الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزعة العرقية والاستعمار الاستيطاني والمراقبة: حالة السيطرة الإسرائيلية على فلسطين

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2023 / 3 / 3
القضية الفلسطينية


رونيت لينتين
ترجمة: محمود الصباغ
مقدمة
في كانون الأول/ ديسمبر 2016، أعلن نفتالي بينيت، وكان وزيراً للتعليم في إسرائيل آنذاك، عن خطة تتضمن وضع مبادئ توجيهية أخلاقية جديدة للأكاديميين الإسرائيليين، تعتبر الأحدث ضمن سلسلة طويلة من المبادرات كان قد أطلقها زعيم حزب "البيت اليهودي" اليميني، بهدف جعل مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل "أكثر ولاءً للدولة"، وأتت عقب حظر الوزير زيارة مجموعة ناشطة، تدعى "كسر الصمت -جنود إسرائيليون يتحدثون عن الأراضي المحتلة"، إلى المدارس بهدف الحديث عن أنشطة الجنود غير المشروعة في الأراضي المحتلة (http://www.breakingthesilence.org.il/ (accessed 25 January 2017)) (Adamkar,2017)، وهدفت مبادرة الوزير إلى توبيخ المعلمين المنتقدين للجيش، وحذف رواية تصور قصة حب يهودية فلسطينية من مناهج أدب المدرسة الثانوية. وتحمل مبادئ الوزير التوجيهية المقترحة البغض وسوء الطوية بشأن السلوك الأكاديمي، لأن الشخص الذي كلّفه الوزير بصياغتها ليس سوى آسا كاشر أستاذ الفلسفة الذي صاغ المبادئ التوجيهية الأخلاقية للجيش الإسرائيلي (Roth,2016). وكان كاشر هذا قد نال اهتماماً دولياً في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على غزة في العام 2014، الذي قُتل فيه 2251 غزياً (70% منهم مدنيون، بينهم 551 طفلًا و299 امرأة) (http://gaza.ochaopt.org/2015/06/key-figures-on-the-2014-hostilities/ (accessed 17 May 2017))، عندما أقر بموافقته على سلوك الجيش آنذاك، بناءً على مفاضلته بين حياة الجنود على حياة "مدنييهم"، شارحاً رضاه عن سلوك الجيش خلال المجزرة التي خلفت وراءها غزة حطاماً وآلاف من الجرحى والمشردين. على الرغم من تصنيفه كشخص أكاديمي حائز على جوائز وعضو في عدد لا يحصى من الجمعيات، بما في ذلك مركز أورشليم للدراسات الأخلاقية والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وعلى الرغم من الإشادة به باعتباره "مراقب شديد الصلة لبوصلتنا الأخلاقية الوطنية" (http://www.israelhayom.com/site/newsletter_article.php?id=4804 (accessed 27 January 2017))، فإن وضع مؤلف مدونة الأخلاقيات في الجيش مسؤولاً عن مراقبة مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل يمثل مشكلة كبيرة، وتتساءل الفيلسوفة الإسرائيلية عنات مطر، في هذا الصدد،Matar (2016) "ما الذي يجعل آسا كاشير "ضميراً لإسرائيل، رغم عدم تركيزه على المستوى العالي للمراقبة التي تتطلبها مثل هذه الإرشادات.
يبدأ هذا المقال بتلخيص لنظرية نقدية تحتوي ثلاث نقاط رئيسية عن إسرائيل باعتبارها:
1. دولة الاستثناء (Agamben,2005)
2. الدولة العرقية (Goldberg,2002,2009)
3. المستعمرة الاستيطانية (Wolfe,2006).
ونظراً لفشل نظريات دولة الاستثناء والمستعمرة الاستيطانية في احتلال وضعاً ابتدائياً، فسوف أضع حالة الدولة العرقية في مقدمة ومركز تحليلي للحرب الدائمة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وسوف أضع في اعتباري مقولات المنظر الأمريكي الأفريقي ألكسندر ويهليي Alexander Weheliye (2014) التي ننتقد الدراسات المتعلقة بالمركزية الغربية حول مسائل الاستثناء والسياسة الحيوية(1). وسوف تركز المقالة أيضاً على ما كتبه إيليا زريق Zureik (2016) عن المراقبة التي تستخدمها المستعمرة الاستيطانية العرقية الإسرائيلية في السيطرة على كلٍ من مواطنيها الفلسطينيين والفلسطينيين المحتلين والمحاصرين. وكذلك على مراقبة المعارضين الإسرائيليين واليهود، كإجراءات اتخذها الوزير بينيت، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من المبادرات القانونية الحديثة. وسوف أصل إلى استنتاج موجز حول توسيع نطاق استراتيجيات مراقبة منتقدي السياسات الإسرائيلية، بمن فيهم المواطنون الإسرائيليون ومنتقديها من الخارج، مع إشارة خاصة إلى المراقبة الممولة جيداً ضد مؤيدي حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، وسوف يعتمد هذا على إصرار أغامبين (2008) الحديث عن الضعف الشديد للخط الفاصل بين المواطنين وغير المواطنين. ويهدف المقال إلى إدخال مفهوم العرق في تحليل الحالة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية عبر نقد ما أعتبره تنظيرات مركزية أوروبية لبعض الباحثين الإسرائيليين، مثل: إيلان بابيه وأورن يفتحئيل، الذين يركزون على المقاربة الإثنية ethnicity بدلاً من المقاربة العرقية race في تنظيراتهم عن إسرائيل، يضاف إليهم الباحثون الأوروبيون البيض مثل جورجيو أغامبين الذي اقتصر تدخله النظري المثمر، بطريقة مفاجئة، على مقدمات فقط عن العرق في تحليل ما يطلق عليه الظروف العرقية المحددة والذي يستخدم فيها، كمعيار، نظام معسكر الاعتقال النازي، في حين يشيح نظره بعيداً عن الحالة الاستعمارية والحالة الاستعمارية الاستيطانية وتصفية الاستعمار.
هل إسرائيل دولة استثناء عرقية؟
ستكون البداية من خلال تحديد السياق النظري للتوجهات النقدية لأساليب سيطرة إسرائيل على فلسطين، في ضوء تصعيد حربها الدائمة ضد الفلسطينيين، وهو تصعيد يشكل تطوراً مثيراً للدهشة والسخرية في تاريخ سياساتها المستمرة من الاستعمار والقمع والاحتلال والحصار، وتعتبر هذه السياقات النظرية إسرائيل: أولاً دولة استثناء (Agamben, 2005)، وثانياً، دولة عرقية (Goldberg, 2002, 2009)، وثالثاً، مستعمرة استيطانية(Wolfe, 2006, 2016). ويمكن النظر إلى إسرائيل، المحكومة بشبكة تشريعات طوارئ معقدة وممارسات الاستثناء والضرورة والأمن وخطاب الضحية اليهودي، كمثال مدرسي لأطروحات الفيلسوف السياسي جورجيو أغامبين Agamben (2005) عن "حالة الاستثناء" (بمعنى كل من الحالةétat والظرف condition). وتتضمن حالة الاستثناء في إسرائيل / فلسطين توسيع سلطات الحرب العسكرية لتشمل المجال المدني، وتعليق اللوائح الدستورية التي تحمي الحريات الفردية (Zreik, 2008)(2). ويتبع أغامبين، بطريقة لافتة، في كتابه" الإنسان المستباح والحياة العارية Homo Sacer: Sovereign Power and Bare Life (1995)" قول المنظّر النازي كارل شميت عن الطريقة التي يتحول بها معيش الجماعات السكانية، بسبب حالة الاستثناء، إلى مجرد "حياة عارية"، سواء كانت هذه الجماعات مستبعدة أم مقيدة داخل النظام السياسي. ويبني أغامبين أفكاره أيضاً على الكتابات النظرية للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو Foucault (2003) عن النزعة العرقية العنصرية كإشارة إلى القطع بين ما يجب أن يعيش وما يجب أن يموت.
وأستطيع الزعم كيف قامت إسرائيل بتأسيس تقنيات حكومية لشرائح وفئات عنصرية عبر تدابير وإجراءات إدارة فصل واستبعاد السكان، منذ "الخطة الصهيونية دالت" للعام 1948 لما أطلق عليه المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه Pappe (2006) إشكالية "التطهير الإثني لفلسطين"، وصولاً لسياسات الاحتلال المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين المطرودين أثناء وبعد نكبة العام 1948(2). وشبّه الجغرافي السياسي الإسرائيلي أورين يفتحئيل Yiftachel (2016) التصنيف العرقي للمواطنة في فلسطين / إسرائيل بسياسات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا: فاعتبر اليهود مواطنين "بيض"، والعرب في إسرائيل مواطنين "ملونين" (جزئياً)، وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1967 يمثلون "السود"، لا يمتلكون أية حقوق سياسية. غير أن استخدام مصطلح "الإثنية" في السياق الإسرائيلي يمثل إشكالية(4) منهجية. ويبدو أن مصطلح إيلان بابيه "التطهير الإثني" الذي بات شائعاً الآن، والذي ظهر أساساً للتعبير عن أحداث حرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، يؤسس لاعتبار اليهود والعرب الفلسطينيين مجموعات إثنية متجانسة على الرغم من الاختلافات الإثنية الواضحة. وينظر يفتحئيل إلى إسرائيل كدولة "إثنوقراطية" (2006) مفترضاً فيها التجانس الإثني أيضاً. ويهمل كلا التحليلين مقولة العرق في السياق الفلسطيني-الإسرائيلي، على الرغم من حجة غيلمور Gilmore (2007) بأن التصنيفات والفئات -وكلاهما مركزي عند النظر في أسلوب الحكم والسيطرة الصهيونية على فلسطين كما تجادل هذه المقالة- هي في ذات الوقت شرط مسبق ونتيجة لنزع الصفة الإنسانية عن العرق.
تغرق التصنيفات العرقية اللاإنسانية إسرائيل، بما في ذلك تصنيف الفلسطينيين، والفلسطينيين المحتلين والمحاصرين، وفلسطيني الشتات، الذين يعيشون -معظمهم- في مخيمات اللاجئين منذ نكبة العام 1948. وتكثر التصنيفات العرقية أيضاً بين المواطنين الفلسطينيين: وهكذا، يعيش، على سبيل المثال، أكثر من نصف سكان إسرائيل البدو البالغ (عددهم 160 ألفاً تقريباً) في "قرى غير معترف بها"، حيث ترفض الدولة توفير هياكل تخطيطية لهم وتمتنع عن تقديم أهم الخدمات الأساسية بما في ذلك المياه، والكهرباء وتعبيد الطرق وبناء المدارس، فضلاً عن قيامها بهدم قراهم دورياً بهدف نقلهم إلى مراكز حضرية حكومية http://www.acri.org.il/en/category/arab-citizens-of-israel/negev-bedouins-and-unrecognized-villages/ (accessed 25 January 2017)) . وترقى الاختلافات العرقية إلى تصنيفات عرقية بين اليهود أنفسهم -بين اليهود الأوروبيين الأشكناز البيض واليهود الشرقيين "المزراحيم" العرب السود وكذلك اليهود الإثيوبيين، رغم أن الفصل العنصري بين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين هو الذي يمكّن إسرائيل، في النهاية، من ضمان عيش ليس فقط المستوطنين اليهود في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولكن أيضاً اليهود الإسرائيليين الذين يعيشون في فلسطين المحتلة منذ العام 1948، التي تعرف أيضاً باسم دولة إسرائيل، حيث يعيشون على حساب الفلسطينيين الآخرين، أو كما يصف فوكو Foucault (2003: 255) الأمر، بمنزلة إقامة "علاقة بين حياتي وموت الآخر". وتؤكد هذه التصنيفات سيطرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والسلطات المدنية، بآن معاً، على المواطنين الفلسطينيين والرعايا المحتلين، بما في ذلك مراقبة جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك) المتواصلة لهم(3)، وانتظام مداهمات القرى والمنازل الفلسطينية وإقامة الحواجز وبناء الجدار الفاصل وحظر التجول، وهدم المنازل والقرى، ونقل السكان، والاعتقالات والاحتجاز الإداري الواسع، وحجز وتعذيب القاصرين الفلسطينيين. وتبلغ ذروة هذه الممارسات من خلال الأعداد المتزايدة لعمليات الإعدام خارج النظام القضائي، بما يعني خضوع الفلسطينيين التام للسيادة الإسرائيلية، واعتبارهم موضوعاً لهذه السيادة.
ونظراً لتغاضي نظرية أغامبين عن التعيين الدقيق لمقولة العرق، فينبغي اقتران تصور إسرائيل كدولة استثناء، بالتنظير لها كدولة عرقية عنصرية تستبعد عرق وتحتفي بآخر لخلق تجانس يمكن تسميته وفقاً لغولدبرغ Goldberg (2002: 16)، بـ "عدم التجانس من خلال الإنكار". ويشدد غولدبرغ على فرض العرق على الآخر فقط: "من خلال التكوين العرقي للخارج والآخر.. حيث يصبح الداخل -الذات- محدداً عنصرياً" (2002: 23). ومن المفارقات هنا تحول الآخر، بمجرد تكوينه عرقياً، إلى تهديد يتطلب من الدولة احتوائه والسيطرة عليه. وتتحقق مهمة التجانس والاحتواء والسيطرة ليس فقط من خلال تقنيات حكومية مختلفة ومنظومات المواطنة وضوابط الحدود وتصنيفات التعداد السكاني الإحصائي، ولكن أيضاً باختراع التاريخ والتقاليد التي تبني ذاكرة الدولة والاحتفالات والتخيلات الثقافية، واستحضار أصول الماضي (حالة إسرءيل الكتابية). ومن هنا استطاعت الصهيونية خلق دولة عرقية عنصرية بامتياز عبر تخيّل إسرءيل بوصفها "أوروبا البعيدة عن أوروبا"، علماً أن الصهيونية بحد ذاتها نشأت من بنات أفكار يهود أوروبا الوسطى والشرقية، ومعظمهم من اليهود الاشتراكيين الملحدين الذين، رغم إلحادهم، قاموا بحشد وتجييش الوعود الكتابية والدين اليهودي لصالح قضيتهم. ويصبح الاستثناء هنا هو القاعدة وتمكّن حالة الطوارئ المستمرة تعزيز قاعدة واحدة: (الحياة) للمواطنين اليهود في الدولة (وكذلك الشعب اليهودي من جميع أنحاء العالم الذين يحق لهم الحصول على الجنسية عند الهجرة إلى إسرائيل)، كما تعزز قاعدة أخرى أي (الموت، والتهديد بالقتل والطرد) لرعايا الدولة الفلسطينيين وغيرهم من غير اليهود، الذين لا يحق لهم أن يحملوا جنسية الدولة والذين أصبحت حياتهم "عارية"(Shenhav, 2006). ويدعو غولدبرغ هذه الحالة بـ "الفلسطنة العرقية" Goldberg (2009: 139): "لا يُعامل الفلسطينيون كما لو كانوا مجموعة عرقية، ليس فقط كحالة مجموعة عرقية، ولكن كمجموعة عرقية محتقرة وشيطانية". ويفسر غولدبرغ كيف أن الصهيونية تدور حول حتمية التحديث التي سيكون اليهود بموجبها حديثين أيضاً ومعاصرين (على الرغم من كونهم شعب كتابي قديم)، في حين ينتمي الفلسطينيون إلى عصر ما قبل الحداثة، وهم بحاجة إذن إلى الرسالة الحضارية التي ستجلبها لهم الصهيونية -ولكن دائماً ضمن سياق مهمتها الاستعمارية. ومن المفارقات الغريبة لشعب يحفل تاريخه بالاضطهاد العنصري، أن تتبنى الإيديولوجية الصهيونية ذاتها مقولات "العرق اليهودي"، وتنشأ "شعباً يهودياً" متجانساً رغم الاختلافات العرقية والدينية اليهودية الواضحة (Sand, 2009)، مع اعتبار الذات اليهودية والحالة العرقية الأخرى جزءً تاماً غير قابل للفصل من الفكر الصهيوني وممارساته. ويقرأ فالك Falk (2006) تاريخ الصهيونية كمشروع تحسين عرقي eugenic race، غايته إنقاذ المجموعة الجينية اليهودية من الانحطاط الناتج عن العيش في الشتات. وأدت معاداة السامية إلى عرقنة اليهود بوصفهم "عرق" منفصل يمكن تبرير اضطهاده عبر الحجة البيولوجية، بينما لعب الإيديولوجيين الصهاينة، الذين تبنوا مصطلحات الفولك* volk -(أمة عرقية شكلها "الدم والطين")- دوراً فعّالاً في إنتاج ذخيرة صهيونية عن التصنيف والتصور الفولكي" الشعبي" volkish وهذا النمط من التفكير هو المسؤول، بلا ريب، عن المواطنة العرقية ومنظومة الهجرة في إسرائيل الذي يحبذ جلب "يهود" المنافي، بموجب سلطة قانون حق العودة، الذي أقرّ في العام 1950، القائم على اليهودية الأرثوذكسية، وينطبق على الأشخاص الذين أمهاتهم أو جدة أمهاتهم يهودية، وتم تغييره لاحقاً- استجابة للقلق الإسرائيلي بعد حرب 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان (Wolfe, 2016) بحيث صار ينطبق على من لديه جد يهودي(6) (Hayeem, 2010). يُمنح المهاجرون اليهود حق المواطنة jus sanguinis فضلاً عن مزايا مالية واجتماعية وإعفاءات ضريبية سخية بما يضمن ضرورة تكوين أغلبية اليهودية في إسرائيل. وعلى العكس من ذلك، يحرم حوالي 7 ملايين لاجئ فلسطيني من حق العودة إلى ديارهم وأرضهم (http://imeu.net/news/article0038.shtml, (accessed 27 January 2017)) -وهو حق اعترف لهم به قرار الأمم المتحدة رقم 194 واتفاقية جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (Hayeem, 2010). وثمة 160 ألف فلسطيني بقوا في الأراضي التي احتلها الصهاينة في العام 1948 أطلق عليهم لقب "عرب إسرائيل"، حُرموا من هويتهم الفلسطينية، وخضعوا لنظام الحكم العسكري، بناءً على أنظمة الدفاع (الطوارئ) الانتدابية للعام 1945، التي تلغي القواعد الأساسية لحق التعبير والحركة والتنظيم والمساواة، رغم السماح لهم بالتصويت والترشح.
وفي حين يمكن قراءة مقولة أغامبين عن حالة الاستثناء باعتبارها تستند إلى تعليق القانون عن طريق وضع الإنسان العاجز أو المستباح homo sacer خارج القانون، فسوف أزعم، بالتوافق مع غولدبرغ Goldberg (2002)، أن القانون، بعيداً عن كونه معلقاً، يعمل في الواقع في خدمة الحالة العرقية، كما يجادل غولدبرغ: "الدول العرقية.. ملزمة بالضرورة بالتعبير القانوني.. (و) تعتبر نفسها مفهومة ومصاغة ويتم إدارتها وصونها من خلال حكم القانون". ويصر غولدبرغ على اعتبار القانون يخدم "الخيال القومي لخلق التجانس"، ومع إشارة خاصة إلى الدول الاستعمارية الاستيطانية، "يستميل منطق الشرعية حالة الاغتراب العنصري القومي.. في دوافعهم لتشكيل الدولة" (Goldberg, 2002:139–40). وبرغم زعم هذه الدول المثالية بالعدالة، فسوف يختزل القانون الناس إلى مجرد أشياء، موضوعات، ويؤسس تصنيفات وترتيبات عرقية. ولا تشكل إسرائيل استثناءً في هذا الصدد. إذ تشمل الأمثلة على القوانين العنصرية الإسرائيلية، إلى جانب قانون العودة للعام 1950:
أ) قانون أملاك الغائبين (1950) الذي يمنح الدولة أملاك الفلسطينيين المطرودين والمصادرة أثناء وبعد نكبة العام 1948، والذين يعتبرون "غائبين حاضرين"
ب) قانون الصندوق القومي اليهودي (1953) "وكالة شراء الأراضي"، الذي يتكلف الصندوق بموجبه بإدارة الأراضي العامة في إسرائيل، بما في ذلك مساحات كبيرة من أراضي الفلسطينيين المهجرين (http://www.badil.org/en/al-majdal/item/1404-mahajneh-jnf-and-israeli-law (accessed 15 January 2017))، الذي يحظر بيع الأراضي لـ "غير اليهود" وتأجيرها مباشرة أو بالباطن وامتلاكها.
ج) سلطة الأراضي التي تأسست في العام 1960 والتي تسيطر على 93% من الأراضي باعتبارها "ملكية عامة، أي ممتلكات تابعة للدولة أو للصندوق القومي اليهودي أو لسلطة التطوير"، نيابة عن ما يسمى بـ" الأمة اليهودية"، مما يعني منح مواطني إسرائيل الفلسطينيين ملكية 7% فقط من الأرض (http://www.globalresearch.ca/israel-s-discriminatory-land-policies/14579 (accessed 28 January 2017)).
ويذكر المركز القانوني لحقوق الأقليات العربية في إسرائيل "عدالة"، قائمة من 50 قانوناً إسرائيلياً يميز عرقياً وعنصرياً المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك حقوق المشاركة السياسية، والحصول على الأراضي، والتعليم، وموارد ميزانية الدولة، والإجراءات الجنائية. وتنتهك بعض القوانين على وجه التحديد حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 واللاجئين الفلسطينيين. وتستثني القوانين الفلسطينيين "من الأرض. تحويل جنسيتهم من حق إلى امتياز مشروط؛ الحد من قدرة المواطنين العرب وممثليهم البرلمانيين على المشاركة في الحياة السياسية للبلاد؛ تجريم الأفعال أو الخطاب السياسي الذي يشكك في الطبيعة اليهودية أو الصهيونية للدولة؛ وامتياز المواطنين اليهود في تخصيص موارد الدولة" (Adalah, 2012). أحدث إضافة إلى التشريع العنصري الإسرائيلي هو مشروع قانون الدولة القومية المثير للجدل، والذي ينص على أن إسرائيل هي "الوطن القومي للشعب اليهودي" وأن الحق في تقرير المصير في الدولة هو حق فريد بالنسبة لهم. كما تلغي اللغة العربية كلغة رسمية، على الرغم من أن "المتحدثين بها لهم الحق في الحصول على خدمات الدولة التي يمكن الوصول إليها باللغة" (Lis, 2017a). في حين أن مشروع القانون لا يُخضع الديمقراطية للطابع اليهودي للدولة، كما فعلت نسخة سابقة، يجادل الباحث القانوني أيال غروس (مشيراً مرة أخرى إلى الإثنية ethnicity وليس العرق race) بأن مشروع القانون غير ديمقراطي لأن "ربط تقرير المصير وتماهي الدولة مع مجموعة إثنية معينة داخلها، على حساب مساواة الآخرين وإحساسهم بالانتماء، لا يعتبر أمراً راسخاً في قانون أو ممارسة الدول الديمقراطية" (Gross, 2017). وغالباً ما تلغي هذه القوانين قرارات المحكمة العليا التي تمنحهم أي حقوق مدنية، وتخنق حرية تكوين الجمعيات والتعبير، والتميز على أساس الانتماء القومي، ودعم الاتهامات الجنائية والإجراءات العقابية التي يحرض عليها الكنيست ضد أعضائه العرب المنتخبين، إلى جانب تقييد وصول المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل إلى موارد الأرض.
كل هذا يعني استخدام الإطار القانوني العرقي العنصري في الدولة العرقية الإسرائيلية لتكريس التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين، والرعايا المحتلين والمحاصرين. وفي ذات الوقت تضع هذه الدولة نفسها فوق القانون الدولي وتنأى بنفسها بعيداً عنه، مما يجعلها حالة استثنائية بامتياز. ويتجاوز استكشاف شرعية استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، Ben-Naftali et al. (2005) النظر في تخلي إسرائيل عن واجباتها كسلطة احتلال والتركيز على شرعية الاحتلال ذاته، الذي يعتبرونه حالة استثناء غير شرعية تطمس الحدود بين النظام الطبيعي للمساواة في السيادة بين الدول والاستثناء (وهذا هو الاحتلال). ويجادل ويب بولمان Webb-Pullman (2013) أيضاً بالقول عدم انخراط إسرائيل، كطرف في معظم البروتوكولات الاختيارية للاتفاقيات الرئيسية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها، ورفضها قبول اختصاص أي من لجان هيئات المعاهدات، مما يعني عدم إمكانية اللجان المعنية تلقي شكاوى معينة، أو التصرف بناء على هذه الشكاوى أو ادعاءات ضدها، بما في ذلك الاستخدام الواسع النطاق للتعذيب". هذا الاستثناء من جانب واحد لا يعني فقط تعريف إسرائيل كحالة استثناء بامتياز، ولكنه يعني، على مستوى أكثر مادياً، وقوع جميع إجراءات الحكومات الإسرائيلية، مثل الاعتقال الإداري دون محاكمة، واحتجاز القصر، والتعذيب، وهدم المنازل والقرى، ونقل السكان والإعدام، خارج نطاق القضاء، وتنفيذها دون رقابة أو توبيخ من القانون الدولي، مما يجعلها دولة استثناء عرقية عنصرية.
تفكيك الاستثناء: الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي
تعرضت نظرية أغامبين عن حالة الاستثناء إلى عدة انتقادات بسبب المقاربة المركزية الأوربية له وعدم اهتمامه بالنزعتين الاستعمارية والاستعمارية الاستيطانية، على الرغم من فائدة مقولاته بخصوص التنظير لحالة الاستثناء الإسرائيلية التي يضع الدولة فوق القانون المحلي والدولي وخارجه عند الحديث عن المواطنين الفلسطينيين والمواطنين المحتلين والمحاصرين. (Svirsky and Bignall, 2012 Wolfe, 2016). ولعل هذا ما يدفعني إلى استكمال تحليلات أغامبين وغولدبرغ من خلال التنظير لإسرائيل كمشروع استعماري استيطاني (على سبيل المثال،Wolfe, 2006,2016)، وهدفه الرئيسي المتمثل في الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين وليس استغلالهم.
إن تعريف إسرائيل كمستعمرة استيطانية يتعارض مع الصورة الذاتية للحركة الصهيونية باعتبارها رداً عادلاً على معاداة السامية الأوروبية التي مكنت من توطين "شعب بلا أرض" في "أرض بلا شعب"(4)، على الرغم من استعمارها أرض مستوطنة بالفعل، وهي تصوغ نفسها-أي الصهيونية- صراحةً في مصطلحات استعمارية استيطانية. وهكذا، فإن كلمة ييشوف יישוב -والتي كانت تطلق على كيان المستوطنات اليهودية لفترة ما قبل الدولة في فلسطين- يعني حرفياً "الاستيطان" باللغة العبرية، وتحدث الإيديولوجيون الصهاينة الأوائل صراحةً عن "المستعمرات اليهودية" التي ستحل محل القرى والأحياء الحضرية الفلسطينية القائمة (Benvenisti, 2002: 263). وعلى عكس الحالة الاستعمارية التقليدية، المتعلقة باستغلال السكان الأصليين، يتمحور الاستعمار الاستيطاني حول استبدال السكان الأصليين، وهو يحل دائماً محل ما يدمره. ويعني هذا الأمر في فلسطين، استبدال الصهاينة للبساتين الفلسطينية بالصنوبريات الأوروبية المستوردة (التي أطلقوا عليها شعار "لنجعل الصحراء تتفتح")، واستبدال القرى والأحياء الفلسطينية المأهولة بالمستوطنات اليهودية وبالطرق والمتنزهات الوطنية، واستبدال أسماء الأماكن الفلسطينية بأسماء عبرية، ويقام في الوقت الحاضر حملات يومية لاستبدال قرى البدو، التي تعتبر "قرى غير معترف بها"، بمساحات لبناء مستوطنات حضرية وريفية تخص اليهود فقط، وميادين مناورات الجيش، ومساحات خضراء -وهي السياسات الحكومية الاستعمارية الاستيطانية التقليدية.
ويعتبر الاستعمار الاستيطاني، من خلال تفسيرات مختلفة لعبارة terra nullius (أرض بلا شعب)، مشروعاً متمحوراً حول الأرض. ويرى "وولف" أن الاستعمار الاستيطاني قائم على أساس تأمين الأراضي من خلال "الإبادة الجماعية المنظمة"، كما يتضح من طرد 800 ألف فلسطيني من أرضهم أثناء وبعد نكبة العام 1948، واحتلال الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان في العام 1967، كما يقوم على الاستغناء التدريجي عن العمال الفلسطينيين من الأراضي المحتلة، وزيادة السيطرة العسكرية والمدنية على الأراضي المحتلة. والمثال المؤثر هو بناء ما يسمى بـ "جدار الفصل"، والذي، كما يجادل "وولف"، يمثل تعبيراً ملموساً عن العزل المكاني، مما يجعل الفلسطينيين قابلين ومعرضين للاستغناء عنهم أكثر فأكثر وجعل غزة والضفة الغربية محميات وغيتوات أكثر فأكثر (Wolfe, 2006: 404). وعلى عكس المستعمِرين العاديين، يأتي المستعمِرون الاستيطانيون بهدف البقاء، مؤكدين على سيادتهم في المكان بموجب القانون الغربي "منطق الإقصاء"، الذي لا يهدف إلى التدمير بل إلى إنتاج الحياة، وذلك بدمج الشعوب الأصلية والثقافات والأراضي في جسد الأمة المستوطِنة (Morgensen, 2011). وهكذا، بينما بقي المستعمِرون الصهاينة على أراضيهم واعتبروا المستعمرة الجديدة أرضهم التي أعطيت لهم بوعد إلهي، كان عليهم ممارسة السيطرة والمراقبة على معيش السكان الأصليين الفلسطينيين، لتمكين المستعمِرين اليهود من العيش على حساب المواطنين الفلسطينيين. ويلاحظ "وولف" كيف منعت المركزية الأوروبية الراسخة لأغامبين من رؤية السياق الاستعماري، وركز بدلاً من ذلك على مركزية نموذج الأمن في حالة الاستثناء، التي تستخدم الأمن كـ "أسلوب طبيعي للحكومة" (Agamben, 2005).
وتعتبر الخطابات الأمنية و "التهديد الوجودي" وظاهرة الضحية اليهودية مسائل مركزية لسياسات إسرائيل العنصرية. وبينما تعتبر إسرائيل نفسها ملاذًا لـ "الأمة اليهودية"، فهي تنظر إلى السيطرة على فلسطينيي العام 1948 وفلسطيني 1967 وفلسطيني الشتات كأمر حتمي ولدته الضرورة والطوارئ، الذي، كما يقترح أغامبين، يؤسس ويضمن الوضعية التي يحتاجها القانون لتمرير شرعيته وبقائه. يخلق النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي مناطق استثناء ثابتة، كما شوهد في مذبحة غزة في العام 2014، والتي تعتبر خارجة عن أي اعتبارات إنسانية. ونظام المحاكم العسكرية المنفصلة أحد الأمثلة على الاستثناء بهدف محاكمة الفلسطينيين المحتلين، بما في ذلك العديد من القُصَّر، وهو النظام "الذي يعمل بدون شفافية تقريباً ويخضع لإشراف داخلي شديد التراخي ونادراً ما يتعرض لأي تدقيق عام" (Yesh Din, 2013). مثالٌ آخر على الاستثناء الاستعماري الاستيطاني يتمثل في الطبيعة البيروقراطية الاستعمارية للاحتلال ونظام التصاريح اليومي عند كل نقطة تفتيش في الضفة الغربية (Berda, 2012).
نقد الحياة العارية: من الاستعمار الاستيطاني إلى التجمعات العرقية
تعتبر النزعة العرقية أداة مألوفة لنزع الصفة الإنسانية عن الحياة الطبيعية الإيديولوجية، بينما تؤدي، في ذات الوقت، ممارسة نزع الصفة الإنسانية عن الناس إلى تصنيفات عرقية. وتقوم هذه الثقافة، بدورها، باعتماد الدولة العلمانية الحديثة على التصنيف، إلى جانب النزعة العسكرية كوسيلة من وسائل حفظ تماسك التصنيف (Gilmore, 2007: 243–244). ويبدو أن البناء النظري لتقويم إسرائيل كدولة استثناء عرقية يعد أمراً منطقياً، بيد أنه ينبغي استخدامه بشكل نقدي "حاضراً أو غائباً". وينتقد سفيرسكي وبيغنال في Agamben and Colonialism ، مشروع أغامبين كونه مشروعاً راسخاً بقوة في الفكر السياسي الغربي، حيث يتم تصوره دون الإشارة إلى ظاهرة الاستعمار ومناهضته، وتجاهله للمداخلات النقدية من قبل أشخاص مستعمَرين منخرطين في أعمال تصفية الاستعمار، على الرغم من أنهما لا يعطيان امتيازاً للعرق مثل أغامبينSvirsky and Bignall (2012). لذلك، في أعقاب "الفلسطنة العرقية" لغولدبرغ (2009)، وتنظير "وولف" عن "الآثار العرقية" للكولونيالية، ونقد ويهليي Weheliye (2014) لجهة عدم اهتمام أغامبين بـ "التجمعات العرقية" سوف أفترض في العرق عنصراً مركزياً لتحليل الحكم الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي للفلسطينيين.
والنقطة الرئيسية في نقد ويهليي لنظريات أغامبين وفوكو الغربية المتمحورة حول الاستثناء والحياة المجردة والسياسة الحيوية قابليتها للنقل عالمياً باعتبارها لا تتحدث من وجهة نظر عرقية صريحة، ولا تعتبر العنف السياسي كعملية اجتماعية معنية بالتمايز والهرمية المنعكسة على جسم الإنسان. وسوف أشير بأن مثل هذه العمليات تستخدمها دولة إسرائيل في عرقنة المواطنين الفلسطينيين المحتلين والمحاصرين وفي الشتات، رغم إعطاء القليل من التحليلات المتعلقة بالاستيطان الاستعماري الإسرائيلي امتيازاً للعرق، مع عدم وجود فروقات عرقية واضحة بين البشر اليهود الإسرائيليين، والفلسطينيين الخاضعين -المواطنون الفلسطينيون الذين تم تشويههم بأنهم "عرب إسرائيليون"، وأخيراً، فلسطينيين غير بشر أو غير إنسانيين، محتلين ومحاصرين ولاجئين وكذلك مواطنين بدو يعيشون في "قرى غير معترف بها". وكما يشير غيلمور Gilmore (2007: 244)، تعتمد الدولة الإسرائيلية على التصنيفات العرقية، التي تدمجها مع العسكرة كوسيلة يحفظ من خلالها التصنيف على تماسكه.
يفترض "وولف" في كتابه الذي نشر بعد وفاته، بالأجناس كآثار للتاريخ الاستعماري الذي يعيد إنتاج علاقات عدم المساواة باعتبارها أساسية لفهمه للاستعمار الاستيطاني: فـ "العرقنة تمثل استجابة للأزمة التي حدثت عندما يتعرض المستعمِرون للتهديد بضرورة مشاركة الفضاء الاجتماعي مع المستعمَرين" (Wolfe, 2016: 14). ونظراً لضرورة الحفاظ على الهرمية والاستثناءات، فسوف تترك مهمة التجانس للمستعمِرين. ويذكرنا "وولف" بالتجانس باعتباره تقسيم، وتولي المستعمِرين البيض الحكم. ويقودني استحضار "وولف" للعرق في تنظير الاستعمار الاستيطاني إلى نقد ويهليي لنظريات أغامبين ذات النزعة الأوروبية المتمركزة حول الاستثناء والحياة المجردة التي تستند أساساً إلى معسكرات الإبادة النازية، دون إعطاء مصداقية لأسلافهم الاستعماريين (مثل الاستعمار الألماني المتجاهَل لناميبيا والإبادة الجماعية، انظر(Zimmerer, 2005).. يفترض أغامبين في الإنسان المستباح Homo Sacer (1995)، بشكل متناقض أنMuselmann "مسلمين" (مصطلح يستخدم لسجناء معسكرات الاعتقال الذين وصلوا إلى الحضيض، والذين تم تسميتهم على هذا النحو لأنهم، مستنفدون تماماً لقوة الحياة، ويظهرون جاثمين كما لو أنهم مسلمون يؤدون صلواتهم) مصطلح يتجاوز العرق، حتى على الرغم من أن هذه فئة عرقية صريحة تشير إلى المسلمين. يجادل ويهليي باعتماد تحليل أغامبين على عدم رؤية التجمعات العرقية. وتشدد وجهة نظر ويهليي حول دراسات السود، ذات الصلة بشكل كبير بتحليل فلسطين، على عدم كفاية توظيف المعسكرات النازية لتفسير العرق كنظرة مركزية أوروبية من الناحية النظرية، عندما يخلق البشر العرق لصالح البعض وعلى حساب البشر الآخرين (كما يوضح وولف في تحليله للاستعمار الاستيطاني). ويستشهد ويهليي بالمنظرة النسوية الأمريكية الأفريقية هورتنز سبيلليرز Spillers (2003)، التي تجادل بعدم إدراج التجمعات العرقية لرحلات العبودية القسرية middle passage، وعبودية المزارع وقوانين جيم كرو، في معظم تصورات كتلة القوانين البيو سياسية للحداثة، وعدم الإدراج هذا يسلط الضوء على مدى الروتينية في إضفاء الطابع الوحشي على اللحم الأسود وكيف أنه لا يزال قائماً في عالم الرجل (الغربي). وقول سبيلليرز أن اللحم الأسود تأسس روتينياً من خلال "العمل المحسوب للقوة والصلابة (الحديد)، والسياط، والسلاسل، والسكاكين، ودوريات الكلاب، والرصاص" يدفعني إلى اقتراح مماثل، وعلى عكس ادعاء إسرائيل بالحاجة إلى محاربة "الإرهاب الفلسطيني" في حربها القمعية ضد الفلسطينيين، بإنشاء اللحم الفلسطيني روتينياً من خلال العمل المحسوب من الامتصاص (الإسفنج)، والرصاص المطاطي والمعدني، والغاز المسيل للدموع، ومعدات مكافحة الشغب، والقصف الجوي والهجمات البرية وأنظمة المحاكم العسكرية والتعذيب والسجون والاعتقال الإداري وهدم المنازل والقرى ونقاط التفتيش والجدار العازل والإعدامات خارج نطاق القضاء.
إن هذه الممارسات، كما أؤكد، هي نتيجة مباشرة لعرقنة الفلسطينيين العنصرية بوصفهم شعباً أضعف ينكر عليهم المستعمِرون الاستيطانيون حقهم في أراضيهم. إن القواعد والأنظمة وممارسات التمييز العرقي في اللحم الفلسطيني لا توضح فقط الروتين بل أيضاً وبدرجة أكبر المنطق الاستثنائي لمستعمرة المستوطنين الإسرائيليين العنصريين. كما توضح عدم كفاية التنظيرات الأوروبية المتمركزة حول الاستثناء والحياة المجردة وحدها لفهم المركزية المتجسدة للعرق في سياق فلسطين-إسرائيل، والتي تظهر في تقنيات المراقبة والتحكم الخاصة بالتصنيف والهرمية ونقل السكان وعمليات الهدم الواسعة النطاق، وتمتد إلى سياسات إسرائيل الاستيطانية غير القانونية. وتم إدخال آليات المراقبة والتحكم والسيطرة هذه من قبل المستعمِرين الصهاينة المستوطنين قبل إقامة دولة إسرائيل بفترة طويلة من خلال الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية قبل وأثناء وبعد النكبة، ونفي الحقوق الفلسطينية.
ويستمر الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي كما يشهد التاريخ الطويل لمصادرة أراضي البدو الفلسطينية. والكتابة عن طرد البدو من رفح (جزء من قطاع غزة) في أوائل السبعينيات، وفي سياق الهدم الوحشي في كانون الثاني/ يناير 2017 للقرية البدوية "غير المعترف بها" أم الحيران لتمكين بناء مستوطنة صهيونية دينية(8)، ويفترض المدوّن الإسرائيلي إيدان لانداو أن العنصرية هي السبب الوحيد لطردهم: "مهندسو الطرد طمعوا في أراضي البدو. أنا أستخدم مصطلح "عنصري" لأن سياسة الاستيطان غير العنصرية لم تكن ستشهد أي تناقض بين بقاء البدو على أراضيهم وبين إقامة المستوطنات اليهودية. إن الإصرار على طرد السكان العرب من الأرض... كشرط مسبق للاستيطان اليهودي يفضح الجانب العرقي العنصري المتأصل في المشروع الصهيوني (Landau, 2017). والأهم من ذلك، لابد ، من أجل بناء التراتبيات العرقية وتحقيق مستويات عالية من الفصل العنصري، من استخدام مستعمرة المستوطنين العنصريين لتقنيات المراقبة المستمرة، كما سوف أناقش الآن.
العرق والاستعمار الاستيطاني والمراقبة
تتأسس المراقبة على نظرة الآخرين، و السمة الرئيسية لها في المناطق المستعمَرة تتمثل في طبيعة السكان الأصليين العرقية(Zureik, 2016: 95). يفترض عالم الاجتماع الفلسطيني إيليا زريق المستعمَرة كمختبر لتطوير واختبار تقنيات المراقبة، ويرى بأن الأخيرة سمة رئيسية من سمات الاستعمار والاستعمار الاستيطاني، ويشدد على نجاح تقنيات المراقبة العسكرية في إسرائيل، بما في ذلك إجراء التعداد، وصنع الخرائط، والتنميط العرقي (بالإضافة إلى تجنيد المتعاونين الفلسطينيين من خلال نظام معقد من التهديدات والمكافآت التي تمارسها وكالة الأمن الإسرائيلية، انظر Cohen, 2010) في السيطرة على السكان الفلسطينيين وقمع المعارضة الفلسطينية. ونشأت تقنيات المراقبة في البيئات الاستعمارية، وكانت تقنية المراقبة الرئيسية البانوبتيكون**- panopticon - اختراعاً استعمارياً تطور على الحدود الاستعمارية الأوروبية مع الإمبراطورية العثمانية. كما يجادل ميتشل Mitchell (1988: 35)، "لم يتم بناء معظم نماذج البانوبتيكون في شمال أوروبا، بل في أماكن بعيدة مثل الهند المستعمَرة". في الواقع، نقل البريطانيون آليات المراقبة مثل بطاقات الهوية وصنع الخرائط وتصنيفات التعداد من الهند إلى فلسطين خلال الثورة العربية 1936-1939 للتعامل مع المعارضة العربية للحكم الاستعماري والهجرة الصهيونية غير الشرعية (Zureik, 2016: 98–9). ويستشهد زريق بخليلي Khalili (2013) الذي يشير بأن الاختلاف بين إسرائيل والأماكن الاستعمارية الأخرى يتمثل في استخدام إسرائيل لأسلوب تطويق وتقطيع الأراضي الشاسعة كوسائل سيطرة سهلة عبر استخدام الآليات المادية المجسدة كأبراج المراقبة والأسوار الأمنية التي استخدمها البريطانيون لمواجهة الثورة العربية والتي طورها الإسرائيليون ولا يزالون يستخدمونها لضبط احتلال فلسطين. وتتمثل الأداة الرئيسية للمراقبة والتحكم هنا في جدار الفصل، الذي لا يستخدم فقط لمنع ومراقبة مرور الناس بين المدن والقرى والمستشفيات والمدارس والجامعات وأماكن العمل الأخرى الفلسطينية، ولكن أيضاً، كما يقول بومان Bowman (2003: 129) يصر على وضع الفلسطينيين بعيداً عن أنظار السكان اليهود الإسرائيليين -المستوطنين والمواطنين على حد سواء- من خلال نظام طرق خاص باليهود فقط. وتجدر الإشارة إلى أن الجدار -الأداة الرئيسية للفصل والمراقبة- أدى إلى مصادرة 10% من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية (Zureik, 2016: 99).
تستخدم إسرائيل منذ تأسيسها وسائل أخرى إلى جانب وسائل المراقبة المادية مثل الجدار الفاصل ونقاط التفتيش وأبراج المراقبة المستخدمة للسيطرة على تحركات السكان الفلسطينيين المحتلين، ويلاحظ زريق الأهمية المركزية للحكم الاستعماري لتكنولوجيا مراقبة الإحصاء، التي أطلق عليها فوكو Foucault (2009: 100) "علم الدولة". استخدم الحكم الاستعماري الإحصائيات لإنشاء معايير خاصة تشمل تصنيف الأرض والسكان وأشكال أخرى من حفظ السجلات ذات الآثار الخطيرة على إدارة السكان المحرومين. ويذكرنا زريق بقدرة الإحصائيات على "تكوين" الناس، واستخدام الدولة الإسرائيلية للتعداد السكاني في "تكوين" الفلسطينيين تحت حكمها ليس استثناءً. وفقاً لليبلر Leibler (2011)، استبعد الإحصاء السكاني الإسرائيلي الأول في العام 1948 بعض الفلسطينيين الذين بقوا في المنطقة بعد النكبة، وبالتالي لم يُحسبوا مواطنين. وحتى يومنا هذا، يُصنف الفلسطينيون الذين تغيبوا لأغراض التعداد السكاني في العام 1948 على أنهم "غائبون حاضرون" وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم من قبل الوصي على أملاك الغائبين التي يحكمها قانون عمره 63 عاماً يسمح لإسرائيل بمصادرة ممتلكات "الغائبين" ومنازل مملوكة لفلسطينيين، مثل هذا التصنيف ببعث برسالة خطيرة ويمكن القول إنه يضع حواجز على طريق السلام (Prusher, 2013). في بعض الحالات، يستمر أحفاد هؤلاء "الغائبين الحاليين" في الإقامة في مناطق "غير معترف بها" دون إمكانية الوصول إلى منازلهم الأصلية. وكرر الإحصاء السكاني للعام 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة عملية العام 1948 بتقليل عدد السكان المقيمين في الأراضي المحتلة وإنكار حق العودة للسكان الفلسطينيين الذين تغيبوا عن منازلهم يوم التعداد لأغراض الدراسة أو العمل أو السفر. علاوة على ذلك، لم يتم تسجيل الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة الذين نزحوا خلال القتال ولم يعودوا إلى ديارهم في الوقت المناسب للتعداد أو كانوا يقيمون في الخارج. بالإضافة إلى 800 ألف فلسطيني نزحوا خلال النكبة، أدت حرب العام 1967 إلى نزوح 900 ألف فلسطيني آخرين، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) (Zureik, 2016: 102).
تتضمن تصنيفات التعداد السكاني في البيئات الاستعمارية بناء الهوية، مما يتيح فرز بيانات التعداد والسكان وتصنيفها لتعكس رغبات واحتياجات السيادة الاستعمارية. علاوة على ذلك، في الحالة الإسرائيلية، كما في الحالة البريطانية، لا يمكن تنفيذ الحكم الاستعماري من خلال السجلات وحدها ويحتاج الأمر إلى وجود سلطة محلية متمثلة في زعماء القرى يتم تعيينهم من قبل إدارة الحكم الاستعماري، وتوزيع الامتيازات واستخدام التهديدات لتجنيد المتعاونين. وفقاً لوثائق كوهين Cohen (2010) للفترة 1948-1967، استخدمت إسرائيل رقابة مشددة من أجل بناء "هوية عربية إسرائيلية" ومحو الهوية الفلسطينية عبر تجنيد شبكة من المتعاونين الفلسطينيين الذين كانوا يراقبون (ويبلغون السلطات الإسرائيلية عن) فلسطينيين انتقدوا الدولة وقاموا بأعمال مقاومة. وكانت المجالات الرئيسية التي عمل فيها المتعاونون هي المدارس؛ حيث خبّر التلاميذ عن معلمين تحدثوا عن حق اللاجئين في العودة، وخبّر المعلمون عن زملائهم الذين انتقدوا نظام الحكم العسكري 1948-1966، وخبّر المدراء عن تلامذتهم: "كان الهدف الرئيسي جعل الناس يشعرون بأن السلطات" كانت عيون وآذان مفتوحة على مصراعيها لخلق القلق والصمت. وكان من المفترض أن "العربي الجديد" -العربي الإسرائيلي- يولد من ذلك الصمت" (Cohen, 2010: 13). ويذكرنا كوهين أن هذه المراقبة المستمرة من قبل الدولة كانت مدعومة من قبل بعض الشخصيات العامة الفلسطينية التي كانت بمثابة عيون وآذان السلطات في مجتمعاتهم.
ساد هذا الوضع خلال السنوات الأولى للدولة ودعم حجة زريق Zureik (2016: 103) بأن الليبرالية تبرر معاملة السكان الأصليين كمجموعة أدنى من حيث القيم والعقلانية والمطالبات بالأرض، وغالباً ما تحكم الحكومات الاستعمارية من مسافة تستخدم جمع المعلومات من خلال المخبرين المحليين، وإجراء التعداد ورسم خرائط الأراضي الوطنية. يجادل بيردا Berda (2012) بأن المراقبة الاستعمارية تدل على التحول من السيطرة على المنطقة إلى إدارة السكان. ويعتبر إنشاء أنظمة قانونية مزدوجة ومنفصلة، ونظام محاكم مدنية للمستعمِر، ونظام محاكم عسكرية للمستعمَر، سمة أخرى محددة للمراقبة والسيطرة من قبل الإدارة الاستعمارية (Shenhav and Berda, 2009). كما تعتبر الخرائط أداة مهمة أخرى للمراقبة والتلقين والهيمنة، لا سيما عند استخدامها لإبراز الماضي ووصف الحاضر من أجل غرس الشباب في قيم المستعمِر، وتعمل هذه الخرائط على بناء وجهات نظرنا حول الواقع وتوليد المنطقة بدلاً من مجرد عكسها (Zureik, 2016: 103)، حيث كان رسمها حجر الزاوية في المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني بوصفها أداة للمطالبة بالأراضي المستعمَرة كوطن كتابي للمستوطنين. ويشرح بابيهPappe (2006) كيف أنشأ الصندوق القومي اليهودي( وهو الجهة اليهودية المكلفة بشراء أراضي الفلسطينيين لتسهيل استعمار البلد)، في أوائل القرن العشرين، سجلاً مفصلاً لجميع القرى العربية بهدف صريح هو "المساعدة بشكل كبير في استرداد الأرض "(التشديد مضاف). وكانت النتيجة ظهور "ملفات القرى"، وهي أرشيف اكتمل في أواخر الثلاثينيات، مما سهل الاستيلاء الصهيوني على فلسطين في العام 1948. ويتضمن "ملف القرية" تسجيلاً طبوغرافياً لتخطيط القرية، ومسحاً "للأصول العبرية" للقرية إن وجدت (كجزء من مطالبة الصهاينة بملكية ما اعتبروه "أرض الميعاد")، وصوراً جوية، وخريطة تفصيلية تحتوي موقعها، وطرقها، وجودة أراضيها، وينابيع المياه، ومصادر الدخل الرئيسية، والتكوين الاجتماعي والسياسي، والانتماءات الدينية، وأسماء المخاتير(5)، والعلاقات مع القرى الأخرى، وأعمار الأفراد الرجال، والأهم من ذلك، مؤشر عداء القرويين أو غير ذلك تجاه المشروع الصهيوني. أدت العناصر الأخيرة إلى تأجيج "أبشع الفظائع في القرى، مما أدى إلى إعدامات جماعية وتعذيب" (Pappe, 2006: 17–19).
الخرائط إذن أدوات مراقبة في كل من وضع المطالبات الاستعمارية ومقاومتها. ووفقاً لتقرير صدر في العام 2013 بعنوان، (ضحايا سردياتنا؟ تصوير "الآخر" في الكتب المدرسية الإسرائيلية والفلسطينية Victims of our Own Narratives? Portrayal of the “Other” in Israeli and Palestinian School Books) ، تبين أن 76% من خرائط الكتب المدرسية للمدارس الإسرائيلية تظهر عدم وجود حدود بين الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، ولم يتم تصنيف المناطق الفلسطينية. يتم تقديم هذه الخرائط كخرائط لإسرائيل، و "يمكن النظر إلى غياب الحدود بين إسرائيل وفلسطين على أنه يعني ضمناً أن المناطق الفلسطينية هي جزء من دولة إسرائيل". على الجانب الفلسطيني، تُظهر 4% فقط من الخرائط في الكتب المدرسية الفلسطينية الخط الأخضر الذي يفصل الأرض الفلسطينية عن إسرائيل أو تسمى المنطقة الواقعة غرب الأرض الفلسطينية المحتلة باسم "إسرائيل" -مما يدل على أن الخرائط الاستعمارية يمكن أن يقاومها المستعمِر من خلال صنع الخرائط (Sherwood, 2013).
يجادل زريق Zureik (2016: 108–109) بأن الأساس المنطقي للمراقبة في البيئات الاستعمارية يسترشد بالاستبعاد من خلال القيود المفروضة على التنقل والوصول. كقوة احتلال استيطاني استعماري، ويشدد على أن إسرائيل لا تهتم بإدارة السكان ورفاهيتهم بقدر اهتمامها بالسيطرة على الأراضي التي يقيمون فيها واستبعادهم والاستيلاء عليها. كما تهتم السلطة الاستعمارية، في ذات الوقت، في التحكم بجمع البيانات وتصنيفها وهذا هو سبب استخدام توثيق الهوية كأداة أخرى للمراقبة. ويؤكد زريق خشية الفلسطينيين من مصادرة بطاقات هويتهم، لأنهم بدونها يتعرضون للتهديد الدائم بالطرد أو فقدان حقوق الإقامة. وتعمل بطاقات الهوية، في الواقع، بطاقات الهوية كسيف ذو حدين: فهي تسهل مراقبة السكان المحتلين، الذين قد يُطردون بدونها. تم إدخال بطاقات هوية إلزامية تحمل الانتماءات العرقية للمواطنين في إسرائيل في العام 1949. وحتى العام 2002، كان حاملو بطاقات الهوية يُصنفون على أنهم "يهود" أو "عرب" أو "دروز"، نظراً للإصرار الصهيوني على الطبيعة اليهودية للدولة، "الجنسية الإسرائيلية" في حد ذاتها غير موجودة، وبالتالي فهي غير مسجلة في وثائق الهوية الإسرائيلية الداخلية، على الرغم من النداءات القانونية العديدة التي تطالب الدولة باستبدال الدين بالانتماءات القومية - معتبرة الدين كعلامة عنصرية. في العام 2002، تم استبدال بطاقات الهوية التي تحمل انتماءات عرقية ببطاقات بيومترية مرجعية لقواعد البيانات الحكومية. وتميّز بطاقات الهوية المرمّزة بالألوان بين المجموعات السكانية، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقاً للوضع، مما يمكّن الدولة من مراقبة الرعايا الفلسطينيين وتحركاتهم: الفلسطينيون المقيمون في القدس الشرقية (بطاقات الهوية الزرقاء بالبادئة 08)؛ الفلسطينيون المقيمون في الأراضي الفلسطينية المحتلة (البطاقات البرتقالية مع البادئة 09)؛ نسل فلسطيني من شرقي القدس وغير مقيم (بادئة 086). علاوة على ذلك، يحظر القانون الإسرائيلي منذ العام 2002 لم شمل الأسرة لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة إذا تزوجوا من سكان إسرائيليين وكانوا من الذكور دون سن 35 أو الإناث تحت سن 25 (Halabi, 2011).
تعتبر بطاقات الهوية، بشكل حاسم، في الأراضي الفلسطينية المحتلة نتاجاً لثلاث بيئات سياسية: الحكم الإداري والعسكري الإسرائيلي، واتفاقات أوسلو للعام 1993 التي نقلت الإدارة اليومية للأراضي إلى السلطة الفلسطينية التي تصدر بطاقات الهوية الخاصة بها، ونظام القدس الشرقية، كما هو مفصل أعلاه، وتصدر بطاقات الهوية بألوان مختلفة لفئات مختلفة من السكان الفلسطينيين. وهكذا تصبح بطاقات الهوية أدوات أساسية للعنصرية والمراقبة، وتسهل منح التصاريح أو حجبها والتحكم في حركة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، حيث تصبح أدوات أساسية في مصفوفة السيطرة الإسرائيلية، التي تنظم التنقل والإقامة، وإن لم تكن تمنح حقوق المواطنة. تمشياً مع نظام المواطنة العنصري في إسرائيل. كما يقترح طويل- سوري (Tawil-Souri (2011: 220، مقتبس في Zureik, 2016: 111)، يوفر نظام بطاقة الهوية وسيلة "منخفضة التقنية ومرئية ومادية وملموسة" للقوة الاستعمارية.
هناك تقنية شريرة أخرى للسيطرة على المعارضة داخل دولة إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي مراقبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا، خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014، طُرد مئات الفلسطينيين من وظائفهم بسبب التعليقات السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي حول هجوم غزة. ووفقاً لعضو الكنيست الإسرائيلي الفلسطيني أحمد الطيبي، "تم استدعاء جميع عرب 1948 تقريباً الذين كتبوا أي شيء ضد العدوان الإسرائيلي على غزة على صفحاتهم على فيسبوك من قبل سلطات الأمن الإسرائيلية للتحقيق والاستجواب" (Nazzal, 2014). وتتواصل مراقبة استخدام الفلسطينيين لوسائل التواصل الاجتماعي، كما يفصل تقرير صدر في العام 2016 عن المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) (http://www.madacenter.org/news.php?lang=1&id=288# (accessed 1 February 2017)) عدة محاكمات لصحفيين فلسطينيين، الإشارة إلى المراقبة المفرطة التي تؤدي إلى الاعتقالات الاستباقية والاستجواب والاحتجاز بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تعبر عن آراء سياسية يُنظر إليها على أنها "تحرض على المقاومة". بالتواطؤ مع السلطات الإسرائيلية، قام مسؤولو فيسبوك بإزالة حسابات مديري وصحفيي شبكة شهاب وشبكة القدس الإخبارية التي تضم أكثر من 12 مليون مستخدم (ISM Palestine, 2016). ولعل أشهر حالات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي هي اعتقال الشاعرة والمصورة والناشطة الفلسطينية دارين طاطور بسبب حالة نشرتها على فيسبوك في العام 2015 خلال موجة النضال الشعبي للفلسطينيين، في القدس وفي جميع أنحاء غزة والضفة الغربية. وداخل دولة إسرائيل نفسها. وكان السبب الرئيسي لإدانة طاطور قصيدة نشرتها على موقع يوتيوب بعنوان "قاوم يا شعبي قاوم". وبحسب الناشط السياسي الإسرائيلي يوآف حيفاوي، "لا يوجد شيء غير قانوني في هذه القصيدة، ولا حتى حسب القوانين الإسرائيلية. لكن السياق الذي جاءت فيه القصيدة كان هو المهم، حيث نشرت طاطور القصيدة على خلفية اشتباكات بين شبان فلسطينيين وقوات الاحتلال. وصوّر هؤلاء، بحسب النيابة ووسائل الإعلام الإسرائيلية، كفلسطينيين متورطين في نشاط إرهابي" (Haifawi, 2016). طاطور، مواطنة إسرائيلية، رهن الإقامة الجبرية منذ أكتوبر 2015، وعلى الرغم من المناشدات التي وجهها مئات الكتاب والنشطاء الدوليين، حتى وقت كتابة هذا التقرير، لا تزال قيد الإقامة الجبرية المنزلية، ويجب أن ترتدي سواراً إلكترونياً في الكاحل ومحظوراً عليها استخدام الإنترنت (http://imemc.org/article/dareen-tatours-prosecution-for-poetry-continues-in-nazareth-court/ (accessed 1 February 2017)).
منذ "ملفات القرى" قبل العام 1948، استخدمت مستعمرة المستوطنين الإسرائيليين تقنيات المراقبة العنصرية ضد الفلسطينيين الأصليين في الغالب. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، مع الدعم الدولي المتزايد للنضال الفلسطيني، أطلقت إسرائيل شبكة المراقبة الخاصة بها على نطاق أوسع، واستهدفت المنشقين الإسرائيليين واليهود في الشتات، وكذلك الداعمين الدوليين لفلسطين بشكل عام وحملة BDS بشكل خاص.
الخلاصة: من خاضع إلى مواطن
"المقاطعة لأسباب سياسية أداة مشروعة تندرج تحت حماية حرية التعبير السياسي" (افتتاحية هآرتس، 17 كانون الثاني / يناير 2017). تمت كتابة هذا بعد موافقة لجنة الداخلية والبيئة في الكنيست على... مشروع قانون يحظر منح تأشيرات الدخول أو تصاريح الإقامة للأجانب الذين يدعون إلى مقاطعة إسرائيل أو المستوطنات. لذلك، سأستحضر البيان الرسمي لصحيفة هآرتس لدعوة المواطنين الإسرائيليين الذين ينتمون إلى معسكر السلام لمناشدة المجتمع الدولي لفرض مقاطعة على إسرائيل (Hammerman, 2017) بينما تتعاون جميع مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية ومعظم الأكاديميين الإسرائيليين مع الحكومة من خلال إجراء البحوث الداعمة بدلاً من انتقاد الدولة، فضلاً عن البحث والتطوير في الأسلحة والمعدات الأمنية، وتقديم برامج مصممة خصيصاً للأفراد العسكريين والأمنيين، والتمييز ضد الأكاديميون والطلاب الفلسطينيون (Hever, 2009)، والاقتباس أعلاه للمفكرة الإسرائيلية البارزة إيلانا هامرمان يوضح أن ليس كل الأكاديميين الإسرائيليين يدعمون الاحتلال وأن البعض يؤيد مقاطعة إسرائيل. وتخشى الحكومة الإسرائيلية مثل هذا الدعم، وفي الفاتح من شباط/ فبراير 2017، وبعد وقت قصير من مبادرة وزير التعليم الإسرائيلي لتوجيه الفيلسوف آسا كاشير بوضع مبادئ توجيهية أخلاقية لمؤسسات التعليم العالي، تم اقتراح مشروع قانون في الكنيست، إذا تم إقراره، من شأنه إلغاء تمويل الجامعات الإسرائيلية التي توظف محاضرين يدعمون المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل؛ لا أستطيع أن أتخيل مستوى المراقبة الذي قد يتطلبه هذا الأمر (Lis, 2017b).
قدمت في هذا المقال تحليلاً ثلاثي الأبعاد لحكم إسرائيل على المواطنين الفلسطينيين، والمواطنين المحتلين والمحاصرين، أولاً، حالة الاستثناء، وثانياً، دولة عرقية، وثالثاً، مستعمرة استيطانية. وواصلت تسليط الضوء على التركيز الضئيل على القضية الرئيسية للعرق في تحليل السيطرة والمراقبة الإسرائيلية على السكان الفلسطينيين.
أختم بالقول إن تركيز المراقبة تحول من الاستهداف الحصري للرعايا الإسرائيليين المستعمرين إلى التركيز أيضاً على معارضة المواطنين الإسرائيليين وعلى النقد من قبل يهود الشتات والمجتمع الدولي. وفقاً لأغامبين Agamben (2008)، يكاد لا يفصل شيء بين اللاجئ (وكذلك الموضوع المستعمِر والمحتل) والمواطن، من خلال تعرضهم إلى إجراءات الرقابة والمراقبة التي تمارسها إسرائيل، وسلسلة القوانين التي سنّتها دولة إسرائيل مؤخرا ًضد المعارضين الإسرائيليين واليهود ومظاهرات منظمات حقوق الإنسان. حيث تم سن قوانين مختلفة مؤخراً تهدف إلى تصنيف النشطاء الإسرائيليين واليهود والدوليين المناهضين للاحتلال بالمعارضين والإرهابيين المحتملين. وتشمل هذه القوانين ما يسمى بـ "قانون المنظمات غير الحكومية" للعام 2016 ، الذي يهدف إلى وصم المنظمات الإسرائيلية اليسارية ومنظمات حقوق الإنسان بأنها وكلاء لقوى أجنبية من خلال إجبارها على التصريح علناً عن أي تمويل أجنبي (Schaeffer Omer-Man, 2016)؛ وما يسمى بـ "قانون مكافحة فيسبوك" الذي من شأنه تمكين المحاكم من إصدار أوامر لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وغوغل ويوتيوب وتويتر بإزالة المحتوى الذي تعتبره إسرائيل يهدد الأمن الشخصي أو العام أو أمن الدولة (https://www.middleeastmonitor.com/20160713-israel-launches-anti-facebook-bill/ (accessed 1 February 2017)). لن تنجح إجراءات المراقبة والعنصرية في خدمة مستعمرة المستوطنين العنصريين أبداً، حيث تصور إسرائيل نفسها كضحية مع استمرار احتلالها الأرض وحصارها للمواطنين والتمييز ضدهم وضد المعارضين الإسرائيليين. أحد الأمثلة المؤثرة هو استراتيجيات المراقبة التي تمولها الدولة بسبب الحرب التي أعلنتها إسرائيل صراحة على مؤيدي حملة المقاطعة. وهنا يعتبر الدور الذي تلعبه الخطابات الأمنية وممارسات جمع المعلومات والمضايقة أمراً حاسماً للحفاظ على ما يسميه باتريك وولف Wolfe (2016) "منطق الاستبعاد" للاستعمار الاستيطاني، والذي، كما يجادل، منطق عنصري للغاية.
حملة إسرائيل ضد BDS ، التي وصفها رئيس الوزراء نتنياهو في اجتماع طارئ للمانحين في لاس فيغاس في حزيران/ يونيو 2015 بأنها معركة ضد نزع الشرعية عن إسرائيل (http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-4665676,00.html (accessed 1 February 2017))، أدى إلى تكليف جلعاد إردان، وزير الشؤون الاستراتيجية والدبلوماسية العامة، بمحاربة المقاطعة، بأن حذر السفراء الأجانب "لا ينبغي أن يُنظر إلى حملة المقاطعة BDS على أنها تهديد لإسرائيل فقط... بل هي تهديد للمجتمع الدولي، ولكل من يقدر حقوق الإنسان والحريات" (Ahren, 2016). وقد خلقت الحملة المناهضة لحركة BDSوالتي بلغت ميزانيتها 100 مليون شيكل إسرائيلي (26.5 مليون دولار) سلسلة من المبادرات القانونية، مما يدل مرة أخرى على استخدام القانون في خدمة الدولة العنصرية. ففي كانون الثاني 2017، وبناءً على مراقبة دعم كل من المواطنين والزوار لمقاطعة إسرائيل، وافقت لجنة الداخلية في الكنيست في البداية على مشروع قانون يمنع إصدار تأشيرات الدخول وتصاريح الإقامة في إسرائيل للزوار الأجانب الذين يدعون عن علم مسبق وعلناً لمقاطعة إسرائيل أو المستوطنات، وللمواطنين الذين يمثلون المنظمات التي تطالب بمقاطعة إسرائيل أو مؤسساتها أو الأراضي الخاضعة لسيطرتها، أي المستوطنات اليهودية في فلسطين المحتلة (Lis, 2017c).
لم يكتب أغامبين الكثير عن مسألة السيادة الإسرائيلية كحالة استثناء, ورغم قلة ما كتبه، فمازالت أفكاره قادرة على تقديم بصيص أمل، ولو خافت، في "ما وراء حقوق الإنسان"، حيث يفترض إمكانات المقاومة، والتخلص من الدول القومية التي مثلها مثل المستعمرات الاستيطانية، وإن كانت تستخدم العرق والمراقبة للتمييز بين اللاجئ المستعمِر والمواطن، فإنها تستهدف الجميع، في نهاية المطاف، في مواجهة المعارضة كما أشرت في هذا المقال. في العام 2008، بينما كان يكتب مقالته، "طردت دولة إسرائيل 425 فلسطينياً، ليجدوا أنفسهم في نوع من "منطقة حرام no-man’s land "***. هؤلاء الأشخاص يشكلون بالتأكيد، وفقاً لرؤية حنّة أرنت، "طليعة شعبهم". غير أن أغامبين يرى بأن الفلسطينيين في المنفى لا يعتبرون رعايا عنصريين ولا نواة لدولة فلسطينية مستقبلية. بل يصر على أن "المنطقة الحرام اللاجئون فيها قد بدأت بالفعل منذ هذه اللحظة بالذات للعودة إلى أراضي دولة إسرائيل من خلال خردقتها". ويختتم بالقول " إن البقاء السياسي للبشرية الذي يمكن تصوره اليوم يكمن في عالم تكون فيه مساحات الدول مخترقة ومخردقة ومشوهة طوبولوجياً، حيث يكون المواطن قادراً على التعرف على اللاجئ بأنه هو أو هي"(Agamben, 2008: 95).
....
العنوان الأصلي: Race and surveillance in the settler colony: the case of Israeli rule over Palestine
الكاتب: Ronit Lentin
المصدر: Palgrave Commun 3, 17056 (2017). https://doi.org/10.1057/palcomms.2017.56
Humanities & Social Sciences Communications

هوامش المترجم
* volk كلمة ألمانية معناها الأولي: حشد من الناس غير معروف عددهم، وتأتي في صيغة الجمع للتعبير عن أفراد الشعب (بمعنى الأمة) الذين ينتمون إلى مجموعة عرقية واحدة. أصبحت كلمة "فولكيش" في سياق تطور المعنى التاريخي له في ألمانيا، تشير إلى أحد الحلول المقترحة لتشكيل "الأمة الألمانية" لاسيما في الفترة ما بعد العام 1808 إثر احتلال نابليون لألمانيا. حتى أن البعض اعتبرها تعني "حب الوطن" كما يقول يوهان فيخته. من أهم مشتقات هذا المصطلح والتي لاتزال تستخدم على نطاق واسع في معظم لغات العالم تقريباً كلمة "فولكلور" للتعبير عن الاهتمام الوطني العاطفي بالتاريخ المحلي والشعبي و"العودة إلى الأصل" ... إلخ
**panopticon "البانوبتيكون" هو مفهوم تأديبي تم إحيائه في شكل برج مراقبة مركزي موضوع داخل دائرة من زنازين السجن. من البرج ، يمكن للحارس رؤية كل زنزانة ونزيل لكن لا يستطيع النزلاء رؤية البرج. لن يعرف السجناء أبدًا ما إذا كانوا مراقَبين أم لا. كان الفيلسوف الإنكليزي أول من نظّر لمفهوم "البانوبتيكون" في نهاية القرن الثامن عشر إثر زيارته إلى مدينة كريشيف (تتبع الآن روسيا البيضاء) عندما تعرف على طريقة المراقبة المستمرة للعمال، ومن هنا أتت الكلمة من الإغريقية وهي تعني "رؤية الجميع" . اللافت للنظر في البانوبتيكون أن الحارس لا يمكنه عملياً مراقبة جميع غرف السجن في ذات الوقت، لكن ما هو مدهش أن النزلاء لا يعلمون هذه الحقيقة (لا يعلمون كيف ومتى يتم مراقبتهم), فبالتالي يتصرفون كما لو ـهم جميعاً مراقبون في جميع الأوقات، وهذا ما يدفعهم إلى التنظيم الذاتي كإجراء دفاعي. يظهر المخطط النموذجي للبانوبتيكون على هيئة مبنى دائري ضخم مجهر في وسطه ببرج مراقبة بحيث يمكن للحراس مراقبة النزلاء منه، اعتقد بنثام إمكانية تطبيق هذا نظام المراقبة هذا في المستشفيات والمصحات والمدارس والإصلاحيات على حد سواء.
***No man s land المنطقة الحرام أو المحرمة، الأصل هي منطقة موضع نزاع بين طرفين، دون أن يكون هناك سيطرة فيها على أحدهما لأسباب تعود للخوف أو الشك. يعود أول استخدام للمصطلح إلى القرن الرابع عشر الميلادي، لوصف منطقة كانت تقع خارج أسوار لندن الشمالية، كان يتم فيها إعدام المجرمين وترك جثثهم مقطعة فيها كتحذير لمن يحاول الخروج عن القانون، ونظراً لعدم وجود أي ادعاء بملكية هذه المنطقة فقد أطلق عليها اسم (No man s land) وأصبح المصطلح، بحلول القرن الثامن عشر، يستخدم للتعبير عن منطقة صغيرة تستعمل في السفن يتم فيها خزن بعض الأدوات كالحبال وغيرها.
ملاحظات
1- أنا مدين بمفهوم "الحرب الدائمة" إلى ياسبر بور (انظر Mikdashi and Puar, 2016)
2- المصطلح العربي الفلسطيني النكبة يعادل ما يسميه الإسرائيليون "حرب الاستقلال"، انظر على سبيل المثال، Masalha (2012). خلال النكبة، تم اقتلاع أو طرد 800 ألف فلسطيني بوحشية من جذورهم أو طردهم أو إجبارهم على الفرار أو قتلهم بدم بارد. بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير 531 قرية و 11 حياً حضرياً في تل أبيب وحيفا والقدس ومدن أخرى، هذا دون التطرق إلى الذاكرة الجمعية لسكان تلك الأماكن ولأحفادهم الذين لا يزالون يعتبرونها بيتوهم الشرعية (http://www.globalresearch.ca/israel-s-discriminatory-land-policies/14579, accessed 28 January 2017).
3- جهاز الأمن الإسرائيلي، الذي تأسس بعد تأسيس الدولة بفترة وجيزة، على الرغم من أنه تم سن تشريعه فقط في العام 2002. وتشمل واجباته واسعة النطاق حماية أمن الدولة، واستجواب المشتبهين بالإرهاب، وتوفير المعلومات الاستخباراتية للعمليات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومكافحة -التجسس والحماية الشخصية للشخصيات العامة والمباني الحكومية. كل هذا يعطيه دوراً مركزياً في السيطرة على حياة السكان الفلسطينيين المحتلين والمحاصرين. (https://www.shabak.gov.il/english/Pages/default.aspx, accessed 30 January 2017)
4- على الرغم من نسب إدوار سعيد في كتابه المؤثر المسألة الفلسطينية The Question of Palestine (1980: 9) هذا الشعار، عن طريق الخطأ، إلى الكاتب الصهيوني إسرائيل زانغويل، فقد تم استخدامه بالفعل منذ العام 1843 من قبل رجل دين مسيحي إصلاحي (Garfinkle, 2009: 265).
5- اللغة العربية لرئيس المجلس المحلية لبلدة أو قرية.
6- من الجدير بالذكر أن إيلان بابيه يرفض تنظير إسرائيل كدولة استثناء، ويرى أن هذا التعبير ينطبق فقط على الديمقراطيات المتدهورة، بحجة أن إسرائيل ليست ديمقراطية يحكم عليها من خلال معاملتها غير المتكافئة لمواطنيها الفلسطينيين والرعايا الفلسطينيين المحتلين. ويقترح كبديل، تنظير إسرائيل على أنها دولة "مخابرات" قمعية (Pappe, 2008).
7- انظر ألنا لينتين Lentin (2004: 74–75) حول استبدال "الإثنية" بـ "العرق" و "العنصرية" بـ "النسبية الثقافية" في أعقاب "لجنة الخبراء العالمية" لليونسكو بعد الحرب العالمية الثانية والتي نتج عنها في نشر بيان اليونسكو بشأن العرق والتحيز العرقي.
8- بشكل أساسي لاستيعاب المهاجرين من الاتحاد السوفيتي السابق في التسعينيات، وكان عدد كبير منهم ليسوا يهوداً وفقاً لتعاليم اليهودية الأرثوذكسية ولكن تم قبولهم لأن لديهم أقارب يهود، وذلك لزيادة الأغلبية اليهودية في إسرائيل (Hayeem, 2010)
9- وفقاً لملخص تارابوت، كان بدو أم الحيران يعيشون في وادي زبالة الذي أيعدوا منه في العام 1948 بعد ذلك عدة مرات لتسهيل بناء المستوطنات الإسرائيلية، ومثل قرى البدو الأخرى "غير المعترف بها"، فإن منازلهم كانت تهدم بشكل منتظم من قبل قوات الأمن الإسرائيليةhttp://www.tarabut.info/he/articles/article/al-qian-umm-al-hiran/, accessed 31 January 2017).
المراجع
Adalah (2012) New Discriminatory Laws and Bills in Israel. Adallah: Haifa.
Adamkar Y (2017) The destruction of democracy: The ‘Breaking the Silence’ law unanimously approved by the Knesset, Walla 8 ـJanuary, http://news.walla.co.il/item/3029757?utm_source=facebook&utm_medium=sharebutton&utm_term=social&utm_content=facebook&utm_campaign=socialbutton, accessed 8 January 2017.
Agamben G (1995) Homo Sacer: Sovereign Power and Bare Life. Stanford University Press: Stanford, CA.
Agamben G (2005) State of Exception. University of Chicago Press: Chicago, IL London.
Agamben G (2008) ‘Beyond human rights’. Social Engineering 15, 90–95.
Ben-Naftali O, Gross AM and Michaeli K (2005) Illegal occupation: Framing the occupied Palestinian territory. Berkeley Journal of International Law 23 (3): 551–614.
Ahren R (2016) Israeli minister calls BDS a danger to the whole world. Times of Israel 23 March, http://www.timesofisrael.com/minister-boycott-movement-a-threat-to-the-whole-world/, accessed 1 February 2017.
Benvenisti M (ed) (2002) The Morning After: The Era of Peace – No Utopia. Carmel and Hebrew University: Jerusalem, Israel.
Berda Y (2012) The Bureaucracy of the Occupation: The Permit Regime in the West Bank, 2000-2006. The Van Leer Institute Hakibbutz Hameuchad Publishing House: Jerusalem, Israel.
Bowman G (2003) Israel’s wall and the logic of encystization: Sovereignty exception´-or-wild sovereignty? European Journal of Anthropology 50, 127–137.
Cohen H (2010) Good Arabs: The Israeli Security Agencies and the Israeli Arabs 1948-1967. University of California Press: Oakland, CA.
Falk R (2006) Zionism and the Biology of the Jews. Resling: Tel Aviv, Israel.
Foucault M (2003) Society Must be Defended: Lectures at the Collège de France, 1975-76. Allen Lane: London.
Foucault M (2009) Security, Territory, Population, Lectures at the Collège de France 1977-1978. Palgrave MacMillan: Houndmills, UK.
Garfinkle A (2009) Jew centricity: Why the Jews Are Praised, Blamed, and Used to Explain Just About Everything. John Wiley and Sons: London.
Gilmore RW (2007) Golden Gulag: Prison, Surplus, Crisis, and Oppression in Globalizing California. University of California Press: Berkeley, CA.
Goldberg DT (2002) The Racial State. Blackwell: Oxford.
Goldberg DT (2009) The Threat of Race: Reflections on Racial Neoliberalism. Wiley-Blackwell: Malden, MA.
Gross A (2017) Israel’s nation-state bill is undemocratic. Haaretz 11 May http://www.haaretz.com/opinion/.premium-1.788553, accessed 17 May 2017.
Haifawi Y (2016) Poetic injustice: Palestinian poet arrested over Facebook post. 972 Magazine, 17 April https://972mag.com/poetic-injustice-palestinian-poet-arrested-over-facebook-post/118641/, accessed 1 February 2017.
Halabi U (2011) Legal analysis and critique of some surveillance methods used by Israel. In: Zureik E, Lyons D and Abi-Laban Y (eds). Surveillance and Control in Israel-Palestine: Population, Territory and Power. Routledge: London.
Hammerman I (2017) Why I, as a proud Israeli, want the world to boycott us. Haaretz 29 January http://www.haaretz.com/opinion/.premium-1.767900, accessed 30 January 2017.
Hayeem A (2010) Israel unfair law of return. The Guardian 11 March, https://www.theguardian.com/commentisfree/2010/mar/11/israel-return-jews-palestinians, (accessed 27 January 2017.
Hever S (2009) Academic Boycott of Israel and the Complicity of Israeli Academic Institutions in Occupation of Palestinian Territories. Alternative Information Centre: Jerusalem, Israel Beit Sahur, http://www.alternativenews.org/, accessed 4 February 2017.
ISM Palestine. (2016) Surveillance, censorship and arrests of activists using social media in Palestine. 26 October https://monitor.civicus.org/newsfeed/2016/10/31/Surveillance-censorship-and-arrests-of-activists-using-social-media-in-Palestine/, accessed 1 February 2017.
Khalili L (2013) Time in the Shadows: Confinement and Counterinsurgencies. Stanford University Press: Stanford, CA.
Landau I (2017) Rafah expulsion and the Zionist doctrine of unknowing. 26 January https://idanlandau.com/2017/01/26/rafah-expulsion-and-zionist-doctrine-of-unknowing/ (accessed 29 January 2017.
Leibler A (2011)” You must know your stock”: Census as surveillance practice in 1948 and 1967. In: Zureik E, Lyons D and Abu-Laban Y (eds). Surveillance and Control in Israel/Palestine. Routledge: London.
Lentin A (2004) Racism and Anti-Racism in Europe. Pluto Press: London.
Lis Y (2017a) Israeli lawmakers back contentious Jewish Nation-State bill in heated preliminary vote. Haaretz 10 May http://www.haaretz.com/israel-news/1.788393, accessed 17 May 2017.
Lis Y (2017b) Israeli bill would cut funds to universities with lecturers backing boycott. Haaretz 3 February http://www.haaretz.com/israel-news/.premium-1.769255, accessed 4 February 2017.
Lis Y (2017c) Israel law makers move to ban settlement-boycott advocates from entering country Haaretz 12 January http://www.haaretz.com/israel-news/.premium-1.764528, accessed 1 February 2017.
Masalha N (2012) The Palestinian Nakba: Decolonising History, Narrating the Subaltern, Reclaiming Memory. Zed Books: London.
Matar A (2016) What enables Asa Kasher? www.wisdom.weizmann.ac.il/~oded/PS/anat.doc, accessed 1 February 2017.
Mikdashi M and Puar JK (2016) Queer theory and permanent war. GLQ: A Journal of Lesbian and Gay Studies 22 (2): 215–222.
Mitchell T (1988) Colonising Egypt. American University in Cairo Press: Cairo, Egypt.
Morgensen SL (2011) The biopolitics of settler colonialism: Right here, right now. Settler Colonial Studies 1 (1): 52–75.
Nazzal N (2014) Palestinians targeted for social media use in Israel. Gulf News 24 July http://gulfnews.com/news/mena/palestine/palestinians-targeted-for-social-media-posts-in-israel-1.1363596, accessed 1 February 2017.
Pappe I (2006) The Ethnic Cleansing of Palestine. Oneworld Publications: Oxford.
Pappe I (2008) The mukhabarat state of Israel: A state of oppression is not a state of exception. In: Lentin R (ed) Thinking Palestine. Zed Books: London.
Prusher I (2013) Israel s Absentee Property Law Exposes an Absence of Morality in Jerusalem. Haaretz 7 July http://www.haaretz.com/blogs/jerusalem-vivendi/.premium-1.528427, accessed 30 January 2017.
Roth N (2016) Former IDF ethicist tapped to censor ‘political speech’ in Israeli universities. 972 Magazine 9 December http://972mag.com/former-idf-ethicist-tapped-to-censor-political-speech-in-israeli-universities/123600/, accessed 10 December 2016.
Said E (1980) The Question of Palestine. Times Books: New York.
Sand S (2009) The Invention of the Jewish People. Verso: London.
Schaeffer Omer-Man M (2016) How Israel is turning anti-occupation activists into dissidents. 972 Magazine 2 July http://972mag.com/how-israel-is-turning-anti-occupation-activists-into-dissidents/120425/, accessed 31 January 2017.
Shenhav Y (2006) The imperial history of ‘state of exception’. Theory and Criticism 29, 205–218.
Shenhav Y, Berda Y (2009) The colonial foundations of the state of exception: Juxtaposing the Israeli occupation of the Palestinian territories with colonial bureaucratic history. In: Ophir A, Givoni M and Hanafi S (eds). The Power of Inclusive Exclusion: Anatomy of Israeli Rule in the Occupied Palestinian Territories. Zone: New York.
Sherwood H (2013) Israeli and Palestinian textbooks omit borders. The Guardian 4 February https://www.theguardian.com/world/2013/feb/04/israeli-palestinian-textbooks-borders, accessed 30 January 2017.
Spillers H (ed) (2003 [1987]) Mama’s baby, Papa’s maybe: An American grammar book. In: Black, White and in Color: Essays on American Literature and Culture. Chicago University Press: Chicago, IL.
Svirsky M and Bignall S (eds) (2012) Agamben and Colonialism. Edinburgh University Press: Edinburgh, UK.
Tawil-Souri H (2011) Orange, green and blue: Colour-coded paperwork for Palestinian population control. In: Zureik E, Lyons D and Abu-Laban Y (eds). Surveillance and Control in Israel/Palestine. Routledge: London.
Webb-Pullman J (2013) Israel: Immune´-or-Impugnable? Palestinian Media Agency 26 March http://alray.ps/en//index.php?act=post&id=93#.Vy8l-75HN_k, accessed 15 January 2017.
Weheliye AG (2014) Habeas Viscus: Racializing Assemblages, Biopolitics and Black Feminist Theories of the Human. Duke University Press: Durham, NC London.
Wolfe P (2006) Settler colonialism and the elimination of the native. Journal of Genocide Research 8 (4): 387–409.
Wolfe P (2016) Traces of History: Elementary Structures of Race. Verso: London.
Yesh Din. (2013) Military Courts. http://www.yesh-din.org/cat.asp?catid=5, accessed 3 February 2-17.
Yiftachel O (2006) Ethnocracy: Land and Identity Politics in Israel/Palestine. University of Pennsylvania Press: Philadelphia, PA.
Yiftachel O (2016) Call apartheid Israel by its name. Haaretz, 11 February http://www.haaretz.com/opinion/.premium-1.702597, accessed 18 January 2017.
Zimmerer J (2005) Annihilation in Africa: The ‘race war’ in German South West Africa (1904-1908) and its significance for a global history of genocide. GHI Bulletin 37, 51–57.
Zreik R (2008) The persistence of the exception: Some remarks on the story of Israeli constitutionalism. In: Lentin R (ed). Thinking Palestine. Zed Books: London.
Zureik E (2016) Israel’s Colonial Project in Palestine: Brutal Pursuit. Routledge: London New York.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال