الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطاع الخاص المصرى

أحمد فاروق عباس

2023 / 3 / 6
الصناعة والزراعة


القطاع الخاص المصرى أغرب قطاع خاص في العالم ،
فهو دائم الشكوى .. فى أوقات الرخاء كما فى أوقات الشدة ..
يضع أسعاره كما يشاء ، ولا يريد من الدولة التدخل فى شئونه بأى صورة ، ومع ذلك فعند أول مشكلة لا يحل مشاكله بنفسه ، بل يجرى على الحكومة فورا ، ولا يكف عن الولولة والصياح طلبا المساعدة !!
يراكم أرباحه بالملايين - وأحيانا بالمليارات - وفى نفس الوقت يشتكى من الدولة الظالمة التى تفرض عليه ضرائب أو تأمينات على عماله !!
يملك السيارات الفارهة - وبعضهم طائرات خاصة - والمنتجعات والقصور والارصدة الكبرى في البنوك ، وعند أول مشكلة فى السلعة التى يتعامل فيها يقسم بأغلظ الإيمان أنه على وشك الإفلاس ومد يده !!!
لا يرى واجباته البسيطة ، بينما يطالب ليل نهار بما يقول أنها حقوقه ..
والسوق فى الدنيا كلها بها تقلبات ، والدورات الاقتصادية - دورات الرواج والكساد - معروفة للجميع وليس فقط لدارسى الاقتصاد ..
فى كل الدنيا يمارس القطاع الخاص عمله بصورة طبيعية فى أوقات الرخاء ، بينما فى أوقات الشدة والكساد يتحمل مقاديره ، ويفهم إن تلك هى طبيعة الحياة ، صعود وهبوط ، أو بمعنى أصح طبيعة النظام الرأسمالي ..
هناك من يتحمل وينتظر مرور أوقات الشدة ، وهناك من يخرج من السوق باحثا عن فرص أخرى ، أو مجال آخر ، تاركا الفرصة لقادمين جدد في السوق أكثر كفاءة أو أكثر تحملا ، ولا يملأ الدنيا صراخا عما يلاقيه ..
ووفقا لصحيفة الاندبندنت البريطانية - بتاريخ السبت ٤ فبراير ٢٠٢٣ - فإن معدل إفلاس الشركات البريطانية في أعلى مستوياته منذ ١٣ عاما !!
فقد قفز عدد حالات إفلاس الشركات المسجلة في عام ٢٠٢٢ بنسبة ٥٧ % عما كان عليه في العام السابق ، ليسجل أكثر من ٢٢ ألف حالة ..
وفى ألمانيا - وهى الاقتصاد الأقوى في أوربا - ومن يناير حتى سبتمبر ٢٠٢٢ ، سجلت المحاكم الابتدائية في ألمانيا ١٠ آلاف ٦٤٣ حالة إفلاس ..
ووفقا لتحليل أجرته شركة الاستعلام الائتماني "كريف" شمل بيانات من نحو ثلاثة ملايين شركة ، أن أكثر من ٣٠٠ ألف شركة في ألمانيا تعانى حاليا مشكلات مالية ..
وأظهر التحليل أن عدد الشركات المرجح إفلاسها ارتفع بنسبة ١٥,٦ % في نوفمبر ٢٠٢٢ مقارنة بمارس من نفس العام ..
وقال فرانك شلين، المدير الإداري لشركة كريف في ألمانيا " أن تكاليف الطاقة المرتفعة ، والمشكلات الحالية في سلاسل التوريد ، والتضخم تسبب مشكلات لعديد من الشركات " ..
مرجعا الأمر أيضا إلى إحجام المستهلكين عن الإنفاق بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم ..
وتوقع تقرير الشركة - الصادر في نوفمبر الماضي - أن يرتفع عدد حالات إفلاس الشركات في ألمانيا عام ٢٠٢٢ إلى ٣,٦ % مقارنة بالعام الماضي ..
وقال شلاين: نتوقع حاليا إفلاس ١٤٥٠٠ شركة في ٢٠٢٢، ومن المتوقع في ٢٠٢٣ أن يرتفع العدد مرة أخرى إلى ١٧ ألف شركة ..
فالدخول والخروج من السوق امر طبيعى فى الدنيا كلها ، وهو يحدث كل يوم فى كل الدول ، على العكس هو تطبيق لمبدأ البقاء للافضل أو الأكفأ ..
إلا فى مصر ، فتعثر منتج سلعة معينة يستلزم النواح والقاء التبعات على الحكومة التى لا تساعده وتمص - كما يقول - دمه ، ولا يرى دماء الشعب التى يمتصها هو ..
وفى وقت تعانى فيه كل الدول ، والتقارير الغربية تتوالى أن هناك مصانع تقفل أبوابها في بريطانيا وألمانيا وباقى دول أوربا بدون ضجة أو ولولة ..
وأن كثير من الصناعات تنقل مصانعها خارج القارة العجوز ..
وفى مصر ، لا يكف القطاع الخاص عن الصياح ، وفى نفس الوقت لا يريد أن يطور نفسه استعدادا لأوقات الأزمات ، وفى النهاية ليس أمامه إلا الحكومة والدولة يبكى على حجرها !!
فى صناعة الدواجن على سبيل المثال ، لم يسعى قادة هذه الصناعة والتجارة الكبار لتطوير صناعتهم ، بل ركنوا إلى الدعة والخمول ، وهم الآن يرفعون الاسعار يوميا وأحيانا أكثر من مرة فى اليوم الواحد !!
وقد حدث معى منذ يومين أن ذهبت لشراء فراخ ..
كانت الساعة الثامنة مساء تقريبا ، وكانت أغلب محلات الفراخ على وشك الاقفال ، وعندما سألت الباعة كم كان سعر الفراخ البيضاء اليوم أجابنى أحدهم ٧٧ للكيلو ، وأجاب آخر ٧٩ جنيه للكيلو !!
ولتأخرى في الذهاب وتشطيب أغلب المحلات لم أتمكن من الشراء مساء ذلك اليوم ..
صباح اليوم التالى ذهبت لشراء الفراخ ، فوجدت السعر قفز إلى ٨٤ جنيه للكيلو !!
وعندما سألت البائع : ماذا حدث فى سواد الليل حتى يقفز السعر ٥ جنيهات عند البعض و ٧ جنيهات عند آخرين ؟!
هل زاد الطلب بشدة أو انخفص المعروض فى ساعات الليل هذه ؟!
أجاب البائع باستهتار .. هو كده !
لم أتوقف طويلا أمام اجابه البائع ، وفكرت في المنتجين الكبار ..
ما الذى كان يمنعهم مثلا من زراعة الذرة الصفراء أو الأعلاف التى تحتاجها صناعتهم فى مصر ، بدلا من استيرادها من الخارج بأسعار مضاعفة ..
لماذا - كما كتب البعض - لا يقومون باستصلاح ١٠٠ أو ٢٠٠ ألف فدان ويزرعونهم علف بنوعيات محددة وتحت اشراف كليات الزراعة و العلوم في جامعات مصر ؟!
لماذا لا يوفرون لأنفسهم وبأنفسهم خامات ومدخلات صناعتهم بدلا من استيرادها ؟!
لقد قرأت في عدد الشهر الماضى من مجلة الأهرام الزراعى ، تقريرا مهما عن جهد الباحثين والعلماء المصريين فى التغلب على مشكلة اعلاف الدواجن ، وبه اقتراحات ممتازة وعملية وغير مكلفة لحل المشكلة من جذورها ..
ولكن .. كم صانع وكم تاجر قرأ هذا الكلام أو أهتم به ؟!
( ومجلة الأهرام الزراعى مجلة شهرية متخصصة في مجال الزراعة وما يرتبط بها من مجالات الأمن الغذائي ، وتصدر كل شهر ، وقد بدأت شراءها من شهرين ، مع ظهور مشاكل الغذاء فى مصر ، فقد كنت أريد صوت معتدلا أفهم منه الوضع بدون صراخ الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي ..
وهى - لمن يريد متابعتها - تتوجه للقارئ العادى وليس للمتخصص ، وبها معلومات مفيدة للغاية عن الزراعة والغذاء في مصر ، كما أن سعرها في متناول الجميع .. خمسة جنيهات للعدد )
أم لابد - كما ذكر البعض أيضا - من حوكمة القطاع كله ، وتسجيل كل المتعاملين فيه من أول المستوردين الى محل الفراخ في ناصية الشارع ، ولابد من بيانات ومعلومات حقيقية توضح أرباح القطاع وأمواله أين تذهب ، والأهم العلف أين يذهب ، ومن بالضبط الذى يقوم باخفاءه ؟!
ولماذا على الدولة فقط أن تتحرك ، أو على الشعب أن يرضى ، ولا يقومون هم بواجباتهم ؟!
على القطاع الخاص المصرى أن يكون - أولا - أكثر تحملا ، وأن يكون - ثانيا - أكثر أمانة ، وأن يعرف - ثالثا - أن جزءا من مشاكله يتحملها هو ..
ثم أن يفهم جيدا أن أسلوب المن على الشعب والدولة أو أسلوب التهديد غير مجدى ، فإذا أرادوا البقاء فى السوق أو فى مصر فليتفضلوا ، وإذا أرادوا ترك السوق أو ترك مصر كلها فليتفضلوا أيضا ، وسيدخل السوق منتجين غيرهم ، وهو من أسس النظام الرأسمالي الذى ينادون به ليل نهار المعروفة ، ولا تستدعى المن أو التهديد أو البكاء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله