّ سؤالهم بوَّاب العمارة التي يسكن فيها ألبير ليعرفوا منه إن كان قد أسلم أم لا، فنفى علمه بذلك.ولولا استعانة شقيقتها الصحفية بالأهرام "أمينة شفيق" وزوجها عبد المنعم القصاص مدير تحرير مجلة الطليعة اليسارية الرسمية مرَّة بمحمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام والمقرَّب من عبد الناصر، وأخرى بعبد المجيد فريد أمين العاصمة بالاتحاد الاشتراكي العربي ما قدِّر لها أن تخرج من مبنى المباحث وتعود إلى منزلها، أوأن تمارس عملها الصحفي. لكنها على الرغم من ذلك، لم تسلم من الملاحقات الأمنية فوشى بها زميلاها الصحفيان عبد الفتاح الجمل وعبد الحميد عبد النبي، وادعيا أنها أشاعت بأن السد العالي سيُضرب، ومنعوها من دخول الجريدة بدعوى أن هناك قرارًا بإيقافها عن العمل، وهو قرار شفوي ولم يكن كتابيًّا، واستدعوها للتحقيق في وزارة الداخلية، فنفت مؤكّدة لهم إخلاصها لوطنها وأنها كانت تتبرع بنصف مرتبها للمجهود الحربي، ولمَّا تحروْا تيقنوا من صدقها.بَيْدَ أنها لم تعد للعمل، وظلت شهورًا بمنزلها إلى أن أثار الفنان عبد الغني أبو العينين في أحد اجتماعات مجلس إدارة دار التحرير مسألة إيقافها عن العمل دون مبرِّر بعد ثبوت براءتها وعدم وجود أي دلائل تُدينها، فاتصلوا بها تلفونيًّا طالبين منها العودة واستلام عملها. وقد ألحَّت السيدة سهير شفيق على ألبير أن يُسلم ويُغيِّر اسمه؛ حتى لا يُعاني ابناهما سامي وهاني فيما بعدُ من المشكلات التي قد يتسبَّب فيها اسم والدهما الأصلي، فأجابها ألبير إلى طلبها وأشهر إسلامه، ولكنه أبقى على اسم جده كما هو.يقول ألبير:"لم يعترف أحد بالاسم الجديد؛ فأنا في نظرهم ألبير".
مارسَ ألبير بعد ذلك حياته بشكل عادي، وأصبح عضوًا في جمعية الفيلم وفي نادي القاهرة، واحتفظ بعلاقاته التاريخية ببعض رفاقه الشيوعيين الذين تفرَّق معظمهم لظروف سياسية وحياتية وعائلية، وإن كان أقربهم إليه حليم طوسون ورفعت السعيد، ولم يتوقَّف عن القراءة والسفر والرحلات الأسبوعية والاستماع إلى الموسيقى العالمية ومواكبة التيارات الفنية التشكيلية، والمشاركة في فاعليات المجلس القومي للسلام من خلال القيام بأعمال الترجمة للضيوف الأجانب، والإسهام في التحضير لمؤتمر نصرة الشعوب العربية الذي دعت إليه لجنة دولية في يناير 1969وكان سكرتيرها خالد محيي الدين، ويضطلع بتنظيم عملها الأساسي د.رفعت السعيد، فسافر ألبير إلى باريس ليساعد خالد محيي الدين على التواصل مع شخصيات فرنسية وبهنري كورييل، وظلَّ قابضًا على جمر إيمانه بالاشتراكية العلمية حتى النَّفَس الأخير.
حقًّا..تُقدِّم لنا مذكرت المناضل الشيوعي المصري ألبير آريِّه "ألبير آريِّه..مذكرات يهودي مصري" لوحة جدارية عن لحظات مشرقة من تاريخ نضالنا الوطني والاجتماعي، مضيئة لنا العلاقة الفريدة التي تربط بين السياسة والثقافة والحياة؛ بوصفها رمزًا للتقدم والتغيير والديمقراطية والتحرُّر والحداثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي