الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة و الهولوكوست.. قرأة في كتاب..

محمد عبعوب

2023 / 3 / 4
القضية الفلسطينية


/12/2019م
يقدم "زيغموند باومان" –يهودي فرنسي- في كتابه (الحداثة والهولوكوست) الصادرة طبعته العربية عن دار مدارات للأبحاث والنشر؛ قراءة عميقة ومختلفة عما دفعت به مؤسسات النشر من قراءات لخلفيات محرقة اليهود المعروفة ب الهولوكوست، التي نفذها النازيون في حق اليهود الأوروبيين أربعينات القرن الماضي، وهي قراءة لأبعاد هذه المحرقة وخلفيات وظروف حدوثها وانعكاساتها على مستقبل الإنسانية التي تعيش وفق مفاهيم لم تمنع حدوثها، وهي أبعاد وظروف غالبا ما تجاهلها عشرات الكتاب و المحللين الذين تناولوا هذه المأساة كحدث يخص اليهود دون غيرهم، متجاهلين بعدها الانساني.
لم تهيمن مشاهد مأساة الهولوكوست وخلفياتها السطحية على تفكير زيغموند في تناوله لها، كما لم يقف عندها كجريمة ارتكبت ضد جنس او لون محدد من البشر ، كما لم يكتف بتكرار عرض صورها نقلا عن شهود العيان الناجين منها، بل اخضع كل جوانبها كأحداث وظروف وثقافة أسهمت مجتمعة في اقترافها لتحليل عميق، بل انه تجاوز كل من كتبوا حولها باستشراف بعد آخر لهذه الجريمة لم يتطرق له الكّتُّاب ألا وهو كونها نتاجا لفكر الحداثة التي سادت تلك الحقبة والتي لا زالت تسود العالم اليوم، والتي غلّبت العقل، وألغت الأخلاق في تعاملها مع الإنسان، وهو بعد لازال حتى اليوم فاعلا مؤثرا في إنتاج سياسات ترقى في بعض مخرجاتها الى مستوى جريمة الهولوكوست ..
كما يقدم المؤلف تحليلا للسياسات التي اتبعتها أجهزة النازيين لتنفيذ جريمتهم بإتباع مسارات بيروقراطية وظيفية لتحويل الجريمة في وعي منفذيها الى وظيفة عادية ، وتقسيم الجريمة بين أجهزة وأفراد تخفف أية مشاعر بالخطيئة او ارتكاب الجرم قد تساور المساهمين في تنفيذها..
و يؤكد المؤلف في تحليله للأبعاد العميقة لهذه الجريمة، أنها لم و لن تقف عند حد جريمة قتل يهود أوربا أربعينات القرن الماضي، بل هي كثقافة أنتجتها الحداثة الغربية لا زالت تهدد الإنسانية حتى اليوم، ولا زال من الممكن حدوثها في أي وقت وضد اي تجمع بشري، لافتا الى أن التدخل الأمريكي في فيتنام وأفغانستان والعراق، وكذلك جرائم الصهيونية في حق الفلسطينيين، و مذابح رواندا، تجسد إعادة إنتاج لجريمة الهولوكوست ضد شعوب أخرى..
الكتاب لكثافة ودقة ما يسرده من أحداث وأفكار ومشاهد وأبعاد لهذه المحرقة ، وتركيزه المتكرر على سرد حوادثها ، يتطلب من القارئ تركيزا وصبرا غير عادي عند قراءته لاستيعاب ما يرمي المؤلف لإثباته .. ومع أن الكتاب يفيض بتحليلات عميقة وصور غير مطروقة لأبعاد هذه الجريمة، فقد شدني الفصل الأخير منه والذي يطرح فيه المؤلف خلاصة كتابه الذي يقدم رؤية أعمق و أوسع لهذا الحدث يتجاوز كل الطروح التقليدية التي أغرقت المكتبات العالمية وتقتصر رؤيتها على ما جرى كحدث محصور استهدف فيئه معينة من البشر، فيما يقدم هو إبعاد أعمق للحدث ويحذر من أن إمكانية تكراره مازالت قائمة ما لم تنتبه الشعوب والدول الى ضرورة إعادة النظر في مفهومها للحداثة ، و إعادة الاعتبار للأخلاق الإنسانية كقاعدة أساسية لتحديث الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة