الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة جنونية

دلور ميقري

2023 / 3 / 7
الادب والفن


المكر، المستمد من خلقه القرويّ، ساعده نوعاً ما في المدينة.
لقد ترك " زياد " قريته، المستلقية في دِعَة وسلام بين أحضان الأطلس الأوسط، حالماً بحياة أفضل في مكان آخر. ولم يكن هذا المكان سوى مدينة الصويرة، التي سبقه إليها أحد مواطنيه لكي يعمل على الأرصفة في بيع الهدايا التذكارية. عمل لبعض الوقت مع هذا الصديق، وأقاما معاً في حجرة مستأجرة بحيّ الملّاح.
سرعان ما ضجرَ من ذلك العمل، متحججاً بأنه قليل المردود: " نقضي النهار كله فوق الرصيف، وبالنتيجة أن نصفَ ربحنا يحصل عليه رجالُ الشرطة "، قال زياد لصديقه. بعد بضعة أيام، عاد ليخبره أنه سيمتهن التسوّل: " اهتديتُ إلى طريقةٍ لانتزاع المال من النصارى، لا تخطر ببال إبليس نفسه! "، قالها وعيناه تلمعان ببريق المكر والخبث.
النصارى ( أو الكَاوري باللهجة المحلية )، هم السيّاح الأوربيون. وكان الماكرُ يصطادهم في القلعة البحرية، التي تدعى أيضاً باللهجة المحلية، " السقالة ". الصويرة، حصلت على شهرتها في عالم السياحة بسبب هذا المكان، الذي يتيح للمرء رؤية الأمواج العاتية وهيَ تصطدم بعنف بالصخور السوداء، الكائنة مباشرةً تحت أقدام السقالة. كان ثمة كوى في سور القلعة، المشرف من علوٍ شاهق على الشاطئ. واعتاد السيّاح على الصعود إلى هذه الكوى، لكي يستمتعوا بالمنظر الفريد وسماع هدير الأمواج عند انكسارها على الصخور. وكان زياد يتقدم من السائح، المعتلي الكوة، فيمد يده طالباً الصدقة. وكانت عيناه تبرقان عندئذٍ بطريقةٍ، تجعلُ السائحَ يعتقد أنه أمام رجلٍ مجنون؛ فتمتلئ نفسه بالهلع، ويُسرع من ثم بإخراج قطع النقود من محفظته.
بعد نحو العام، كان زياد قد امتلك من المال بما يُمَكّنه من استئجار الدور الأرضيّ في منزل جميل بالقصبة، عائد لامرأة عجوز تعيش من معونة ابنها، المقيم في كندا. حال وصوله للمنزل مساءً، كان يطرح عنه أسماله ويستبدلها بثياب أنيقة، وذلك قبل توجهه إلى الحانة أو المقهى لملاقاة صديقه الوحيد. أحياناً، كان لا يحرم نفسه أيضاً من صحبة إحدى بنات الليل.
ذات يوم، كان زياد قد روّع للتو إحدى السائحات، لما فوجئ بفتاة تضع حجاباً على رأسها، تعتلي الكوة بقفزة واحدة. قفزتها الأخرى، حملتها إلى الهاوية مع صرخة يأس ثاقبة. بالصدفة، كان ثمة رجل أمن يقف عند مدخل الفناء؛ أين توجد تلك الكوى على شكل قوس. في غمرة الهَرَج، الذي أعقبَ سقوط الفتاة، إذا بتلك السائحة تشير بيدها إلى ناحية زياد: " هذا هوَ المجرم! "، قالتها بالفرنسية. عند ذلك اندفع رجل الأمن، ليقبض على المجرم المُفترض. بعد قليل، حضرت سيارة شرطة ونقلت زياد إلى قسم التحقيق ومن ثم إلى السجن الإحتياطيّ.
بضعة أيام على الأثر، ثم أطلق سراح المتهم. ذلك أن خيوط القضية سرعان ما انكشفت: الفتاة القتيل، كانت في يوم سابق قد حضرت جلسة المحكمة للفصل في موضوع طلاقها. لكن القاضي، اشترط للحكم بالطلاق أن يُعاد للزوج كامل الصداق ( المهر ). والد الفتاة، حملها عندئذٍ على القبول بالعودة إلى بيت رجلها. هددت أهلها من ثم بالإنتحار، لو أنهم أعادوها عنوةً إلى بيت الزوجية.
غبَّ إطلاق سراحه، قال زياد لصديقه أنه سيعود إلى القرية: " ما زال معي بعض المال، بما يكفي لشراء قطعة أرض مناسبة، أقوم بزراعتها والتعيّش منها ". عيناه، كان وميضهما قد خمدا عندئذٍ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي