الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل إلى : “متاهات الشنق” للقاص المغربي شكيب عبد الحميد

هشام بن الشاوي

2006 / 10 / 18
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في كل مرة ، وفي كل حالة… أعيد فيها قراءة ” متاهات الشنق ” للقاص شكيب عبد الحميد ، أستعيد متعة أفتقدها في كتابات كثيرة… وتنفتح آفاق جديدة للتأويل ، إذ نهاية كل نص هي بداية جديدة ومتجددة لقراءة أخرى… لنصوص تتفاوت أحجامها ، وتتباين طرق سردها إذ لجأ الكاتب إلى تكسير خطية السرد ، وتفتيته.. كما تداخلت الأزمنة والأمكنة في نصوص أعادت صياغة الواقع اليومي ، بكل رداءاته وانكساراته… لشخوص سيزيفية ، غارقة في التيه ، والعطالة والشنق .. شنق الوقت ، واغتيال الفراغ بالعهارة والسكر… والكتابة أيضا !

حين يخفت صوت الأيديولوجيا في زمن سقوط الأيديولوجيات ، لا يجد السارد/الشارد ملاذا سوى البحر ، ليتطلع من بعيد إلى أنوار ” مسقط الرأس والقلب والجيب “.. مدينة أزمور، فتتداعى ذكرياته المشروخة … ويخيل إلينا أن الكاتب يعيش حالة (نوستالجيا ) ، وهو يلطخ بياض الورق ، باحثا عن النغمة المفقودة … ويذكرنا هذا النكوص الإبداعي الجميل بكتابات سعيد الكفراوي ، فأزمور تحضر في تضاعيف ” المتاهات ” بشكل لافت … ولا نعثر على ” الجديدة ” حيث يقيم حاليا شكيب عبد الحميد إلا كبرج مراقبة. فمن مقاهيها الشاطئية يرسل البصر إلى ملتقى النهر والبحر… وحين يمتزج الواقع بالخيال ، تتجلى له مدينة الأولياء والكرامات… كنيويورك في زحمتها ، حيث يتكدس أهاليها أمام الأوبرا ، ويقف السارد مشدوها أمام تمثال من فضة لأحد مبدعي مدينته القريبة – البعيدة … لكن هذه الأزمور الأخرى التي يحلم بها ليست كالبيضاء ، غابة الإسمنت والحديد ، التي هجاها في قصة : ” تراجيديا الأشياء والرحيل”، والتي وصفها أحد الكتاب ، لا أتذكر اسمه الآن أنها : ” الممر إلى الجحيم “.

لا تتجلى لنا براعة الكاتب في نسج حكاياه ، وإتقانه لصنعة الكتابة إلا مع حضور تيمة الكتابة المغايرة… حيث يراهن على البحث عن” أشكال جديدة … عن مجار حرة …و مسالك بكر …” (حكاية من ألف ، ص47 ) . لكن هذا لا يعني تجاوز تاريخ السرد العربي القديم، بل تتعايش عناصر القص الموروثة ، وتقنيات التجريب … لإفراز نص متناسق ، متناغم ، يعبر عن اللحظة الآنية … وبذكاء شديد ، يجرنا القاص إلى متاهاته … حيث استهل مجموعته بقصة الركح الثلاثي ، وختمها بقصة التنويعات على اللحن الأساسي ، والجدير بالذكر أن شكيب عبد الحميد يلجأ في قصصه إلى تقنيتي التقطيع والمونطاج .. تقطيع المشهد القصصي إلى لقطات، وإعادة تركيبها بشكل حلزوني …

- في قصة” أزمور … ولتحترق كل الأشياء ” : يمكن لأي قارئ عادي أن يدرك ماوراء سطورها ، فحين يقترن الضياع بالتيه ، بالسكر، لن نفاجأ مع بطل القصة وهو عائد من الحانة أن تقتنصه دورية ليلية …
- في قصة ” عن السيدة أحكي ” : يحضر (البار) كفضاء للنسيان والتذكر .. نسيان خسارات اللحظة ،واستحضار لحظات منفلتة … فالسارد يمتح من أجواء الحكي الألف ليلي لبناء نصه ، حيث يحكي لرفيقه تفا صيل مغامرة عاطفية مع سيدة مخملية ، لكن هذا الأخير، ينام قبل أن تكتمل الحكاية ، ويعدنا ” شهريار” أن يستأنف الحكي في الليلة التالية .

- في قصة ” يوم عادي ” : ينتقل بنا المؤلف من فضاء الخمارة والليل إلى المقهى ، لكنه لا يشارك في صنع الحدث، وإنما يلتقطه بحاستي السمع والبصر، وهو يراقب السياح ونتلصص معه على شاب مغربي ، نعرف من خلال حديثه مع رفيقته أنه ” شاذ جنسيا ” ونراه ، وهو يشعل سجارة – بحذف الياء ، كما يحلو للكاتب أن يكتبها – ويقدمها لسائح .. طبعا ، كل هذه السلوكيات الغريبة اعتدناها ، لكن ماليس عاديا أن يحدث هذا في يوم رمضاني ، والشمس تصهل في كبد السماء .

- في قصة “الشارد والسارد” : يغيب الحدث وتحضر الذكرى ، ويتوقف الزمن ، ويصبح المكان هو الشخصية المحورية في النص ، ولو بالغياب … وقد لجأ السارد / الشارد في هذا النص الى تقنية التجريد والمونولوج ، فثمة حوار – ضمنيا – بين السارد وأناه ،لا بينه وبين القارئ المفترض …

- أما في نص ” الرجل الأبله … الراقد على حافة القبر …” يقتحم شكيب عبد الحميد عالم المجهول ، الذي يعد طرق أبوابه من الطابوهات … إذ يتخطى عتبة الميتافيزيقا ، ويبحر في اتجاه المجهول ،لمساءلة الوجود و المصير، ويخدش مرايا السكون … وتصدمنا لغته ببشاعة تصويرها ، وعنف تعبيراتها …

وفي ما يلي كتابة ثانية على هامش هذا النص المنفلت ، الذي يعد أقصر نصوص المجموعة و أروعها …

بعد تحطيم الجدار الكلاسيكي الذي وضعه السالفون بينهم وبين المتلقي ، يدعونا إلى المشاركة في كتابة هذا النص ، وذلك بإعادة قراءته في ضوء إضاءة هرمان هسه : ” لسنا نعلم ما يريد الرب منا…” ، لحل شفراته ، وفك طلاسمه … ونحن بدورنا نتساءل لماذا اختار أن نتصور رجلا راقدا على حافة قبر ؟ أليس في هذا إحالة على الشيخوخة ، ودنو الخطوات من القبر؟… لكن لم لم يختر امرأة ؟ ! ولماذا مجنونا بالضبط ؟ ألأن المجانين ، والسكارى والمشردين من يناموا بين القبور؟ ومن هذا الرجل المقذوف به في وجود النص ؟ وما سر جنونه … ؟ أهي عوادي الزمان؟ !
هل الحرمان من ملكة العقل نعمة يحسد عليها المجانين ؟ هل الانحراف في لعبة الحياة / الموت ضرب من البلاهة ؟ هل تحتاج الحياة إلى أن نفكر فيها أم نعرف كيف نعيشها ؟ هل العقل يحكم على حياتنا بالألم والشقاء ؟ أليس في إعدام العقل موتا رمزيا للكائن البشري ، ودعوة بوهيمية إلى العيش بإحساس القطيع؟ !

ثم يتحث السارد عن الرقاد / النوم / الاستراحة / الاسترخاء النفسي .. وفي النوم يستوي العاقل والمجنون إذ يبدو كلاهما نصف ميت ، لكن على حافة ماذا يرقدان … ؟ !

هذا سيجرنا إلى الحديث عن القبر / المثوى الأخير، حيث ننعم برقادنا الأبدي … هذا ما قد يجول في خواطرنا للوهلة الأولى ، بيد أن السارد يفاجئنا بوصف عذاب القبر ببشاعة … لكن لم يعذب هذا المجنون؟ !
أترك الجواب للفقهاء …

وحين نذكر الموت نستحضر – لا إراديا – الصرخة الأولى ، التي تعد تعبيرا مبكرا عن دهشتنا إزاء هذا الوجود ، وغموض المصير الإنساني … لكن ألا يجوز أن نعتبر الموت ولادة ثانية ؟ وهل يريد الكاتب أن يضع أصبعه على جرح وجودنا ، ينقلنا إلى عالم الأموات، ويصرخ في وجوهنا : إنكم موتى بلا قبور؟ ! لماذا انسقنا مع موجة الموت ، ونسينا أننا نعيش حياة تفتقد الحياة ؟ ألا ترون أننا نعيش موتنا باستمرار ،ونحمله في دواخلنا ؟ !

وما يضمن استمرار الكائن البشري ، والحفاظ على هذا النوع من الانقراض هو الشبق ، الذي يربط بين حالتي : الموت والولادة وتثير انتباهنا في الكروكي الذي رسمه عبارة ” انعدام الضوء ” / الظلام ، التي تحيل على الرغبة الدفينة في العودة إلى حضن الأم أو رحمها … ويتساءل : ” أولسنا مجرد كروكيات مظلمة تنتظر الملء؟ ” . (ص 39 ) ، ويفكر في تمزيق الكروكي الذي رسمه ، يتراجع عن الفكرة ، ويفتح النافذة المطلة على البحر ، ويسمع نباح كلب ، والشائع أن نباح الكلاب المتواصل، إشارة على حدوث كارثة طبيعية أو حلول عزرائيل بأحد البيوت … لكن على ما يبدو أن هذا الكلب الأبلق غير عابئ بما حوله … لا يهمه انهيار العالم أو ولادة لقيط بثلاثة رؤوس ، وهو يقضي حاجته على حافة البحر … وحين تمرق من أمامنا كلمة ” حافة ” يقفز إلى الأذهان هذا السؤال النزق : ألم يفعلها على حافة القبر ؟ !

استطاع شكيب عبد الحميد أن يرصد مختلف حالات شخوصه من خلال قصصه العشر، فجاءت
لغتها واضحة ، مكثفة ، متوترة حينا ، ساخطة أحيانا … تسابق – أحيانا – وتيرة السرد المتسارعة ، فنلاحظ غياب الفواصل ، وقد يعود هذا إلى طبيعة هذا الجنس الابداعي ، التي لا تسمح إلا بالتقاط التماعات برق اللحظة ، في عالم يتغير كل يوم ، وكل لحظة تراجيكوميديا ،وهذا ما تدل عليه نقط الحذف ، كما نسجل شعرنة القاص بعض المقاطع السردية في قصتي : ” تراجيديا الأشياء والرحيل” و” آخر رسالة ” ، التي نقتطف منها هذا المقطع :

“… وأنظر في عينيك المتوحشتين
آه منهما!!
خراب
تدمران كل قلب ” هشيش”، ووجنتاك والخمر صنوان” .

وعلى سبيل الختم ، فليسمح لي القارئ أن أثبت هوية هذه السطور، البعيدة - كل البعد - عن النقد ، هي مجرد قراءة عاشقة ، قد لا تعنيكم في شيء ، لكنها دعوة صادقة إلى ملء البياضات ، بياضات ” القراءات ” ، التي حاولت تسليط بعض الضوء على هذه المجموعة القصصية التي تحتاج إلى أكثر من قراءة ثانية أو ثالثة …

وما تبقى يؤسسه النقاد!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك