الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق للخروج من المأزق واللحاق بالتقدم الإنساني العاصف

سالم جبران

2006 / 10 / 18
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


منذ القرن التاسع عشر، مع بوادر النهضة القومية الثقافية والاجتماعية، بدأ النضال القومي العربي حالماً بتحقيق أمرين أساسيين : الانسلاخ عن الدولة العثمانية، وثانياً النضال لبناء الدولة القومية العربية الحديثة.
إن النهضة الثقافية الرائعة التي دشنت هذه المرحلة التاريخية أرادت تأكيد الانتماء العربي الواحد الموحد، بديلاً للحركات الإسلامية المثالية، وأيضاً بديلاً للانقسام الطائفي. كان الحلم أن ينصهر كل العرب، مسلمين ومسيحيين ودروزاً، وفي كل الأقطار العربية، في أُمّة واحدة. وما زال يجلجل في ضمائرنا الشعار الذي ارتفع كالشهاب في المرحلة الناصرية: "أُمّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" تجسيداً للحلم النهضوي.
إنَّ الحلم القومي الأول، الثقافي- السياسي جرت الإطاحة به بإقامة "الدول المستقلة" شكلياً، التابعة عملياً، التي كانت تحت السيطرة الغربية، البريطانية والفرنسية، بينما حكمتها محليِّاً الطبقات المحلية المرتبطة بالدول الغربية سياسياً، المحافظة والرجعية اجتماعياً وطبقياً.
كانت تلك الهزيمة الأولى للفكرة القومية العربية الحقيقية.
وفي الخمسينات والستينات من القرن العشرين قامت طبقة من العسكريين في أكثرية الدول العربية بقيادة انقلابات عسكرية، كانت البداية في مصر، ثورة يوليو 1952 ولحقتها العراق في تموز 1958، ثُمَّ سوريا ثُمَّ العراق ثانية ثّمَّ ليبيا، ثُمَّ اليمن، ثم انتصار الثورة الجزائرية بقيادة عسكر جبهة التحرر الوطني الجزائرية.
بهذه الثورات والانقلابات سقطت النخبة السياسية المدنية، المؤلفة من كبار ملاّكي الأرض والإقطاعيين وأغنياء المدن، وقامت أنظمة البرجوازية الوطنية ممثلة بالعسكريين.
في حينه، ظنَّ العرب أن الانقلابات العسكرية (التي سمَّت نفسها "ثورات") هي بشرى تحريرية شاملة تؤسس لثورة عربية شاملة ووحدة عربية وحلماً كبيراً بالتحرر والثورة الاجتماعية وتحرير فلسطين.
الآن، أصبح واضحاً وضوح الشمس، أن الانقلابات العسكرية مع كل أصدائها الايجابية في البداية تحولت إلى أنظمة دكتاتورية جمَّدت التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وأقامت أنظمة قمعية ثُمَّ حولت الطغمة العسكرية إلى "حزب حاكم"، أقام نظام الحزب الواحد (تحت تأثير النظام السوفييتي!) وبدأت تنتشر بشكلٍ مذهل ومرعب ثقافة "اللون الواحد" وسياسة "اللون الواحد". وجرى اختزال الحزب الواحد بالزعيم الواحد، وانتشرت الصَّنمية السياسية في كل الأقطار العربية الجمهورية-مصر، سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، الجزائر تونس.
هذا النظام الذي ما زال موجوداً إلى الآن، بأشكال مختلفة خلق ركوداً بليداً، سياسياً واجتماعياً، وجموداً ثقافياً، وتعطيلاً للآلية الديمقراطية، وفساداً اقتصادياً حوّل "النخبة الحاكمة" إلى "طغمة مالية"، وتحول مئات وألوف الضباط إلى أغنياء كبار ومليونيريين كبار، عندما تحالفت القوّة السياسية العسكرية مع النهب غير المحدود لخيرات الدولة والسرقات من "القطاع العام" الذي تعاملت معه الطبقة العسكرية السياسية الحاكمة، كما لو كان " ملكاً شخصياً" للنخبة السياسية-العسكرية الحاكمة.
هذا النظام أحياناً قاد الدولة بعقلية رئيس القبيلة، كما هو الحال في ليبيا، وأحياناً بعقلية الحزب الواحد الوحيد كما هو الحال في سوريا وكما كان في العراق في العهد البعثي، أو اليمن أو الجزائر.
الآن يجب أن نقول، وهذا مفتاح لفهم كل المأزق العربي المستمر، إن نظام الحزب الواحد، العسكري فعلياً، هو تجميد وخنق للإرادة الإبداعية للشعب، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً. إن نظام الحزب الواحد حاول أن يقولب التفكير الشعبي والتفكير القومي العام حسب "القالب" الذي صنعه الدكتاتوريون العسكريون القابضون على مقاليد الحكم والسارقون لكل خيرات الوطن والخائنون لإرادة الشعب وحرية المواطن.
إن فترات الدكتاتورية العسكرية الفردية المختبئة وراء نظام "الحزب الواحد"، كانت وقتاً ضائعاً، وقتاً سلبياً بالنسبة للأُمّة العربية، اقتصادياً وثقافياً وعلمياً. وكل بحث حول وضع العالم العربي الآن يقودنا إلى الانقباض والأسى، فأُمتنا أُمّة تابعة، تأكل مما لا تنتج رغم الثروات الطبيعية الهائلة في الوطن العربي فإن الغرب يتعامل مع أُمتنا باحتقار، وكيف لا والنخب الحاكمة هي نخب جاهلة ديكتاتورية ضيِّقة الآفاق، أنانية الأهداف معزولة عن شعوبها، تترك للدول الغربية الحرية الكاملة في سرقة خيرات أوطاننا العربية، وتكتفي بالفتات .. والجاه الكاذب.
ترتبط بهذا قضية مصيرية أخرى.. هل صُدفة أن إسرائيل الدولة الصغيرة، في كل الحروب، منذ 1948 إلى الآن، انتصرت عسكرياً على كل دول الأُمَّة العربية. إن أُمَّة متخلفة اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وتكنولوجياً وديكتاتورية قامعة لشعوبها، ليست قادرة أن تستفيد من طاقات شعوبها للقتال. لا يقاتل العدُّو شعبٌ مقهور ومستعبد في وطنه. وقديماً قال عنترة العبسي "العبد لا يُحْسِن الكر".
وهكذا نلاحظ الآن أنَّ الأُمّة العربية تعيش أزمة شاملة: سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، تعيش أزمة تعطُّل كامل وتوقُف كامل عن مواكبة النهضة العالمية. ما الغرابة أن الانتماء القومي الحقيقي يبدو هشّاً ومهزوزاً. وتتصاعد الطائفية العنيفة وتنتشر الأُصولية الدينية الرجعية التي في كثير من الحالات تنحو منحى إرهابياً؟
الآن صار واضحاً لأوسع قطاعات الشعوب العربية أن الأنظمة العسكرية "القومية" الحاكمة، هي أنظمة ديكتاتورية، إرهابية، قامعة للشعب، سارقة لخيرات الوطن، باقية في سدّة الحُكم فقط بقوة السلاح، والقمع الدموي وزج كل المعارضين في غياهب السجون والمعتقلات، حتًى الموت!
ليس صدفة أن الأُصولية الدينية بدأت تنمو في الدول العربية كمعارضة للأنظمة الدكتاتورية معتمدة على العقلية الدينية القبلية ومعتمدة على الفقراء والمسحوقين مع حلم مستحيل التحقيق. العودة إلى الخلافة. وبدأنا نقرأ شعارات "الإسلام هو الحل" وبدأنا نقرأ تهجمات حادة على القومية والفكر القومي عموماً.
إن انتشار الأصولية الإسلامية في مصر وسوريا والعراق والدول العربية كلها تقريباً، هو برهان على عزلة وإفلاس النظام "القومي" الذي تحوَّل من مشروع قومي إلى دكتاتورية طاغية، بلا حلم وبلا مشروع، مكتفية بسرقة خيرات الوطن.
إننا نقول، بصوت عالٍ، إن مَن يحلم بتجربة القومية العربية بالصيغة الناصرية أو الصيغة البعثية يعيش وهماً مستحيلاً.
مشروع المستقبل القومي العربي يجب أن يحمل عدداً من المقومات الاستراتيجية الضرورية:
*أولاً: إسقاط الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي يقوم على التعددية السياسية والحزبية والصراع السلمي المشروع على الحكم.
* ثانياً: الديمقراطية الحزبية والسياسية يجب أن ترتبط بالانفتاح على العصر، سياسيا واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتكنولوجياً.
*ثالثاً: يجب أن يضمن النظام أوسع رُقعة من الديمقراطية وحرية التفكير والتعبير، مما يجب أن يُشجِّع الصراع السياسي والايديولوجي المكشوف والديمقراطي، في إطار الدستور، وإمكانية تداول السلطة سلمياً وديمقراطياُ.
* رابعاً: الحرية الكاملة للإبداع الثقافي والفكري والفني وخصوصاً للإبداع الأكاديمي في الجامعات والمعاهد العليا ومراكز الأبحاث.
*خامساً: ارتكاز النظام السياسي على المساواة والفرص المفتوحة للشعب، وعدم التمييز الفعلي أو القانوني ضد أية طائفة أو فئة من الشعب، مع المساواة الكاملة حقاً للنساء، نصف الأُمّة.
*سادساً: النظام السياسي الوطني الديمقراطي الجديد يجب أن يضع خِطَّة استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لوضع كل مقدرات الوطن العربي في خدمة التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبناء الانتماء إلى المجتمع وإلى الوطن هوية أساسية يجب تعميقها وإغناؤها باستمرار من الدولة ومن كل منظمات المجتمع المدني.
إن القوى المؤهلة لتحقيق هذه الثورة السياسية –الاجتماعية، السلمية في الوطن العربي يجب أن تضم المثقفين، وهي تُعَد بالملايين، والفلاحين والعمال وحركات المجتمع المدني، والعسكريين الديمقراطيين والشباب وأساتذة الجامعات وطلاب الجامعات والبرجوازية الوطنية التي تؤمن بضرورة تطوير قطاع خاص إنتاجي وصناعي. إن "الماركسية الأورثودكسية" قد سقطت، والرأسمالية المنفلته من كل عقال هي نظام شرس وإجرامي ومرفوض. والبديل هو مجتمع المبادرات الحرة والعدل الاجتماعي، عَبْر التحالف مع العلم والتكنولوجيا والتقدم الاجتماعي.
هذا المسار الوطني والديمقراطي والاجتماعي هو الرد على الدكتاتورية العسكرية المفسودة والرد على الأُصولية الدينية وهو الرد الحقيقي على المطامع الإسرائيلية والغربية، وهو يفتح الباب رحباً للتقدم العربي ارتباطاً بالثورة الاجتماعية والسياسية الإنسانية العامة، والتفاعل مع العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا