الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم!.. الحلقة الاولى

عمار السواد

2006 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الحلقة الاولى.. اساس الانهيار
ها هم كتاب النخبة من جديد يسطحون الاشياء، ويتمسكون بالطرف الظاهر من المشكلة تاركين خيوطها الاخرى او متناسين لوجودها. فقد تحولت اقلام الكثير من الكتاب والمثقفين العراقيين، بعد فترة قصيرة من السقوط، الى حصر الاتهامات لتيارات الاسلام السياسي، محملين اياها المسؤولية الاولى عن انهيار الروابط والوشائج بين العراقيين. وبذلك فانهم صدقوا في جانب واغمضوا اعينهم عن الجانب الاوسع للمشكلة.
فعلا ان تيارات الاسلام السياسي اليوم تمكنت من فرض نمط سياسي واجتماعي غاية بالخطورة. فبعضها، وهي الاشد فتكا كالقاعدة ومن شابهها، رسمت للعراقين واحدة من اقبح الصور. فالقتل العشوائي، واشاعة ثقافة الكره والبغضاء، وتطبيق اكثر تفسيرات الاسلام سوء كانت اللون الابرز في هذه الصورة. وبعضها اندفع خلف صراعات طائفية اعادت عقارب الساعات الى ما قبل اكتشاف العدادات الحديثة للوقت والزمان، ما آذن بتلاشي الحاضر بمفردات الماضي. وبعض اخر منها تصرف مع الديمقراطية برؤى وتصورات قد تؤدي في المستقبل الى زوالها، غير مميز في ذلك بين الديمقراطية كصندوق انتخابي وبين الديمقراطية كمنجز ليبرالي يتكفل قبل كل شي بحماية الحريات المدنية والسياسية وحقوق الانسان ويتكفل ايضا بتناقل دوري وسلمي للسلطة.
ما فعلته تيارات الاسلام السياسي في اليوم العراقي كان بالتحديد هو انها اشتركت في اضاعة فرصة ذهبية للعراق كي ينتقل بسرعة عالية من عهد دموي هيمن على كل تفصيلاته مجرم مستبد الى عصر تغيب عنه تفاصيل الموت السري. فتضاءل الامل وفاحت رائحة الموت لتملأ كل مكان، والحياة باتت خالية من كل رقة او دفئ او حب. لا اريد ان اكون متشائما لاقول ان كل شيئ قد ضاع، فهناك شيئ قليل من الوقت بقي بانتظار من يستثمره لانهاء الايام السود التي تمر على العراقيين. ولكن هذا البعض من التفاؤل يبقى مجرد حلم قد لا يتحقق.
اذن اشتركت جماعات الاسلام السياسي في تعميق الالم العراقي في حاضره المعاصر. ولكن هل كانت لوحدها السبب؟.
وهل المشكلة العراقية، هي بنت لحظة سقوط صدام وتوارد الاحزاب الدينية على ادارة شأن العراق، ام هي اعمق واخطر واوسع من ان يتحملها طرف لوحده؟
وهل مشكلتنا في النخب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية... الفاعلة فقط، ام ان المأزق نابع ايضا من داخل الفرد العراقي، كمنتج ومستهلك لكل ما يدور في البلاد منذ عقود؟
ان تركيز النخب على لحظة التغيير في العراق وما تلاها من ظواهر واوضاع لا يبدو امرا سليما، كونه يتعامل مع القشور اولا، ويتناسى كل التراكمات التي اوصلت البلاد الى هذه اللحظة، ثانيا. فمن السذاجة القول بان واقع العراق الحالي هو تطور فرضته التيارات الدينية لوحدها. لان العراق الان هو مزيج من تراكمات خطيرة ولدتها مجموعة عوامل وعدد كبير من الجهات والافكار التي تتالت على الشارع العراقي، ونتيجة لتلك التراكمات تحولت نهارات هذا البلد الى ليال من البؤس والشقاء.
فاخطر نقطة يعاني منها العراقيون الان تكمن في تصدع منظومة القيم الداعمة للسلام والتعايش. وبتعبير اكثر صراحة ان العراقيين اضحوا منذ زمن غير قليل ادوات لمجموعة افكار وايدلوجيات تحكمت بكل تفاصيل العقود العراقية المنصرمة.
ان القابلية الاجتماعية التي تقبلت الرؤى الصادرة عن الاسلام السياسي تبلورت من خلال مجموعة متغيرات تحكمت بكل شيئ في العراق. فالمجتمع الذي تبنى الاطروحة الدينية في السياسة هو ذاته الذي أنشأته الايدلوجيا البعثية ومن قبلها اليسارية. ان هذا المجتمع ليس صنيعة الاسلام السياسي، بل هو صنيعة ايدلوجيات سابقة سلمته على طبق من ذهب الى التيارات الدينية. ومن يدري قد تتسلمه في سنوات مقبلة انماط من الايدلوجيا مختلفة عنها.
ان اللحظة التي نعيش فيها الان ما هي الا امتداد لعصر ايدلوجي مظلم تحكم بالعراق منذ اربعينيات القرن الماضي، وانتقل اواخر الخمسينيات من الشارع الى السلطة ليحكم قبضته على المجتمع بادوات الحكم.
لقد نمت الايدلوجيا في العراق، بشكل لافت، منذ بدايات تأسيس الدولة العراقية، لكنها بعد هزيمة تمرد رشيد الكيلاني عام 1941 اصبحت ذات التأثير الاول على حركة المجتمع. مستفيدة في ذلك من مجموعة ظروف مهمة عالمية ومحلية. فبعد هزيمة الايدلوجيا الضيقة الرؤية التي بلورتها النازية في الحرب العالمية الثانية، اصبح المجال مفتوحا امام توغل ايدلوجيات عدة في عمق الجسد الاوربي والعالمي. وفي العراق كانت الليبرالية تعاني من انهيارات حقيقية بسبب علاقتها بالمستعمر البريطاني من جهة، وبسبب الفساد الضارب بين شخصياتها من جهة ثانية، وبسبب عدم قدرتها على ايجاد حلول حقيقية للطبقات الفقيرة، فقد كانت عاجزة عن مخاطبة هذه الطبقات اصلا.
هذه الظروف وامثالها الكثير فسحت المجال بشكل واسع لاتساع حجم التأثير الايدلوجي، وقوة احزابه. لتقوم بدورها في العراق وغيره من بلدان العالم. وعندما توغلت، وجدت صداها في العراق والبلدان المشابهة له مختلفا تماما عن صداها في بلدان العالم الصناعي. فهي اندمجت بمجتمعاتها في دول اوربا الغربية وتأطرت بما تفرضه عليها المعطيات الاجتماعية شديدة التأثير هناك. كونها توغلت في مجتمع ممتليئ، مستقل، ومؤمن بالحريات ويتمتع بدولة ذات مؤسسات قوية ومحكمة. وفي المقابل وجدت الايدلوجيات في العراق وما شابهه من البلدان شيئا مختلفا. فوجدت مجتمعا مفرغا من الوعي ومفتقرا الى المدنية وباحثا عن اي بصيص امل ينقذه من الفقر والجوع والضعف والهوان فصهرته بها. ووجدت دولة ناقصة فطمعت بالهيمنة عليها. فتشوه المجتمع واستبدت السلطة.
الايدلوجيا في العراق لم تكن جزء من عوامل تطور المجتمع وواحدا من خياراته، بل كانت خياره الوحيد، فجندته لصالحها بدلا من ان يجندها هو لصالحه. وبما ان الايدلوجيا ليست كيانا مستقلا عن دعاتها والعاملين من اجلها، فان اي ثمرة تحصدها ستصب مباشرة في صالح اولئك الدعاة.
بذلك فان خطر الايدلوجيا يكمن في ثلاث نقاط اساسية:
1- انها ستحدد خيارات المجتمع بخيار واحد تمثله هي، وبدون اي خيارات اخرى. اي انها ستسلبه امكانيات التعددية، وستدفعه الى خوض الصراعات ضد ايدلوجيات او افكار او توجهات مغايرة.
2- ان المجتمع سيكون اداة بيد نخبة او حزب او تيار او فرد يتحكمون بمصيره من خلال المقولات التي يؤمن بها، وبتعبير ادق من خلال الايدلوجيا المنقاد اليها. وبما ان المجتمع في البلدان المتخلفة عاجز عن مقاومة تلك النخب الجاذبة له ايدلوجيا فانه سيبقى منقادا لها بدون ادنى وعي.
3- ان بوصلة القيم ستحددها الايدلوجيا. وبذلك فان منظومة القيم الانسانية والفطرية لدى الانسان ستعطي مكانها لمنظومة قيم تؤمن بها الايدلوجيا، ما يؤدي بالضرورة الى خضوع الية تحديد الخطأ والصحيح، والجريمة والفضيلة لميزانها.
من هنا فان خضوع اي مجتمع شبه بدائي كمجتمعاتنا تحت هيمنة الايدلوجيا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا له مخاطر مستقبلية. وهذا ما حصل في العراق تحديدا.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة